إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بين يدي السَّاعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً مُنيراً، فبلَّغ الرِّسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد: فيا عباد الله، لقد كان النَّاس يرتقبون شهر رمضان، يقولون: بقي عليه شهر أو شهران، فمن النَّاس من أدركه، ومن النَّاس من مات قبل إدراكه، ومن النَّاس من أدرك أوَّله ولم يدرك آخِره، ومن النَّاس من أدركه هذا العام ولا يُدركه في الأعوام السَّابقة، هذا هو الواقع، ولقد جاء شهر رمضان ثمَّ خلَّفناه وراء ظهورنا، وهكذا كُلُّ مُستقبَل يرتقبه الـمرء ثمَّ يمرُّ به ويخلِّفه وراءه حتَّى يأتيه الـموت، أيُّها النَّاس، لقد حلَّ بنا شهر رمضان ضيفاً كريماً، فأودعناه ما شاء الله من الأعمال الَّتي نرجو الله تعالى أن يتقبَّلها منَّا، ثمَّ فارقنا هذا الشَّهر الـمُبارك شاهداً لنا أو علينا بما أودعناه من الأعمال، ولقد فَرِحَ قومٌ بفراقه؛ لأنَّهم تخلَّصوا منه؛ تخلَّصوا من الصِّيام الذي يشقُّ عليهم، والأعمال الَّتي كانت ثقيلة عليهم، وفَرِحَ قومٌ آخرون بتمامه على وجهٍ آخِر؛ لأنَّهم تخلَّصوا به من الذُّنوب والآثام بما قاموا فيه من عمل صالح استحقوا به وعد الله بالـمغفرة: (فمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)[رواه البخاري]، (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)[رواه البخاري]، وإنَّ الفرق بين الفرحين لعظيم، إنَّ علامة الفرحين بفراقه: أن يعاودوا الـمعاصي بعده، فيتهاونوا بالواجبات، ويتجرَّؤوا على الـمُحرَّمات، وتظهر آثار ذلك في الـمُجتمعات، فَيَقِلُّ الـمُصلُّون في الـمساجد، وينقصون نقصاً ملحوظاً، ومن ضيَّع صلاته فهو لـِما سواها أضيع؛ لأنَّ الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والـمُنكر، أيُّها الإخوة الـمُسلمون، لا تظنُّوا أنَّه إذا انقضى شهر رمضان فقد انقطعت أيام العمل، لا، إنَّ العمل لا ينقضي إلَّا بالـموت؛ لأنَّ الله تعالى يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]، ويقول جلَّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، فلئن انقضى شهر الصِّيام وهو موسم عمل فإنَّ زمن العمل باقٍ لا ينقطع، والأعمال الصَّالحة باقية ولله الحمد، لا تزال مَشروعة على مدار السَّنة، فالصِّيام مشروع على وجه التَّطوع في غير رمضان، قال النَّبيُّ ﷺ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)[رواه مسلم]، وقد سَنَّ رسول الله ﷺ صيام الإثنين والخميس وقال: (تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)[رواه الترمذي]، و أوصى ﷺ ثلاثة من أصحابه أبا هريرة، وأبا ذرٍّ، وأبو الدَّرداء رضي الله عنهم أن يصوموا ثلاثة أيام من كُلِّ شهر وقال: (صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ)[رواه النسائي]، وحثَّ ﷺ على العمل الصَّالح في عشر ذي الحِجَّة ومنه الصِّيام، ورُوي عنه ﷺ أنَّه كان لا يدع صيامها [رواه النسائي]، وقال ﷺ في صوم يوم عرفة: يكفر سنتين ماضية ومستقبلة [رواه مسلم]، يعني: لغير الحاجّ، أمَّا الحاجّ فلا يصوم بعرفة، وقال ﷺ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ)[رواه مسلم]، وقال في صوم اليوم العاشر منه: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ)، وقالت أم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنها: {وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ – تعني تطوعاً – كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[رواه مسلم]، هكذا جاءت السُّنَّة بمشروعيَّة الصِّيام على مدار السَّنة، وهذا من فضل الله ورحمته، ولولا أنَّ الله شرع الصِّيام لكان الصِّيام بدعة، وكُلُّ بدعة ضلالة، ولكنَّ الله شرعه لعباده ليزدادوا إيماناً، وأعمالاً صالحةً، وثواباً جزيلاً، أمَّا القيام فإنَّه لا ينتهي أيضاً برمضان، فإنَّه لا يزال مشروعاً وفي كُلِّ ليلة من ليالي السَّنة (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ)[رواه مسلم]، وحثَّ النَّبيُّ ﷺ على قيام الليل ورغَّب فيه وقال: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ)[رواه مسلم]، وصحَّ عنه ﷺ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا ﵎ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟)[رواه مسلم]، هكذا ينزل الربُّ عزَّوجلَّ إلى السَّماء الدُّنيا على الوجه اللائق به من غير تمثيل ولا تكليف، لأن الله تعالى أعلم بنفسه ولم يُخبر بشيءٍ عن كيفيَّة صفاته، ونهانا أن نضرب له الأمثال، يقول جل وعلا إذا نزل في آخر الليل يقول: (مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟) يعني: أيُّ إنسان يدعوني فأنا أستجيب له، (وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟) أي: من يسألني أيَّ مسألة كانت فيعطه، إلَّا إنَّ النُّصوص جاءت باستثناء ما كان فيه الإثم فإنَّ الله تعالى لا يقبل دعاء من هو آثم، أي:من سأل إثماً، ويقول: (وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟) أي: من يطلب مني أن أغفر له ذنوبه فإنِّي أغفر له، هكذا يَعرض الجواد الكريم فضله وجوده يقول هذا القول، فمن كان منكم حازماً فلينتهز الفرصة، أيُّها الـمسلمون، اتَّقوا الله تعالى، وبادروا الأعمار بالأعمال، وحقُّقوا الأقوال بالأفعال، فإنَّ حقيقة عُمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله، والإنسان في عمره يكون على ثلاثة وجوه، الوجه الأوَّل: أن يمضيه في طاعة الله فهذا هو الكاسب، لقول الله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر]، الوجه الثَّاني: أن يُمضيه في معصية الله، إمَّا بترك الواجبات أو بفعل الـمُحرَّمات وهذا هو الخاسر الآثم، فعليه أن يُقلع عمَّا هو عليه، وأن يتوب إلى الله عزَّوجلَّ، وأن ينتهز الفرصة قبل فوات الأوان، أمَّا الوجه الثَّالث: فالذي يُمضيه لا في طاعة الله ولا في معصية الله ولكن في اللغو واللهو الذي لا فائدة منه وهذا بلا شكٍّ قد خسر، ولكنَّه ليس بآثم إلَّا أن يترتب على ذلك محذور شرعيّ، أيُّها النَّاس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، واعملوا لآخرتكم قبل أن تنتقلوا، ولقد يسَّر الله لكم سُبُل الخيرات، وفتح لكم أبوابها، ودعاكم لدخولها، فالصَّلوات الخمس آكد أركان الإسلام بعد الشَّهادتين هي خمسٌ في الفعل وخمسون في الـميزان [رواه البخاري]، من أقامها كانت له نوراً ونجاةً يوم القيامة [رواه مسلم]، شرعها الله لكم خمس صلوات في كُلِّ يوم وليلة في أوقات متفرِّقة؛ حتَّى لا يلحقكم التَّعب؛ وحتَّى لا تبتعدوا عن الوقوف بين يدي الله عزَّوجلَّ، وأكملها الله تعالى بالرَّواتب التَّابعة لها؛ لأنَّ الإنسان ربما بل وهو الكثير ربَّما يحصل في عمله خلل فكمَّلها الله تعالى بالرَّواتب التَّابعة لها، وهي اثنتي عشر ركعة، أربع قبل الظُّهر بسلامين وركعتان بعدها، وركعتان بعد الـمغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، من صلاهنَّ بنى الله له بيتًا في الجنَّة [رواه مسلم]، وآكد هذه الرَّواتب راتبة الفجر؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يُداوم عليها حَضراً وسفراً، وقال: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)[رواه مسلم]، ويُسنُّ تخفيفهما [رواه البخاري]، مع الطمأنينة، وأن يقرأ في الرَّكعة الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) بعد الفاتحة، وفي الثَّانية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بعد الفاتحة، أو يقرأ قوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) في سورة البقرة في الرَّكعة الأولى، وأن يقرأ في الثَّانية: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران: 64]، يقرأ هذا مرَّة وهذا مرَّة؛ ليحافظ على السُّنَّة الواردة عن النَّبيِّ ﷺ، وإذا كان غير حافظٍ للقرآن وداوم على (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فلا حرج؛ لأنَّ الكُلَّ سنَّة ولله الحمد، والوتر سُنَّة مؤكدة سَنَّه رسول ﷺ بقوله وفعله، وقال: (مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ)[رواه مسلم]، ووقته: من صلاة العشاء ولو مجموعة إلى الـمغرب جمع تقديم، إلى طلوع الفجر، وهو سُنَّة مؤكَّدة لا ينبغي للإنسان تركه، حتَّى قال بعض العلماء: إنَّ الوتر واجب يأثم الإنسان بتركه، وقال الإمام أحمد رحمه الله: {مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ}[ ينظر: مسائل صالح (1/ 267)، زاد المسافر (2/ 229)]، وأقلُّ الوتر: ركعة، وأكثره: إحدى عشر ركعة، كُلُّ ركعتين بسلام، ووقته: من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر، ومن فاته في الليل قضاه في النَّهار، ولكن يقضيه شفعاً ولا يقضيه وتراً، هكذا جاء الحديث عن رسول الله ﷺ، ففي صحيح مسلم عن أم الـمؤمنين عائشة رضي الله عنها: {أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً}، فإذا كان من عادتك أن توتر بثلاث ولكنَّك لم توتر فإنَّك تقضيها في النَّهار أربعًا، وإذا كان من عادتك أن توتر بخمس فإنَّك تقضيها ستَّة، وإذا كان من عادتك أن توتر بسبع فإنَّك تقضيها ثمانية، وإذا كان من عادتك أن توتر بتسع فإنَّك تقضيها عشرة، وإذا كان من عادتك أن توتر بإحدى عشرة فإنَّك تقضيها اثنتي عشرة، كما فعل النَّبيُّ ﷺ، أيُّها الإخوة الـمسلمون: إنَّ الإنسان إذا انصرف من صلاته فإنَّ الله تعالى أمره أن يذكر الله تعالى قائماً وقاعداً وعلى جنب، قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) [النساء: 103]، وذلك أنَّ الإنسان في صلاته مُتَّصل بربه يُناجيه ويدعوه ويُعظِّمه بالقول وبالفعل، فإذا انصرف من الصَّلاة انصرف من هذه الصِّلة، لكن الله أمر بالذِّكر؛ حتَّى لا يكون الإنسان بعيداً من ربه، وكان النَّبيُّ ﷺ إذا سلَّم استغفرَ ثلاثاً وقال: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[رواه مسلم]، وقال النَّبيُّ ﷺ: (مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)[رواه مسلم]، ولقد شرع الله لعباده إذا أرادوا الصَّلاة أن يتطهَّروا؛ حتَّى يُطهِّروا ظاهرهم، ويكون ذلك عنواناً على طهارة الباطن، فمن توضأ فأسبغ الوضوء ثمَّ قال: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ)[رواه الترمذي]، أمَّا النَّفقات، والزَّكوات، والصَّدقات، والـمصروفات على الأهل والأولاد حتَّى على نفس الإنسان فإنَّه ما من مؤمن يُنفق نفقة يبتغي بها وجه الله إلَّا أثيب عليها، و(إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا)[رواه مسلم]، وقال النَّبيُّ ﷺ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ)[رواه مسلم]، والسَّاعي عليهم: هو الذي يسعى بطلب رزقهم ويقوم بحاجتهم ويربِّيهم التَّربية الصَّحيحة، والعائلة الصِّغار والضعفاء الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم من الـمساكين، فالسَّعي عليهم كالجهاد في سبيل الله، أيُّها الـمسلمون: إنَّ طرق الخير كثيرة فأين السَّالكون؟، وإنَّ أبوابها لـمفتوحة فأين الدَّاخلون؟، وإنَّ الحقَّ لواضح لا يزيغ عنه إلَّا الهالكون، فخذوا عبادة الله من كُلِّ طاعة بنصيب، فإنَّ الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77] ، يا عباد الله : قد كان للقرار الصَّادر من مجلس الوزراء في خمسة وعشرين من شهر رمضان حول الدشوش، كان له أثر طيِّب في قلوب عباد الله الـمخلصين الذين يريدون كفَّ الفساد عن هذه البلاد، وإنَّه لواجب علينا أن نتعاون تعاوناً وثيقاً مع الحكومة، في هذا القرار الذي أصدرته فإذا وجدنا أحداً مُنتهكاً لهذا القرار ببيع هذه الدشوش أو استيرادها فإنَّ الواجب علينا أولاً: نصحه بالَّتي هي أحسن، وبيان أنَّ ذلك سبب لاثمه لأمرين: أوَّلاً: أنَّ فيه إعانة على الباطل والـمحرَّم، وثانياً: أنَّ فيه مُخالفة لأمر وليِّ الأمر، ومن الـمعلوم أنَّ الله أوجب علينا طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله، فإذا لم ينتهِ فإنَّ الواجب علينا أن نبلِّغ الـمسؤولين عنه حتَّى يُطبِّقوا عليه العقوبة الَّتي أقلُّها مائة ألفٍ، مع مصادرة ما استورده أو استصنعه؛ حتَّى نكون مع ولاة أمورنا في الخير؛ وحتَّى نكون مُتعاونين على البرِّ والتَّقوى؛ وحتَّى ينشط ولاة الأمور على مثل هذه القرارات الَّتي فيها دفع الشرِّ وجلب الخير، وإنَّها لخطوة مباركة نرجو الله سبحانه وتعالى أن يزيدهم خيراً منها حتَّى يمتنع الشرُّ أو يقل، أيُّها الإخوة: إنَّ النَّبيَّ ﷺ قال في الـمؤمنين: إنَّهم كمثل الجسد الواحد، ومن معلوم أنَّ الجسد إذا تأذى منه عضو تأذى سائر الجسد، فإذا وجدت جراثيم الشرِّ في أحدٍ منَّا فإنَّ هذه الجرثومة سوف تتعدَّى إلى ثانٍ وثالث ورابع، وربما تنتشر في الأمَّة جمعاء، ولكنَّنا إذا حاولنا القضاء عليها مُستعينين بالله مُتوكِّلين على الله، راجين ثواب الله، فإنَّ الشرور سوف تقلُّ، فعليكم أيُّها الإخوة أن تتابعوا هذا الأمر، وأن تفعلوا ما أشرنا إليه من نُصح مَنْ تلبَّس به، ثمَّ رفعه إلى ولاة الأمور ليُطبِّقوا عليه ذلك النِّظام وذلك القرار الذي صدر، وهذا يدلُّنا على أنَّ الحكومة ولله الحمد فيها وعي فيه خير، فلابدَّ أن نُنَاصحها بالقول أو بالكتابة، والنُّصح بالقول ليس معناه أن نقوم على الـمنابر فنسبّ الحكومة أو نسبّ وزرائها، ولكن النُّصح بالقول: أن نتَّصل بهم مباشرة إن أمكن وإلَّا فبواسطة؛ حتَّى نكون مُتعاونين على البرِّ ناصحين غير فاضحين، أيُّها الإخوة الـمُسلمون: وهكذا جميع الشُّرور، وهكذا جميع الـمُنكرات، يجب علينا أن نتعاون جميعاً على درئها والقضاء عليها، فإنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران]، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد ﷺ، وشرّ الأمور مُحدثاتها، وكلُّ محدثة في دين الله بدعة، وكلُّ بدعة ضلاله، فعليكم بالجماعة؛ وهي الاجتماع على دين الله من غير تفرُّق فيه فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النَّار، واعلموا أنَّ الله تعالى أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، فأكثروا من الصَّلاة والسَّلام على نبيكم محمَّد ﷺ تحصل لكم ثلاث فوائد عظيمة، الفائدة الأولى: امتثال أمر الله عزَّوجلَّ والخير كُلُّه في امتثال أمر الله، والفائدة الثَّانية: قضاء بعض حقوق النَّبيِّ ﷺ، فإنَّ حقوق النَّبيِّ ﷺ أعظم من حقوق أيِّ بشر عليكم، والفائدة الثَّالثة: الأجر العظيم لكم، فإنَّ من صلَّ على محمَّد ﷺ مرَّة واحدة صلَّى الله عليه بها عشرًا، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمَّد، اللهم ارزقنا محبَّته واتِّباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفَّنا على ملَّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنَّات النَّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النَّبيِّين، والصِّديقين، والشُّهداء والصَّالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، أفضل أتباع الـمرسلين، اللهم ارضَ عن الصَّحابة أجمعين، وعن التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين، اللهم ارضَ عنا كما رضيت عنهم، واجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدِّين يا ربَّ العالـمين، اللهم أعزَّ الإسلام والـمسلمين وأذلَّ الشِّرك والـمشركين، ودمِّر أعداء الدِّين، من اليهود، والنَّصارى، والـمشركين، والوثنيين، والـملحدين، والـمنافقين يا ربَّ العالـمين، اللهم إنا نسألك أن تصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصلح للـمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم من كان من ولاتهم مستقيماً على دين الله، ناصحاً لعباد الله، فثبِّته على ذلك وزده من فضلك وأيده، ومن كان على خلاف ذلك فاهده إلى الحق أو أبدلهم بخير منه يا ربَّ العالـمين، اللهم أصلح لولاة أمور الـمسلمين بطانتهم، اللهم اجعل بطانتهم بطانة خير لا بطانة سوء يا ربَّ العالـمين، اللهم من كان من بطانتهم بطانة سوء فابعده عنهم، وأبدلهم بخير منه إنَّك على كُلِّ شيء قدير، اللهم انصر الـمجاهدين في سبيلك في كلِّ مكان، اللهم انصر إخواننا الـمسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اغفر لـموتاهم، اللهم كن لنسائهم وأراملهم يا ربَّ العالـمين، اللهم اغفر لـموتاهم يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك أن تمنحهم رقاب أعدائهم، اللهم امنحهم رقاب أعدائهم، وأورثهم ديارهم وأموالهم إنَّك على كلِّ شيء قدير، اللهم انصر الـمجاهدين في سبيلك في كلِّ مكان، إنَّك على كل شيء قدير، وأنت القوي العزيز، عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)[النحل]، واذكروا الله العظيم العزيز الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون .