الفوائد المنتقاة من شرح الأصول الستة للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –

الإخلاص لله معناه: أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله تعالى، والتوصل إلى دار كرامته ، بأن يكون العبد مخلصًا لله تعالى في قصده، مخلصًا لله تعالى في محبته، مخلصًا لله تعالى في تعظيمه، مخلصًا لله تعالى في ظاهره وباطنه، لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله تعالى ، والوصول إلى دار كرامته (ص:8).

قال بعض السلف: (ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتُها على الإخلاص) ، فالشرك أمره صعب جدًّا، ليس بالهين، ولكن الله ييسر الإخلاص على العبد، وذلك بأن يجعل الله نصب عينيه ، فيقصد بعمله وجه الله (ص:12).

فَالْمُشْرِكُ باللهِ تَعَالَى قَدْ خَسِرَ الْآخِرَةَ لَا رَيْبَ لِأَنَّهُ فِي النَّارِ خَالِدًا، وَخَسِرَ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَجَاءَهُ النَّذِيرُ، وَلَكِنَّهُ خَسِرَ، لَمْ يَسْتَفِدْ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر:15] ، فَخَسِرَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهَا شَيْئًا وَأَوْرَدَهَا النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودِ، وَخَسِرَ أهْلَهُ لِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوَا مُؤْمِنِينَ فَهُمْ فِي الْجَنَّةِ فَلَا يَتَمَتَّعُ بِهمْ، وَإِنْ كَانُوَا فِي النَّارِ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لِعَنَتْ أُخْتَهَا (ص:11).

التفرق هو قرة عين شياطين الجن والإنس؛ لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الإسلام أن يجتمعوا على شيء، فهم يريدون أن يتفرقوا؛ لأنَّهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام والاتجاه إلى الله ، فالنبي ﷺ حث على التآلف والتحاب بقوله وفعله، ونَهى عن التفرق والاختلاف الذي يؤدي إلى تفريق الكلمة وذهاب الريح (ص:15).

  • علامة محبة الله وولايته :

الآية الأولى: قوله تعالى في آل عمران: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ)[آل عمران:31] ، وهذه الآية تسمى آية المحنة -أي: الامتحان- حيث ادعى قوم محبة الله تعالى، فأنزل الله هذه الآية، فمن ادعى محبة الله تعالى نظرنا في عمله، فإن كان متبعًا لرسول الله ﷺ فهو صادق، وإلا فهو كاذب .

الآية الثانية: قوله تعالى في المائدة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة:54] الآيتين. فوصفهم بأوصاف هي علامة المحبة وثمراتُها: الوصف الأول: أنَّهم أذلة على المؤمنين فلا يحاربونَهم، ولا يقفون ضدهم، ولا ينابذونَهم ، الوصف الثاني: أنَّهم أعزة على الكافرين -أي: أقوياء عليهم غالبون لهم- ، الوصف الثالث: أنَّهم يجاهدون في سبيل الله أي : يبذلون الجهد في قتال أعداء الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا- ، الوصف الرابع: أنَّهم لا يخافون في الله لومة لائم أي: إذا لامهم أحد على ما قاموا به من دين الله لم يخافوا لومته، ولم يمنعهم ذلك من القيام بدين الله -.

الآية الثالثة: قوله تعالى في يونس: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63] ، فبين الله تعالى أن أولياء الله تعالى هم الذين اتصفوا بِهذين الوصفين: الإيْمَان، والتقوى ، فالإيْمَان بالقلب، والتقوى بالجوارح، فمن ادعى الولاية ولم يتصف بِهذين الوصفين فهو كاذب.  

ننقل هنا ما كتبه شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله تعالى- في رسالته: (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) ونسوق ما تيسر منها قال -رحمه الله-: (وقد بين – سبحانه وتعالى –  في كتابه وسُنَّة رسوله ﷺ أن لله أولياء من الناس، وللشيطان أولياء، ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فقال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64]. وذكر أولياء الشيطان، فقال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل:98-100] ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون… وهم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونَهوا عما نَهى، وأعطوا من يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع.. فلا يكون وليًّا لله إلا من آمن به، وبما جاء به، واتبعه باطنًا وظاهرًا، ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه -أي: الرسول- فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُم اللَّهُ) [آل عمران:31]، فالناس متفاضلون في ولاية الله – سبحانه وتعالى – بحسب تفاضلهم في الإيْمَان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق.. وأولياء الله على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وآخرها، وفي الإنسان، والمطففين، وفي سورة فاطر…. والجنة درجات متفاضلة تفاضلاً عظيمًا، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيْمَانِهم وتقواهم.فمن لم يتقرب إلى الله، لا يفعل الحسنات، ولا يترك السيئات، لم يكن من أولياء الله، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله، لاسيما أن تكون محجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه، أو نوع من تصرف… فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وليًّا لله وإن لم يعلم منه ما ينقص ولاية الله، فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله؟! مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب اتباع النبي ﷺ باطنًا وظاهرًا، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر دون الحقيقة الباطنة، أو يعتقد أن لأولياء الله طريقًا إلى الله غير طريق الأنبياء -عليهم السلام-… فعلى هذا فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض، ولا يجتنب المحارم، بل قد يأتي بما يناقض ذلك لم يكن لأحد أن يقول: هذا ولي لله… وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات… وليس من شرط ولي الله أن يكون معصومًا لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين… ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط لم يجب على الناس الإيْمَان بجميع ما يقوله من هو ولي لله؛ لئلا يكون نبيًّا… بل يجب أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد ﷺ، فإن وافقه قبله، وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف؟ توقف فيه ، والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: طرفان، ووسط ، فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه ولي لله وافقه في كل ما يظن أنه حدث به قلبه عن ربه، وسلم إليه جميع ما يفعله، ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهدًا مخطئًا، وخيار الأمور أوساطها: وهو أن لا يجعل معصومًا ولا مأثومًا إذا كان مجتهدًا مخطئًا، فلا يتبع في كل ما يقوله، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده، والواجب على الناس اتباع ما بعث الله به رسوله… وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ، وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم، فالأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- يجب لهم الإيْمان بجميع ما يخبرون به عن الله ﷺ، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به، بخلاف الأولياء فإنَّهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به، ولا الإيْمان بجميع ما يخبرون به، بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسُّنَّة، فما وافق الكتاب والسُّنَّة وجب قبوله، وما خالف الكتاب والسُّنَّة كان مردودًا، وإن كان صاحبه من أولياء الله وكان مجتهدًا معذورًا فيما قاله، له أجر على اجتهاده، لكنه إذا خالف الكتاب والسُّنَّة كان مخطئًا، وكان من الخطأ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع… وهذا الذي ذكرته من أن أولياء الله يجب عليهم الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، وأنه ليس فيهم معصوم يسوغ له أو لغيره اتباع ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسُّنَّة هو مما اتفق عليه أولياء الله – سبحانه وتعالى -، ومن خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمر الله باتباعهم، بل إما أن يكون كافرًا، وإما أن يكون مفرطًا في الجهل… وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله، ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله، ويسلم إليه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسُّنَّة، فيوافق ذلك له، ويخالف ما بعث الله به رسوله الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه، وبين أهل الجنة وأهل النار، وبين السعداء والأشقياء، فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده المفلحين وعباده الصالحين، ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين، فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولاً إلى البدعة والضلال، وآخرًا إلى الكفر والنفاق… وتجد كثيرًا من هؤلاء عمدتُهم في اعتقاد كونه وليًّا لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور، أو بعض التصرفات الخارقة للعادة.. وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله ﷺ، وموافقته لأمره ونَهيه.. وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان صاحبها وليًّا لله، فقد يكون عدوًّا لله فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتِهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسُّنَّة، ويعرفون بنور الإيْمَان والقرآن وبحقائق الإيْمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة… وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء الذين ليسوا بأنبياء، وقد رتب الله عباده السعداء المنعم عليهم (أربع مراتب)، فقال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِع اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69]… ولهم الكرامات التي يكرم الله بِها أولياءه المتقين، وخيار أولياء الله كراماتُهم لحجة في الدين، أو لحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيهم ﷺ كذلك، وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة اتباع رسول الله ﷺ، فهي في الحقيقة تدخل في معجزات الرسول ﷺ… ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بحسب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها لضعف الإيْمَان، أو المحتاج أتاه منها ما يقوى إيْمَانه، ويسد حاجته، ويكون من هو أكمل ولاية لله منه مستغنيًا عن ذلك، فلا يأتيه مثل ذلك لعلو درجته وغناه عنها، لا لنقص ولايته؛ ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من يجري على يديه الخوارق لهدى الخلق ولحاجتهم، فهؤلاء أعظم درجة… والناس في خوارق العادات على ثلاثة أقسام : قسم يكذب بوجود ذلك لغير الأنبياء، وربما صدق به مجملاً، وكذب ما يذكر له عن كثير من الناس؛ لكونه عنده ليس من الأولياء.ومنهم من يظن أن كل من كان له نوع من خرق العادة كان وليًّا لله، وكلا الأمرين خطأ… ولهذا تجد أن هؤلاء يذكرون أن للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونَهم على قتال المسلمين، وأنَّهم من أولياء الله، وأولئك يكذبون أن يكون معهم من له خرق عادة. والصواب القول الثالث: وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم، لا من أولياء الله – سبحانه وتعالى – ) وفيما نقل كفاية إن شاء الله تعالى، ومن أراد المزيد فليرجع إلى الأصل، والله الموفق ( ص 28 – 33 ) .

  • إذا تفرقت كلمة المسلمين :

إن الكلمة إذا تفرقت، والرعية إذا تمردت، دخلت الأهواء والضغائن، وصار كل واحد يسعى لتنفيذ كلمته، وإن تبين أن الحق والعدل في خلافها، وخرجنا عن توجيهات الله تعالى حيث يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103] ، فإذا عرفت كل واحد ما له وما عليه، وقام به على وفق الحكمة، فإن الأمور العامة والخاصة تسير على أحسن نظام وأكمله (ص21).

  • العلم الذي فيه الثناء هو علم الشريعة :
والعلم الذي فيه المدح والثناء: هو علم الشرع، علم ما أنزله الله على رسوله ﷺ من الكتاب والحكمة، قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [الزمر:9] ، وقال النبي ﷺ: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)أخرجه البخاري في صحيحه: (71). ومسلم في صحيحه: [175-(1923)] ، وقال النبي ﷺ: (إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أخرجه الترمذي في سننه: (2691) ، وأخرجه أبو داود: (3641) ، أخرجه ابن ماجه: (223) ، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه : (182) ، ومن المعلوم أن الذي ورثه الأنبياء إنما هو علم الشريعة، ومع هذا فنحن لا ننكر أن يكون للعلوم الأخرى فائدة، ولكنها فائدة ذات حدين: إن أعانت على طاعة الله، وعلى نصر دين الله، وانتفع بِها عباد الله كانت خيرًا ومصلحة، وقد ذكر بعض أهل العلم أن تعلم الصناعات فرض كفاية، وهذا محل نظر ونزاع ، وعلى كل حال فالعلم الذي ورد الثناء فيه وعلى طالبيه هو فقه كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ، وما عدا ذلك فإن كان وسيلة إلى خير فهو خير، وإن كان وسيلة إلى شر فهو شر، وإن لم يكن وسيلة لهذا وهذا فهو ضياع وقت ولغو (ص23).
  • لابد من معرفة من هم العلماء حقًّا :

فلابد من معرفة من هم العلماء حقًّا -هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربِّهم- حتى يتميز هؤلاء الربانيون عمن تشبه بِهم وليس منهم، يتشبه بِهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل، ويصوغه بعبارات مزخرفة، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه، وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون (ص25).

  • ليس بولي من يدعي الولاية :

يوزن هذا المدعي للولاية بعمله، إن كان عمله مبنيًّا على الإيْمَان والتقوى فإنه ولي، وإلا فليس بولي، وفي دعواه الولاية تزكية لنفسه، وذلك ينافي تقوى الله ؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) [النجم: 32] ، فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه، وحينئذ يكون واقعًا في معصية الله، وفيما نَهاه الله عنه، وهذا ينافي التقوى، فأولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه، ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونَهم بِهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله تعالى (ص27).

  • بعض فضائل العلم:

والعلم له فضائل كثيرة :

منها: أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله والعمل بما علموا، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به، قال الله تعالى: (يَرْفَع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11].

ومنها: أنه إرث النبي ﷺ، كما قال النبي ﷺ: (إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أخرجه الترمذي في سننه: (2691)، وأخرجه أبو داود: (3641)، أخرجه ابن ماجه: (223)، وصححه العلامة الألباني في “صحيح ابن ماجه”: (182).

ومنها: أنه مما يبقى للإنسان بعد مماته، فقد ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح) أخرجه مسلم في صحيحه: [14-(1631)].

ومنها: أن الرسول ﷺ لم يرغب أحدًا أن يغبط أحدًا على شيء من النعم إلا على نعمتين هما: طلب العلم والعمل به، والغني الذي جعل ماله خدمة للإسلام.

فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال رسول الله ﷺ: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بِها ويعلمها) أخرجه البخاري في صحيحه: (73)، ومسلم في صحيحه: [268-(716)].

ومنها: أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل غيره، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.

ومنها: أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفى على كثير من الناس قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعًا وتسعين نفسًا، فسأل رجلاً عابدًا هل

له من توبة، فكأن العابد استعظم الأمر فقال: لا، فقتله السائل فأتم به المائة، ثم ذهب إلى عالم فسأله فأخبره أن له توبة، وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دله على بلد أهله صالحون؛ ليخرج إليه، فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق، والقصة مشهورة فانظر الفرق بين العالم والجاهل (ص 23 -24).


الدروس (1) | قراءة لمتن الأصول الستة مع شرحها للعلامة ابن عثيمين – قراءة الشيخ محمد سعيد رسلان
الدروس (2) | شرح الأصول الستة للعلامة ابن عثيمين – قراءة وتعليق الشيخ محمد سعيد رسلان

الفوائد المنتقاة من تعليق الشيخ الدكتور محمد سعيد رسلان على شرح العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – :

وينبغي أن نعلم أن الاختلاف ليس برحمه، لأنه يشيع بين جماهير المسلمين أن الاختلاف رحمة وأن اختلافهم رحمة، ليس كذلك، لا يكون الاختلاف رحمة، وقد قال تعالى : (وَلَا یَزَالُونَ مُختَلِفِینَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ)، فاستثنى الله تعالى الـمرحومين من المختلفين، فدل على أن المختلفين ليسوا بمرحومين، (وَلَا یَزَالُونَ مُختَلِفِینَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ)، فاستثنى من المختلفين المرحومين فدل على أن المختلفين ليسوا بمرحومين، وقال – صلى الله عليه وسلم – : (الجماعة رحمة، والفرقة عذاب)، أخرجه عبدالله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه – رحمهم الله -، وأخرجه البزار والطبراني بإسناد حسن، قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)، قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : (الذين أبيضت وجوههم هم أهل السنة والجماعة، والذين أسودت وجوههم هم أهل البدعة والفرقة)، قال ابن تيمية – رحمه الله – في الفتاوى : ” نَتِيجَةُ الْفُرْقَةِ: عَذَابُ اللَّهِ، وَلَعْنَتُهُ، وَسَوَادُ الْوُجُوهِ، وَبَرَاءَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” هذه نتيجة الفرقة، ولا شك أن الشيطان يسعى لتفريق المسلمين وتشتيت شملهم، قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فهذا من نزغ الشيطان، وقال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنـزغُ بَيْنَهُمْ) فالشيطان حريص على إيقاع الفرقة والتدابر والتباغض بين المسلمين، ويفرح بذلك كثيرًا، لأن هذا التباغض والتدابر يُضعف المسلمين ويمكن منهم أعداءهم، ويشتت الجهود، ويبدد القوى، ويصرف الأذهان والقلوب عن تلقي العلم النافع، وعن الإتيان بالعمل الصالح، فالحاصل أن الافتراق في أصول الدين بل بالدين كله مذموم، وليس من صفة أهل الإيمان واليقين، ولكنه من صفات المنحرفين المبتدعين، أما الاختلاف الذي يسوغ ممن يسوغ منه من أهل البحث والاجتهاد والنظر والعقيدة المستقيمة فهذا لا يوجب تفرقًا ولا تقاطعًا ولا تباغضًا، أن يكون فيما يسوغ، وأن يقع ممن منه يسوغ، فإذا وقع على هذا النحو فإنه لا يؤدي إلى تفرق ولا إلى تباغض ولا إلى تدابر، ولا يأتي بالفرقة بين الناس، والمصيب في ذلك له أجران، والـمخطئ له أجر واحد (ش2).

النصيحة ليست على شرط القبول : النصيحة ليست على شرط القبول، يعني إذا نصحت أخاك فلست مُلزِماً إياه بنصحك، وإنما أنت تبصره، فإن أخذ بذلك فالحمد لله، وإن لم يأخذ بذلك وكان الصواب معك فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا سبيل لك عليه، فلسيت النصيحة على شرط القبول وإنما النصيحة على شرط الإخلاص (ش:2).

  • الخميس 19 جمادى الأولى 1446هـ 21-11-2024م
  • مشاهدات : 1٬883
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري