بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الحمدُ لله يُجِيبُ المُضْطَـرَّ إذا دعاهُ، ويُغِيثُ المَلهُوفَ إذا ناداهُ، ويَـكْشِفُ السُّوءَ، ويُـفَـرِّجُ الكُرُبات لا تحيا القلوب إلا بذكره ولا يقع أمر إلا بإذنه ولا يُـتَخَلَّصُ مِنْ مَكْروهٍ إلا برحمتِهِ، ولا يُحْفَظُ شَيءٌ إلا بكلاءَتِه، ولا يُدْرَكُ مأمولٌ إلا بتَـيْسِيرِهِ، ولا تُنالُ سَعَادَةٌ إلا بطاعتِهِ.
وأَشْهَدُ أن لا إله إلاالله، وَحْدَهُ لا شريكَ له، رَبُّ العالمين، وإِلهُ المُرْسَلِـين، وقَـيُّومُ السَّماوات والأَرضين.
وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، المَبْعوثُ بالكتابِ المُبينِ، والصِّراطِ القَوِيم، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ عليه، وآله وصَحْبِه أجمعين.
أما بعد:
فهذه وصايا نافعة أُذَكِّـرُ بها بمُناسَبَـةِ مَخاوُفِ الـنَّـاسِ فـي هـذه الأيام مِـنَ الـوَباءِ المُسَمَّى: (كورونا).
1- ما يقال قبل نزول البلاء
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ قالَ: «بِسْمِ اللَّهِ الذى لا يَـضُرُّ مع اسْمِهِ شَىْءٌ فى الأرضِ ولا فى السَّماءِ وهُوَ السَّميعُ العَليمُ» ثلاثَ مَرَّاتٍ لمْ تُصِبْـهُ فَجْأَةُ بلاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، ومَنْ قالها حِينَ يُصْبِحُ ثلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبـهُ فَجْأَةُ بلاءٍ حَتَّى يُمْسِىَ ». [رواه أبو داود وغيره].
2- الإكثار من قولِ: «لاإله إلا أنت
سُبحانكَ إنِّي كُنتُ من الظالمين».
قال تعالى:{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88]
قال الحافظ ابنُ كثير رحمه الله عند قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} : «أي: إذا كانوا في الشدائد ودعونا منيبين إلينا، ولا سيَّما إذا دَعَوا بهذا الدعاءِ في حالَ البلاء».
ثمَّ أوردَ حديثًا عن النِّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «دعوةُ ذي النُّون إِذْ دَعا بها وهو في بَطْنِ الحُوتِ: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، لَم يَدْعُ بها رجل في شيء قط إلاَّ استجاب الله له». [أخرجه الإمام أحمد والترمذي].
قال العلامةُ ابنُ القـيِّم رحمه الله: «فما دُفِعَتْ شَدائِد الدُّنيا بِمثل التَّوْحِيد، ولذَلِك كان دُعاء الكَرْبِ بِالتَّوحِيـدِ، ودعوةُ ذِي النُّون التي ما دعا بها مَكْرُوب إِلَّا فَـرَّج الله كَـرْبَـهُ بِالتَّوْحِيدِ.
فلا يُلْـقِي في الكُـرَبِ العِظام إِلَّا الشِّرك، ولا يُنْجي مِنها إِلَّا التَّوْحِيد، فَهُوَ مَفْـزَعُ الخَلِيقةِ ومَلْجَؤُها وحِصْنُها وغِياثُها، وباللَّهِ التَّوْفِيق».
3- التعوذ من جهد البلاء
عن أبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: «كان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَـتَـعَـوَّذُ مِنْ جَهْدِ البلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وَسُوءِ القضاءِ، وشَماتَةِ الأَعدَاءِ».
وعن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الأعداءِ» [رواهما البخاري].
4- المحافظة على دعاء
الخروج من المنزل
عن أَنسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَـيْـتِـهِ فقالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، تَـوكَّلْتُ على اللَّهِ، لا حوْلَ ولا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ» -قال:- يُقالُ حِينَـئِـذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فتَـتَـنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِـينُ فَـيقُولُ لَهُ شيطانٌ آخَرُ: كَيفَ لك بِرَجُلٍ قَـدْ هُـدِيَ وكُـفِـيَ ووُقِـىَ». [رواه أبو داود].
5- سؤال الله العافية عند الصباح والمساء
عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: «لَمْ يَـكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هَؤُلاءِ الدَّعواتِ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العافِيَـةَ فـي الدُّنيا والآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ والعافِيَـةَ فـي دِيني ودُنْـيايَ وأَهْلِي ومالِي، اللَّهُمَّ اسْتُـرْ عَوْراتِي، وآمِنْ رَوْعاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِـي مِنْ بَـيْنِ يَدَيَّ، ومِنْ خَلْفِي، وعَنْ يَمِيـنِـي، وعَنْ شِمالِي، ومِنْ فَوْقِي، وأَعُوذُ بِعَظَمَـتِكَ أَنْ أُغْتالَ مِنْ تَحْتِـي». [رواه أحمد وغيره].
6- كَـثْـرَةُ الـدُّعَـاءِ
عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فُـتِـحَ له مِنـكُمْ بابُ الدُّعاءِ فُـتِحَتْ لـه أَبـوابُ الرَّحْمَةِ، وما سُئِـلَ اللَّهُ شَيْـئًا يعني أَحَبَّ إِليـهِ مِن أَنْ يُسْأَلَ العافِـيَـةَ».
وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدُّعاءَ يَـنْـفَعُ مِمَّا نَـزَلَ ومِمَّا لمْ يَـْزِلْ، فَـعَـلَـيكُم عِبادَ اللهِ بِالدُّعاءِ». [رواه الترمذي وغيره].
7- توقي المواضع التي بها الوباء
عن عبد الله بن عامر رضي الله عنهما: «أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه خَرجَ إلى الشامِ، فلمَّا كان بِسَرْغَ بَـلَغَهُ أنَّ الوباءَ قد وَقَعَ بالشامِ، فأخبـرَهُ عبدُ الرحمن بن عوف: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا سَمِعْـتُم به بأَرْضٍ فلا تَـقْدَمُوا عليه، وإذا وَقَعَ بأَرضٍ وأنتم بها، فلا تَخْرُجوا فِـرارًا منه». [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال «لا يُـورِدُ المُمْرِضُ على المُـصِحِّ». [رواه البخاري ومسلم].
8- صنائع المعروف وبذل الإحسان
عَنْ أَنسِ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المعرُوفُ إِلى النَّاسِ يَـقِي صاحِبَها مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ». [رواه الحاكم]
قال ابنُ القِّيم رحمه الله: «ومِنْ أَعْظَمِ عِلاجات المرضِ: فِعْلُ الخيرِ والإِحسان، والذِّكْـرُ، والدُّعاءُ، والتَّـضَرُّعُ، والابتهالُ إلى الله، والتَّوبةُ، ولهذه الأمور تأثيرٌ في دَفْعِ العِلَل، وحُصُولِ الشِّفاءِ؛ أعظمُ مِنَ الأدوية الطَّبِيعِيَّـةِ، ولكن بحَسَبِ استعدادِ النَّـفْس، وقَـبُولِها، وعَقِيدتها في ذلك ونفعِه».
9- قِـيَـاُم اللَّـيْـل
عن بِلالٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «عليكُمْ بِقيامِ اللَّـيْـلِ؛ فإِنَّـهُ دَأَبُ الصَّالِحينَ قَبْلَـكُمْ، وإِنَّ قِيامَ اللَّيلِ قُـرْبَـةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عنِ الإِثْمِ، وتكفِـيرٌ للسَّيِّـئاتِ، ومَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عنِ الجَسَدِ». [رواه الترمذي وغيره].
10- تغطية الإناء وإيكاء السقاء
عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «غَطُّوا الإِناءَ، وأَوكُـوا السِّقاءَ، فإِنَّ فى السَّنَـةِ لَـيْـلَـةً يَـنْزِلُ فيها وبـاءٌ؛ لا يَـمُـرُّ بِـإِناءٍ ليسَ عليـهِ غِطاءٌ، أو سِقـاءٍ ليس عليه وِكاءٌ إِلا نَـزَلَ فيه مِنْ ذلك الوَباءِ». [رواه مسلم].
قال ابن القيم رحمه الله: «وهذا مِمَّا لا تَنالُـهُ علومُ الأَطِبَّاء ومعارِفُهُم».
وخِتامًا فإنَّ على كُلِّ مسلمٍ أن يفوض أُموره إلى الله عز وجل، راجِيًا فضْلَه، وطامِعًا في نَوالِـهِ ومتوكِّلًا عليه، فالأمورُ كلُّها بيدِه وطَوْعَ تدبيره وتَسْخِـيره.
وأن يجتهدَ في تلقِّي ما يَحِلُّ به من المصائبِ بالصَّبر والاحتِساب، فإنَّ الله عز وجل وَعَدَ مَنْ صَبَـرَ واحتَسَبَ بالثَّواب والأجر الجزيل، فقال عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الطَّاعون، فقال: «إنَّه كان عذابًا يَـبْـعَـثُـهُ اللهُ على مَن يشاءُ، فجَعَلَهُ اللهُ رحمةً للمُؤمنينَ، فليس مِنْ عبدٍ يَـقَعُ الطاعون، فيَمْكُثُ في بلدِه صابرًا، يَعْلَمُ أنَّه لن يصيبَهُ إلا ما كَـتَبَ اللهُ له، إلا كان له مِثْلُ أَجْرِ الشَّهيدِ» [أخرجه البخاري].
وأسأل الله أن يوفقنا أجمعين لما يحبُّهُ ويرضاه من العمل الصالح والقول الجميل، فإنه يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والحمد لله وَحْدَه، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .