عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ – أَوْ: لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ – أو: وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) رواه البخاري ومسلم .
• فالحديث عظيم الشّأن ، كبير النّفع ، جليل الفائدة ، جمع أصول الاعتقاد وأمّهات الدّين ، باختصار جميل ، ووفاء تامّ ، وهو متن جدير بكلّ مسلم أن يحفظه عن ظهر قلب ، وأن يكرّره كلّ ليلة ، تأسّيًا بنبيّنا الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – (ص:3).
• ممّا ينبغي أن يُعلم أنّ الأذكار الشرعيّة والدّعوات المأثورة عن نبيّنا وقدوتنا ﷺ ليست أقوالًا لا معنى لها ، أو كلمات لا مضمون لها ، بل هي كلمات جليلات وألفاظ عظيمات ، مشتملات على أجلّ المعاني ، وأعظم المقاصد ، وأنبل الأهداف ، كيف لا ؟! ، وهي كلمات الصّادق المصدوق الّذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلّا وحي يُوحى ، قالها ﷺ في مُناجاته لربّه – جلّ في علاه – (ص:6).
• ليست العقيدة متنًا تقرؤه في مرحلة من مراحل الدّراسة ثمّ تنتهي ، أو تقرؤه على شيخ في مسجد من المساجد ثمّ تتوقّف ، وإنّما هي أمر ثابت معك في حياتك ، مستمر معك في كلّ أوقاتك (ص:8).
• قال الإمام الآجري – رحمه الله – : (ينبغي لمن كان له حظّ من قيام اللّيل أن يحفظ هذا ، وإنّما أحثّه على حفظه ليستعمله ، وكذا ينبغي لكلّ مسلم أن يحفظه ممّن لا حظّ له في قيام اللّيل فيدعو به رجاء أن يوفّقه مولاه الكريم لقيام اللّيل إن شاء الله تعالى) (فضل قيام اللّيل والتّهجّد)(ص:135-136).
• مما ينبه عليه العلماء : أهميّة استحضار معاني الأذكار الشّرعيّة ودلالاتها ؛ حتّى تكون قويّة الأثر محقّقة النفع والفائدة ، أمّا إذا كان يقولها المرء ألفاظاً لا يعي معناها ولا يدري مدلولها ، فإنّها كما قال العلماء – رحمهم الله – تكون ضعيفة الأثر إن لم تكن عديمة النّفع ، لاسيما إذا كانت فعال المرء وأقواله مناقضة لمدلول هذه الكلمات ، بينما إذا وُفّق العبد للعناية بالذّكر والدّيمومة عليه ، مع فهم مدلوله ، وتحقيق غايته ومقصوده أثمر أنواع الثّمار اليانعة ، وآتى أطايب الجنى اللّذيذ ، فهو كما يقول العلامة ابن القيم – رحمه الله – : (أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر، وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها كان أعظم لثمرتها، فالذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد، وهو أصل كل مقام وقاعدته التي ينبني ذلك المقام عليها، كما يُبنى الحائط على أُسِّه وكما يقوم السقف على حائطه)(الوابل الصيب)(ص:157)(ص:9-10).
• الحمد : هو الثّناء على الله – سبحانه وتعالى – بما هو أهله مع حبّه جلّ في علاه ، فالحمد ثناء وحب ، وإذا عري الثّناء عن الحب كان مدحًا وليس حمدًا ، والحمد يكون على الأسماء والصّفات ، ويكون على النّعم والعطايا والهبات (ص:12).
• معنى اسم الله (القيوم) : هي كونه سبحانه قائمًا بنفسه مقيمًا لخلقه ، فهو اسم دال على أمرين :
الأوّل : كمال غنى الرّبّ سبحانه ، فهو القائم بنفسه ، الغنيّ عن خلقه ، كما قال سبحانه :(۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) سورة فاطر، وفي الحديث القدسي : (إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي) رواه مسلم ، وغناه سبحانه عن خلقه غنى ذاتيّ ، لا يحتاج إليهم في شيء ، غنيّ عنهم من كلّ وجه .
الثّاني : كمال قدرته وتدبيره لهذه المخلوقات ، فهو المُقيم لها بقدرته سبحانه ، وجميع المخلوقات فقيرة إليه ، لا غنى لها عنه طرفة عين (ص:15-16).
• إيمان العبد واعتقاده بأنّ الله – سبحانه وتعالى – الملكُ لا ندّ له يقتضي إفراده وحده بالعبادة وإخلاص الدّين له ، إذ كيف يعتقد أنّه وحده الملك الّذي بيده الأمر ثمّ يلجأ إلى غيره؟! هذا وقد تكرّر في القرآن الكريم بيان أنّ تفرّد الله بالملك لا شريك له دليل ظاهر على وجوب إفراده وحده بالعبادة قال تعالى : (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) (المؤمنون: ١١٦)، (ص:21).
• إيمان العبد بلقاء الله واستحضاره التام لذلك يُثمر عملاً واستعدادًا وتزوّدًا ليوم المعاد ، وانظر في أثر هذه العقيدة في صلاح العمل وحسن العاقبة إلى قول أهل الجنة في ذكر سبب فوزهم ونجاتهم : (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) سورة الطور ، أي : من عذابه وعقابه يوم أن نلقاه ، وقول من يؤتى كتابه بيمينه :(إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) سورة الحاقة ، قاله في ذلك اليوم حين نجا من الخزي ، وظفر بالفوز العظيم (ص:29).
• في الدعاء عن النبي ﷺ : (اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) رواه أحمد وابن ماجه ، فإذا آمن العبد بالجنة والنار وأنهما حق وجب عليه أن يعمل الأعمال والأقوال التي تقربه إلى الجنة ، وأن يتجنب الأعمال والأقوال التي تقربه من النار (ص:33).
• الإيمان بمحمد ﷺ : ومن الإيمان به : تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله ، ومعناها : طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، والانتهاء عما نهى عنه وزجر ، وأن لا يُعبد الله – عزوجل – إلا بما شرع ، لا بالأهواء والبدع ، وتقديم محبته على محبة الناس كلهم من الأبناء والآباء وسائر القرابة ، بل وعلى محبة المرء لنفسه ، وتعظيمه وتوقيره وإجلاله وغير ذلك من حقوقه التي أوجبها الله – عزوجل – ، وهو عبد لا يُعبد ، ورسول لا يُكذّب ، بل يطاع ويُتّبع ، من أطاعه دخل الجنّة ، ومن عصاه دخل النّار (ص:36).
• وَالتَّوَكُّلُ مَقَامٌ عَظِيمٌ مِنْ مَقَامَاتِ الدِّينِ الْجَلِيلَة، وَفَرِيضَةٌ عَظِيمَة، يَجِبُ إِخْلَاَصُهَا لله وَحده، وَهُوَ مِنْ أجْمَعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ وَأَهَمِّهَا، لِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَة، وَالطَّاعَاتِ الْكَثِيرَة، فَإِنَّهُ إِذا اعتمدَ الْقَلْبُ عَلَى الله، فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّة، دُونَ مَن سِوَاه، صَحَّ إِخْلَاَصُه، وَقَوِيَتْ مُعَامَلَتُهُ مَعَ الله، وَزَادَ يَقِينُهُ وَثِقَتُهُ بِرَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ مُصَاحِبٌ لِلْمُؤْمِنِ الصَّادِق، فِي أُمُورِهِ كُلِّها، الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّة؛ فَهُوَ مُصَاحِبٌ لَهُ فِي صَلَاتِه، وَصِيَامِهِ وَحَجِّهِ وَبِرِّه، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِه، وَمُصَاحِبٌ لَهُ فِي جَلْبِهِ لِلرِّزْق، وَطَلَبِهِ لِلْمُبَاح، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاه (ص : 46-47).
• حَقِيقَةُ الْإِنَابَةِ: اِنْجِذَابُ الْقَلْبِ إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، يُنِيبُ إِلَى رَبِّهِ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بِشُكْرِهِ، وَعِنْدَ الضَّرَّاءِ بِالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَعِنْدَ مَطَالِبِ النُّفُوسِ الْكَثِيرَةِ بِكَثْرَةِ دُعَائِهِ فِي جَمِيعِ مُهِمَّاتِهِ، وَيَنِيبُ إِلَى رَبِّهِ بِاللَّهِجِ بِذِكْرِهِ فِي كَُلِّ وَقْتٍ، وَهِيَ أَيْضًا: الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ، بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي، وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، فَيَعْرُضُهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ ﷺ، فَتَكُونُ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ مَوْزُونَةً بِمِيزَانِ الشَّرْعِ( ص: 47- 48).
• أعظم وسيلة إلى الله – سبحانه وتعالى – للفوز عنده ونيل مرضاته هي العقيدة الصحيحة ، فها هو نبيّنا و قدوتنا وأسوتنا في مناجاته لربّه في جوف اللّيل يتوسّل إلى الله بهذه الأصول العظيمة ، وهذه كلها عقائد ، بل أمّهات أصول الاعتقاد يذكرها مقرّراً إيمانه وتصديقه بها متوسّلاً إلى الله – سبحانه وتعالى – بذلك ، فأعظم وسيلة يُتوسّل إلى الله – سبحانه وتعالى – بها العقيدة الصحيحة .
ويستفاد من هذا أيضًا : أنّ فساد العقيدة انقطاع في الوسيلة ، فإذا فسدت عقيدة الإنسان انقطعت الوسيلة بينه وبين الله ، إذ لا وسيلة إلى الله بدون عقيدة صحيحة ، فالعقيدة الفاسدة تقطع الوسيلة بين الإنسان وبين الله – سبحانه وتعالى – ، ولا وسيلة تدني من الله وتقرّب منه إلا العقيدة الصحيحة المستمدة من كتاب الله – سبحانه وتعالى – وسنّة نبيّنا الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – وهذه فائدة ثمينة جدًا ، نتنّبه لها (ص : 50-51).
• الأذكار المحدثة التي تكلّف إنشاءها المتخرّصون وأحدثها المتكلفون قطع للوسيلة – بين العبد وبين الله – لما فيها من شغل للناس عن الأذكار المشروعة التي اشتملت على جماع الخير وتمامه ، مع العصمة والسلامة من الخطأ ، وإشغالهم بأذكار مخترعة لا تسلم من الخطأ والانحراف .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (أَمَّا اتِّخَاذُ وِرْدٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ وَاسْتِنَانُ ذِكْرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ: فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ وَمَعَ هَذَا فَفِي الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ غَايَةُ الْمَطَالِبِ الصَّحِيحَةِ وَنِهَايَةُ الْمَقَاصِدِ الْعَلِيَّةِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُفَرِّطٌ أَوْ مُتَعَدٍّ) مجموع الفتاوى (2/215).
وقال أيضًا : (وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَيْبًا مَنْ يَتَّخِذُ حِزْبًا لَيْسَ بِمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ حِزْبًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيَدَعُ الْأَحْزَابَ النَّبَوِيَّةَ الَّتِي كَانَ يَقُولُهَا سَيِّدُ بَنِي آدَمَ وَإِمَامُ الْخَلْقِ وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ) مجموع الفتاوى (22/525) (ص :51-52).
• شأن الاستغفار ومكانته العظيمة : (الِاسْتِغْفَارُ يُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ، إلَى الْفِعْلِ الْمَحْبُوبِ مِنْ الْعَمَلِ النَّاقِصِ إلَى الْعَمَلِ التَّامِّ وَيَرْفَعُ الْعَبْدَ مِنْ الْمَقَامِ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى مِنْهُ وَالْأَكْمَلِ؛ فَإِنَّ الْعَابِدَ لِلَّهِ وَالْعَارِفَ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَلْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَزْدَادُ عِلْمًا بِاَللَّهِ، وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ بِحَيْثُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَيَرَى تَقْصِيرَهُ فِي حُضُورِ قَلْبِهِ فِي الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ وَإِعْطَائِهَا حَقَّهَا فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِغْفَارِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ؛ بَلْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ دَائِمًا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَحْوَالِ فِي الغوائب وَالْمَشَاهِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَجَلْبِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّاتِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْقُوَّةِ فِي الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ) (مجموع الفتاوى لابن تيمية – رحمه الله – 11/696).
• والحاصل أن (لا إله إلا الله) لا تنفع إلا من عرف مدلولها نفيًا وإثباتًا ، واعتقد ذلك وعمل به ، أما من قالها وعمل بها ظاهرًا من غير اعتقاد فهو المنافق ، وأما من قالها وعمل بضدها وخلافها من الشرك فهو الكافر ، وكذلك من قالها وارتدّ عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه ولو قالها ألف مرة ، وكذلك من قالها وهو يصرف أنواعًا من العبادة لغير الله كالدعاء ، والذبح ، والنذر ، والاستغاثة ، والتوكل ، والإنابة ، والرجاء ، والخوف ، والمحبة ، ونحو ذلك ، فمن صرف مما لا يصلح إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك بالله العظيم ولو نطق بلا إله إلا الله ، إذ لم يعمل بما تقتضيه من التوحيد والإخلاص الذي هو معنى ومدلول هذه الكلمة العظيمة (تيسير العزيز الحميد)(ص:78).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : (شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بِصِدْقِ وَيَقِينٍ تُذْهِبُ الشِّرْكَ كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ؛ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَتَأْتِي عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَخَفَايَاهُ وَدَقَائِقِهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو مَا بَقِيَ مِنْ عَثَرَاتِهِ وَيَمْحُو الذَّنْبَ الَّذِي هُوَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ فَإِنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ، فَالتَّوْحِيدُ يُذْهِبُ أَصْلَ الشِّرْكِ وَالِاسْتِغْفَارُ يَمْحُو فُرُوعَهُ ، فَأَبْلَغُ الثَّنَاءِ قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَبْلَغُ الدُّعَاءِ قَوْلُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) (مجموع الفتاوى)(11/697)(ص59).
• العبد لا يملك من أمره شيئًا ، وليس له حيلة في دفع شرّ ، ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى ، فلا تحول للعبد من معصية إلى طاعة ، ولا من مرض إلى صحّة ، ولا من وهن إلى قوة ، ولا من نقصان إلى كمال وزيادة إلا بالله ، ولا قوة له على القيام بشأن من شؤونه ، أو تحقيق هدف من أهدافه أو غاية من غاياته إلا بالله العظيم (ص:60).
• (لا حول ولا قوة إلا بالله) تتضمن هذه الكلمة العظيمة إثبات القدر ، وهو أصل من أصول الدين العظيمة ، قال ابن القيم : (وقد أجمع المسلمون على هذه الكلمة وتلقيها بالقبول وهي شافية كافية في إثبات القدر وإبطال قول القدرية)(شفاء العليل ص112) ، ولهذا ترجم لها الإمام البخاري في كتاب القدر من صحيحه بقوله : (باب : لا حول ولا قوة إلا بالله) ، ودلالة هذه الكلمة على الايمان بالقدر ظاهرة ، إذ فيها تسليم العبد واستسلامه وتبرؤه من الحول والقوة ، وأنّ الأمور إنّما تقع بقضاء الله وقدره ، وأنّ ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا تتحرك ذرّة إلّا بإذنه ، ولا يجري حادث إلّا بمشيئته ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا أحصاها علمه ، وأحاطت بها قدرته ، ونفذت بها مشيئته ، واقتضتها حكمته (ص60-61) .
• ألا ما أهنأ وألذّ وأطيب ليل يقوم المرء المسلم في جوفه ليصليّ لربّه ومولاه ما كتب الله له من صلاة مُستفتحًا بهذا الاستفتاح العظيم ، مستشعرًا معانيه العظيمة ودلالاته الجليلة ، مجددًا إيمانه وتوحيده ، مقوّيًا صلته بربّه ومولاه ، راجيًا نيل ما يترتّب عليه من الأحوال الزّكيّة ، والمقامات العليّة ، والنّتائج العظيمة ، والآثار المباركة ، والعوائد الحميدة (ص:62).
- تم الانتهاء من انتقاء الفوائد يوم السبت 18/05/1442هـ ، أسال ربي النفع لي ولمن قرأها وعمل بما فيها ولا يغني هذا عن قراءة الأصل للشيخ جزاه الله خيرًا .
وكتبه العبد الفقير لرحمة ربه المشرف على شبكة خير أمة .