الفوائد المنتقاة من كتاب فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها – الشيخ الدكتور غالب بن علي عواجي – رحمه الله –

الفوائد المنتقاة :

ولا تزال تمر بالمسلمين الأخطار متلاحقة يتبع بعضها بعضاً : فإن دراسة الفرق ومعرفة الأخطار التي تجلبها على المسلمين من أهم ما ينبغي أن يهتم به عامة المسلمين، فضلاً عن طلاب العلم والدعاة إلى الله تعالى، وقد كان الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه يسأل رسول الله ﷺ عن الشر؛ بينما طبيعة الإنسان هي السؤال عن الخير، وقد بيَّن سبب ذلك بقوله: (كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الخير وكنت أساله عن الشر؛ مخافة أن يدركني) ، ولقد مرت بالمسلمين ولا تزال تمر بهم الأخطار متلاحقة يتبع بعضها بعضاً بعد أن تكالب الأعداء على مختلف اتجاهاتهم، ووقفوا صفاً واحداً متناسين ما بينهم من عداوات واختلاف في العقائد لحرب المسلمين وفتنتهم عن دينهم الحنيف، في الوقت الذي غفل فيه المسلمون عن واقعهم وركن كثير منهم إلى أعدائهم أعداء عقيدتهم – فنفر بعضهم عن البعض الآخر بسبب تلك المؤامرات الخفية والظاهرة، وما تبعها من اختلاف المسلمين في الموالاة والأهواء (ج1ص5).

الرد على شبهة : نجيب هنا عن شبهة لكثير من الناس ربما يرددها بعضهم منخدعاً بحسن نية، والبعض الآخر يرددها بنية سيئة، وهي: لماذا نشغل أنفسنا بدراسة فرق انتهت، وربما لم يعد لها ذكر على الألسنة، وقد رد العلماء عليها قديماً وحديثاً وانتهى الأمر؟.
والجواب: إن هذا التساؤل قد انطوى على مغالطات خفية ونية سيئة، أو جهل شنيع، وذلك: أولاً: إن هذه الفرق وإن كانت قديمة فليست العبرة بأشخاص مؤسسي تلك الفرق ولا بزمنهم، ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق في وقتنا الحاضر، فإننا إذا نظرنا إلى فرقة من تلك الفرق الماضية نجد أن لها امتداداً يسري في الأمة سريان الوباء، وأقرب مثال على ذلك فرقة المعتزلة، أليست أفكارهم لا تزال حية قوية يتشدق بها بعض المغرضين من الذين استهوتهم الحضارة الغريبة أو الشرقية، فراحوا يمجدون العقل ويحكمونه في كل الأمور، ويصفون من يعتمد على ما وراء ذلك بالتأخر والانزواء، إنهم يريدون الخروج عن النهج الإسلامي ولكنهم لم يجرءوا صراحة على ذلك، فوجدوا أن التستر وراء تلك الآراء التي قال بها من ينتسب إلى الإسلام خير وسيلة لتحقيق ذلك، فذهبوا إلى تمجيد تلك الأفكار لتحقيق أهدافهم البعيدة، ثانياً: مما هو معلوم أن كل الأفكار والآراء التي سبقت لها أتباع ينادون بتطبيقها، فالنزعة الخارجية وتنطع أهلها في الدين، واستحلال دماء المسلمين لأقل شبهة، وتكفيرهم الشخص بأدنى ذنب قائمة الآن في كثير من المجتمعات الإسلامية على أشدها، موهمين الشباب ومن قلت معرفته بالدين أن الدين هو هذا المسلك فقط، كذلك نرى الصوفية وقد اقتطعت من المسلمين أعداداً كثيرة، مثقفين وغير مثقفين، جرفهم تيار التصوف الخرافي فراحوا ينادون بالجهل والخرافات، واتباع المنامات، وتحضير الأرواح، ومعرفة المغيبات، وتعظيم الأشخاص والغلو فيهم، وغير ذلك من مسالك الصوفية التي سندرسها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا، فدراستنا هذه وإن كانت في ظاهرها دراسة للماضي، ومراجعة للتاريخ لفرق المبتدعة الذين جنوا على ماضي المسلمين إلا أنها دراسة حاضرة كذلك من حيث أنها تكشف جذور البلاء الذي شتت قوى المسلمين وفرقهم شيعاً، وجعل بأسهم بينهم شديداً، بل هي نور يضيء لشبابنا طريقه وسط هذا الظلام الفكري المفتعل، الذي لا يخدم إلا أعداء الإسلام وشانئيه بتوجيه الأنظار إلى تلك الفرق التي تعمل في الظلام لنشر أفكارها، وفرض مخططاتها المعادية للإسلام، ثالثاً: إن دراسة الفرق والدعوة إلى الاجتماع واتحاد كلمة المسلمين فيه تكثير لعدد الفرقة الناجية بانضمام أولئك الخارجين عن الحق ووقوفهم إلى جانب إخوانهم أهل الفرقة الناجية؛ فيكثر عددهم فيصح فيهم ما أخبر به الرسول ﷺ من قيام فرقة من المسلمين: (ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك) (أخرجه الترمذي) وتركنا لدراسة الفرق يفوت علينا هذا الخير العظيم، رابعاً: أضف إلى ذلك أن ترك الناس دون دعوة إلى التمسك بالدين الصحيح، ودون بيان أضرار الفرق المخالفة، فيه إبطال لما فرضه الشرع من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الفرق التي ظهرت، ما من فرقة منها إلا وقد قامت مبادئها على كثير من المنكرات، وهي تدعي أنها هي المحقة وما عداها على الضلال، فألبسوا الحق بالباطل، وأظهروا مروقهم وخروجهم وفجورهم عن منهج الكتاب والسنة في أثواب براقة لترويج بدعهم، والدعوة لها، خامساً: إن عدم دراسة الفرق والرد عليها وإبطال الأفكار المخالفة للحق، فيه إفساح المجال للفرق المبتدعة أن تفعل ما تريد، وأن تدعو إلى كل ما تريد من بدع وخرافات دون أن تجد من يتصدى لها بالدراسة والنقد كما هو الواقع؛ فإن كثيراً من طلاب العلم فضلاً عن عوام المسلمين يجهلون أفكار فرق يموج بها العالم، وهي تعمل ليلاً ونهاراً لنشر باطلهم، ولعل هذه الغفلة من المسلمين عن التوجه لكشف هذه الفرق المارقة لعله من تخطيط أولئك المارقين الذين نجحوا في حجب الأنظار عنهم وعن مخططاتهم الإجرامية، ولا أدل على ذلك من أنك تجد بعض الأفكار وبعض العبارات يرددها كثير من المسلمين دون أن يعرفوا أن مصدرها إما من المعتزلة (مثل تقديس المعتزلة للعقل، وجعله هو الحكم الفاصل في كل قضية، وتقديمه على النصوص) ، أو من الصوفية (مثل إطلاق لفظ العشق على الله أو الرسول ﷺ، كقولهم (عاشق النبي يصلي عليه)، أو البهائية (مثل تقديس العدد 19) ، أو القاديانية (مثل تأويل آيات القرآن بالهوى) ، أو الخوارج (مثل تكفير المجتمعات الإسلامية) ، أو الشيعة (مثل بغضهم الصحابة، ومثل انتظار محمد بن الحسن العسكري، ومثل المبالغة في حب الحسين، الخ …) ، وإلى غير ذلك.
ومن المعلوم أن ذلك إنما يعود إلى الجهل بأفكار هذه الطوائف
(ج1ص5).

هذا هو الميزان الذي ينبغي أن نزن به كل قول ومعتقد مهما كان مصدره : فإن وحينما تفرق المسلمون أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون، زعمت كل فرقة أنها هي الناجية، وما عداها هالك، حتى التبس الأمر على كثير من المسلمين فلم يُهتدَ إلى الفرقة الناجية بسبب تلك المزاعم، ولا ينبغي أن نأبه لتلك المزاعم، بل نعرض كل ما نسمع على كتاب الله وسنة نبيه، فما وافقهما فهو الحق، وما خالفهما عرفنا أنه باطل وهذا هو الميزان الذي ينبغي أن نزن به كل قول ومعتقد مهما كان مصدره كما هو حال أهل السنة في عرضهم للأقوال والمعتقدات على كتاب الله وسنة رسولهﷺ ، وهو توفيق من الله لهم، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق إلى أن تقوم القيامة (ج1ص37).

قراءة الكتاب :

{الفصل الأول : الهدف من دراسة الفرق}
الفصل الثاني : أهمية دراسة الفرق ورد شبهة من يريد عدم دراستها .
الفصل الثالث : النهي عن التفرق من الكتاب والسنة .
الفصل الرابع – {حصر الفرق في العدد المذكور في حديث الافتراق}
  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 504
  • مشاركة :

الفوائد المنتقاة من كتاب القطوف الجياد من حكم وأحكام الجهاد – الشيخ د. عبدالرزاق البدر

ولا ينبغي لطلبة العلم أن يأخذوا مسألة الجهاد بغير الأناة : ولا ينبغي لطلبة العلم أن يأخذوا مسألة الجهاد أو غيرها من المسائل الدينية، بغير الأناة والتؤدة والبصيرة، بل الواجب في هذه المسائل الروية والسؤال، ومعرفة الحق فيها قبل الإقدام على أي أمر منها؛ ليبنى العمل على الهدي القويم والقصد السليم؛ وبذلك ينال العبد رضا الله -عز وجل-، ويكون من المهتدين المتبعين لسنة رسول اللہ ﷺ (ص : 3 ) .

المعنى الشرعي للجهاد : من أحسن العبارات الواردة في معنى الجهاد شرعاً قول شيخ الإسلام ابن تيمية  – رحمه الله -: «والجهاد: هو بذل الوسع ـ وهو القدرة ـ في حصول محبوب الحق ودفع ما يكرهه» (مجموع الفتاوى (10\192-193) ، وقوله أيضاً: «وذلك لأن الجهاد حقيقته: الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان» (مجموع الفتاوى (10\193) ، ويعلم من كلام شيخ الإسلام أن الجهاد في المفهوم الشرعي : اسم جامع لسلوك كل سبب، ووسيلة لتحقيق ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأفعال والأقوال والاعتقادات، ولدفع ما يكرهه الله سبحانه ويبغضه من الأفعال والأقوال والاعتقادات (ص:5).

أنواع الجهاد ومراتبه : عندما يطلق لفظ الجهاد يتبادر إلى أذهان كثير من الناس أنه القتال في سبيل الله، أي: بذل الوسع واستفراغ الطاقة في قتال الكفار، والواقع أن هذا نوع من أنواع الجهاد، ومرتبة من مراتبه؛ إذ مفهوم الجهاد في الشرع أعم وأشمل من هذا بكثير، فللجهاد أنواع مختلفة ومراتب متفاوتة بينها أهل العلم أخذاً من نصوص الشرع المطهر ، ومن أحسن ما وقفت عليه في بيان أنواع الجهاد ومراتبه كلام العلامة المحقق ابن قيم الجوزية –رحمه الله – في كتابه زاد المعاد، حيث قال: «الجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار والمنافقين، وجهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات» (زاد المعاد 3/10)(ص6).

مراتب جهاد النفس الذي هو نوع من أنواع الجهاد للإمام ابن القيم – رحمه اللّه – : فَجِهَادُ النَّفْسِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ أَيْضًا: إِحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إِلَّا بِهِ، وَمَتَى فَاتَهَا عِلْمُهُ شَقِيَتْ فِي الدَّارَيْنِ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا، الثَّالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، الرَّابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَأَذَى الْخَلْقِ، وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ، فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى رَبَّانِيًّا حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ، فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلَّمَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ (زاد المعاد (3/10)

  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 755
  • مشاركة :

لا يقبلها أو ينكر شيئاً من أخبار رسول اللہ ﷺ فاتهمه على الإسلام – الشيخ د. ربيع المدخلي

  • قال الإمام البربهاري – رحمه الله : وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار، ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبـار رسول اللہ ﷺ، فاتهمه على الإسلام، فإنه رجل رديء القول والمذهب، وإنما طعن على رسول اللہ ﷺ، وعلى أصحابه؛ لأنه إنما عرفنـا الله، وعرفنـا رسـول الله ﷺ وعرفنا القرآن، وعرفنا الخير والشر، والدنيا والآخرة، بالآثار.

– قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي معلقًا : يقول: (وإذا سمعت الرجل يطعن في الآثار ولا يقبلها) أحاديث الرسول عليه الصلاة والسّلام، وأقوال الصحابة، إجماعهم، وما شاكل ذلك، وأقوالهم التي تنسجم مع الكتاب والسنة.

(ولا يقبلها أو ينكر شيئاً من أخبار رسول اللہ ﷺ فاتهمه على الإسلام) يعني هذا كان يحصل من الجهمية، ومن المعتزلة، ومن المرجئة، ومن الخوارج، ومن غيرهم من أهل البدع، كان يحصل منهم، فهؤلاء متهمون في الإسلام، الروافض وغيرهم، ثم في الأخير شاركهم الأشعرية، يردون كثيراً من الأخبار، ويقولون هذه أخبار آحاد، في باب العقائد، يعني باب العقائد عندهم في الغيبيات ما يقبل إلا الأدلة القطعية، إما من الكتاب وإما من السنة المتواترة، لابد في العقائد أن تكون الأحاديث قطعية الثبوت يعني متواترة، قطعية الدلالة يعني نصوص واضحة لا تحتمل شيئاً، فردوا كثيراً من النصوص بحجة أنها أخبار آحاد، وأخبار الآحاد تفيد الظن عندهم، ويقولون في الآيات القرآنية والأحاديث المتواترة إنها وإن كانت قطعية الثبوت فإنها ظنية الدلالة.

ومن أسلحتهم: المجاز، ومن أسلحتهم: التأويلات الباطلة التي هي في الواقع تحريفات لنصوص الكتاب والسنة، فهؤلاء لا شك أنهم أهل بدع، وأهل أهواء، وقد يندس في أوساط أهل البدع منافقون، وزنادقة يحاربون الله ورسوله، ولكن يتسترون بالإسلام، هذا يحصل، هذا الدس خاصة في الروافض، يندس فيهم منافقون وزنادقة، فيردون نصوص القرآن، ويردون نصوص السنة، وأغلب ما يردون به هي التأويلات ثم دعوى أن الأخبار آحاد، يعني ما تفيد إلا الظن ! ، والعقائد ما تثبت بالظنون ! ، ولابد في العقائد من أدلة قطعية ! ، قطعية الثبوت قطعية الدلالة ! ، ثم تجرهم هذه القواعد الخبيثة إلى رد الآيات وتحريفها وتأويلها، فيأتون إلى آيات الصفات مثلاً فيتأولونها، يقولون في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5]، يعني: استولى! يقولون: استوى ما هو نص هذا مجاز! هذا استوى بمعنى استولى!

قـد اسـتـوى بشـر عـلـى العـراق  مـن غيـر سيـف ودم مهــــراق

فاستوى بمعنى استولى! تأويل ومجاز ، قال شيخ الإسلام رحمه الله(مجموع الفتاوى” (6/ ٢٩٧)):

قبحًا لمن نبذ الكتـاب وراءه     وإذا استدلّ يقول قال الأخطل

يقولون في اليدين: اليد بمعنى القدرة! كيف؟ لأنه لا يليق بالله تبارك وتعالى أن يكون له يدين! ، لأنا إذا أثبتنا لله يدين شبهناه بالمخلوقين! وجعلنا له جوارح! وجعلنا له أدوات! إلى آخر التأويلات الباطلة. 

تأتي الأحاديث في اليدين يتأولونها، تأتي الآيات يتأولونها، مثلاً القرآن يأتي يثبت اليدين، يقولون: لا نأخذه على ظاهره؛ لأن العقل يأبى هذا، وإذا أثبتنا هذا أيضاً نكون مجسمة، وشبهنا الله بالمخلوق، إلى آخره، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً . 

نقول لهم: إن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: ۱۱]، فنفی عن نفسه المماثلة والمشابهة وأثبت لنفسه الصفات اللائقة به، وهو كونه يسمع ويبصر ، فسمعه وبصره نؤمن به، ونثبته على أساس أنه: ليس كمثله شيء، له سمع لايشبه سمع المخلوقين، له بصر لا يشبه بصر المخلوقين، له استواء لا يشبه استواء المخلوقين، له عينان لا تشبه عيني المخلوقين، الصفات التي وردت في الكتاب و السنة نؤمن بها، ونثبتها على أساس الإيمان بها، وعلى أساس تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين ، فهؤلاء الذين يردون الآثار عندهم هذه التأويلات إما مجاز وإما أخبار آحاد، وعطلوا بها هذه الصفات، وأخذوا بعض النصوص المتشابهة، مثل قوله: «ليس كمثله شيء» أخذوا منه سلاحاً لتعطيل الصفات كلها أو معظمها ، الله قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، ثم قال بعدها: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، أين عقلك؟ ، فلو كان يريد نفي الصفات عن ذاته لما قال (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، فلما قاله أرشدنا إلى أننا يجب علينا أن نؤمن بصفاته ولكن مع تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فنثبت السمع والبصر على أساس أنه ليس كمثل المخلوقين في السمع والبصر، ونثبت الاستواء على أنه ليس كاستواء المخلوقين لأنه ليس كمثله شيء سبحانه وتعالى، نثبت العلم، والإرادة، والقدرة، والنزول، والمجيئ، والوجه، واليدين، إلى آخر الصفات التي أثبتها الله في كتابه وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسّلام، على أساس (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) نؤمن ونثبت لله هذا المعنى، وندين الله بأنه حق، لكن على أساس نفي مشابهة الله تبارك وتعالى للمخلوقين، فسمعه لا يشبه سمع المخلوقين، بصره لا يشبه بصر المخلوقين، يداه لا تشبه يدي المخلوقين، نزوله، مجيئه، إلى أخر صفاته الواردة في الكتاب والسنة، على أساس (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، فلا يشبهه شيء من مخلوقاته.

وأما أن نأخذ من (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) منطلقاً لتعطيل صفاته، فهذا من الكذب على الله؛ لأن الله تبارك وتعالى قد ملأ القرآن بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، ولو أراد نفيها ما أثبت شيئاً منها.

نأتي إلى صفة الرحمة، كم ذكرها الله في القرآن؟ ، ذكرها أكثر من خمسمائة مرة، مؤكدة، ومكررة، وعند هؤلاء المعطلة من المعتزلة والأشعرية وغيرهم، عندهم في اللغة: التكرار يرفع احتمال المجاز والتأكيد يرفع احتمال المجاز، طيب التكرار والتأكيد موجودان في كل صفات الله عزوجل خاصة هذه صفة الرحمة، مذكورة في القرآن أكثر من خمسمائة مرة، هم يتأولونها، يتأولون صفة الرحمة، لماذا؟ ، الرحمة عندهم هي إرادة الإحسان! إرادة الإحسان لأن الله منزه عن الرحمة! ، لأن الرحمة ضعف!، وهذا غير صحيح، فالرحمة لا تصدر إلا من القوي، لا من الضعيف العاجز.

الله يقول: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف: 156] ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: ٢] ،  (وَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ) في سورة البقرة، ومروا إلى آل عمران وغيرها، وغيرها، خمسمائة مرة، يعني وصف الله تبارك وتعالى نفسه بالرحمة، تکرار وتأكيد، أين قواعدكم في اللغة؟ ، إن التكرار يرفع احتمال المجاز، وإن التأكيد يرفع احتمال المجاز، أين قواعدكم الآن؟ ، لا تؤمنون بما كان عليه الرسول وأصحابه، والقواعد التي تسلمون بها لا تسلمون بها في أسماء الله وصفاته، العبد المخلوق الذي يحتمل كلامه الكذب إذا كرر عندكم يرتفع احتمال المجاز، وكلام الله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء: ١٢٢] يريد أن يثبت لكم حقيقة، وأنه موصوف بالرحمة، ويؤكد لكم أكثر من خمسمائة مرة، ثم تأكيده وتكراره هذا لا ترفعون به رأساً؟ ، أي هوئ هذا؟ ، فالشاهد: أن هؤلاء المبتدعة -قبل كل شيء- يحاربون سنة رسول الله خاصة في باب العقائد، في إثبات صفات الله، في عذاب القبر، كالمعتزلة والخوارج، في الشفاعة، في الميزان، في الصراط، … هذه ما فيها أدلة قطعية، فينفونها، لماذا؟ ، لأنها جاءت عن طريق الآثار، وهي أخبار آحاد، وأخبار الآحاد ما تفيد إلا الظن، والعقائد لا يجوز أن تبنى على الظن، ومثل هذه الترهات، والتأويلات، والمجازات، التي قابلوا بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسّلام، الذي كان يجب أن نقابلها بالاحترام والتصديق والإيمان بها، وأن رسول الله عليه الصلاة والسّلام ما ينطق عن الهوى، وأنه ما أحد أصدق من الله تبارك وتعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) ،  يجب أن نصدق بكل هذه الأشياء، ونؤمن بها، وندين الله تبارك وتعالى بها، فبدل من هذا، يأتون بهذه القواعد، يعطلون بها، ويدفعون بها في صدر هذه النصوص، فهم متهمون في دين الله كما قال هذا الرجل رحمه الله: (وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها) إما بأخبار آحاد، أو بأي علة من العلل، أو بمجاز، أو غيره، (أو ينكر شيئاً من أخبار الرسول فاتهمه على الإسلام، فإنه رجل رديء) ولا شك أنه رديء، وهذا كله دعوة إلى احترام السنة، والإيمان بما ورد فيها، سواء تعلق بصفات الله، أو تعلق بأمور غيبية من عذاب القبر، ومن الشفاعة، ومن المرور بالصراط، ومن الميزان، ومن غيرها من الأوصاف التي وردت في الجنة ونعيمها، وما شاكل ذلك، هذه كلها نؤمن بها، ما جاء منها عن طريق التواتر وما جاء من طريق الآحاد، لكنه عن طريق الثقات الصادقين بارك الله فيكم، فنحن نقبله.

أخبار الآحاد يقولون: تفيد الظن، وتحتمل الوهم والخطأ ، نقول: نعم، هذه في أخبار البشر، غير الرسول، أما رسول الله عليه الصلاة والسّلام فإن الله قد وعد بحفظ الدين والذكر والوحي الذي يأتي به هذا الرسول، كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، وقد حفتهما جميعاً عناية الله بالرعاية والحفظ، فلم يضع منها شيء أبداً؛ لأنها من عند الله، وإذا كان أخبار الآحاد يعتريها الوهم والخطأ، فإن سنة رسول اللہ ﷺ محفوظة، وإذا وهم أحد على رسول الله في كلمة، أو أخطأ في جملة، أو في حرف فإن الله قد هيأ من هذه الأمة رجالاً يبينون هذه الأخطاء، كما قال ابن حبان(في مقدمة كتابه “المجروحين” (1/ ٥٨) ولفظه: إن أحدهم لو سئل عن عدد الأحرف في السنن لكل سنة منها عدها عداً، ولو زيد فيها ألف، أو واو، لأخرجها طوعاً، ولأظهرها ديانة. اهـ)، فلا يخطئ أحد على رسول الله في كلمة، أو حرف، إلا وقد بُين ذلك، ألف، أو واو، أو ياء، إلا وقد بين الله ذلك؛ ولهذا ترى في كتب العلل بيان الأحاديث الضعيفة، شديدة الضعف المتناهي، والضعيفة الضعف المتوسط، والضعف الخفيف، وكتب الموضوعات، وكتب الصحاح، وكتب الرجال، وكتب العلل، كل هذا من عناية الله، وتصديق لوعد الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الدين، فلا يخطئ أحد على رسول الله في كلمة أو في حرف إلا ويهيء الله من يبين هذا الخطأ.

إذن هذه السنة التي حفت بهذه العناية تجعلونها مثل أقوال الناس العاديين، زيد وعمرو كلاهما يخطئ ويهم في النقل، ويخطئ الناس في النقل عنه؛ لأن الله ما ضمن أن يحفظ كلام الناس كلهم، خص بهذه العناية كتابه العظيم وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بحفظ ما جاء به (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فالعناية التي حفها الله بالقرآن هي موجودة مثلها في السنة، لقد لقيت السنة عناية عظيمة جداً، العناية بمثل القرآن عناية عظيمة جدًا، سخر الله مئات من الأئمة الفحول، أقوى من القرآء، يعني حفظ الله بهم السنة ، فلا نقيس كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على كلام البشر -الذين ما وعد بعصمتهم ولا بحفظ كلامهم- فهم ليسوا معصومين من الظلم، ولا من الأخطاء، وكلامهم ليس بمحفوظ، وليس بمعصوم، والله ما ضمن حفظه، وهذا الرسول عليه الصلاة والسّلام ضمن الله حفظ ما جاء به، فكيف نقول: أخبار الآحاد عن رسول الله عليه الصلاة والسّلام مثل أخبار الآحاد عن الناس الآخرين، هذا من الضلال، ومن الخطل في العقل والرأي.

س: هل حفظ الله للسنة ينفي الوهم في روايتها؟

ج: الوهم يقع فعلاً، لكن يبين، كتب العلل: عند ابن أبي حاتم، علل أحمد، العلل للخلال، العلل للدارقطني، علل لغيرهم، كل هذه عبارة عن أوهام، لكن الله سبحانه وتعالى يهيئ من يبين هذا الوهم الذي نسب صاحبه الحديث إلى رسول الله عليه الصلاة والسّلام، فيبينون وهمه، هل وجدت أحد عني بهذه العناية؟ ، أحياناً ينكر أهل الأهواء أخبار الآحاد الصحيحة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسّلام من طريق العدول يجعلونها مثل أخبار الناس العاديين، نقول: هناك فرق، هذا كلام الرسول ﷺ، الله وعد بحفظه؛ لأنه يطلب من الناس أن يصدقوا هذا الرسول في أخباره، ويطلب منهم أن يتبعوه في أقواله، في العقائد وفي الحلال والحرام والأحكام، فهل يتعبدهم بالباطل والخطأ والضلال؟ تعالى الله عن ذلك، إذن حفظ هذا الدين، فلا نتعبد الله في حلال في حرام في عبادة في شيء إلا وقد ثبتت عن النبي فعلاً، وأحاطتها عناية الله، ولا نعتقد عقيدة جاءت عن طريق الأحاديث المتواترة أو الآحاد إلا وقد حفتها عناية الله، فهي حق وصدق، نصدق بها، تعلقت بصفات الله، تعلقت بالجنة، بالنار، بالصراط، بالشفاعة، بأي أمر غيبي، هي حق وصدق، نؤمن بها، ونصدقها، وإذا كانت في العمليات والأحكام فنعمل بها؛ لأنها حق، فالله يستحيل عليه ويتنزه أن يكلفنا بعقائد لم تثبت عن النبي عليه الصلاة والسّلام، أو يكلفنا بعبادات، أو في الحلال والحرام، نحلل ونحرم وهو يقول: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ اَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هٰذَا حَلَالٌ وَهٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَۜ) [النحل: 116]، يقول هذا، ويتوعد هذا الوعيد، ثم تأتي أحاديث كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسّلام من طريق الآحاد نحلل بها الفروج، ونبيح بها الدماء، وإلى آخره، وهل تكون هذه الأحاديث ظنوناً وأوهاماً تحتمل الصدق وتحتمل الكذب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومصداق ذلك ما قلنا لكم إن الله قد حاطها بالعناية الكبيرة، فلا يخطئ أحد على رسول الله إلا وبين خطؤه.

س: هل في أخبار الناس يجعل احتمال الوهم سبباً في رد كلامهم؟

ج: لا، إذا كان صادقاً يقبل خبره ولو فيه احتمال ما يرد خبره، إذا شهد شاهدان عدلان أن فلاناً قتل فلاناً، وهما من العدول، ما هما كاذبين، لابد من ثبوت عدالتهما، فإذا كان الواقع كذلك وجب على الحاكم أن يبني على شهادتهما فيحكم بالقصاص إن طلب ولاة القتيل القصاص أو الدية إن عفوا عن القصاص إلى الدية، ولو كان يوجد احتمال أن أحدهما أخطأ لأن الأحكام تبنى على الظاهر، والباطن يوكل إلى الله، ولا يعبأ بهذا الاحتمال.

وإذا شهد اثنان عدلان أن فلاناً تزوج فلانة، فعلى القاضي أن يمضي هذا الزواج ، واحتمال وقوع الوهم، نقول: فيه احتمال، لكن هذا الاحتمال لا قيمة له، إذ سنة الله تبارك وتعالى في أخبار الصادقين أن تكون سليمة، لكن لو فرض أنه أخطأ أو وهم في شهادته، أنت ليس لك إلا الظاهر، هنا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار) (رواه البخاري في “صحيحه” رقـم (٢٦٨٠))، يعني الحاكم ليس له إلا الظاهر، يقوم باللازم من إحضار الشهود، والشهود لهم شروط لابد أن تتوفر فيهم، وإذا احتاج إلى تزكية، ما يعرفهم القاضي يأتي بمن يزكيهم ممن هم عدول عنده، ثم بعد ذلك ينفذ حكم الحد في القاذف، ورجم الزاني، إذا كان الشهود أربعة، وإلى آخر الأحكام، قطع اليد، والقصاص، وما شاكل ذلك، القذف بالزنا لا يقبل فيه إلا شهادة أربعة لابد أن تتوفر فيهم العدالة، ما يقبل فيه شهادة اثنين بعد أن تتوفر فيهم الشروط، وهذا كل ما يجب على القاضي أن يقوم به، ثم بعد ذلك لو حصل احتمال الخطأ من أحد الشهود أو منهما فإن ذلك لا يضر؛ لأنه لا يكلف الله الناس إلا بالظاهر، نحن نقول يجري احتمال الخطأ في أخبار البشر، ينقل لك قصة فيها احتمال الخطأ، يحتمل فيه الكذب، لكن الرسول كلامه لا يحتمل إلا الصدق، إذا جاءنا من أخبار الآحاد لا يحتمل إلا الصدق، الطعن في أخبار الآحاد هذه العقيدة الفاسدة عليها الروافض وعليها الخوارج وعليها الزيدية وعليها المعتزلة وعليها الأشاعرة مع الأسف والماتريدية إن أخبار الآحاد تفيد الظن، كل هذا استقوه من الجهمية ومن المعتزلة، هذه الأفكار الرديئة ما كانت موجودة.

في السابق لا يوجد من يقول أخبار آحاد، حتى جاء المعتزلة في القرن الثاني أو القرن الثالث وأدخلوا مثل هذه الشبه، وسرت في هذه الطوائف الضالة، والعياذ بالله، وعصم الله منها أهل السنة والجماعة الذين ظلوا على ما كان عليه رسول الله وأصحابه، فالرسول كان يبني على خبر الواحد، عليه الصلاة والسّلام، والصحابة كانوا يبنون على خبر الواحد، الرسول الكريم عليه الصلاة والسّلام كان يرسل شخصاً واحداً إلى كسرى، وشخصاً واحداً إلى قيصر، وإلى غيرهما كذلك، ثم يأخذ الجواب منهم، ويرتب عليه تجهيز الجيوش عليه الصلاة والسلام أو ما يراه؛ لأن الحجة قامت عليهم كما قال في كتابه إلى قيصر: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64] ((۱) رواه البخاري في “صحيحه” رقم (7) ومسلم في “صحيحه” رقم (۱۷۷۳) من حديث عبد الله بن عباس عن أبي سفيان رضي الله عنه) ، فعل ما فعل قيصر، وسأل عن أهل هذا الرجل، وأقرب الناس إليه، فجاء أبو سفيان ومعه مجموعة، وسألهم هرقل أسئلة، وفي ضوء الأسئلة تبين له أن رسول الله رسول الله حقاً، وأراد أن يُسلم، ودعا قومه إلى الإسلام، فأبوا، فآثر ملكه ولم يُسلم، رجع إليه بجواب هرقل شخص واحد، إن هذا ما قبل الإسلام، جهز الجيوش عليه الصلاة والسّلام، رأى أن الحجة تقوم بهذا، «فإن أبيت فإنما عليك إثم الأريسيين»، لو كان يشترط في إقامة الحجة العدد المتواتر هل كان رسول الله يكتفي بواحد؟ ، فبنى عليه أنه إذا رد خبر الواحد هذا فإنه يحمل إثم الأريسيين، الفلاحين أتباعه، تحمل وزرك ووزر أتباعك إذا أبيت، فهو يأثم، ويأثم أتباعه، وهذا الإثم هنا هو الكفر، ثم بعد ذلك جهز الجيوش في غزوة تبوك، عليه الصلاة والسّلام، لماذا؟ لأنه قد قامت عليه الحجة، فيستحق العذاب بخبر واحد، وجهز الجيوش بخبر واحد؛ لأن أصحابه ما كانوا يكذبون، عليه الصلاة والسّلام، أرسل إلى اليمن، أرسل إلى عمان، أرسل، أرسل، أرسل، كاتب الملوك والجبابرة، لماذا يكتفي بالواحد إذا كانت الحجة لا تقوم بخبر الواحد! ، هم يقولون: الحجة لا تقوم بخبر الواحد لأنه ظن، كيف الرسول يكتفي بأن يبعث إلى كل جبار وكل ملك وكل ذي سلطان يرسل له شخصاً واحداً فقط؟ ، ثم بعد ذلك يجهز له الجيوش إذا لم يسلم ويدخل في الإسلام، عليه الصلاة والسّلام، إذن هذه تصفع وجوه أهل البدع وأهل الأهواء، وآيات كثيرة، موسى عليه الصلاة والسّلام جاءه رجل واحد يقول له: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص:۲۰]، فخرج، بنى على خبره، وجاءته امرأة؛ بنت شعيب -إن كان شعيباً الرجل الصالح – تقول له: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص: ٢٥]، صدقها، هذا من سير الأنبياء تصديق أخبار الآحاد، ومن سيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسّلام، ومنهج شرعه الله تبارك وتعالى، يأتي هؤلاء من أهل الأهواء في القرن الثاني ويضعون مثل هذه القاعدة الفاسدة التي يردون بها أخبار الرسول الصادق المصدوق ﷺ .

س: ما حكم من يستدل بقوله تعالى: «إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» على رد خبر الواحد ؟

ج: هذا حجة عليهم، (إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6]؛ لأنك ما تتثبت إلا من خبر الفاسق، ونحن نشترط العدالة في قبول الأخبار، أخبار النبي عليه الصلاة والسّلام وأخبار غيره، فالفاسق ما يقبل خبره، نتثبت، قد يكون صادقاً يعني هذا الكذاب، فإن تبين صدقه قبلنا خبره، ما تبين رددناه، لكن العدل هذا يؤخذ منه، وأخذ منه الأئمة أن التثبت إنما يجب في خبر الفاسق، وأما من ثبتت عدالته فلا تثبت، فهذا العدل الذي ثبتت عدالته تقبل شهادته، وتقبل أخباره، وتقبل تزكيته؛ لأن الله سبحانه وتعالى الذي شرع لنا التثبت في الأخبار لم يشرع لنا التثبت إلا في حق من؟ ، في حق الفاسق، والكذاب فاسق، والكافر لا يقبل خبره، وسيء الحفظ -إذا عرفنا سوء حفظه – هذا ما نرده للطعن في عدالته، وإنما لعدم ضبطه، وهذا شرط في قبول الروايات، فالعدالة والضبط شرطان في قبول الروايات، فإذا توفر هذان الشرطان في رجل نقبل خبره، ونقبل تزكيته، ولا يلزمنا التثبت في خبره؛ لأننا ما أمرنا بالتثبت إلا في أخبار الفاسقين، ولكن مع الأسف الآن يشهد عشرة من الثقات ولا يصدقون؛ لأننا في وقت يصدق فيه الكاذب، ويكذب فيه الصدوق، والله أنا مجرب، والله يأتي عشرة من الثقات يشهدون عند بعض أهل الأهواء ولا يقبلون شهادتهم، مع الأسف، وقد يقبلون أخبار الفجار الكاذبين، فيصدق الكذوب، ويكذب الصادق، هذا ما عندهم ، أما شرع الله فإن فيه أنه لا يُتثبت إلا في أخبار الفساق، وأما من ثبتت عدالته ودينه ، وصدقه، فإن هذا علينا أن نقبل خبره.


  • من كتاب عون الباري بيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري (ص : 349 – 401)

 

 

  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 818
  • مشاركة :

الفوائد المنتقاة من شرح السنة للإمام البربهاري للشيخ ربيع المدخلي

لا يقال أبدًا إن الحق بالكثرة ، كما يقوله كثير من أهل الضلال ، فإن الميزان في الإسلام هو الحق ، وقد قال رسول الله : ( بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا ، فطوبى للغرباء ) رواه مسلم (ص63) .

فانظر – رحمك الله – كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة ، فلا تعجلن ، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر : هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي ؟ أو أحد من العلماء ؟ ، فإن أصبت فيه أثرًا عنهم فتمسك به ، ولا تجاوزه لشيء ، ولا تختر عليه شيئًا فتسقط في النار .

  • قال الشيخ ربيع المدخلي معلقًا :

يرشد المؤلف – رحمه الله – من يقرأ كلامه أو يبلغه إلى التروي والابتعاد عن العجلة في تلقف الكلام دون التفات إلى كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة من رشد وهدى واعتصام بالكتاب والسنة ، وما كانوا عليه من نفور من الباطل والبدع ، حتى إن المتتبع لسيرهم لا يجد أحدًا منهم وقع في بدعة ، ومن عرف السلف الصالح وأئمة الهدى لمكانة الصحابة وأنهم على الحق ؛ والحق يدور معهم حيث داروا ، ومن معرفة المؤلف لواقعهم المشرق حذر من دخول المسلم السنّي في شيء مما يسمعه من أهل زمانه حتى يسأل أهل العلم ، ويتأمل ويبحث ، فإذا تبين له أن هذا القول قد قال به الصحابة أو يدل عليه نص من كتاب الله وسنة رسوله أخذ به .

وإن لم يجد شيئًا من ذلك فليأخذ حذره من هذا الكلام الغريب الذي لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة ولا من فقه الصحابة ، ولا من فقه أحد منهم ، وهذا المقياس ينبغي أن يكون عند الشحيح بدينه لكل كلام ، ولو صدر من كبار العلماء ، وقد وضع العلماء الناصحون أصولاً لما يقبل من كلامهم وما يرد .

فمن أصولهم : (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله) .

ومن أصولهم ما قاله الإمام الشافعي : (إذا خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط).

وقول الإمام أحمد : ( لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا الأوزاعي ، وخذ من حيث أخذوا) (ص 70 – 71).

في قول القائل : لم قال رسول الله ﷺ كذا ؟ ، وكيف يقول كذا ؟ ، اعتراض على رسول الله ﷺ ، وينم عن عدم التصديق للرسول وعدم القناعة بقوله ، والله يقول : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)) فلابد من انتفاء الحرج من النفوس ، ولابد من التسليم والرضا بأحكام رسول الله ﷺ ، وتلقي ذلك بقلوب منشرحة ونفوس راضية (ص:83).

  • الفائدة رقم : (4) – {كلام الإمام الشافعي – رحمه الله – في علم الكلام}

قال – رحمه الله – : (لأن ألقى الله بكل ذنب ما عدا الشرك أحب إلي من أن ألقاه بعلم الكلام) رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم)(192/2) والخطابي في (الغنية)(ص:37) ، والبيهقي في (الكبرى)(10/206) وغيرهم من طرق عن الشافعي .

وقال – رحمه الله – : (حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل ، ويقال : هذا جزاء من تعاطى علم الكلام) ذكره ابن عبد البر في (جامع بيان العلم)(2/193) والذهبي في (تاريخ الإسلام)(14/329) من طرق عن الشافعي ، وقال الذهبي في (السير)(10/29) : ولعل هذا متواتر عن الإمام (ص:85) .

فهؤلاء الأنبياء كلّ منهم يعتذر ويقول : (إنّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله)(رواه أحمد والبخاري ومسلم) ، ويذكر خطيئته ويستحي من ربه أن يشفع ، لأن بعضهم وقع في الخطأ ، وبعضهم وقع في شبه الخطأ ، وإن كانوا قد خرجوا من هذا الخطأ وشبهه بتوبة لا نظير لها ، ولكن الحياء يلاحقهم حتى في الآخرة .

فعلينا أن نستحيي من الله في الدنيا والآخرة ، والله لا يرتكب المعاصي والجرائم والظلم إلا من قلّ حياؤه أو عُدم ؛ فالحياء أمر عظيم ، ومن فوائده الجليلة : أنك ربما تهمّ بالمعصية فتذهب وتمشي إليها ، ثم تتذكر وتقول : إن ربي يراني وسمعني ، فتخجل وتخاف في نفس الوقت ؛ فيدفعك ذلك الحياء والخوف إلى الإحجام عن فعلها ، فالحياء رادع عظيم ووازع عظيم ؛ الحياء والخوف مع الإيمان الصادق .

فعلينا أن نقّوي إيماننا وأن نغذي الحياء بدراسة سير الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – ومنها هذا الحديث .

فهذا نبي الله آدم – عليه الصلاة والسلام – يستحي أن يشفع ؛ نهاه الله أن يأكل من الشجرة فخدعه الشيطان وقاسمه بالله : إنه لمن الناصحين وإنها شجرة الخلد ، فخدعه وأكل منها وتاب وندم منه ؛ قال الله عنه وعن زوجه – عليهما السلام – : (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الأعراف : 23) فتاب الله عليهما ، ومع ذلك يأتي يوم القيامة مستحياً ، ويعتذر عن الشفاعة ويقول : أنا أخطأت .

ونوح دعا على قومه الكفار ، ومع هذا اعتبر ذلك خطيئة ، فيستحي ويخجل منها ؛ ويعتذر عن الشفاعة .

وإبراهيم – عليه السلام – يعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات في ذات الله – وهي توريات – ولكنه أطلق عليها أنها كذب ، وهي توريات ليست بكذب حقيقي ، وبعضها مثل قوله عن زوجته : إن هذه أختي ، يعني أخته في الإسلام | قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في مجموع فتاواه (8/527) : (والكذبات الثلاث التي ذكرها إبراهيم – عليه السلام – فُسِّرت بما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: لم يكذب إبراهيم – عليه السلام – إلا ثلاث كذبات؛ اثنتين منهن في ذات الله: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، وذكر قوله عن امرأته سارة: إنها أختي ، وفي “صحيح مسلم” في حديث الشفاعة السابق أن الثالثة قوله في الكوكب {هَذَا رَبِّي}، ولم يذكر قصة سارة ، لكن قال ابن حجر في الفتح (فتح الباري (6/ 391): (الذي يظهر أنها وهم من بعض الرواة) ، وعلل لذلك ، وإنما سمى إبراهيم – عليه السلام – هذه كذبات؛ تواضعًا منه؛ لأنها بحسب مراده صدق مطابق للواقع؛ فهي من باب التورية، والله أعلم) | وليست بكذبة ، مع هذا من شدة خوفه من الله وحيائه منه وعلّو منزلته عند الله – عز وجل – يرى أن هذا خطأ ويراها ذنوبًا ويخجل من الله وهو خليله – عليه الصلاة والسلام – وهو أفضل الأنبياء بعد محمد – عليه الصلاة والسلام – وأبو الأنبياء ، فما بعث الله من نبي بعد إلا من ذريته (ص : 141-145) .

(والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى ابن مريم – عليه السلام -).

  • قال الشيخ ربيع المدخلي معلقًا :

يعني الخلافة هذه حق من حقوقهم مع شروط أخرى ، إذا توفرت فيهم فهي حقهم ، فمن شروطها : أن يكون عالمًا ، وأن يكون مجتهدًا ، وأن يكون عدلاً ، وأن يكون رضًا عند الناس ، ومن شروطها أيضًا : القرشيّة .

فإذا توفرت هذه الشروط في رجلين ، ثلاث أو أربع خصال ، وواحد يمتاز عنهم بالقرشية فهذا حقه ، وإذا اختلت هذه الشروط ولم يبق إلا القرشيّة فيسقط حقه ؛ لأنه ضيّع نفسه وضيّع هذا الحق ، أما إذا توفرت هذه الشروط وتوفرت في غيره فهو أولى وهذا حقه .

وقريش أوسع من أهل البيت : (الخلافة في قريش) حديث صحيح رواه البخاري ، فهم السلف هذا ، وفهم هذا الصحابة الكرام : أنّ هذا ليس خاصًا بأهل البيت ، بل هو لكل بطون قريش فيه حق ، فهم أولى …

ثم الشاهد أنّ أبا بكر ليس من بني هاشم ، ولم ينازعه أحد في هذا ؛ لأنه قرشيّ ، فهي حق لبني هاشم ، ومنهم آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل العباس الذين نالوا الخلافة بعد بني أمية ، واستمرت فيهم ما يقرب من خمسمائة سنة ، ثم الله يؤتي ملكه من يشاء (ج1 ص 230-231) .

يجب على المرأة أن تطيع زوجها ، والابن أن يطيع أبويه ، وأن يبر أقاربه ، ويطيع ولي أمره ، ومديره … إلخ ، في طاعة الله ، وفي بعض الأمور قد تكون مباحة ، لكن في معصية الله لا ، أبدًا ، كما قامت الأدلة على ذلك ، قال النبي ﷺ : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) رواه أحمد (ص:246) .

  • الفائدة رقم : (8) – {دراسة لحديث : (رأيت ربي في أحسن صورة)} 

  • الفائدة رقم : (9) – {تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله}

– قال النبي ﷺ : (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله) سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/395-397) ورد عن عدد من الصحابة من طرق ضعيفة حسنه الألباني بمجموعها .

فالمؤمن إذا تفكر في آيات الله ﷻ ، وبعظمته ، وقدرته ، وحكمته ، وتدبيره يزداد إيمانه ، أما التفكر في ذات الله فقد نهى عنه رسول الله ﷺ كما في هذا الحديث (ص:320).

  • الفائدة رقم : (10) – {المسلم لا يُقتل بالكافر}

– الكافر إن كان حربيًا فهذا قتاله أمر مشروع ، وجهاد في سبيل الله ، وإعلاء لكلمة الله ، وإن كان في الذمة فدمه حرام ، إن كان في ذمة المسلمين فقتله يعتبر خيانة ، وخفراً لذمة الله ، وذمة رسوله ، ولكن لا يُقتل مسلم بكافر ، المسلم لا يُقتل بالكافر ، إنما يودى ، يدفع فيه دية ، لكنه لا يُقتل به ، فالذي يقتل يرتكب إثمًا كبيرًا ويكون قد خفر ذمة الله وذمة رسوله – عليه الصلاة والسلام – ومتوعد بالنار ، ولكنه لا يُقتل به ، قال – عليه الصلاة والسلام – : (لا يقتل مسلم بكافر) رواه البخاري في صحيحه رقم : (111) من حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه  (ص:336).

  • الفائدة رقم : (11) – {هل يثاب من أخلص العمل لله ولم يكن صوابًا ؟}

– وأما قول ابن تيمية – رحمه الله – في (اقتضاء الصراط المستقيم ص 264) : (ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى – عليه السلام – ، وإما محبة للنبي ﷺ ، وتعظيمًا له ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي ﷺ عيداً) انتهى .

فيعني الثواب على المحبة ، يثيبهم على محبة النبي ﷺ لا على العمل ، هذا يخفف من المشكلة ، لأنهم يرون أنه يثاب على العمل ، الآن الذين ينقلون عن ابن تيمية يرون أن الله يثيب على هذا العمل ، لماذا ؟ لأنه ناشئ عن محبة النبي ﷺ ، فهنا يصرح شيخ الإسلام أن الله لا يقبل هذا العمل المبتدع ، وإنما قد يثيبهم على المحبة ، لكن حتى على هذه المحبة التي بَعثت على مخالفة النبي ﷺ لا يثابون عليها ، حبهم للنبي ﷺ عمومًا في غير هذه المناسبة ينفعهم إن شاء الله ، لكن هذا الحب غير المشروع الذي دفعهم إلى ممارسة هذه البدع ، هذا لا يثابون عليه ولا كرامة ، وقد ذكر شيخ الإسلام في موضع آخر أن غاية مافيه أن الجاهل منهم يعذر ، ويخسر هذا العمل فلا يقبل منه .

وكل يؤخذ من قوله ويرد ، يعني حتى لو كان شيخ الإسلام فإنه يُحتج لقوله ، كل الناس يُحتج لهم إلا رسول الله ﷺ ، هو شيخ الإسلام نفسه يقول بأن الرجال ما يُحتج بهم إنما يحتج لهم (منها قوله في مجموع الفتاوى (26/202) : ليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع ، وإنما الحجة : النص ، والإجماع ، ودليل مستنبط من ذلك ، تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية ، لا بأقوال بعض العلماء ، فإن أقوال العلماء يُحتج لها بالأدلة الشرعية ، لا يُحتج بها على الأدلة الشرعية) انتهى ، فالرجل إذا جاءك بكلام قل له : أين دليلك ؟ هات برهانك ، فإذا ما كان عنده برهان فلا يؤخذ بقوله ، غفر الله له ، وسامحه ، وندعو له ، لكن والله ما يجوز أن نتبعه على الخطأ (ص:349 – 350).

  • الفائدة رقم : (12) – {الفرق بين الرضا والصبر}

– الصبر واجب، والرضا فضيلة ومنزلة أعلى من الصبر، والصبر واجب على العبد، مات لك قريب، هلك مال، أصابك شيء، مرض أو فقر أو خوف، يجب أن تصبر، ولا تجزع، ولا تسخط قضاء الله – تبارك وتعالى – ، وأما الرضا: فمرتبة فوق هذه، أن ترضى بما قدره الله، تجد نفسك مرتاحاً، وهذه مرتبة صعبة جداً، والبكاء على القريب لا ينافيها ولا ينافي الصبر، فالرسول – عليه الصلاة والسّلام – بكى، ونهى عن النياحة، فبكى على ابنه إبراهيم، وعلى ابن بنته، ولما سئل قال: «هذه رحمة يجعلها في قلوب من يشاء من عباده» ، لما أرسلت إليه ابنته أن ابنها احتضر، وطلبت منه أن يأتي، فأرسل إليها يقول لها: «لله ما أخذ، والله ما أعطى، فلتصبر ولتحتسب» فناشدته أن يأتي، فجاءها والصبي روحه تقعقع في صدره كالشن، يعني يضطرب، فبكى رسول الله – عليه الصلاة والسّلام – ، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله! أتبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ ، قال: «هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» رواه البخاري في صحيحه رقم (6655) واللفظ له، ومسلم في صحيحه رقم (۹۲۳) من حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنه – ،ولما توفي إبراهيم، بکی ﷺ، وقال: «ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون» رواه البخاري في صحيحه رقم (1303)، ومسلم في صحيحه رقم (٢٣١٥) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه – ، هو الذي نهى عن الصلق والحلق، وبرئ من (الصالقة والحالقة) رواه البخاري في صحيحه رقم (١٢٩٦)، ومسلم في صحيحه رقم (۱۰۳) من حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – ، نهى؛ لأن هذه الأفعال تسخّط لقدر الله – تبارك وتعالى – ، وتنافي الصبر، فالمؤمن عليه أن يصبر، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: ۱۰] ، (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 – 157] الرضا منزلة عظيمة، وقد يصل بعض الناس إليها، ولكن هذا يندر، قد تحصل فاجعة على الشخص فكأنه ما حصل شيء، بل يفرح، هذا يدعيه الصوفية، والله أعلم، لكن نحن رأينا في الصحابة، في الرسول، في الأنبياء من يحزن، نبي الله يعقوب حزن حزناً شديداً على ابنه، وبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن – عليه الصلاة والسّلام – ، لكنه راض بقدر الله ، ورسول اللہ ﷺ بکی على ابنه إبراهيم، وعلى ابن ابنته، وعلى الشهداء في وقعة مؤتة، وهم زيد بن ثابت وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة – رضي الله عنهم – ، فكان يخطب وعيناه تذرفان عليه الصلاة والسّلام (رواه البخاري في صحيحه رقم (4262) من حديث أنس بن مالك) ، فالقلب قد يحزن، والحزن لا ينافي الرضا، هو لا ينافي الصبر قطعاً، لا ينافي هذا، وكذلك – إن شاء الله – لا ينافي الرضا، لكن الصوفية يعطون مرتبة الرضا فوق هذه، فيقول: فلان توفي ولده وكان يضحك، وفرحان، وكذا، وكذا، وهذا من دعاواهم (ص:364 – 366) .

  • الفائدة رقم : (13) – {مسألة رفع اليدين في تكبيرات الجنازة}

– لكن بعد أن صلى على النجاشي أربعاً كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في موت النجاشي، وأن النبي ﷺ قال: (صلوا على أخيكم) أعلن موته، ثم قال: (صلوا عليه) فكبر أربعاً (رواه البخاري في “صحيحه” رقم (۳۸۷۹) ومسلم في “صحيحه” أيضا رقم (٩٥٢) من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنها)، ثم بعدها ما زاد عليها بعد هذه الصلاة على النجاشي، ما زاد – عليه الصلاة والسّلام – على الأربع ، لكن ورد عن بعض أصحابه، ورد عن ابن مسعود أنه قال: (صل مع الإمام إن كبر أربعاً صل معه وإن كبر خمساً فاتبعه) (قال الألباني في “أحكام الجنائز” (ص113): أخرجه ابن حزم في “المحلى” (١٢٦/٥)، وقال، وهذا إسناد غاية في الصحة) وورد عن علي – رضي الله عنه – أنه كبر على البدريين ستاً، وعلى غيرهم من أصحاب رسول الله ﷺ خمساً، وعلى من عداهم من التابعين أربعاً (قال الألباني في “أحكام الجنائز” (ص ۱۱۳): أخرجه الطحاوي، والدار قطني (191) ومن طريقه البيهقي (4 / ٣٧)، وسنده صحيح، رجاله ثقات كلهم)؛ لأن البدريين أفضل فزادهم، وبقية الصحابة أفضل زادهم أعطاهم خمساً، ومن عداهم من المؤمنين من التابعين الذين أدركوا علياً كان يصلي عليهم أربعاً ، والجمهور استقروا على الأربع، ومن حججهم: أن هذا كان آخر فعل النبي – عليه الصلاة والسّلام – ، ويؤخذ من فعل النبي ﷺ بالأحدث فالأحدث، يعني بالآخر فالآخر، فيقول: إنه بعد صلاته على النجاشي أربعاً ما زاد عليها، لكن بقي بعض الصحابة يصلي الخمس، كما روي عن علي، وعن غيره، يصلون أربعاً، وخمساً، وستاً، وما شاكل ذلك .

س: ما يقال بين التكبيرات إذا زاد على الأربع؟ ، ج: ما ورد فيها شيء.

س: رفع اليدين مع التكبيرة الصلاة على الجنازة؟ ، ج: فيها خلاف، لكن الصحيح أنها ترفع، ترفع مع كل تكبيرة، وهذا عن ابن عمر، وعن سمرة بن جندب، وعن بعض الصحابة الآخرين، وردت آثار عن الصحابة، وعن التابعين أنهم كانوا يرفعون مع كل تكبيرة ، قال الترمذي في “الجامع” (٢/ ٣٧٤) تعليقاً على حديث أبي هريرة بعد أن قال: هذا حديث غريب لا تعرفه إلا من هذا الوجه ، قال: “واختلف أهل العلم في هذا – يعني في رفع اليدين – فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: لا يرفع يديه إلا في أول مرة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة” ، لكن الشيخ الألباني يرى أنه لا تُرفع اليدان إلا في التكبيرة الأولى، وعنده حديثان: حديث ابن عباس، وهو ضعيف جداً، شديد الضعف (رواه الدارقطني في “سننه” (٢/ ٧٥) من طريق الحجاج بن نصير عن الفضل بن السكن عن هشام بن يوسف عن معمر عن ابن طاوس عن ابن عباس مرفوعاً: كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود ، حجاج بن نصير ضعيف وكان يتلقن، قاله الحافظ في “التقريب”، والفضل بن السكن قال الذهبي في “الميزان”: لا يعرف، وضعفه الدارقطني) ، وكذلك حديث أبي هريرة ، وهو شديد الضعف: أنه رفع مع التكبيرة الأولى ثم لم يعد ، يعني لم يرفع بعدها، لكن هذين الحديثين ضعيفان، ضعفهما شديد (رواه الترمذي في “سننه” رقم (١٠٧٧) والدارقطني في “سننه” (٢/ ٧٥)، من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي عن أبي فروة يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث غريب. وقال المباركفوري في “التحفة” (4/ 163): أعله ابن القطان في كتابه بأبي فروة، ونقل تضعيفه عن أحمد، والنسائي، وابن معين، والعقيلي ،  قال: وفيه علة أخرى، وهو أن يحيى بن يعلى الراوي عن أبي فروة، هو أبو زكريا القطواني الأسلمي، هكذا صرح به عند الدارقطني، وهو ضعيف ، قلت: قال ابن حبان في أبي فروة: كثير الخطأ، لا يعجبني الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد، ثم نقل عن ابن معين أنه قال: ليس بشيء، كذا في “نصب الراية”.اهـ ، وعده الذهبي في “الميزان” (٤١٥/٤) من مناكير يحيى بن يعلى الأسلمي ، وقال ابن حجر في “التلخيص الحبير” (۲/ ۳۳۳): روى الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة أن النبي ﷺ كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، وإسنادهما ضعيفان ولا يصح فيه شيء، وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، رواه سعيد بن منصور.اهـ

فالرفع مع كل التكبيرات ثابت ( ج1ص:369-371) .

  • الفائدة رقم : (14) – {عدم ثبوت أن مع كل قطرة تنزل ينزل معها ملك}

– قول الإمام البربهاري : (والايمان بأن مع كل قطرة ملكًا ينزل من السماء) قال الشيخ ربيع : لم أقف على دليله من القرآن ولا من السنة وهو من الأمور الغيبية ، ونقل قريب من هذا عن الحسن والحكم بن عتيبة (فهذان الأثران إنما هما عن الحسن البصري والحكم بن عتيبة وليسا عن النبي ﷺ ، ومع ذلك فليس فيهما إلا أن الملائكة يكتبون القطر ، وليس فيهما أن مع كل قطرة ملك ، وعلى كل فلا يبعد أن هذين الأثرين من الإسرائليات) أخشى أن يكون هذا أخذاه من الروايات الإسرائيلية فالله أعلم ، لكن لم يثبت فيها حديث عن النبي ﷺ   (ص:372 – 373).

  • الفائدة رقم : (15) – {سماع الأموات في قليب كان توبيخًا لهم}

– قال ﷺ : (والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا) (رواه البخاري في “صحيحه” رقم (٣٩٧٦) ومسلم في “صحيحه” رقم (٢٨٤٧).

قال الشيخ ربيع – حفظه الله – : فبعض الناس يتوسع في سماع الموتى، ويحتج بمثل هذا الحديث وبأحاديث فيها شيء من الكلام أن الموتى يسمعون، ويبني الخرافيون على مثل هذا مخاطبة الرسول، ومخاطبة الأموات، والاستغاثة وإلى آخر الأساطير التي يبنونها على مثل هذه الأحاديث، وقد ألف الألوسي – رحمه الله – كتاباً يبين فيه عدم سماع الموتى(سماه: “الآيات البيئات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات”، طبع في المكتب الإسلامي ببيروت، ثم بمكتبة المعارف بالرياض) وحققه الشيخ الألباني، وجاء بأدلة قوية أن الموتى لا يسمعون (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ) [النمل: 80]، احتج بهذه الآية، وغيرها من الآيات ، واحتج الذين يقولون بسماعهم بمثل هذا الحديث ، ولكن هذا الحديث قال فيه قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً (رواه البخاري في “صحيحه” رقم (٣٩٧٦)) ، وكذلك احتجوا بحديث قرع النعال: (إنهم ليسمعون قرع النعال) (رواه البخاري في “صحيحه” رقم (1338)، ومسلم في “صحيحه” رقم (٢٨٧٠)) .
ثم قال الشيخ ربيع – حفظه الله – بعد ذلك : والصواب أن سماعهم في هذا الوقت فقط؛ لأنهم في هذا الوقت يُسألون، يرد الله أرواحهم إلى أجسادهم والناس باقون عندهم عند القبر، فيأتيهم الملكان ويسألانهم عن ربهم، وعن دينهم، وعن نبيهم، فهذا السماع مقيد بهذا الوقت، وليس على إطلاقه ، فهذا ما يمكن أن يقال حول سماع الأموات، يعني الناس يتوسعون في هذه الأشياء، ويبنون عليها خرافات وأساطير، وأن الأموات يسمعون، وقد ينادي الخرافي الميت، وبينه وبينه آلاف الأميال، ويعتقد فيه أنه يسمع له، ويجيبه، وينقذه من الشدة، إلى آخره، وهذا من الشركيات التي يرتكبها الخرافيون الذين لا يفقهون دين الله تبارك وتعالى، والصواب في سماعهم هو هذا، وإن كان ابن القيم يقول في بعض النصوص إنهم يسمعون ويتزاورون، لكن أنا أرى أن هذه الأثار ضعيفة، يعني التي يحتج بها ابن القيم – رحمه الله – في كتابه “الروح”، وقد توسع في هذا الكتاب، حتى إن بعض الناس ينكر أن يكون هذا الكتاب لابن القيم، ومنهم من يقول ألفه قبل أن يتضح له المنهج السلفي، فيه أشياء لا يقرها المنهج السلفي، وبعضهم ينكر، مثلاً الشيخ الألباني يقول: أنا أشك أن يكون هذا الكتاب للشيخ ابن القيم، مع أن الألباني لا يرى التشكيك في الكتب، لكن قال: أنا أشك أن يكون هذا الكتاب كتبه ابن القيم؛ لأنه فيه أشياء غريبة (قال الألباني في “الآيات البيئات” (ص۳۹): . . قياس باطل فاسد، طالما رد ابن القيم أمثاله على أهل الكلام والبدع؛ ولهذا وغيره فإني في شك كبير من صحة نسبة الروح” إليه، أو لعله ألفه في أول طلبه للعلم.اهـ وسئل رحمة الله عن هذا في “فتاوى المدينة” (ص ۱۷۰) فقال: نعم، أنا أشك في نسبة هذا الكتاب إلى ابن القيم لكثرة ما فيه من القصص والمنكرات، بالإضافة إلى أنني لم أقف على نسخة مخطوطة يمكن الاعتماد عليها لنقطع بنسبة الكتاب إليه.اهـ)، بارك الله فيكم (ص: 378 – 379).
 

{16} – فوائد في مسائل عدة :

1 – الرد على معطلة الأسماء والصفات .

2 – الرد على من يرد الأحاديث بحجة أنها أخبار آحاد.

3 – حفظ الله للسنة ينفي الوهم في روايتها .

4 – قبول خبر الواحد العدل واحتمال الوهم ليس سبب في رد خبرهم .

5 – الرد على من يستدل بقوله تعالى : (إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) في رد خبر الواحد .

الفائدة رقم : (16) – {الضابط في أن يطلق على الرجل أنه مبتدع؟}

هناك أمور واضحة جلية، إذا وقع فيها العبد فهو مبتدع، وهناك أمور تخفى، الأمور الواضحة مثل القول بخلق القرآن ومثل إنكار رؤية الله في الآخرة إذا وقع فيها يحكم عليه أنه مبتدع، والأمور الخفية التي قد يقع – يعني – العالم فيها، وهي بدعة ولا يدري أنها بدعة، يكون مثلاً قصده الحق كما يقول ابن تيمية رحمة الله يعني كثير من علماء السلف والخلف وقعوا في بدع من حيث لا يشعرون، لكن السبب في ذلك أنهم مجتهدون، والذي يوقعه إما بناء على حديث ضعيف، أو على قياس فاسد، أو على فهم سقيم مثلاً لنص، فمثل هذه الأمور خفية، ويقع فيها بعض الناس، مثل هذه الأسباب لا يحكم عليه أنه مبتدع، لكن أن يعطل صفات الله ويقول القرآن مخلوق ويدعو غير الله و يذبح لغير الله وينذر لغير الله فهذا هين عليه أننا ما نكفره، يعني إذا قلنا مبتدع رحمة به، يعني هذه الأمور واضحة ما تخفى على كثير من الناس، ومثل هذه الأمور تبدع فيها، فتقول: هذا رافضي، وهذا جهمي، وهذا معتزلي، وهذا أشعري، وهذا…. إلى آخره، فالظاهر هذا، ومن هنا نرى الإمام أحمد وغيره من أعلام السنة لا يتوقفون في تبديع من يقف في القرآن، فيقول: القرآن كلام الله، لكن لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فقد بدعوا عدداً من هذا الصنف، ووصفوهم بأنهم جهمية من أجل هذا التوقف في أمر واضح، منهم يعقوب بن شيبة وهو من كبار أئمة الحديث صاحب المسند الذي لم يؤلف في الإسلام مثل المسند المعلل، لما بلغ الإمام أحمد أنه توقف هل القرآن مخلوق أو غير مخلوق، توقف، قال: هذا مبتدع، هذا ضال، واستشاره الخليفة في أن يوليه القضاء فأبى قال: لا، هذا مبتدع ضال، يعني القرآن واضح، الله يقول: (وكلم الله موسى تكليماً) [النساء: 164]، وبعدها يجيء يتوقف فيه، مخلوق أو ما هو مخلوق، أما لو قال: القرآن مخلوق، فيكفره أحمد، ما يبدع، يقول: كافر؛ ولهذا ذكر ابن أبي حاتم في أصول أهل السنة التي رواها عن أبي حاتم وأبي زرعة: من قال إن القرآن مخلوق كفر كفراً يخرجه عن الملة، الشاهد: هذا هو الفيصل، الأمور الظاهرة الواقعة يبدع فيها، وإذا عاند بعد قيام الحجة يكفر، والأمور الخفية لا يبدع فيها إلا بعد البيان (ص: 476).

الفائدة رقم : (17) – {بعض الناس يشترط في التبديع إقامة الحجة؟}

ما هو في كل شيء، السلف ما كانوا يشترطون هذا الشرط أبداً، لكن لطول الزمان ولخفاء كثير من السنن، ما يكفر، لكن يبدع، وإذا كان من الأمور التي تخفى وهو مجتهد ويريد الحق ما عنده هوى، وإذا كان عنده هوى يبدع ولو كانت خفية إذا كان يتبع هواه ، وإذا كان عُرف عنه أنه طالب حق يبحث عن الحق لكن وقع في شبهة من هذه الشبه، حديث ضعيف أو فهم سقيم لنص أو قياس فيه شيء من الخلل، هذا لا يحكم عليه بالبدعة ولا يبدع إلا إذا خالفت هذه البدعة نصاً وأصر عليها؛ فحينئذ يبدع (ص : 477).

الفائدة رقم : (18) – {هل من يقول القرآن مخلوق يكفر؟}

كفره السلف، لكن ابن تيمية لا يكفرهم، وكثير من المتأخرين ما يكفرونهم؛ لأن الأولين كانت الأمور عندهم واضحة، والإسلام واضح، والصحابة عندهم ثم التابعون ثم… ثم …. فكفروهم، لكن الآن تكاتفت الشبه كما يقول ابن تيمية، فيقول: تعذرهم حتى تقوم عليهم الحجة، وبعد إقامة الحجة يكفرون أما السلف فكفروا، والله أعلم أن السبب الوضوح عند الجهمية في ذلك الوقت وعند غيرهم من المعتزلة وغيرهم ، ملاحظة: كان الإمام أحمد – رحمه الله – يفرق بين الجهمية فيكفرهم بقولهم بخلق القرآن وبين الجهال فلا يكفرهم حتى تقام عليهم الحجة (ص : 478).

الفائدة رقم : (19) – {ولا يحل أن تكتم النصيحة أحداً من المسلمين}

قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : ولا يحل أن تكتم النصيحة أحدًا من المسلمين، برهم وفاجرهم، في أمـر الدين، فمن كتم فقد غش المسلمين، ومن غش المسلمين فقد غش الدين، ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
قال الشيخ ربيع : الله أكبر، و(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )[البقرة: 159]، فالذي يكتم الحق، ويكتم النصيحة، ولا يبينها للناس، هذا غاش، ويستحق من الله اللعنات، وهذا يتحتم على من عنده معرفة بالحق من الكتاب والسنة، أن يبين للناس الحق، العقائد الصحيحة من العقائد الباطلة، والحلال من الحرام، والمعروف من المنكر، والسنة من البدعة، والهدى من الضلال، مسئولية عظيمة على طلاب العلم، وورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (ص : 482).

الفائدة رقم : (20) – {هذا من الغش والتلبيس الذي تسلكه هذه المناهج السياسية}

وهدد الله تبارك وتعالى ولعن من يكتمون الحق، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) سورة البقرة ، هذا الكتمان موجود عند كثير من الناس الآن، عند أهل الأهواء والبدع، وخاصة البدع السياسية، الذين يقولون: نجمع المسلمين وفقط، الذي يهمنا فقط جمع المسلمين، روافض، خوارج، معتزلة، صوفية قبورية، نجمعهم، ونواجه بهم الاستعمار، هو يعرف النتائج أن هذا الحشد من الغثاء لا ينفع بشيء، لا ينكأ صيدًا، وإنما يفقأ العين، يفقأ عين المسلمين ولا يرد كيد الأعداء، كم الآن مر عليهم؟ ، أكثر من ثمانين سنة وهم يحشدون أهل الباطل، والروافض والبدع، وما نفعوا المسلمين بشيء، وإنما ألحقوا الأضرار الفادحة بالمسلمين، ولو سلكوا طريقة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- في بيان الحق، وتربية الناس على هذا الدين الحق، على العقائد الصحيحة والمناهج الصحيحة، لكان وضع المسلمين الآن أحسن الأوضاع، وعلى أحسن الأحوال، ولكن مع الأسف، (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) [القصص: 50]، ولا يحل لك أن تكتم النصيحة، من النصيحة أن تبين للناس عقائدهم الصحيحة، تراهم يعبدون القبور، تراهم واقعين في الرفض، تراهم واقعين في مذهب الخوارج، في مذهب المعتزلة، في القبورية الصوفية، في الأشياء هذه وأنت لا تبين، بل تربت على أكتاف الروافض، وغلاة الصوفية، والقبوريين، وتقول: كلنا مسلمون، نحن مسلمون، والخلافات بيننا وبين الروافض كالخلاف بين أبي بكر وعمر، أو مالك والشافعي وأحمد، هذا من الغش والتلبيس الذي تسلكه هذه المناهج السياسية، مناهج سياسية قامت على ضلالات وبدع؛ لأن هؤلاء السياسيين أصلهم خرافيون أهل بدع وضلال، عندهم مزيج من البدع والضلالات، من الرفض والخروج وإلى آخره، ولا يهمهم إلا الوصول إلى الكراسي، فلا يهمهم أصلحت عقائد الناس أم فسدت، في الآخرة هل يدخلون النار أو يخرجون، لا يبالون، المهم أن أهدافهم الدنيوية تتحقق في هذه الحياة الدنيا، والله سبحانه وتعالى خيب آمالهم، لم يصلوا إلى شيء ينفعهم أو ينفع المسلمين، فنسأل الله العافية ، فعلينا بالنصيحة يا إخوة، والرسول سمى الدين: النصيحة، (الدين النصيحة الدين النصيحة) ، قلنا: لمن؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم( ، ومر رسول الله ﷺ بصبرة طعام، فأدخل يده فيها، فوجد بللا فيها قال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) ، قال: أصابته السماء ، قال: (هلا أظهرته للناس، من غشنا فليس منا)(رواه مسلم)، وإذا كان هذا الغاش في الدنيا (ليس منا)، في حبيبات من الطعام، كيف في الدين وفي العقائد وفي المناهج ؟! (ص : 483-484).

الفائدة رقم : (21) – {تحذير علماء أهل السنة والجماعة من أهل الكلام وعلم الكلام الفاسد}

قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : {واعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة قط، ولا كفر، ولا شك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين، إلا مـن الكلام، وأهـل الـكلام والجدل والمـراء} .
قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي معلقًا : (يحذر المؤلف – رحمه الله – من علم الكلام المذموم، الذي أجمع السلف على تحريمه وضرره على العقول وخطره على العقائد، حتى إن الشافعي – رحمه الله – قال: “لأن ألقى الله بكل ذنب ما عدا الشرك أحب إلي من أن ألقاه بعلم الكلام”(رواه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم” (2/ 192) والخطابي في “الغنية” (ص37) والبيهقي في “الكبرى” (206/10) ، وغيرهم من طرق عن الشافعي، وفي بعض رواياته: (بشيء من الأهواء) بدل (علم الكلام) ، وقال – رحمه الله – : “حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله، وأقبل على علم الكلام” أو كما قال رحمه الله تعالى ، ذكره ابن عبد البر في “جامع بيان العلم” (2/193)والذهبي في “تاريخ الإسلام” (329/14) من طرق عن الشافعي، وقال الذهبي في “السير” (29/10) لعل هذا متواتر عن الإمام ، هذا من فقه السلف، وإدراكهم لخطورة البدع، وقبله أدرك السلف ضرر علم الكلام، وأنه يورث الشك والحيرة والكفر والزندقة ، قال الإمام البربهاري r : {واعلم -رحمك الله- أنه ما كانت زندقة قط، ولا كفر، ولا شك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين، إلا من الكلام}.
قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي : (علم الكلام هذا خبيث، الذي يسميه أهل الضلال – ومنهم الأشاعرة- يسمونه: أصول الدين، أصول دين الشيطان، ما هو أصول دين الله، أصول دين الباطل، ما هو أصول دين الإسلام، أصول الدين في الإسلام: أركان الإيمان، أركان الإسلام، التي نص عليها الكتاب، ونص عليها محمد ﷺ، وعرفه علماء الإسلام، أصول الإسلام: القرآن والسنة والإجماع، ما هو علم الفلاسفة والضلال؛ لأن علم الكلام فلسفة، أخذوها من اليونان، فصار هذا لجهلهم وضلالهم وإغراقهم في الحيرة والضلال يسمون هذا العلم الفاسد: أصول الدين / (فتح الباري بيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري ج2 ص9-10).

  • الفائدة رقم : (22) – {الحد الصحيح في القياس في الفقه}

– ج: حد القياس إلحاق أمر بأمر لعلة جامعة بينهما، والقياس ضرورة، لا يرجع إليـه إلا في حال الضرورة، ولا ترد النصوص من أجله، كما يفعل أهل الآراء، قياس صحيح، ويحتاجه الناس، فهذا أمر مقبول، قاله الصحابة ودل عليه الكتاب، ودلت عليه السنة، وكان عليه الصحابة، يعني نص، يعني نتناول أموراً، ثم تجد أموراً تأتي مثل هذه أو أولى منها، فتقاس، إما قياس الأولى، أو بقياس المساوي المماثل، فيلحق بالأصل عند الحاجة، فهذا القياس مسلّم به، ولا ينازع فيه أهل السنة، وإنما ينازع فيه الظاهرية ، وأما الغلو فيه، على طريقة أهل الرأي الذين غلوا فيه، وصاروا يردون به النصوص من الكتاب والسنة، فهذا هو الرأي المذموم الذي إذا ذمه السلف إنما يقصدون هذا النوع (ج2ص75).

الفائدة رقم : (23) – {فهذا دليل أن ما يهذي به الروافض والغلاة من الشيعة كلام باطل}

في صحيح مسلم في حديث زيد بن أرقم، أن النبي ﷺ قام فيهم خطيباً في طريقه من مكة إلى المدينة، ثم قال: «…وأنا تارك فيكم ثقلين أولها كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»، كما يقول بعض أهل السنة: لو كانت الخلافة محصورة فيهم لأوصاهم بالناس، بدل أن يوصي بهم، كان يوصيهم بالناس، لو كان هذا الحديث يفيد أن الخلافة خاصة بهم، لا ينازعهم فيها أحد، لكانت وصية رسول الله لهم أن يوصيهم بالأمة، أما وقد أوصى الأمة بهم فهذا دليل أن ما يهذي به الروافض والغلاة من الشيعة كلام باطل ، الشاهد: أننا نأخذ من هذا احترام أهل البيت وحبهم؛ لقرابتهم من رسول الله عليه الصلاة والسّلام، فنحن نحب من استقام منهم على ما كان عليه رسول الله وأصحابه لحبنا لرسول الله من أجل أنهم أقرباء الرسول عليه الصلاة والسّلام، فنكرمهم من أجله، ونقدمهم على غيرهم ، وهذا معروف عند الناس إنك تكرم المرء من أجل قريبه، وهذا شيء معروف، فعلامة احترامنا لرسول اللہ ﷺ وحبنا له أن نحترم أقاربه ونحبهم، لكن هذا إذا التزموا الحق، واتبعوا الرسول، إذا كانوا كذلك فنحن نقدمهم على غيرهم لقرابتهم من رسول اللہ ﷺ ولوصيته المسلمين بهم (ج2ص84).

الفائدة رقم : (24) – {نحب أقارب النبي ﷺ ونحترمهم إذا التزموا منهج النبيﷺ}

فعلامة احترامنا لرسول الله ﷺ و وحبنا له أن نحترم أقاربه ونحبهم، لكن هذا إذا التزموا الحق، واتبعوا الرسول إذا كانوا كذلك فنحن نقدمهم على غيرهم لقرابتهم من رسول الله ﷺ ولوصيته المسلمين بهم، وأذكر أن رجلاً سلّم عليَّ في المسجد النبوي، وقال: أنا فلان السقاف، فقلت: أنت السقاف الذي يرد على الألباني قال : لا ، يعني كان فيه شيء من السنة، فقلت: إذا التزمتم منهج الرسول قدمناكم على الناس، وإذا تخلفتم عنه ما لكم حق علينا، سنعاملكم معاملة أبي لهب، فضحك، لأن هذا لما يكون من أهل البيت وينحرف وزره أكبر من غيره، كما قال الله لزوجاته : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)[الأحزاب:30]،وقال في حق الرسول نفسه (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) [الإسراء:74-75]؛ فالإنسان على قدر منزلته تضاعف عليه المسئولية فإذا كان أهل البيت يريدون الناس أن يكرموهم، قبل أي شيء عليهم أن يخلصوا لله – تبارك وتعالى – ، وأن يلتزموا منهج هذا الرسول الكريم ﷺ، وأن يعضوا على منهجه وما جاء به بالنواجذ، ويكونون مثلاً علياً للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ، أما أن يطلبوا حقهم، ويتركون حق الله، وحق الرسول، وحق الإسلام، فهذا هم يتحملون مسئوليتهم (ج2ص85).

الفائدة رقم : (25) – {تسوية الصفوف في الصلاة من أسباب تقوية روابط الإخوة}

من هنا يرشدنا الرسول ﷺ أن نستعمل الأسباب التي تقوي هذه الروابط، روابط الإخوة والمحبة، منها إفشاء السلام ومنها تسوية الصفوف، وسد الخلل، (لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم) (رواه البخاري ومسلم)؛ فسد الخلل، وتسوية الصفوف، وإفشاء السلام، هذه مما توثق وتؤكد وتقوي المحبة والمودة والإخوة فيما بين المسلمين ، فعلينا -أيها الإخوة – أن نهتم بهذه الأمور، وحينما روى أبو مسعود حديثاً في تسوية الصفوف وعدم الإخلال بها ألا وهو حديث (استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، قال: (وأنتم اليوم أشد اختلافًا) (رواه مسلم)، فرأى – رضي الله عنه – أَن أسباب من الاختلاف التقصير في القيام بهذا الواجب، وهو سد الخلل، وتسوية الصفوف، قال: (وأنتم اليوم أشد اختلافاً)، يشير إلى أن من أسباب الخلاف التقصير في هذا الأمر المهم؛ لأن هذا كلام الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، والله لتقومن بهذا الواجب أو تحصل هذه النتيجة ، فنأسف الآن، أن كثيراً حتى من السلفيين، لا يهتمون بتسوية الصفوف، ولا بسد الخلل، وهذا أمر خطير ، يجب أن نعنى به، فإخواننا في الهند، وفي كثير من المساجد الباكستانية يهتمون بهذه الأشياء، وبعض إخواننا في اليمن ما أدري هذه القضية قضية سد الخلل، وإلصاق الكعب بالكعب أحسن حالاً من كثير عندنا؛ لأن هنا الذين يلتزمون هذه السنة قليلون جدًّا، حتى من السلفيين والحق أن هذا أمر مؤكد إذا قمنا به تحصل هذه النتائج الطيبة (ج2ص90).

الفائدة رقم : (26) – {إذا افتخر الهاشمي، أو التميمي، أو من أي قبيلة، إذا افتخر بنسبه فإن هذا يدخل في الجاهلية}

والقرشي والهاشمي عليه أن يبتعد عن الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب لأن هذه من الجاهلية، فإذا افتخر الهاشمي، أو التميمي، أو من أي قبيلة، إذا افتخر بنسبه فإن هذا يدخل في الجاهلية، والعياذ بالله، فعلينا أن نتواضع، فعلى المسلم أن يتواضع سواء رفعه الله بالعلم، أو بالنسب أو بغيره عليه أن يتواضع لله رب العالمين، وهذه الأمور ما تواضع عبد إلا رفعه الله، ولا تكبر إلا وضعه الله، فينبغي أن نعنى بالتواضع، واحترام الناس، فهذا له دور كبير جدًّا في تأليف القلوب على الخير،وعلى الحق، وهذه كلها يحتاجها المسلمون في العلاقات مع بعضهم البعض (ج2ص92).

الفائدة رقم : (27) – {من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي}

قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : (واعلم أن من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي هكذا قال أحمد بن حنبل) – رحمه الله -، يعني في أيام المحن، وفتنة الجهمية، وتسلطهم على أهل السنة والجهمية من أبرز ضلالاتهم تعطيل الصفات، وإنكار علو الله وقولهم : إن القرآن مخلوق، وإن الله لم يتكلم، ونشأ أناس ينتسبون إلى السنة يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق ، وقد يكون هذا من دس الجهمية على بعض المنتسبين إلى السنة، فقال بعض الناس: لفظي بالقرآن مخلوق، ومنهم الحسين بن علي الكرابيسي، فبدع أحمد من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ، لماذا ؟ ، حتى لو كان قصده صحيحًا، فإنه ليس له أن يقول ذلك؛ لأن كلمة (لفظ) تحتمل أن يراد بها الملفوظ به وهو القرآن، وتحتمل أن يكون المراد به لفظ القارئ، الذي هو كلامه، وقوله، ومنطقه، فلما كان هذا اللفظ محتملاً لهذين المعنيين ووسيلة إلى اتخاذه سبيلاً إلى القول بأن القرآن مخلوق؛ لأنه إذا كان أحد احتماليه هو الملفوظ به وهو القرآن فإنه لاشك لو قصد هذا لكان جهميّاً، إذا كان يقصد الملفوظ يكون جهمياً فعلاً، والجهمي – عرفتم – كفره السلف ، فإن كان قصده المعنى الباطل فهو تجهم، وإن كان يقصد المعنى الصحيح فهو مبتدع؛ لأن قوله هذا يتذرع به أهل الأهواء إلى القول بأن القرآن مخلوق، فأحمد – لفقهه ونفاذ بصيرته وحمايته للسنة – بدع من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لأنه يطرق لأهل البدع أو الجهمية أن يقولوا القرآن مخلوق، أو يطرق لهم أن يتحايلوا بهذا اللفظ ليصلوا إلى مرادهم من هذا اللفظ وهو لفظي بالقرآن مخلوق ، إلى مرادهم وهو أن القرآن مخلوق، فلما كان هذا اللفظ ذريعة يؤدي إلى القول بخلق القرآن، بدع أحمد وشدد النكير على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، يعني هو وسيلة، لفظي بالقرآن مخلوق وسيلة إلى القول بخلق القرآن، لماذا؟ ، لأن لفظ يحتمل المصدر ، ويحتمل الملفوظ به، وهو القرآن ، لفظ مصدر يأتي الثالث في تصريف الفعل أليس كذلك؟ ، ويحتمل أن يراد به الملفوظ، قولي بمعنى مقولي، لفظي بمعنى ملفوظي ، فلما كان يحتمل أن يكون القائل قاصداً به القرآن الذي يُتلفظ به، ويحتمل المعنى الآخر الذي هو المصدر، لفظي: لفظ يلفظ لفظاً، لما كان يحتمل هذا وهذا وكان هذا الاحتمال يطرق لأهل البدع أن يتوسلوا به إلى القول بأن القرآن مخلوق، حسم الأمر الإمام أحمد، وشدد النكير على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق تقول القرآن كلام الله غير مخلوق إذا كنت صادقاً، من أهل السنة والجماعة، وتنكر على الجهمية، وعلى أهل الضلال القول بأن القرآن مخلوق قل القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا تلف وتدور ما الداعي لهذا القول لا داعي له إلا التطريق إلى الفتن، وإلى القول بخلق القرآن ، ولهذا شدد الإمام أحمد وأهل الحديث في زمانه على من يقول ذلك، وافتعل بعض الجهمية مكيدة للإمام البخاري ليضرب أهل السنة بعضهم ببعض، فأشاع عن الإمام البخاري أنه قال : لفظي بالقرآن مخلوق، بل البخاري يكفر من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ويشدد في ذلك، لكن كادوه في هذا ، وانطلت هذه المكيدة على بعض أهل السنة ومنهم الإمام محمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري – رحمه الله -، وتلاميذه، ولكن كشفت هذه المكيدة فيما بعد لأهل السنة، وعرفوا منزلة البخاري – رحمه الله -، وعرفوا براءته، وتحدث عن هذه المسألة في كتابه خلق أفعال العباد، ونُقل عنه كما ذكر الذهبي في “السير”، أنه من يقول : لفظي بالقرآن مخلوق كافر؛ لأنه ذريعة إلى التجهم، فعرفوا براءة البخاري من هذه التهمة التي كاده بها أهل البدع، وقصدوا بذلك تفريق أهل السنة، وضرب بعضهم ببعض ، كما يجري مثل هذه المكايد في كل زمان و مكان وإلى يومنا هذا ، قال: (ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي)، يعني يقول: أنا متوقف، لا أقدر أن أقول: القرآن مخلوق، ولا غير مخلوق، هذا المراد به سكت وهو التوقف، عندما يسأل ما رأيك بالقرآن ؟، يقول ما أقدر أن أقول: إنه مخلوق، ولا غير مخلوق نقول هذا جهمي، يعني هذا شك، لابد من اليقين الصدع بأن القرآن كلام الله غير مخلوق أما أن تتلاعب وتتحايل تقول : ما أدري مخلوق أو غير مخلوق، فهذا شك وتشكيك في كلام الله، والقرآن واضح في أنه كلام الله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّه﴾ [التوبة: ٦] ، الله يتكلم : ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) [النساء : ١٦٤]، هذا بالتأكيد الذي يرفع احتمال المجاز، والله يتكلم متى شاء، وإذا شاء، كلم الملائكة، وكلم موسى، وكلم آدم وحواء ومحمداً، وكلم جبريل، وأنزل عليه الوحي للأنبياء جميعاً ، كلمه بالوحي، ويتكلم : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]، (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: ١٠٩] والقرآن والكتب المنزلة على الأنبياء من كلامه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فما الداعي إلى التوقف في القرآن، أنت لا تؤمن بهذه الآيات الصادعة بأن الله تكلم، ويتكلم متى شاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يتكلم بالكلام الشرعي، والكلام الكوني القدري: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، هذا معنى قوله: (ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي) ، نعم، إذ لابد من الجزم، لابد من الاستيقان بأن هذا القرآن كلام الله تكلم به سمعه جبريل من رب العالمين و بلغه محمداً ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) [الشعراء ١٩٣ – ١٩٥]، ومن أوضح الأدلة بعد هذه الأدلة أن الله تحدى به الجن والإنس أن يأتوا بمثل كلامه، فقال: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾ [الإسراء: ۸۸]، هذا من أكبر الآيات وأوضحها على أن هذا القرآن كلام الله عَزَّوَجَلَّ، وأن محمداً رسول الله حقًّا، أوحى الله إليه هذا القرآن، فلا محمد، ولا غيره، ولا الجن والإنس إذا اجتمعوا بما فيهم الأنبياء، حتى الملائكة والإنس لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولا بعشر سور من مثله، ولا حتى بسورة من مثله؛ لأنه كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، تحدى به الكفار، وغيرهم من المخلوقات (ج2ص119).

الفائدة رقم : (28) – {مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ قَدِ اسْتَوَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِرَبِّه}

قال ابن خزيمة – رحمه الله – : (مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ قَدِ اسْتَوَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِرَبِّهِ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأُلْقِيَ عَلَى بَعْضِ الْمَزَابِلِ حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُعَاهَدُونَ بِنَتَنِ رِيحِ جِيفَتِهِ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئًا لَا يَرِثُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذِ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)(رواه الحاكم في كتاب : معرفة علوم الحديث ص125).

الفائدة رقم : (29) – {هل ابن حزم – رحمه الله – من غلاة الجهمية، وما هو قوله في مسألة الإيمان}

س: هل ابن حزم – رحمه الله – من غلاة الجهمية، وما هو قوله في مسألة الإيمان؟

ج: شيخ الإسلام ابن تيمية يشهد له أنه في مسائل الإيمان على طريقة أهل السنة والجماعة، وفي أبواب الصفات هو مشى على طريقة الجهمية، حتى إن ابن عبدالهادي، قال فيه جهمي جلد، لكن هذا من المعذورين؛ لأنه كان ينص على منهج أحمد، وكان محباً للسنة ويوالي ويعادي عليها، ورفع لواءها ونصرها، فهو وقع في شيء من التجهم لا عن خبث، حتى إنه متناقض في جهميته أحيانًا، يعني يفوق المشبهة في الإثبات نستغفر الله، يقول: الله يد وأيدٍ، وعينان وأعين وهكذا، يعني على مذهبه الظاهري، فهو يتخبط مسكين؛ لأن الرجل بدأ حياته في الترف، ووزارة، وكذا وكذا، وطلب العلم على نفسه تقريباً، ما طلب على علماء، فوقع في متاهات، ودخل في علم الكلام والمنطق وكذا وكذا، وتأثر كثيرًا بهذه الأشياء، لكن كان محباً للسنة مناصراً لها، ويجهد جهده في اتباع أحمد بن حنبل واقتفاء أثره ويرى نفسه أنه على طريقته، وهذه مزاعم باطلة، يكذبها واقعه، الشاهد: أنه في مسائل الإيمان كما يشهد له شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: فإنه على طريقة أهل السنة والجماعة، وأنا ما درست هذا الجانب من حياة ابن حزم، لكني وقفت على شيء من ضلالاته الجهمية، لكنه كما يعتذر له ابن تيمية – كان يرى نفسه على طريقة أحمد يعني الجهمية حاربوا أحمد، وعادوه ، فهو يحب أحمد ويحب أهل الحديث ويحترمهم، فعنده شبه كما قلنا إن الأشعرية المتأخرين وإن كان عندهم كفريات الجهمية، وابن حزم عنده المذهب الجهمي الكافر، لكن لا نكفره لأنه ما قامت عليه الحجة (ج2ص161)

الفائدة رقم : (30) – {علماء الفرقة الناجية هم ورثة الأنبياء حقاً}

علماء هذه الطائفة (الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة) هم حقاً ورثة الأنبياء، كيف ورثوهم؟ ، ورثوهم في الأخذ بالوحي، من أخذ بالوحي فهو الوارث، ومن اعتمد على البدع والضلالات أو المنطق والفلسفة والضلالات والتصوف هذا ليس بوارث، هذا وارث لغير الرسول ، أما ورثة الرسول ﷺ حقاً، فهم الذين اعتصموا بكتاب الله في عقائدهم وفي عباداتهم، وسائر شؤون حياتهم، وهي هذه الطائفة التي تحدث عنها رسول الله ﷺ فجاءت في كل زمان كما أخبر .. (ج2ص169).

الفائدة رقم : (31) – {فعليكم بالثبات يا شباب الأمة على هذا الحق، اثبتوا واصبروا فإن الله ناصر الحق}

في الحديث عن النبي ﷺ قال : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوئهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم)، فناس يناوئون وناس يخذلون، يخذلون يعني يعرف أنَّ هذه الطائفة على حق لكن يخذلها، وناس يناوئونها بالباطل، ويصارعونها بالباطل، فلا يضرهم هذا المخذل المتخاذل، ولا يضرهم أولئك المناوئون، فعليكم بالثبات يا شباب الأمة على هذا الحق، اثبتوا واصبروا فإن الله ناصر الحق – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – في الدنيا والآخرة: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)}[غافر] ، فالعاقبة للمتقين، والنصر للمؤمنين، بشرط أن يثبتوا وأن يصبروا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران]، فوالله إن مواجهة أهل البدع أشد على المجاهد عن السنة الذاب عنها، أشد والله من مواجهة اليهود والنصارى، أشد بكثير وكثير، يسهل على المسلم أن يواجه في الجبهات الصواريخ والدبابات، ومن أشق ما يكون على النفس مواجهة أهل الباطل بالحق، ولهذا ترى كثيراً من الناس يهربون ويخذلون ويتأولون، كل ذلك منهم فراراً من مواجهة أهل الباطل بالحق؛ فالحق يحتاج إلى صبر وحكمة وشجاعة في نفس الوقت وصمود وثبات فهذه من مزايا هذه الطائفة من مزاياها أنها تصبر وتثبت حتى يظهر الحق (ج2ص170).

الفائدة رقم : (32) – {العلم ليست بكثرة الرواية والكتب}

قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري – رحمه الله – : {واعلم – رحمك الله – أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب إنما العالم من اتبع العلم والسنن، وإن كان قليل العلم والكتب، ومــن خالف الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة، وإن كان كثير العلم والكتب} (شرح السنة له) ، قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي معلقًا : كثرة الكتــب وكثرة العلم ليــس المقياس للعلم الشرعي المطلوب فالعلـم مـا نفـع ولو كان هذا العالم قليل العلم وقليل الكتب، فحيث استفاد من علمه وانتفع به عقيدة ومنهجا وتطبيقاً ، فهذا هو العلــم الذي يعتـد بـه الله تبارك وتعالى ويحبه ويحب أهله، وأثنى على أهله وقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: ٢٨)، ومن هنا قالوا: العلم خشية الله، فإذا رأيت كثير العـلـم لا يخشی الله فهذا ليس بعالم، ولا قيمة لعلمه فإنه وبال عليه، والقرآن حجة لك أو عليك، فبئس ذلك العالم الذي يكون أعوذ بالله تحت سياط الوعيد، وأن القرآن حجة عليه، وأن السنة حجة عليه، وأن العلم حجة عليه، والعياذ بالله فقد يكثر، وكونه كثير الكتب، ولكنه ضال، وقد يكون كثير العلم في اللغة وفي التفسير والحديث… وإلى آخره، ولكنه ضال، هذا علم يضر ولا ينفع، وهذا نستعيذ بالله منه وعلمنـا رسول الله الاستعاذة منه، فإذا اجتمع الأمران: العلم الكثير والكتب الكثيرة فحبذا، وإذا خلا من الاستفادة من هذا العلم، فلا تنفع كثرة الكتب، ولا كثرة العلم، فإنها وبال عليه، ولهذا يقول بعض الأنبياء: (وَمَا أُريد أن أَخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) [هود: ۱۸۸ ، فهناك أناس قوالون، وليسوا بفعالين، فيجب أن يجمع المسلم بين الأقوال والأفعال تصدق أفعاله أقواله، فيدعو إلى العقيدة ويعتقد، ويدعو إلى العمل ويعمل فهذا هو العلم النافع، يدعو إلى السنة ويلتزمها، يحارب البدعة ويكون جادا في حربهاء ومن أشد الناس بعدا عنها ، المصدر : (عون الباري ج ٢ ص ١٧٢).

الفائدة رقم : (33) – {من اقتصر على سنة رسول اللّه ﷺ وما كان عليه أصحابه والجماعة فلج على أهل البدعة كلها}

• قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري – رحمه الله – : ومن اقتصر على سنة رسول الله ﷺ ما كان عليه أصحابه والجماعة فلج على أهل البدعة كلها، واستراح بدنه ، وسلم له دينه إن شاء الله؛ لأن رسول الله ﷺ قال: «ستفترق أمتي»، وبين لنا رسول الله ﷺ الناجي منها، فقال: «ما كنت أنا عليه اليوم وأصحابي » ، فهذا هو الشفاء والبيان، والأمر الواضح والمنار المستنير، وقال رسول الله ﷺ : «هلك المتنطعون» وقال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – : «إياكم والتعمق، وإياكم والتنطع ، وعليكم بدينكم العتيق» ، قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي : قال – رحمه الله -: (ومن اقتصر على سنة رسول الله ﷺ وما كان عليه أصحابه والجماعة فلج على أهل البدعة كلها). فلج : يعني غلب، (فلج على أهل البدع كلها) بل على أهل الملل كلها، أهل البدع وغيرهم، فالذي عليه رسول الله ﷺ وأصحابه هو القرآن والسنة ، (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [يونس: 32]، فالذي يتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وما كان عليه الصحابة الكرام هو على الحق ، ولابد أن يغلب من يخالفه من أهل الأهواء؛ ولهذا أحالنا رسول الله ﷺ عندما نرى الافتراق والاختلاف إلى ما كان عليه هو، سنته وسنة الخلفاء الراشدين، فإن فيها الهدى، وفيها الرشاد، وما عدا الهدى فهو الضلال، وما عدا الرشاد فهو الغي، فلا يكون مخالفاً ما عليه الرسول وأصحابه إلا صاحب غي وضلال، يقول – رحمه الله – : (واستراح بدنه وسلم له دينه إن شاء الله)، استراح بدنه، واستراح قلبه ، قلبه يستريح قبل بدنه ، من الشكوك والشبهات المزلزلة، ويكون على يقين واطمئنان بأنه على الحق إن شاء الله؛ لأنه يستند إلى ركن وثيق وهو الحق الذي كان عليه رسول الله ﷺ وكان عليه أصحابه، وقوله ﷺ : «هلك المتنطعون» ، والمتنطع المتكلف، وأهل الضلال ما أخرجهم عن الحق إلا التنطع والتكلف، ذهبوا يأخذون بالمنطق، وبالكلام، وبالقياسات الفاسدة، فتكلفوا وتعمقوا، وتنطعوا فوقعوا في الضلال؛ لأنهم كأنهم ما رضوا بما جاء به محمد ﷺ، وما أقنعهم، لهذا وقعوا في التأويلات والضلالات والتحريفات لكتاب الله ولسنة رسوله ﷺ ، وأخذوا بالمنطق، وأخذوا بالفلسفة وأخذوا بالكلام الفارغ والعياذ بالله، فتاهوا. وإلا لو قنعوا بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وما كان عليه الصحابة الكرام لما وقعوا في هذه المتاهات وهذه الضلالات (عون الباري في بيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري ج2 ص184).

الفائدة رقم : (34) – {فهو صاحب سنة وصاحب جماعة وحقيق أن يتبع وأن يعان وأن يحفظ}

• قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري – رحمه الله – : ومن عرف ما ترك أهل البدع من السنة وما فارقوا فيها، فتمسك به، فهو صاحب سنة، وصاحب جماعة، وحقيق أن يتبع، وأن يعان، وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله ﷺ ، قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي : قوله: (وحقيق أن يتبع، وأن يعان) يعني الذي يتمسك بالسنة لا يتبع لشخصه، وإنما يتبع لأنه أخذ بالسنة وتمسك بها ودعا إليها، فإذا دعا إليها فعلى الناس أن يتبعوا هذا الحق، لا من أجل شخصه، وإنما لأجل أن معه السنة، ومعه الحق، وهو سالك الطريق التي شرعها الله قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام:153]، (وأن يعان): يجب أن يُعان وأن يُنصر، قَالَ تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2] ، فمن يتعاون مع صاحب الحق وينصره فإنما نصر الحق، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، والله أمر بهذا النصر للحق، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، قال: (وأن يحفظ) يُمنع من كيد الأعداء، ومكرهم (عون الباري بيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري ج2ص197).

الفائدة رقم : (35) – {علم النجوم الجائز منه والممنوع}

• قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : (وأقل من النظر في النجوم، إلا بما تستعين به على مواقيت الصلاة، واله عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة) ، قال الشيخ ربيع : يعني النظر في النجوم منه الجائز، ومنه المحرم وما يجر إلى الشرك والزندقة، فالجائز هو علم التسيير، يسمونه علم التسيير معرفة سير النجوم، فيستعان بذلك على معرفة أوقات الصلاة بزوال الشمس وبغروبها، وبطلوع الكواكب، ويُهتدى بها إلى القبلة، ومنه معرفة الفصول، ومواسم الزراعة، يعرفون به ما الذي يصلح في هذا الوقت، وما الذي لا يصلح، فهذه أمور يحتاج إليها البشر، وهي جائزة، ويستعينون بها على معرفة أسباب معيشتهم وأسباب دينهم، يستعين بها على معرفة شيء من دينهم كالقبلة يهتدى إليها بالنجوم والسير في البر والبحر، كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)) (النحل :١٦) ، وقال الإمام قتادة رحمة الله : (خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء ، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به » رواه البخاري ، قال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)) الصافات ، وكما قال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)) تبارك ، فالله خلقها لتكون زينة للسماء الدنيا، هذه الشمس والقمر والكواكب زينة عظيمة لهذه السماء، وجعلها الله أيضًا رجومًا للشياطين ، وجعلها علامات يهتدى بها في السير في البر في البحر في الليل والنهار، لمعرفة استقبال القبلة، المعرفة ما ذكرناه من معرفة الفصول الزراعية، ومواسمها، وما يصلح في هذا الوقت وما لا يصلح بمعرفة هذه النجوم الثريا والهقعة والهنعة والزبرة والطرفة … إلى آخره، هذه الأشياء يعرفون ماذا يصلح في هذا الفصل، وماذا يصلح في هذا الفصل. قال: (والهَ عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة)، نعم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله – في الفلاسفة: (إنهم يفنون أعمارهم في معرفة سير الكواكب لأن ذلك يساعدهم على الشرك، والسحر، يستعينون بذلك على السحر والشرك، والعياذ بالله. فلا يأخذ منه الإنسان إلا علم ما أباحه الله، وهو ما يحتاج إليه الناس، وأما ما يكون شركًا وسحرًا وما شاكل ذلك فهذا – والعياذ بالله – لا يجوز تعلمه، وكفى أنه شرك وسحر. فالناظر في النجوم، يقول: الذي يتزوج في الوقت الفلاني يحصل له كذا، والذي يسافر في الوقت الفلاني يحصل له كذا… إلى آخره، والذي يولد في الوقت الفلاني يكون كذا وكذا، ومن نجمه السنبلة ومن نجمه المريخ يحصل له كذا وكذا، يعني هذه كلها سحر وشرك، والعياذ بالله (شرح السنة للإمام البربهاري(ج2ص226)).

الفائدة رقم : (36) – {لا تَزَالُ عِصابَةٌ مِن أُمَّتي لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ}

  • قال الإمام البربهاري – رحمه الله – :

واعلم أنه لا يزال الناس في عصابة من أهل الحق والسنة، يهديهم الله ويهدي بهم غيرهم، ويحيي بهم السنن، فهم الذين وصفهم الله مع قلتهم عند الاختلاف، وقال: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) البقرة، وقال رسول الله ﷺ: (لا تَزَالُ عِصابَةٌ مِن أُمَّتي لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ) .

  • قالَ الشيخُ الدُّكتُور، ربيعِ بنِ هَادي المَدخَليِّ مُعلِّقًا:

في بيانِ أنّه لا يزالُ في هذهِ الأمّة، مَنْ يُقيمُ اللهُ بهِ الحُجَّة، ويَنصُرُ بهِ دينَه، ويَردعُ بهِ كثيراً مِنَ الغَاوين، وهُمُ الطائفةُ المَنصورَة، والفِرقَةُ النَاجْيَة (ج2ص168).

 

الفتاوى / س: نرى في كتب السلف التحذير من أهل البدع من هجر وعدم مخالطة هل نطبق هذا المنهج على أهل الأحزاب في عصرنا هذا، خاصة وأن منهم عوام الناس؟

ج: أهل السنة ينقسمون إلى قسمين قسم عندهم علم، وعندهم ثبات، وعندهم خبرات وتجارب، فعليهم أن يدعوا الناس جميعًا إلى الله عَزَوَجَلَّ الأحزاب، والنصارى، واليهود، فأهل السنة الذين عندهم علم عليهم أن يدعوا إلى الله بالعلم والحجة والبرهان فهذا لا يستلزم معاشرة ومخالطة، يعني يدعوهم في الأسواق، يدعوهم في المساجد وعن طريق الأشرطة، وعن طريق الكتب والرسائل والإنترنت وأما ضعاف أهل السنة فما نرى لهم إلا الالتزام بهذا المنهج، وتطبيقه تجاه الأحزاب وتجاه الطوائف الضالة؛ لأن كثيراً من الناس ضعفاء، وإذا كان قد منّ الله عليه بشيء من الحق فليحافظ عليه، فليحافظ على هذه النعمة العظيمة، ولا يعرضها ويجعلها في مهب الرياح، وإننا قد جربنا كثيرًا وكثيرًا وكثيراً ممن خالطوا وعاشروا الأحزاب فتاهوا وضلوا وأصبحوا أعداء للسنة وأهلها، هذا شيء معروف من كل البلدان وأنا أعايش هذا من سنوات طويلة، وجربت الكثير والكثير من هؤلاء الذين اختلطوا بالأحزاب، فذهبوا ولم يعودوا إلى السنة، ذهبوا – والعياذ بالله – من غير رجعة، إلا أن يمنّ الله على من يشاء منهم بالتوبة، فنحذر الشباب – خاصة الضعفاء منهم- ألا يخالطوا ولا يعاشروا أهل البدع، و من كان فيه كفاءة علمية وقدرة على جذب الآخرين والتأثير عليهم فليدعهم إلى الله تبارك وتعالى، أما إذا كان هو نفسه يتأثر ويتميع، وتعلق في قلبه الشبه فلا يخالطهم ولا يستمع لكلامهم ولا يجالسهم، ويأتينا كثير يقولون ويقولون…. نقول لهم عند أهل البدع المقاتل، وعندهم قواصم تقصم الظهور، لماذا تجلسون تستمعون، قال وقيل، وتأتون بعد ذلك تشكون من الشبه، لماذا لا تهاجموهم أنتم بما عندكم من الحق، إذا كان لابد من مخالطتهم؟، فأنا لما آتيه، أقول: اترك هذه الشبه الآن، وأنا أسألك عن كذا وكذا، أجبني على هذا وبعد ذلك أجيبك، أما أن يسمع الشبه، ويتزلزل منها، ويريد حلها، فهذا – والله – ضيع كثيراً من الشباب؛ لأن هؤلاء الحزبيين وأهل الفتن مدربون على كيف يستميلون الناس ويؤثرون عليهم بإلقاء هذه الشبه شبهاً معينة يدرسها ويحفظها وكذا، ويجلس يقولها أمام المساكين والضعاف، فيتساقطون، أو يتحيرون، ويتزلزلون، فلا تخالطوهم، هذا الصنف لا يخالط هؤلاء، إنسان أقوى منه ويستطيع رد شبهته، ويورد عليه من الحجج والبراهين ما يفحمه ويسكته، بل يجعله يفر كما تفر الحمر من الأسود، فكم عندهم من الفواقر والضلالات كيف تنساها، ويفتعل لك شبهة قد لا يكون لها أساس، ثم يربكك، أنا أرى كثيراً، يعني هم متسلطون بالشبه على كثير من السلفيين، ثم يأخذون كثيراً منهم بهذه الشبه، فليأخذ السلفي بما أرشد إليه السلف، والسلف أهل علم وأهل بصيرة، وما استمدوا هذا المنهج من أهوائهم استمدوه من كتاب الله ومن سنة الرسول ﷺ، هؤلاء أهل البدع والأحزاب دائماً يخوضون في الباطل، فلا تقعد معهم ؛ لأنك تخوض معهم في الباطل، وهو لا يتركك، لا يتركك من الشبه ومن الدعوة إلى باطله ، عندهم حماس لباطلهم أكثر من حماسك أنت للسنة، قد يكون ما عندك أنت حماس، بارد ميت، أما هؤلاء فتتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه، لا يترك منه عضوًا ولا مفصلاً، فهم عندهم حماس ، وأنت بارد فلا تجلس عنده وأي شبهة تزلزلك، فإذا كان هذا حالك فابتعد بنفسك، واترك مواجهتهم لغيرك ، ممن عنده القدرة ويعرف كيف يؤدبهم، وكيف يفحمهم، وكيف يسكتهم، بل كيف يؤثر على بعضهم، فيحوزهم إلى طريق أهل السنة (عون الباري بيان ما تضمنه شرح السنة للبربهاري ج2ص180).


  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 2٬874
  • مشاركة :

الفوائد المنتقاة من كتاب إتحاف أهل الإيمان بدروس شهر رمضان

  • قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة 185] ، ففي هذه الآية الكريمة ذكر الله لشهر رمضان ميزتين عظيمتين: الميزة الأولى: إنزال القرآن فيه، لأجل هداية الناس من الظلمات إلى النور وتبصيرهم بالحق من الباطل بهذا الكتاب العظيم، المتضمن لما فيه صلاح البشرية وفلاحها، وسعادتها في الدنيا والآخرة ، الميزة الثانية: إيجاب صيامه على الأمة المحمدية حيث أمر الله بذلك في قوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة 185] (ص 15) .
     
     
  •  إذا جاء رمضان :
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وغُلّقت أبواب النار وصُفدت الشياطين) [أخرجه البخاري 1898، 1899، ومسلم 1079].
    فدل هذا الحديث على مزايا عظيمة لهذا الشهر المبارك:
    الأولى: أنه تفتح فيه أبواب الجنة، وذلك لكثرة الأعمال الصالحة التي تشرع فيه، والتي تسبب دخول الجنة، كما قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل 32].
    الثانية: إغلاق أبواب النار في هذا الشهر، وذلك لقلة المعاصي التي تسبب دخولها، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى* وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات 37 ـ 39 ] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23].
    الثالثة: أنه تصفد فيه الشياطين، أي تغل وتوثق، فلا تستطيع إغواء المسلمين وإغراءهم بالمعاصي، وصرفهم عن العمل الصالح، كما كانت تفعل في غير هذا الشهر، ومنعها في هذا الشهر المبارك من مزاولة هذا العمل الخبيث إنما هو رحمة بالمسلمين لتتاح لهم الفرصة لفعل الخيرات وتكفير السيئات (ص:16).
     
     
  • عباد الله لقد كان النبيﷺ يجتهد في هذا الشهر أكثر مما يجتهد في غيره:

عباد الله لقد كان النبي ﷺ يجتهد في هذا الشهر أكثر مما يجتهد في غيره، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- مجدًا في العبادة في جميع أوقاته فكان يتفرغ في هذا الشهر من كثير من المشاغل التي هي في الحقيقة عبادة، لكنه يتفرغ من العمل الفاضل لما هو أفضل منه، وكان السلف الصالح يقتدون به في ذلك فيخصون هذا الشهر بمزيد اهتمام ويتفرغون فيه للأعمال الصالحة، ويعمرون ليله بالتهجد ونهاره بالصيام والذكر وتلاوة القرآن، ويعمرون المساجد بذلك، فلنقارن بين حالنا وحالهم وما هو مبلغ شعورنا بهذا الشهر، ولنعلم أنه كما تضاعف فيه الحسنات فإنها تغلظ السيئات فيه وتعظم عقوبتها، فلنتق الله سبحانه ونعظم حرماته {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [الحج 30](ص:19).

 

 

 

  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 1٬495
  • مشاركة :

سلسلة الفوائد المنتقاة من موعظة النساء

  • أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة شأنها كشأن أحكام الدين كلها ؛ محكمة غاية الإحكام :

– عليكِ أن تعلمي – أيتها الموفقة – أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة شأنها كشأن أحكام الدين كلها ؛ محكمة غاية الإحكام ، مُتقنة غاية الإتقان لا نقص فيها ولا خلل ، ولا ظلم فيها ولا زلل ، كيف لا ! وهي أحكام خير الحاكمين ، وتنزيل ربّ العالمين ، الحكيم في تدبيره ، البصير بعباده ، العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ؛ ولهذا فإنّ من أعظم العدوان ، وأشد الإثم والهوان أن يُقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها : إنّ فيها ظلمًا أو هضمًا أو إجحافًا أو زللًا ، ومن قال ذلك أو شيئًا منه فما قدر ربه حقّ قدره ، ولا وقّره – سبحانه وتعالى – حقّ توقيره ، والله – جل وعلا – يقول :{ مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } أي لا تعاملونه معاملة من توقّرونه ، والتّوقير : التّعظيم ؛ ومن توقيره سبحانه أن تُلتزم أحكامه وتُطاع أوامره ويُعتقد أنّ فيها السّلامة والكمال والرّفعة ، ومن اعتقد فيها خلاف ذلك فما أبعده عن الوقار وما أجدره في الدنيا والآخرة بالخزي والعار ، فلنتّق الله ولنعظم أحكام الله – سبحانه وتعالى – { ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (ص:10).

  • جاء بها صيانة للمرأة وحفظًا لها :

– أيّتها الموفّقة عندما جاء دين الإسلام بتلك الأحكام المختصّة بالمرأة كالحجاب والحشمة ، والقرار في البيوت ، والحذر من الاختلاط إلى غير ذلك جاء بها صيانة للمرأة وحفظًا لها ، ووقاية لشرفها ومكانتها وحماية لها من الشّرّ والفساد ، ولتُكسى بتلك الضوابط حُلل الطّهر والعفاف ، فالمرأة في ميزان الإسلام دُرّة ثمينة وجوهرة كريمة تُصان من كل أذى وتُحمى من كلّ رذيلة ؛ فما أعظم أحكام ديننا ، وما أجلّ شأنها ، وما أعظم بركتها ، وما أحسن عوائدها لمن وفّقه الله – سبحانه وتعالى – للالتزام بها ؛ وأمّا من تخلّى عن ضوابط الدّين وتوجيهاته الحكيمة زعمًا منه أنّها تعوّق عن المصالح ، أو أنّه يترتّب عليها مفاسد أو أضرار أو أنّها جناية على المرأة إلى غير ذلك ممّا يُقال ، فهذا كلّه من التّجنّي العظيم والقول على الله وعلى كلامه وعلى وحيه وحكمه بغير علم ، ومن أعظم المحرّمات وأكبر الآثام القول على الله – سبحانه وتعالى – بلا علم ، كما قال تعالى : {وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} (ص:11).

  • اسمعي الآية بتدبُّر وطمأنينة وتقبُّل وانشراح صدر :

– أيَّتُها الأخت المُوفّقة : عندما تقرئين آية من كتاب الله وحديثًا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مشتملاً على توجيه يختصُّ بالمرأة ، فاسمعي الآية بتدبُّر وطمأنينة وتقبُّل وانشراح صدر ؛ لأنَّ الكلام الذي تسمعينه هو كلام من خلقك – سبحانه وتعالى – وأوجدك وأمدَّك بالسّمع والبصر والحواسّ والقوى والنّعم ، والفرق بين كلامه وكلام خلقِه كالفرق بينه وبين خلقِه – سبحانه وتعالى – فإيّاك ثمّ إيّاك أن يكون في صدرك وحشة أو نفرة أو انقباض من توجيهات ربّ العالمين ، وهكذا الشّأن في الأحاديث الصّحيحة الثّابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، قال تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (ص:12) .

  • عِزّ المرأة وفلاحها :

– أيَّتُها الأخت الكريمة الفاضلة : إنّ سعادتكِ مُرتبطة بهذا الدّين وبالتزام توجيهاته الحكيمة ، وآدابه الكريمة وإرشاداته السّديدة الّتي هي عِزّ المرأة وفلاحها ، وإن كنتِ تبحثين عن الجمال الحقيقي والزّينة التّامّة ، فاعلمي أنّ الله – سبحانه وتعالى – يقول : (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) ، ويقول- جل وعلا – : (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، وفي الدعاء المأثور : (اللّهمّ زيّنا بزينة الإيمان) ، فالإيمان والتّقوى والالتزام بشرع الله – سبحانه وتعالى – وأحكامه وتوجيهاته هو الزّينة الحقيقيّة ، هو الجمال الحقيقيّ ، وهو السّعادة الحقيقيّة ، وهو فلاح المرء في دنياه وأُخراه (ص13).

  • أشاد الله في القرآن بحياء المرأة العظيم وما يترتب على حيائها :

– وقد أشاد الله في القرآن بحياء المرأة العظيم ، وما يترتب على حيائها من سترٍ وعفةٍ وحشمةٍ وبُعدٍ عن الاختلاط بالرجال ، قال الله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) إلى قوله جل شأنه: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) [القصص:23-25] ، وكلما كانت المرأة متصفة بالحياء متحلية به كان ذلكم أكمل في أخلاقها وأجمل في حليتها وزينتها ، بينما إذا نزعت المرأة عن نفسها جلباب الحياء وأطاحت بلباس الحشمة والعفة فقدَت جمالها الحقيقي ومكانتها العالية الرفيعة السنيّة ونزلت في الحضيض (ص:17).

  • الرجال والنساء سواء فيما يتعلق بالتقرب من الله :

– أيها المؤمنون ويا أيتها الأخوات المؤمنات : فيما يتعلق بالتقرب من الله ونيل رضاه وبلوغ الدرجات العلا في جنات النعيم ؛ الباب للرجال والنساء سواء : في الإسلام والإيمان ، والقنوت والصدق والصبر والصيام ، والخشوع لله والإكثار من ذكره تبارك وتعالى .. فالباب مُشرَع للجميع ومهيأ للجميع رجالاً ونساءً ذكوراً وإناثاً ، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:35-36]  (ص:17).

  • فالمرأةُ المسلمة التي تخشى الله لا تلتفت إلى ما يدعو إليه الهمَل من الناس :

– إن توجيهات القرآن للمرأة وهداياته لها هدايات فيها العز للمرأة ولمجتمعها وفيها الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ، والواجب على المرأة المسلمة التي منَّ الله عليها بالإيمان وهداها للإسلام وعرَّفها بمكانة القرآن وجعلها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام ؛ أن ترعى لآداب القرآن وتوجيهاته وهداياته قدرها ، وأن تعرف لها مكانتها ، وأن تأخذ بها مأخذ العزم والحزم والجد والاجتهاد ، وأن تربأ بنفسها مما يدعوها إليه الهمَل من الناس ممن تاهت بهم الأفكار وانحرفت بهم السبل وحادوا عن هدايات القرآن الكريم، فالمرأةُ المسلمة التي تخشى الله وتخافه سبحانه وتُعِدُ نفسها للقاء الله لا تلتفت إلى ما يدعو إليه الهمَل من الناس ، ممن إذا تكلموا لم يتكلموا بوحي ناطق ولا بسنة مأثورة ولا بفضيلة يُتطلع إلى فعلها ويُعتنى بتتميمها وتحقيقها ، والمرأة المسلمة إذا ألزمت نفسها بهدايات القرآن وزمّت نفسها بزمام الشريعة وحافظت على آداب القرآن وهداياته سعدت في دنياها وأخراها ، وعليها في هذا المقام أن تتأمل كثيرا في قوله تعالى : (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: ٢٧] ، وإنا لنسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي وسع كل شيء رحمة وعلما أن يحفظ نساءنا … (ص:18).

  • الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يدرك مداه :

– عباد الله : وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ) ، وروى مسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) .
عباد الله : ومن يتأمل التاريخ على طول مداه يجد ذلك ؛ فإن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلُّل الأخلاق وفساد القيم وفُشوا الجريمة هو تبرج المرأة ومخالطتُها للرجال ، ومبالغتُها في الزينة والاختلاط ، وخَلوتُها مع الأجانب ، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلَّتها وأكمل تعطُّرها .
عباد الله : والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلا ليصونها عن الابتذال ، وليحميَها من التعرض للريبة والفحش ، وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد ، وليكسوَها بذلك حُلَّة التقوى والطهارة والعفاف ، وسدَّ بذلك كلَّ ذريعةٍ تفضي إلى الفاحشة .

  • اختلاط المرأة بالرجال ومزاحمتهم منهي عنه في العبادة فكيف الحال بغيرها :

– عباد الله : وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ) ، وروى مسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وعن أم حميد الساعدية – رضي الله عنها – أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ، قَالَ : ( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي ) ، وعن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) ، كل ذلك عبادَ الله حفظًا للمرأة من الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم ؛ وهذا في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه ، فكيف إذاً – عبادَ الله – بالأمر في الأسواق والأماكن العامة والمنتديات !! ولما دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاتُها وقالت لها : يا أم المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، قالت عائشة – رضي الله عنها- : ( لا آجرَك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبرت ومَررت ) ؛ قالت لها ذلك – عباد الله – مع أنها في أشرف مكان وخيرِ بقعة ومكانِ طاعة جوارَ الكعبة ؛ فكيف الأمر – عباد الله – بمن تزاحمُ الرجال في الأسواق والأماكن العامة والمنتديات وهي في كامل زينتها وأجمل حليتها وأبهى تعطرها !! ، عباد الله : إننا نقول هنيئا للمرأة المسلمة إذا عاشت حياتها ممتثلةً هذه التوجيهات الكريمة والهدي القويم غير ملتفتة إلى الهَمَلِ من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة والله جلّ وعلا يقول : ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:٢٧]

  • تحريم الإسلام للاختلاط حماية للمرأة وللمجتمع :

ومن يتأمّل التّاريخ على طول مداه يجد أنّ من أكبر أسباب انهيار الحضارات ، وتفكّك المجتمعات ، وتحلّل الأخلاق وفساد القيم ، وفشوّ الجريمة هو تبرّج المرأة ومخالطتها للرّجال ، ومبالغتها في الزّينة والاختلاط ، وخلوتها مع الأجانب ، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامّة وهي في أتمّ زينة وأبهى تجمّل ، قال العلّامة ابن القيّم – رحمه الله – : (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال أصل كلِّ بليةٍ وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة) (الطرق الحكميّة ص: 239)(21).

  • خاف على نفسه من الفتنة وهو في مسجد النبي ﷺ :

– أيها المؤمنون عباد الله : عبرة عظيمة وفائدة جليلة ثمينة نفيدها من قصة صحابية فاضلة وهي تحكي خبر إسلامها ونبأ دخولها في هذا الدين وبداية حياتها في الإسلام ؛ تلكم هي – أيها المؤمنون – قَيْلَةُ بنتُ مَخْرَمَة التميمية رضي الله عنها وأرضاها ، وقصتها طويلة رواها الطبراني بتمامها في كتابه المعجم الكبير ، وروى طرفاً منها البخاري في أدبه المفرد والترمذي في جامعه ، وأجتزئ من قصتها -رضي الله عنها- ذكْرها لخبر وصولها إلى المدينة ودخولها لمسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان ذلكم الدخول كما روت رضي الله عنها وقت صلاة الفجر ، والنبي عليه الصلاة والسلام يصلي بالمؤمنين ، والصفوف خلفه قائمين بأداء هذه الصلاة العظيمة، قالت رضي الله عنها : قدمنا ورسول الله ﷺ يصلي بالناس صلاة الغداة حين شق الصبح ، وذكرت رضي الله عنها أن الرجال لا تكاد تعارف من الظلمة ، وأن النجوم شابكةٌ في السماء ، قالت رضي الله عنها : فدخلت وأنا امرأة حديثة عهد بجاهلية فصففت إلى جنب الرجال . وتأملوا ؛ وفي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام امرأة تصف إلى جنب الرجال ! وفي صلاة الفجر !! قالت : فقال لي الرجل الذي يليني: امرأة أنتِ أم رجل ؟ قالت : فقلت له لا ؛ بل أنا امرأة ، قال رضي الله عنه : إنك قد كدتِ أن تفتنينني فاذهبي فصلي مع النساء ، قالت فرأيت صفاً من النساء إلى جانب الحجرات لم أكن رأيته حين دخلت المسجد ؛ فكنت فيهن أي أنها ذهبت وصلت مع النساء ، تأمل أيها الأخ المسلم ، وتأملي أيتها الأخت المسلمة : المكان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، والزمان زمانه عليه الصلاة والسلام ، والوقت والحال حال فاضلة ؛ وقت أداء صلاة الفجر ، ومع ذلكم ! يقول ذلكم الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه : (إنك قد كدتِ أن تفتنينني)  وهذا المعنى الذي ذكره رضي الله عنه هو الذي بينه النبي ﷺ في حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال : قال عليه الصلاة والسلام : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) ، وفي حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال : (فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ؛ فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) ، وفي السنن من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : ( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) أي جعلها الشيطان غرضاً له وهدفاً ليفتن الرجال وليوقعهم في الفاحشة والرذيلة . نعود إلى قول ذلك الصحابي -رضي الله عنه وأرضاه- : (إنك قد كدتِ أن تفتنينني) وتعتذر لنفسها في ذلك الموقف الخاطئ أنها كانت حديثة عهد بجاهلية ، أي: أنها لم تكن على معرفة بالإسلام وتفاصيله وأحكامه وهداياته ، قال: (إنك قد كدتِ أن تفتنينني) خاف على نفسه من الفتنة وهو في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام !! ، وهو خلف النبي عليه الصلاة والسلام !! ، وهو في زمان النبي عليه الصلاة والسلام !! ؛ فكيف الأمر -أيها المؤمنون- عندما تخالط المرأة الرجال ليس في وقت مظلِمٍ كهذا ؛ وإنما في وقت هو في وضح النهار بكامل زينتها وتمام حليتها وجمال تعطرها إلى غير ذلكم مما هو خطر داهم وبلاء عظيم يدمِّر ويهلك ويوقع في الفتن العظام التي خاف النبي ﷺ على أمته منها !! ، وإذا كان النبي ﷺ في المسجد بيت الله الذي هو موضع الطمأنينة والإيمان وحُسنِ الإقبال على الرحمن -جل وعلا- يباعد بين النساء والرجال حياطة وحذرًا ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال ﷺ : (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ، وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) أي: أن المرأة حتى وإن كانت في المسجد بيت الله كلما كانت بعيدة عن الرجال كان خيرا لها وأولى ، وصلاتها في بيتها خير من صلاتها في المسجد ، ففي حديث أم حميد الساعدية -رضي الله عنها- قالت : أتيت النبي ﷺ وقلت: يا رسول الله إني أحب أن أصلي معك في مسجدك هذا ، قال عليه الصلاة والسلام : (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي) وجاء في صحيح البخاري من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت : (كان رسول الله ﷺ إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مكانه يسيرا قبل أن يقوم) قال الراوي : نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال ، وجاء في مسند الشافعي وسنن البيهقي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن مولاةٍ لها جاءت فرِحَة تخبرها قائلة : لقد طفت بالبيت سبعاً واستلمتُ الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة -رضي الله عنها-: (لا آجرك الله .. لا آجرك الله ؛ تدافعين الرجال ! ألا كبرتِ ومررتِ ) تقول لها ذلك وهي في بيت الله الحرام ، وإلى جوار الكعبة ، وفي ذلكم الموضع العظيم .

  • ابتلاء بعض النساء بالإنهزامية :

قصة امرأة من أهل الجنة : روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ بَلَى ، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ؛ أَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي ، قَالَ ﷺ : (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ ، فَقَالَتْ أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا) ،أيتها المرأة المؤمنة : تأملي في حياة هذه المرأة السوداء المرأة صادقة الإيمان عظيمة الحياء وهي تخاطب النبي – عليه الصلاة والسلام – صابرةً على الشدة واللأواء قائلة : (إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ) إذا كانت هذه حالها خوفاً من التكشف فكيف حالك أنت أيتها المؤمنة ؟! إن بعض النساء – أيتها المؤمنات- ابتلين في هذا الزمان بانهزامية عظيمة وتحوّل شنيع بسبب انبهار بحضارات زائفة وتقدم قاتل فأصبحت المرأة لا تقلد من هي معجبة بحضارتها إلا بتوافه الأمور وخسيس الأشياء وحقير الأخلاق فجنت على نفسها أعظم جناية وجرت على إيمانها أعظم بلاء ، ألا فلتتق الله كل أمَةٍ مسلمة وكل امرأة مؤمنة ولتتذكر وقوفها بين يدي الله ، وأن الله رب العالمين سائلها يوم القيامة عن حيائها وعن سترها وعن حشمتها وعن كل ما جاء في كتاب ربها وسنة نبيها – صلوات الله وسلامه عليه – (ص:32).

 

  • صرع أُصبن به بعض النساء ولا يعذرن به :

– روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ بَلَى ، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ؛ أَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي ، قَالَ : ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيَكِ ، فَقَالَتْ أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا ) ، إن قصة هذه المرأة قصة عظيمة تُروى في مكارم الأخلاق وجميل الصفات ومحاسن القيَم وجمال الحياء ونقاء القلب وصفائه ، نعم !! قالت : ( – يا رسول الله – إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ) فكان هذا التكشف الذي يقع عن غير طوعٍ واختيار ، وعلى وضعٍ لا ملامة عليه فيه كان تكشفاً يؤرقها ويقلقها ، إذا كانت هذه حالها – وما أكرمها من حال وما أعظمه من وصف – فكيف الحال بامرأة تتكشف مبديةً محاسنها مظهِرةً مفاتنها مبرزةً جمالها مع طوعها واختيارها غير مبالية ولا مكترثة لا بحياء ولا إيمان !! تسمع آيات الله وتسمع أحاديث رسول الله ﷺ وتسمع ما في التبرج والسفور من وعيدٍ وتهديد فلا تبالي بشيء من ذلك ولا تكترث بهذا الأمر . أيها المؤمنون : هذه المرأة التي هي من أهل الجنة كان تكشفها بسبب الصرْع وكانت تكره ذلك التكشف أشد الكراهة ، لكن ما يقع في عدد من النساء من تكشف وتبرج وسفور سببه – أيها المؤمنون – صرع أصيب به هؤلاء النساء ولكنه من نوع آخر ؛ صرْعٌ شديد على من يصاب به وسببه ضعف الإيمان وقلة الدين وذهاب الحياء ، إنه – أيها المؤمنون – صرع الشهوات ؛ أن يكون الإنسان صريع شهواته وصريع تتبع ملذاته فيكون بهذا الصرع ليس مبالياً ولا مكترثاً بما يفعله أهو من رضا الله سبحانه وتعالى أم من سخطه ؟ ، ومن لم يأخذ نفسه بزمام الشرع ويزمَّها بزمام هدي نبينا -عليه الصلاة والسلام – وإلا كان من صرعى هذه الآفات وقتلى هذه الفتن وطريحي هذه الشهوات (ص : 28 – 31).

 

الواجب على المرأة المسلمة الأخذ بالتوجيهات الواردة في الكتاب والسنة مأخذ الجد / والمرأة المسلمة – عباد الله – إذا وفقها الله جل وعلا وشرح صدرها للتمسك بآداب الإسلام وأهدابه سعِدت وسلِمت وسلِم أيضا مجتمعها من الافتتان بها ، لأن المرأة – أيها المؤمنون- فتنة ، بل قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه : (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ) ، وقال – عليه الصلاة والسلام – : (فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) ؛ فالفتنة في النساء فتنة عظيمة وشديدة للغاية وقد خافها وخشيها نبي الهدى والرحمة صلوات الله وسلامه عليه على أمته ، وجاء الإسلام بتوجيهات مسددة وإرشادات عظيمة إذا أخذت بها المرأة سلمت وسلم مجتمعها من الافتتان بها ، أيها المؤمنون : إن الواجب على المرأة المسلمة أن تقرأ القرآن وأحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وتأخذ بالتوجيهات الواردة في الكتاب والسنة مأخذ الجد والعزيمة دون تراخٍ أو توان ؛ فإن في تلك التوجيهات صلاحها وسعادتها في دنياها وأخراها ، ولمـَّا تمرد بعض النساء على توجيهات الشرع وإرشاداته الحكيمة وقعن – والعياذ بالله- في مهاوي الرذيلة ومآلات الهلاك ، وكثير منهن بعد خطوات طويلة وعمرٍ مديد أمضيْنه في البعد عن شرع الله وتوجيهات الإسلام أعلنَّ في مناسبات كثيرة فشلهن بسبب ذلك البعد والترحل عن قيم الإسلام وآدابه ، والسعيد من اتعظ بغيره ، والشقي من اتعظ به غيره (ص : 35).
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى / أيها المؤمنون عباد الله : إن المسلمة عندما تتأمل في آداب الإسلام وتوجيهاته لها لا ترى أنها تكبيلٌ لها وتقييد لحريتها كما يزعمه خصوم الإسلام وأعداء الدين ، بل إن توجيهات الإسلام للمرأة المسلمة توجيهاتٌ تكفُل للمرأة الحياة النبيلة والعيش الهنيء بعيداً عن أخطار الفتن ومسالك الانحلال والانحراف والفساد ، إن المرأة عندما تأخذ بتعاليم الإسلام تعيش حياة الوقار والكمال والجمال والعفة ، والحديث في بيان هذه التوجيهات يطول ويطول ؛ لكن لنقف مع بعض هذه التوجيهات العظيمة :يقول الله جل وعلا : ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب:33] ، وفي قراءة ﴿وَقـِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ والمعنى على القراءة الأولى : من القرار وهو المكث في البيوت وعدم الخروج إلا لحاجة وضرورة ملِحّة ، وعلى القراءة الأخرى ﴿ قِرْنَ ﴾ من الوقار ، وبين القراءتين تلازم في المعنى ؛ فإن المرأة – أيها المؤمنون – إذا قرت في بيتها تحقق لها الوقار ، بينما إذا كانت خراجة ولاجة فإن هذا الخروج والولوج وعدم القرار في البيوت يفضي بها إلى ترحل الوقار عنها وحلول أضداد ذلك محله ، وفي قوله ﴿بُيُوتِكُنَّ﴾ ؛ مع أن البيوت في الغالب ملك للأزواج لكن لما للمرأة من اختصاص بالبيت وبقاءٍ به ورعايةٍ له ومسؤوليةٍ عظيمةٍ فيه أضيف البيت إليها ؛ لأنها مطلوبٌ منها ملازمة البيت والقرار فيه وأن لا يكون لها خروجٌ من بيتها إلا لحاجة ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ ؛ فإذا خرجت من بيتها تخرج لحاجةٍ أو لضرورة ملتزمة بضوابط الشرع وأهدابه وآدابه ، فمن التبرج : سفور المرأة وإبداءُها محاسنها ، وإظهارها لزينتها ، وتعطرها وتجملها ، وحرصها على فتن الرجال ولفت أنظارهم ، فكل هذه المعاني من تبرج الجاهلية الأولى التي لا تنال منها المرأة إن فعلتها إلا الانحطاط والسفول والعياذ بالله ، ثم هذه المرأة الكريمة المصونة التي قرّت في بيتِها تأتي التوجيهات إلى الرجل أن يرعى كرامتها وأن يحفظ لها فضيلتها وأن لا يكون هُناك اختلاط بين الرجال والنساء أو خلوةٌ بالمرأة الأجنبية لما يترتب على ذلك من فتن وأضرار ، ففي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ) وفي رواية : (لاَ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ) ؛ فالمرأة مطلوب منها أن تقر في بيتها ونُهيَ الرجال الأجانب عن الدخول على النساء في البيوت لما يترتب على ذلك من شر وفتنة وهلاك . (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ الله أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟) أي هل يشمله ذلك ؟ والحمو أو الأحماء : أقارب الزوج عدا آباءه وأبناءه ؛ كأخيه وعمه وخاله وابن عمه وابن خاله ، قَالَ النبي ﷺ: (الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) ؛ ولنقف – أيها المؤمنون – مع هذا التنبيه والزجر العظيم : (الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) ؛ الحمو: الذي هو قريب الزوج من أخ وعم وابن عم وخال وابن خال قال عنهم صلوات الله وسلامه عليه : (الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) فكيف بالرجال الأجانب البعداء عن المرأة ومن ليس لهم بها قرابةٌ ولا بزوجها ؟! قال: (الْحَمْوُ الْمَوْتُ) ؛ وفي تعبيره عليه الصلاة والسلام بالموت تنبيهٌ إلى أن الإخلال بآداب الإسلام ووصاياه العظام لا يوصل بمن أخلّ بها إلا إلى الموت والهلكة ، نعم! ، قد يكون هذا المخِل بآداب الإسلام وأهدابه يمشي على قدميه ويأكل ويشرب ويتحدث ولكنه في الحقيقة ميت ، لمَ ؟ ؛ لأن الفضيلة والعفة والشرف والكرامة ماتت عنده فلم يكن من أهلها ، فالفضيلة تموت والعفة تموت والأخلاق تموت ولموتها أسباب ، وديننا جاء لحماية العباد من موت الفضيلة وموت الأخلاق وموت الآداب ، أيها المؤمنون عباد الله : إن المرأة المسلمة ولاسيما في زماننا هذا زمن الفتن ، الزمن الذي انفتح فيه كثير من الناس على عادات الكفار وتقاليدهم بل ومجونهم وانحلالهم وانحرافهم وانحطاطهم وسفولهم ، ومع كثرة النظر وإدمان المشاهدة من خلال القنوات الفضائية ومن خلال مواقع الشبكة العنكبوتية ومن خلال مجلات هابطة ونحو ذلك بدأت تتسلل تلك الأخلاق إلى عقول بعض النساء ، والمرأةُ ضعيفة وسريعةُ الافتتان إلا من حماها الله عز وجل ووقاها وسارعت بإنقاذ نفسها وسد أبواب الفتنة عنها ملتجئةً إلى الله تبارك وتعالى معتصمةً به .
أيها المؤمنون : إننا في زمان يجب علينا أن تتضافر فيه جهودنا حمايةً للفضيلة ورعايةً للكرامة وصيانةً للشرف ورعاية للغيرة الدينية التي جاء بها دين الله – تبارك وتعالى – لنعيش في كنف الإسلام وآدابه العظام وتوجيهاته المسددة حياة شرف وفضيلة وكرامة ورفعة ، هذا ؛ واللجوء إلى الله وحده لا شريك له بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ لنا أجمعين شرفنا وفضيلتنا وكرامتنا وديننا وعفتنا أيها المؤمنون : وإذا كان ديننا الحنيف بتوجيهاته العظيمة وإرشاداته السمحة المباركة يريد من المرأة أن تعيش حياة الكمال والفضيلة والرفعة فإن أعداء الدين وخصومه لا يريدون منها ذلك ؛ بل يريدون حياة الرذيلة والانحطاط والسفول (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27] ، نعم ! إنها حقيقةٌ ظاهرة ، عباد الله : إن على المرأة المسلمة أن لا تستهين بهذا الأمر وأن لا تسمع لدعوة كل ناعقٍ وكل هاتف ، وإنما ليكن سماعها مقصوراً على ما كان مُدْعَماً بالحجج البينات والدلائل الواضحات من العلماء المحققين الراسخين أهل الدراية بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه – عليه الصلاة والسلام – .


قَدْ هَيَّأُوكَ لِأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ
فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الهَمَلِ


أيها المؤمنون عباد الله : إن المرأة في هذا الإسلام إن عاشت مع آدابه عاشت حياةً كريمةً فاضلة ، وإن فُتنت ومضت مع دعاة الفتنة ودعاة الشر والفساد لِتتذكر أنها يوماً من الأيام ستغادر هذه الحياة، ولتتذكر أن جسمها الجميل ومحاسنها الفاتنة وتزيينها لنفسها وفتنها للرجال سيأتي عليها يوم وتُدرج في حفرة ويهال عليها التراب وتأكلها الديدان ويذهب عنها رونقها وجمالها وتكون في تلك الحفرة رهينةُ أعمالها وقيد ما قدَّمت في هذه الحياة ، فلتتق الله المرأة المسلمة في نفسها خاصة وفي مجتمعها ؛ ليعيش المجتمع حياة الكرماء وحياة الأفاضل النبلاء .
(ص : 34)
  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 4٬272
  • مشاركة :

سلسلة الفوائد المنتقاة من المقالة المفيدة في شرح حديث جامع في العقيدة

عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ – أَوْ: لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ – أو: وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) رواه البخاري ومسلم .

فالحديث عظيم الشّأن ، كبير النّفع ، جليل الفائدة ، جمع أصول الاعتقاد وأمّهات الدّين ، باختصار جميل ، ووفاء تامّ ، وهو متن جدير بكلّ مسلم أن يحفظه عن ظهر قلب ، وأن يكرّره كلّ ليلة ، تأسّيًا بنبيّنا الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – (ص:3).

ممّا ينبغي أن يُعلم أنّ الأذكار الشرعيّة والدّعوات المأثورة عن نبيّنا وقدوتنا ﷺ ليست أقوالًا لا معنى لها ، أو كلمات لا مضمون لها ، بل هي كلمات جليلات وألفاظ عظيمات ، مشتملات على أجلّ المعاني ، وأعظم المقاصد ، وأنبل الأهداف ، كيف لا ؟! ، وهي كلمات الصّادق المصدوق الّذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلّا وحي يُوحى ، قالها ﷺ في مُناجاته لربّه – جلّ في علاه – (ص:6).

ليست العقيدة متنًا تقرؤه في مرحلة من مراحل الدّراسة ثمّ تنتهي ، أو تقرؤه على شيخ في مسجد من المساجد ثمّ تتوقّف ، وإنّما هي أمر ثابت معك في حياتك ، مستمر معك في كلّ أوقاتك (ص:8).

• قال الإمام الآجري – رحمه الله – : (ينبغي لمن كان له حظّ من قيام اللّيل أن يحفظ هذا ، وإنّما أحثّه على حفظه ليستعمله ، وكذا ينبغي لكلّ مسلم أن يحفظه ممّن لا حظّ له في قيام اللّيل فيدعو به رجاء أن يوفّقه مولاه الكريم لقيام اللّيل إن شاء الله تعالى) (فضل قيام اللّيل والتّهجّد)(ص:135-136).

مما ينبه عليه العلماء : أهميّة استحضار معاني الأذكار الشّرعيّة ودلالاتها ؛ حتّى تكون قويّة الأثر محقّقة النفع والفائدة ، أمّا إذا كان يقولها المرء ألفاظاً لا يعي معناها ولا يدري مدلولها ، فإنّها كما قال العلماء – رحمهم الله – تكون ضعيفة الأثر إن لم تكن عديمة النّفع ، لاسيما إذا كانت فعال المرء وأقواله مناقضة لمدلول هذه الكلمات ، بينما إذا وُفّق العبد للعناية بالذّكر والدّيمومة عليه ، مع فهم مدلوله ، وتحقيق غايته ومقصوده أثمر أنواع الثّمار اليانعة ، وآتى أطايب الجنى اللّذيذ ، فهو كما يقول العلامة ابن القيم – رحمه الله – : (أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر، وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها كان أعظم لثمرتها، فالذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد، وهو أصل كل مقام وقاعدته التي ينبني ذلك المقام عليها، كما يُبنى الحائط على أُسِّه وكما يقوم السقف على حائطه)(الوابل الصيب)(ص:157)(ص:9-10).

الحمد : هو الثّناء على الله – سبحانه وتعالى – بما هو أهله مع حبّه جلّ في علاه ، فالحمد ثناء وحب ، وإذا عري الثّناء عن الحب كان مدحًا وليس حمدًا ، والحمد يكون على الأسماء والصّفات ، ويكون على النّعم والعطايا والهبات (ص:12).

معنى اسم الله (القيوم) : هي كونه سبحانه قائمًا بنفسه مقيمًا لخلقه ، فهو اسم دال على أمرين :

الأوّل : كمال غنى الرّبّ سبحانه ، فهو القائم بنفسه ، الغنيّ عن خلقه ، كما قال سبحانه :(۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) سورة فاطر، وفي الحديث القدسي : (إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي) رواه مسلم ، وغناه سبحانه عن خلقه غنى ذاتيّ ، لا يحتاج إليهم في شيء ، غنيّ عنهم من كلّ وجه .

الثّاني : كمال قدرته وتدبيره لهذه المخلوقات ، فهو المُقيم لها بقدرته سبحانه ، وجميع المخلوقات فقيرة إليه ، لا غنى لها عنه طرفة عين (ص:15-16).

إيمان العبد واعتقاده بأنّ الله – سبحانه وتعالى – الملكُ لا ندّ له يقتضي إفراده وحده بالعبادة وإخلاص الدّين له ، إذ كيف يعتقد أنّه وحده الملك الّذي بيده الأمر ثمّ يلجأ إلى غيره؟! هذا وقد تكرّر في القرآن الكريم بيان أنّ تفرّد الله بالملك لا شريك له دليل ظاهر على وجوب إفراده وحده بالعبادة قال تعالى : (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) (المؤمنون: ١١٦)، (ص:21).

إيمان العبد بلقاء الله واستحضاره التام لذلك يُثمر عملاً واستعدادًا وتزوّدًا ليوم المعاد ، وانظر في أثر هذه العقيدة في صلاح العمل وحسن العاقبة إلى قول أهل الجنة في ذكر سبب فوزهم ونجاتهم : (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) سورة الطور ، أي : من عذابه وعقابه يوم أن نلقاه ، وقول من يؤتى كتابه بيمينه :(إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) سورة الحاقة ، قاله في ذلك اليوم حين نجا من الخزي ، وظفر بالفوز العظيم (ص:29).

في الدعاء عن النبي ﷺ  : (اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) رواه أحمد وابن ماجه ، فإذا آمن العبد بالجنة والنار وأنهما حق وجب عليه أن يعمل الأعمال والأقوال التي تقربه إلى الجنة ، وأن يتجنب الأعمال والأقوال التي تقربه من النار (ص:33).

الإيمان بمحمد ﷺ : ومن الإيمان به : تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله ، ومعناها : طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، والانتهاء عما نهى عنه وزجر ، وأن لا يُعبد الله – عزوجل – إلا بما شرع ، لا بالأهواء والبدع ، وتقديم محبته على محبة الناس كلهم من الأبناء والآباء وسائر القرابة ، بل وعلى محبة المرء لنفسه ، وتعظيمه وتوقيره وإجلاله وغير ذلك من حقوقه التي أوجبها الله – عزوجل – ، وهو عبد لا يُعبد ، ورسول لا يُكذّب ، بل يطاع ويُتّبع ، من أطاعه دخل الجنّة ، ومن عصاه دخل النّار (ص:36).

وَالتَّوَكُّلُ مَقَامٌ عَظِيمٌ مِنْ مَقَامَاتِ الدِّينِ الْجَلِيلَة، وَفَرِيضَةٌ عَظِيمَة، يَجِبُ إِخْلَاَصُهَا لله وَحده، وَهُوَ مِنْ أجْمَعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ وَأَهَمِّهَا، لِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَة، وَالطَّاعَاتِ الْكَثِيرَة، فَإِنَّهُ إِذا اعتمدَ الْقَلْبُ عَلَى الله، فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّة، دُونَ مَن سِوَاه، صَحَّ إِخْلَاَصُه، وَقَوِيَتْ مُعَامَلَتُهُ مَعَ الله، وَزَادَ يَقِينُهُ وَثِقَتُهُ بِرَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ مُصَاحِبٌ لِلْمُؤْمِنِ الصَّادِق، فِي أُمُورِهِ كُلِّها، الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّة؛ فَهُوَ مُصَاحِبٌ لَهُ فِي صَلَاتِه، وَصِيَامِهِ وَحَجِّهِ وَبِرِّه، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِه، وَمُصَاحِبٌ لَهُ فِي جَلْبِهِ لِلرِّزْق، وَطَلَبِهِ لِلْمُبَاح، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاه (ص : 46-47).

• حَقِيقَةُ الْإِنَابَةِ: اِنْجِذَابُ الْقَلْبِ إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، يُنِيبُ إِلَى رَبِّهِ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بِشُكْرِهِ، وَعِنْدَ الضَّرَّاءِ بِالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَعِنْدَ مَطَالِبِ النُّفُوسِ الْكَثِيرَةِ بِكَثْرَةِ دُعَائِهِ فِي جَمِيعِ مُهِمَّاتِهِ، وَيَنِيبُ إِلَى رَبِّهِ بِاللَّهِجِ بِذِكْرِهِ فِي كَُلِّ وَقْتٍ، وَهِيَ أَيْضًا: الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ، بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي، وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، فَيَعْرُضُهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ ﷺ، فَتَكُونُ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ مَوْزُونَةً بِمِيزَانِ الشَّرْعِ( ص: 47- 48).

أعظم وسيلة إلى الله – سبحانه وتعالى – للفوز عنده ونيل مرضاته هي العقيدة الصحيحة ، فها هو نبيّنا و قدوتنا وأسوتنا في مناجاته لربّه في جوف اللّيل يتوسّل إلى الله بهذه الأصول العظيمة ، وهذه كلها عقائد ، بل أمّهات أصول الاعتقاد يذكرها مقرّراً إيمانه وتصديقه بها متوسّلاً إلى الله – سبحانه وتعالى – بذلك ، فأعظم وسيلة يُتوسّل إلى الله – سبحانه وتعالى – بها العقيدة الصحيحة .

ويستفاد من هذا أيضًا : أنّ فساد العقيدة انقطاع في الوسيلة ، فإذا فسدت عقيدة الإنسان انقطعت الوسيلة بينه وبين الله ، إذ لا وسيلة إلى الله بدون عقيدة صحيحة ، فالعقيدة الفاسدة تقطع الوسيلة بين الإنسان وبين الله – سبحانه وتعالى – ، ولا وسيلة تدني من الله وتقرّب منه إلا العقيدة الصحيحة المستمدة من كتاب الله – سبحانه وتعالى – وسنّة نبيّنا الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – وهذه فائدة ثمينة جدًا ، نتنّبه لها (ص : 50-51).

الأذكار المحدثة التي تكلّف إنشاءها المتخرّصون وأحدثها المتكلفون قطع للوسيلة – بين العبد وبين الله – لما فيها من شغل للناس عن الأذكار المشروعة التي اشتملت على جماع الخير وتمامه ، مع العصمة والسلامة من الخطأ ، وإشغالهم بأذكار مخترعة لا تسلم من الخطأ والانحراف .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (أَمَّا اتِّخَاذُ ‌وِرْدٍ ‌غَيْرِ ‌شَرْعِيٍّ وَاسْتِنَانُ ذِكْرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ: فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ وَمَعَ هَذَا فَفِي الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ غَايَةُ الْمَطَالِبِ الصَّحِيحَةِ وَنِهَايَةُ الْمَقَاصِدِ الْعَلِيَّةِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُفَرِّطٌ أَوْ مُتَعَدٍّ) مجموع الفتاوى (2/215).

وقال أيضًا : (وَمِنْ أَشَدِّ ‌النَّاسِ ‌عَيْبًا مَنْ يَتَّخِذُ حِزْبًا لَيْسَ بِمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ حِزْبًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيَدَعُ الْأَحْزَابَ النَّبَوِيَّةَ الَّتِي كَانَ يَقُولُهَا سَيِّدُ بَنِي آدَمَ وَإِمَامُ الْخَلْقِ وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ) مجموع الفتاوى (22/525) (ص :51-52).

شأن الاستغفار ومكانته العظيمة : (الِاسْتِغْفَارُ يُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ، إلَى الْفِعْلِ الْمَحْبُوبِ مِنْ الْعَمَلِ النَّاقِصِ إلَى الْعَمَلِ التَّامِّ وَيَرْفَعُ الْعَبْدَ مِنْ الْمَقَامِ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى مِنْهُ وَالْأَكْمَلِ؛ فَإِنَّ الْعَابِدَ لِلَّهِ وَالْعَارِفَ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَلْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَزْدَادُ عِلْمًا بِاَللَّهِ، وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ بِحَيْثُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَيَرَى تَقْصِيرَهُ فِي حُضُورِ قَلْبِهِ فِي الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ وَإِعْطَائِهَا حَقَّهَا فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِغْفَارِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ؛ بَلْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ دَائِمًا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَحْوَالِ فِي الغوائب وَالْمَشَاهِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَجَلْبِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْقُوَّةِ فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ) (مجموع الفتاوى لابن تيمية – رحمه الله – 11/696).

والحاصل أن (لا إله إلا الله) لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيًا وإثباتًا ، واعتقد ذلك وعمل به ، أما من قالها وعمل بها ظاهرًا من غير اعتقاد فهو المنافق ، وأما من قالها وعمل بضدها وخلافها من الشرك فهو الكافر ، وكذلك من قالها وارتدّ عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه ولو قالها ألف مرة ، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعًا من العبادة لغير الله كالدعاء ، والذبح ، والنذر ، والاستغاثة ، والتوكل ، والإنابة ، والرجاء ، والخوف ، والمحبة ، ونحو ذلك ، فمن صرف مما لا يصلح إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله ، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص الذي هو معنى ومدلول هذه الكلمة العظيمة (تيسير العزيز الحميد)(ص:78).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : (شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بِصِدْقِ وَيَقِينٍ تُذْهِبُ الشِّرْكَ كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ؛ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَتَأْتِي عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَخَفَايَاهُ وَدَقَائِقِهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو مَا بَقِيَ مِنْ عَثَرَاتِهِ وَيَمْحُو الذَّنْبَ الَّذِي هُوَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ فَإِنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ، فَالتَّوْحِيدُ يُذْهِبُ أَصْلَ الشِّرْكِ وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو فُرُوعَهُ ، فَأَبْلَغُ الثَّنَاءِ قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَبْلَغُ الدُّعَاءِ قَوْلُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) (مجموع الفتاوى)(11/697)(ص59).

العبد لا يملك من أمره شيئًا ، وليس له حيلة في دفع شرّ ، ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى ، فلا تحول للعبد من معصية إلى طاعة ، ولا من مرض إلى صحّة ، ولا من وهن إلى قوة ، ولا من نقصان إلى كمال وزيادة إلا بالله ، ولا قوة له على القيام بشأن من شؤونه ، أو تحقيق هدف من أهدافه أو غاية من غاياته إلا بالله العظيم (ص:60).

(لا حول ولا قوة إلا بالله) تتضمن هذه الكلمة العظيمة إثبات القدر ، وهو أصل من أصول الدين العظيمة ، قال ابن القيم : (وقد أجمع المسلمون على هذه الكلمة وتلقيها بالقبول وهي ‌شافية ‌كافية في إثبات القدر وإبطال قول القدرية)(شفاء العليل ص112) ، ولهذا ترجم لها الإمام البخاري في كتاب القدر من صحيحه بقوله : (باب : لا حول ولا قوة إلا بالله) ، ودلالة هذه الكلمة على الايمان بالقدر ظاهرة ، إذ فيها تسليم العبد واستسلامه وتبرؤه من الحول والقوة ، وأنّ الأمور إنّما تقع بقضاء الله وقدره ، وأنّ ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا تتحرك ذرّة إلّا بإذنه ، ولا يجري حادث إلّا بمشيئته ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا أحصاها علمه ، وأحاطت بها قدرته ، ونفذت بها مشيئته ، واقتضتها حكمته (ص60-61) .

ألا ما أهنأ وألذّ وأطيب ليل يقوم المرء المسلم في جوفه ليصليّ لربّه ومولاه ما كتب الله له من صلاة مُستفتحًا بهذا الاستفتاح العظيم ، مستشعرًا معانيه العظيمة ودلالاته الجليلة ، مجددًا إيمانه وتوحيده ، مقوّيًا صلته بربّه ومولاه ، راجيًا نيل ما يترتّب عليه من الأحوال الزّكيّة ، والمقامات العليّة ، والنّتائج العظيمة ، والآثار المباركة ، والعوائد الحميدة (ص:62).


  • تم الانتهاء من انتقاء الفوائد يوم السبت 18/05/1442هـ ، أسال ربي النفع لي ولمن قرأها وعمل بما فيها ولا يغني هذا عن قراءة الأصل للشيخ جزاه الله خيرًا .

حمل الكتاب

وكتبه العبد الفقير لرحمة ربه المشرف على شبكة خير أمة .

 

  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 2٬021
  • مشاركة :

الفوائد المنتقاة من شرح الأصول الستة للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –

الإخلاص لله معناه: أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله تعالى، والتوصل إلى دار كرامته ، بأن يكون العبد مخلصًا لله تعالى في قصده، مخلصًا لله تعالى في محبته، مخلصًا لله تعالى في تعظيمه، مخلصًا لله تعالى في ظاهره وباطنه، لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله تعالى ، والوصول إلى دار كرامته (ص:8).

قال بعض السلف: (ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتُها على الإخلاص) ، فالشرك أمره صعب جدًّا، ليس بالهين، ولكن الله ييسر الإخلاص على العبد، وذلك بأن يجعل الله نصب عينيه ، فيقصد بعمله وجه الله (ص:12).

فَالْمُشْرِكُ باللهِ تَعَالَى قَدْ خَسِرَ الْآخِرَةَ لَا رَيْبَ لِأَنَّهُ فِي النَّارِ خَالِدًا، وَخَسِرَ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَجَاءَهُ النَّذِيرُ، وَلَكِنَّهُ خَسِرَ، لَمْ يَسْتَفِدْ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر:15] ، فَخَسِرَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهَا شَيْئًا وَأَوْرَدَهَا النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودِ، وَخَسِرَ أهْلَهُ لِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوَا مُؤْمِنِينَ فَهُمْ فِي الْجَنَّةِ فَلَا يَتَمَتَّعُ بِهمْ، وَإِنْ كَانُوَا فِي النَّارِ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لِعَنَتْ أُخْتَهَا (ص:11).

التفرق هو قرة عين شياطين الجن والإنس؛ لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الإسلام أن يجتمعوا على شيء، فهم يريدون أن يتفرقوا؛ لأنَّهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام والاتجاه إلى الله ، فالنبي ﷺ حث على التآلف والتحاب بقوله وفعله، ونَهى عن التفرق والاختلاف الذي يؤدي إلى تفريق الكلمة وذهاب الريح (ص:15).

  • علامة محبة الله وولايته :

الآية الأولى: قوله تعالى في آل عمران: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)[آل عمران:31] ، وهذه الآية تسمى آية المحنة -أي: الامتحان- حيث ادعى قوم محبة الله تعالى، فأنزل الله هذه الآية، فمن ادعى محبة الله تعالى نظرنا في عمله، فإن كان متبعًا لرسول الله ﷺ فهو صادق، وإلا فهو كاذب .

الآية الثانية: قوله تعالى في المائدة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة:54] الآيتين. فوصفهم بأوصاف هي علامة المحبة وثمراتُها: الوصف الأول: أنَّهم أذلة على المؤمنين فلا يحاربونَهم، ولا يقفون ضدهم، ولا ينابذونَهم ، الوصف الثاني: أنَّهم أعزة على الكافرين -أي: أقوياء عليهم غالبون لهم- ، الوصف الثالث: أنَّهم يجاهدون في سبيل الله أي : يبذلون الجهد في قتال أعداء الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا- ، الوصف الرابع: أنَّهم لا يخافون في الله لومة لائم أي: إذا لامهم أحد على ما قاموا به من دين الله لم يخافوا لومته، ولم يمنعهم ذلك من القيام بدين الله -.

الآية الثالثة: قوله تعالى في يونس: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63] ، فبين الله تعالى أن أولياء الله تعالى هم الذين اتصفوا بِهذين الوصفين: الإيْمَان، والتقوى ، فالإيْمَان بالقلب، والتقوى بالجوارح، فمن ادعى الولاية ولم يتصف بِهذين الوصفين فهو كاذب.  

ننقل هنا ما كتبه شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله تعالى- في رسالته: (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) ونسوق ما تيسر منها قال -رحمه الله-: (وقد بين – سبحانه وتعالى –  في كتابه وسُنَّة رسوله ﷺ أن لله أولياء من الناس، وللشيطان أولياء، ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فقال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]. وذكر أولياء الشيطان، فقال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل:98-100] ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون… وهم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونَهوا عما نَهى، وأعطوا من يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع.. فلا يكون وليًّا لله إلا من آمن به، وبما جاء به، واتبعه باطنًا وظاهرًا، ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه -أي: الرسول- فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُم اللَّهُ) [آل عمران:31]، فالناس متفاضلون في ولاية الله – سبحانه وتعالى – بحسب تفاضلهم في الإيْمَان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق.. وأولياء الله على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وآخرها، وفي الإنسان، والمطففين، وفي سورة فاطر…. والجنة درجات متفاضلة تفاضلاً عظيمًا، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيْمَانِهم وتقواهم.فمن لم يتقرب إلى الله، لا يفعل الحسنات، ولا يترك السيئات، لم يكن من أولياء الله، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله، لاسيما أن تكون محجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه، أو نوع من تصرف… فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وليًّا لله وإن لم يعلم منه ما ينقص ولاية الله، فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله؟! مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي ﷺ باطنًا وظاهرًا، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة، أو يعتقد أن لأولياء الله طريقًا إلى الله غير طريق الأنبياء -عليهم السلام-… فعلى هذا فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض، ولا يجتنب المحارم، بل قد يأتي بما يناقض ذلك لم يكن لأحد أن يقول: هذا ولي لله… وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات… وليس من شرط ولي الله أن يكون معصومًا لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين… ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيْمَان بجميع ما يقوله من هو ولي لله؛ لئلا يكون نبيًّا… بل يجب أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد ﷺ، فإن وافقه قبله، وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف؟ توقف فيه ، والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: طرفان، ووسط ، فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه ولي لله وافقه في كل ما يظن أنه حدث به قلبه عن ربه، وسلم إليه جميع ما يفعله، ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهدًا مخطئًا، وخيار الأمور أوساطها: وهو أن لا يجعل معصومًا ولا مأثومًا إذا كان مجتهدًا مخطئًا، فلا يتبع في كل ما يقوله، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده، والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله… وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ، وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم، فالأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- يجب لهم الإيْمان بجميع ما يخبرون به عن الله ﷺ، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به، بخلاف الأولياء فإنَّهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به، ولا الإيْمان بجميع ما يخبرون به، بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسُّنَّة، فما وافق الكتاب والسُّنَّة وجب قبوله، وما خالف الكتاب والسُّنَّة كان مردودًا، وإن كان صاحبه من أولياء الله وكان مجتهدًا معذورًا فيما قاله، له أجر على اجتهاده، لكنه إذا خالف الكتاب والسُّنَّة كان مخطئًا، وكان من الخطأ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع… وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسُّنَّة هو مما اتفق عليه أولياء الله – سبحانه وتعالى -، ومن خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم، بل إما أن يكون كافرًا، وإما أن يكون مفرطًا في الجهل… وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله، ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله، ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسُّنَّة، فيوافق ذلك له، ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه، وبين أهل الجنة وأهل النار، وبين السعداء والأشقياء، فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده المفلحين وعباده الصالحين، ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين، فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولاً إلى البدعة والضلال، وآخرًا إلى الكفر والنفاق… وتجد كثيرًا من هؤلاء عمدتُهم في اعتقاد كونه وليًّا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة.. وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله ﷺ، وموافقته لأمره ونَهيه.. وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان صاحبها وليًّا لله، فقد يكون عدوًّا لله فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتِهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسُّنَّة، ويعرفون بنور الإيْمَان والقرآن وبحقائق الإيْمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة… وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء، وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم (أربع مراتب)، فقال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِع اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69]… ولهم الكرامات التي يكرم الله بِها أولياءه المتقين، وخيار أولياء الله كراماتُهم لحجة في الدين، أو لحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيهم ﷺ كذلك، وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسول الله ﷺ، فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول ﷺ… ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها لضعف الإيْمَان، أو المحتاج أتاه منها ما يقوى إيْمَانه، ويسد حاجته، ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيًا عن ذلك، فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها، لا لنقص ولايته؛ ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدى الخلق ولحاجتهم، فهؤلاء أعظم درجة… والناس في خوارق العادات على ثلاثة أقسام : قسم يكذب بوجود ذلك لغير الأنبياء، وربما صدق به مجملاً، وكذب ما يذكر له عن كثير من الناس؛ لكونه عنده ليس من الأولياء.ومنهم من يظن أن كل من كان له نوع من خرق العادة كان وليًّا لله، وكلا الأمرين خطأ… ولهذا تجد أن هؤلاء يذكرون أن للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونَهم على قتال المسلمين، وأنَّهم من أولياء الله، وأولئك يكذبون أن يكون معهم من له خرق عادة. والصواب القول الثالث: وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم، لا من أولياء الله – سبحانه وتعالى – ) وفيما نقل كفاية إن شاء الله تعالى، ومن أراد المزيد فليرجع إلى الأصل، والله الموفق ( ص 28 – 33 ) .

  • إذا تفرقت كلمة المسلمين :

إن الكلمة إذا تفرقت، والرعية إذا تمردت، دخلت الأهواء والضغائن، وصار كل واحد يسعى لتنفيذ كلمته، وإن تبين أن الحق والعدل في خلافها، وخرجنا عن توجيهات الله تعالى حيث يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103] ، فإذا عرفت كل واحد ما له وما عليه، وقام به على وفق الحكمة، فإن الأمور العامة والخاصة تسير على أحسن نظام وأكمله (ص21).

  • العلم الذي فيه الثناء هو علم الشريعة :
والعلم الذي فيه المدح والثناء: هو علم الشرع، علم ما أنزله الله على رسوله ﷺ من الكتاب والحكمة، قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [الزمر:9] ، وقال النبي ﷺ: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)أخرجه البخاري في صحيحه: (71). ومسلم في صحيحه: [175-(1923)] ، وقال النبي ﷺ: (إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أخرجه الترمذي في سننه: (2691) ، وأخرجه أبو داود: (3641) ، أخرجه ابن ماجه: (223) ، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه : (182) ، ومن المعلوم أن الذي ورثه الأنبياء إنما هو علم الشريعة، ومع هذا فنحن لا ننكر أن يكون للعلوم الأخرى فائدة، ولكنها فائدة ذات حدين: إن أعانت على طاعة الله، وعلى نصر دين الله، وانتفع بِها عباد الله كانت خيرًا ومصلحة، وقد ذكر بعض أهل العلم أن تعلم الصناعات فرض كفاية، وهذا محل نظر ونزاع ، وعلى كل حال فالعلم الذي ورد الثناء فيه وعلى طالبيه هو فقه كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ، وما عدا ذلك فإن كان وسيلة إلى خير فهو خير، وإن كان وسيلة إلى شر فهو شر، وإن لم يكن وسيلة لهذا وهذا فهو ضياع وقت ولغو (ص23).
  • لابد من معرفة من هم العلماء حقًّا :

فلابد من معرفة من هم العلماء حقًّا -هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربِّهم- حتى يتميز هؤلاء الربانيون عمن تشبه بِهم وليس منهم، يتشبه بِهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل، ويصوغه بعبارات مزخرفة، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه، وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون (ص25).

  • ليس بولي من يدعي الولاية :

يوزن هذا المدعي للولاية بعمله، إن كان عمله مبنيًّا على الإيْمَان والتقوى فإنه ولي، وإلا فليس بولي، وفي دعواه الولاية تزكية لنفسه، وذلك ينافي تقوى الله ؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) [النجم: 32] ، فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه، وحينئذ يكون واقعًا في معصية الله، وفيما نَهاه الله عنه، وهذا ينافي التقوى، فأولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه، ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونَهم بِهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله تعالى (ص27).

  • بعض فضائل العلم:

والعلم له فضائل كثيرة :

منها: أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما علموا، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به، قال الله تعالى: (يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11].

ومنها: أنه إرث النبي ﷺ، كما قال النبي ﷺ: (إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أخرجه الترمذي في سننه: (2691)، وأخرجه أبو داود: (3641)، أخرجه ابن ماجه: (223)، وصححه العلامة الألباني في “صحيح ابن ماجه”: (182).

ومنها: أنه مما يبقى للإنسان بعد مماته، فقد ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح) أخرجه مسلم في صحيحه: [14-(1631)].

ومنها: أن الرسول ﷺ لم يرغب أحدًا أن يغبط أحدًا على شيء من النعم إلا على نعمتين هما: طلب العلم والعمل به، والغني الذي جعل ماله خدمة للإسلام.

فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال رسول الله ﷺ: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بِها ويعلمها) أخرجه البخاري في صحيحه: (73)، ومسلم في صحيحه: [268-(716)].

ومنها: أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل غيره، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.

ومنها: أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفى على كثير من الناس قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعًا وتسعين نفسًا، فسأل رجلاً عابدًا هل

له من توبة، فكأن العابد استعظم الأمر فقال: لا، فقتله السائل فأتم به المائة، ثم ذهب إلى عالم فسأله فأخبره أن له توبة، وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دله على بلد أهله صالحون؛ ليخرج إليه، فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق، والقصة مشهورة فانظر الفرق بين العالم والجاهل (ص 23 -24).


الدروس (1) | قراءة لمتن الأصول الستة مع شرحها للعلامة ابن عثيمين – قراءة الشيخ محمد سعيد رسلان
الدروس (2) | شرح الأصول الستة للعلامة ابن عثيمين – قراءة وتعليق الشيخ محمد سعيد رسلان

الفوائد المنتقاة من تعليق الشيخ الدكتور محمد سعيد رسلان على شرح العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – :

وينبغي أن نعلم أن الاختلاف ليس برحمه، لأنه يشيع بين جماهير المسلمين أن الاختلاف رحمة وأن اختلافهم رحمة، ليس كذلك، لا يكون الاختلاف رحمة، وقد قال تعالى : (وَلَا یَزَالُونَ مُختَلِفِینَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ)، فاستثنى الله تعالى الـمرحومين من المختلفين، فدل على أن المختلفين ليسوا بمرحومين، (وَلَا یَزَالُونَ مُختَلِفِینَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ)، فاستثنى من المختلفين المرحومين فدل على أن المختلفين ليسوا بمرحومين، وقال – صلى الله عليه وسلم – : (الجماعة رحمة، والفرقة عذاب)، أخرجه عبدالله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه – رحمهم الله -، وأخرجه البزار والطبراني بإسناد حسن، قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)، قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : (الذين أبيضت وجوههم هم أهل السنة والجماعة، والذين أسودت وجوههم هم أهل البدعة والفرقة)، قال ابن تيمية – رحمه الله – في الفتاوى : ” نَتِيجَةُ الْفُرْقَةِ: عَذَابُ اللَّهِ، وَلَعْنَتُهُ، وَسَوَادُ الْوُجُوهِ، وَبَرَاءَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” هذه نتيجة الفرقة، ولا شك أن الشيطان يسعى لتفريق المسلمين وتشتيت شملهم، قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فهذا من نزغ الشيطان، وقال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنـزغُ بَيْنَهُمْ) فالشيطان حريص على إيقاع الفرقة والتدابر والتباغض بين المسلمين، ويفرح بذلك كثيرًا، لأن هذا التباغض والتدابر يُضعف المسلمين ويمكن منهم أعداءهم، ويشتت الجهود، ويبدد القوى، ويصرف الأذهان والقلوب عن تلقي العلم النافع، وعن الإتيان بالعمل الصالح، فالحاصل أن الافتراق في أصول الدين بل بالدين كله مذموم، وليس من صفة أهل الإيمان واليقين، ولكنه من صفات المنحرفين المبتدعين، أما الاختلاف الذي يسوغ ممن يسوغ منه من أهل البحث والاجتهاد والنظر والعقيدة المستقيمة فهذا لا يوجب تفرقًا ولا تقاطعًا ولا تباغضًا، أن يكون فيما يسوغ، وأن يقع ممن منه يسوغ، فإذا وقع على هذا النحو فإنه لا يؤدي إلى تفرق ولا إلى تباغض ولا إلى تدابر، ولا يأتي بالفرقة بين الناس، والمصيب في ذلك له أجران، والـمخطئ له أجر واحد (ش2).

النصيحة ليست على شرط القبول : النصيحة ليست على شرط القبول، يعني إذا نصحت أخاك فلست مُلزِماً إياه بنصحك، وإنما أنت تبصره، فإن أخذ بذلك فالحمد لله، وإن لم يأخذ بذلك وكان الصواب معك فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا سبيل لك عليه، فلسيت النصيحة على شرط القبول وإنما النصيحة على شرط الإخلاص (ش:2).

  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 1٬696
  • مشاركة :

– لزوم الكتاب والسنة واتباع آثار السلف وعدم الابتداع .

1 – قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) سورة آل عمران .
 
2 – قال تعالى : وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام .
 
3 – قال ﷺ : ( … فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )(1) .
 
4 – قال ﷺ : ( إن الله يرضى لكم ثلاثًا ، وذكر منها : وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا )(2).
 
5 – قال عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما – : ( عليكم بالأستقامة والأثر ، وإياكم والبدع )(3) .
 
6 – قال حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – : ( اتقوا الله يا معشر القراء ، خذوا طريق من قبلكم ، فوالله لئن سبقتم – استقمتم – لقد سبقتم سبقًا بعيدًا ، وإن تركتموه يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا )(4).
 
7 – قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – : ( إياكم والتّبدّع والتنطّع والتّعمّق ، وعليكم بالعتيق )(5).
 
وقال أيضًا : ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ، وكل بدعة ضلالة )(6).
 
وقال أيضًا : ( الاقتصاد في السّنة خير من الاجتهاد في البدعة )(7)، وجاء مثله عن : أبي الدرداء ، وأُبي بن كعب ، والشعبي .
 
8 – قال سعيد بن جبير في قوله تعالى : ( وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ )(سورة طه : 82) ،أي : لزوم السنة والجماعة )(8).
 
9 – قال عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – في رسالة إلى أحد عماله : ( من عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين إلى عدي بن أرطاة ، أما بعدُ، أوصيكَ بتقوى الله، والاقتصادِ في أمره، واتباعِ سنَةِ رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وتركِ ما أحدَثَ المُحْدِثون بعد ما جَرَت به سُنته، وكفُوا مُؤْنته، فعليكَ بلزوم السنة، فإنها لك -بإذن الله- عصمة.
ثم اعلَمْ أنه لم يبتدع الناسُ بدعةً إلا قد مضى قبلها ما هو دَليلٌ عليها أو عِبرةٌ فيها، فإن السنَّةَ إنما سنَّها مَن قد علم ما في خلافه -ولم يقل ابن كثير: من قد علم- من الخطا والزَّلَل والحُمقِ والتَعَمُّقِ، فارضَ لنفسك ما رَضي به القومُ لأنفسهم، فنهم على علمٍ وقَفُوا، وببصرٍ نافذٍ كفُوا، وهم على كشفِ الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سَبقْتُموهم إليه، ولَئنْ قلتم: إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبعَ غيرَ سبيلِهم، ورَغِبَ بنفسه عنهم، فإنهم هم السَّابقون، فقد تكلَّموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مِن مَقْصَرٍ، وما فوقهم مِن مَحْسَرٍ، وقد قَصَّرَ قوم دونهم فجَفَوْا، وطَمَحَ عنهم أقوام فغَلَوْا، وإنّهم بين ذلك لعلى هدًى مستقيم )(9).
 
10 – قال الزهري – رحمه الله – : ( كَانَ مَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: ( الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ , وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ سَرِيعًا , فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا , وَذَهَابُ الْعُلَمَاءِ ذَهَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ )(10)، نعش : من الارتفاع والعلو ، والمعنى هنا : بقاء العلم ورفعته والله أعلم .
 
11 – قال الإمام أحمد – رحمه الله – : ( إِيَّاكُم أَنْ تَكْتُبُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الأَهوَاءِ، قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً ، عَلَيْكُمُ بِأَصْحَابِ الآثَارِ وَالسُّنَنِ )(11).
 
12 – قال ابن بطة – رحمه الله – : ( فَلِلَّهِ دَرُّ أَقْوَامٍ دَقَّتْ فِطَنُهُمْ وَصَفَتْ أَذْهَانُهُمْ، وَتَعَالَتْ بِهِمُ الْهِمَمُ فِي اتِّبَاعِ نَبِيِّهِمْ، وَتَنَاهَتْ بِهِمُ الْمَحَبَّةُ، حَتَّى اتَّبَعُوهُ هَذَا الِاتِّبَاعَ، فَبِمِثْلِ هَدْيِ هَؤُلَاءِ الْعُقَلَاءِ إِخْوَانِي فَاهْتَدُوا، وَلِآثَارِهِمْ فَاقْتَفُوا تَرْشُدُوا، وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا )(12).

13 – قال الإمام أحمد – رحمه الله – : ( أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ , وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ , وَتَرْكُ الْبِدَعِ , وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ , وَتَرْكُ الْخُصُومَاتِ وَالْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ , وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ , وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ )(13).


(1) – رواه أحمد : (126/4) ، الترمذي : (2676) ، الحاكم : (96/1) .
(2) – رواه مسلم : (1715) ، البيهقي : (163/8) في السنن ، السُّنة (102) البغوي ، ابن حبان : (3379) الحوت ، (3388) الأرناؤوط .
(3) – الإبانة : (157،158) ، الإعتصام : (110/1) .
(4) – ابن وضاح : (17) ، ابن نصر : (30) السّنة، اللالكائي : (119) .
(5) – الدارمي : (66/1) ، ابن وضاح : (32) ، الإبانة : (169) ، ذم التأويل : (60) ، اللالكائي : (108) .
(6) – كتاب العلم : (54) ، الدارمي : (205) ، ابن وضاح : (17) ، ابن نصر : (28) السّنة ، المعجم الكبير : (8770) ، شعب الايمان : (2216) ، ذم التأويل : (58) . 
(7) – ابن نصر : (30) ، المعجم الكبير : (10484) ، الإبانة : (161) ، اللالكائي : ( 114-115) .
(8) – الإبانة : (165) ، اللالكائي : (72) .
(9) – أبوداود : (4612)، الشريعة : (212) الفقي .
(10) – الدارمي : (96) ،اللالكائي : (15، 136 ، 137) ، الحلية : (369/3 ، 346/5) ، تاريخ دمشق : (359/55) ، السير : (337/5 ، 343/18) .
(11) – سير أعلام النبلاء : (231/11) .
(12) – الإبانة : (245/1) .
(13) – السنة : (14) لأحمد ، اللالكائي : (317) ،  طبقات الحنابلة : 241/1) ذم التأويل : (71) ، المقصد الأرشد : (787) .
  • السبت 18 شوال 1445هـ 27-4-2024م
  • مشاهدات : 1٬242
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري