- أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة شأنها كشأن أحكام الدين كلها ؛ محكمة غاية الإحكام :
– عليكِ أن تعلمي – أيتها الموفقة – أن أحكام الشرع المتعلقة بالمرأة شأنها كشأن أحكام الدين كلها ؛ محكمة غاية الإحكام ، مُتقنة غاية الإتقان لا نقص فيها ولا خلل ، ولا ظلم فيها ولا زلل ، كيف لا ! وهي أحكام خير الحاكمين ، وتنزيل ربّ العالمين ، الحكيم في تدبيره ، البصير بعباده ، العليم بما فيه سعادتهم وفلاحهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة ؛ ولهذا فإنّ من أعظم العدوان ، وأشد الإثم والهوان أن يُقال في شيء من أحكام الله المتعلقة بالمرأة أو غيرها : إنّ فيها ظلمًا أو هضمًا أو إجحافًا أو زللًا ، ومن قال ذلك أو شيئًا منه فما قدر ربه حقّ قدره ، ولا وقّره – سبحانه وتعالى – حقّ توقيره ، والله – جل وعلا – يقول :{ مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } أي لا تعاملونه معاملة من توقّرونه ، والتّوقير : التّعظيم ؛ ومن توقيره سبحانه أن تُلتزم أحكامه وتُطاع أوامره ويُعتقد أنّ فيها السّلامة والكمال والرّفعة ، ومن اعتقد فيها خلاف ذلك فما أبعده عن الوقار وما أجدره في الدنيا والآخرة بالخزي والعار ، فلنتّق الله ولنعظم أحكام الله – سبحانه وتعالى – { ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (ص:10).
- جاء بها صيانة للمرأة وحفظًا لها :
– أيّتها الموفّقة عندما جاء دين الإسلام بتلك الأحكام المختصّة بالمرأة كالحجاب والحشمة ، والقرار في البيوت ، والحذر من الاختلاط إلى غير ذلك جاء بها صيانة للمرأة وحفظًا لها ، ووقاية لشرفها ومكانتها وحماية لها من الشّرّ والفساد ، ولتُكسى بتلك الضوابط حُلل الطّهر والعفاف ، فالمرأة في ميزان الإسلام دُرّة ثمينة وجوهرة كريمة تُصان من كل أذى وتُحمى من كلّ رذيلة ؛ فما أعظم أحكام ديننا ، وما أجلّ شأنها ، وما أعظم بركتها ، وما أحسن عوائدها لمن وفّقه الله – سبحانه وتعالى – للالتزام بها ؛ وأمّا من تخلّى عن ضوابط الدّين وتوجيهاته الحكيمة زعمًا منه أنّها تعوّق عن المصالح ، أو أنّه يترتّب عليها مفاسد أو أضرار أو أنّها جناية على المرأة إلى غير ذلك ممّا يُقال ، فهذا كلّه من التّجنّي العظيم والقول على الله وعلى كلامه وعلى وحيه وحكمه بغير علم ، ومن أعظم المحرّمات وأكبر الآثام القول على الله – سبحانه وتعالى – بلا علم ، كما قال تعالى : {وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} (ص:11).
- اسمعي الآية بتدبُّر وطمأنينة وتقبُّل وانشراح صدر :
– أيَّتُها الأخت المُوفّقة : عندما تقرئين آية من كتاب الله وحديثًا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مشتملاً على توجيه يختصُّ بالمرأة ، فاسمعي الآية بتدبُّر وطمأنينة وتقبُّل وانشراح صدر ؛ لأنَّ الكلام الذي تسمعينه هو كلام من خلقك – سبحانه وتعالى – وأوجدك وأمدَّك بالسّمع والبصر والحواسّ والقوى والنّعم ، والفرق بين كلامه وكلام خلقِه كالفرق بينه وبين خلقِه – سبحانه وتعالى – فإيّاك ثمّ إيّاك أن يكون في صدرك وحشة أو نفرة أو انقباض من توجيهات ربّ العالمين ، وهكذا الشّأن في الأحاديث الصّحيحة الثّابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، قال تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (ص:12) .
- عِزّ المرأة وفلاحها :
– أيَّتُها الأخت الكريمة الفاضلة : إنّ سعادتكِ مُرتبطة بهذا الدّين وبالتزام توجيهاته الحكيمة ، وآدابه الكريمة وإرشاداته السّديدة الّتي هي عِزّ المرأة وفلاحها ، وإن كنتِ تبحثين عن الجمال الحقيقي والزّينة التّامّة ، فاعلمي أنّ الله – سبحانه وتعالى – يقول : (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) ، ويقول- جل وعلا – : (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، وفي الدعاء المأثور : (اللّهمّ زيّنا بزينة الإيمان) ، فالإيمان والتّقوى والالتزام بشرع الله – سبحانه وتعالى – وأحكامه وتوجيهاته هو الزّينة الحقيقيّة ، هو الجمال الحقيقيّ ، وهو السّعادة الحقيقيّة ، وهو فلاح المرء في دنياه وأُخراه (ص13).
- أشاد الله في القرآن بحياء المرأة العظيم وما يترتب على حيائها :
– وقد أشاد الله في القرآن بحياء المرأة العظيم ، وما يترتب على حيائها من سترٍ وعفةٍ وحشمةٍ وبُعدٍ عن الاختلاط بالرجال ، قال الله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) إلى قوله جل شأنه: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) [القصص:23-25] ، وكلما كانت المرأة متصفة بالحياء متحلية به كان ذلكم أكمل في أخلاقها وأجمل في حليتها وزينتها ، بينما إذا نزعت المرأة عن نفسها جلباب الحياء وأطاحت بلباس الحشمة والعفة فقدَت جمالها الحقيقي ومكانتها العالية الرفيعة السنيّة ونزلت في الحضيض (ص:17).
- الرجال والنساء سواء فيما يتعلق بالتقرب من الله :
– أيها المؤمنون ويا أيتها الأخوات المؤمنات : فيما يتعلق بالتقرب من الله ونيل رضاه وبلوغ الدرجات العلا في جنات النعيم ؛ الباب للرجال والنساء سواء : في الإسلام والإيمان ، والقنوت والصدق والصبر والصيام ، والخشوع لله والإكثار من ذكره تبارك وتعالى .. فالباب مُشرَع للجميع ومهيأ للجميع رجالاً ونساءً ذكوراً وإناثاً ، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:35-36] (ص:17).
- فالمرأةُ المسلمة التي تخشى الله لا تلتفت إلى ما يدعو إليه الهمَل من الناس :
– إن توجيهات القرآن للمرأة وهداياته لها هدايات فيها العز للمرأة ولمجتمعها وفيها الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ، والواجب على المرأة المسلمة التي منَّ الله عليها بالإيمان وهداها للإسلام وعرَّفها بمكانة القرآن وجعلها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام ؛ أن ترعى لآداب القرآن وتوجيهاته وهداياته قدرها ، وأن تعرف لها مكانتها ، وأن تأخذ بها مأخذ العزم والحزم والجد والاجتهاد ، وأن تربأ بنفسها مما يدعوها إليه الهمَل من الناس ممن تاهت بهم الأفكار وانحرفت بهم السبل وحادوا عن هدايات القرآن الكريم، فالمرأةُ المسلمة التي تخشى الله وتخافه سبحانه وتُعِدُ نفسها للقاء الله لا تلتفت إلى ما يدعو إليه الهمَل من الناس ، ممن إذا تكلموا لم يتكلموا بوحي ناطق ولا بسنة مأثورة ولا بفضيلة يُتطلع إلى فعلها ويُعتنى بتتميمها وتحقيقها ، والمرأة المسلمة إذا ألزمت نفسها بهدايات القرآن وزمّت نفسها بزمام الشريعة وحافظت على آداب القرآن وهداياته سعدت في دنياها وأخراها ، وعليها في هذا المقام أن تتأمل كثيرا في قوله تعالى : (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: ٢٧] ، وإنا لنسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي وسع كل شيء رحمة وعلما أن يحفظ نساءنا … (ص:18).
- الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يدرك مداه :
– عباد الله : وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ) ، وروى مسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) .
عباد الله : ومن يتأمل التاريخ على طول مداه يجد ذلك ؛ فإن من أكبر أسباب انهيار الحضارات وتفكك المجتمعات وتحلُّل الأخلاق وفساد القيم وفُشوا الجريمة هو تبرج المرأة ومخالطتُها للرجال ، ومبالغتُها في الزينة والاختلاط ، وخَلوتُها مع الأجانب ، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامة وهي في أتم زينتها وأبهى حلَّتها وأكمل تعطُّرها .
عباد الله : والإسلام لم يفرض على المرأة الحجاب ولم يمنعها من تلك الأمور إلا ليصونها عن الابتذال ، وليحميَها من التعرض للريبة والفحش ، وليمنعها من الوقوع في الجريمة والفساد ، وليكسوَها بذلك حُلَّة التقوى والطهارة والعفاف ، وسدَّ بذلك كلَّ ذريعةٍ تفضي إلى الفاحشة .
- اختلاط المرأة بالرجال ومزاحمتهم منهي عنه في العبادة فكيف الحال بغيرها :
– عباد الله : وقد جاء في الإسلام ما يدل على أن الفتنة بالنساء إذا وقعت يترتب عليها من المفاسد والمضار ما لا يُدرَكُ مداه ولا تُحمَد عقباه ، روى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ) ، وروى مسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وعن أم حميد الساعدية – رضي الله عنها – أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ ، قَالَ : ( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي ) ، وعن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) ، كل ذلك عبادَ الله حفظًا للمرأة من الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم ؛ وهذا في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه ، فكيف إذاً – عبادَ الله – بالأمر في الأسواق والأماكن العامة والمنتديات !! ولما دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاتُها وقالت لها : يا أم المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، قالت عائشة – رضي الله عنها- : ( لا آجرَك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ألا كبرت ومَررت ) ؛ قالت لها ذلك – عباد الله – مع أنها في أشرف مكان وخيرِ بقعة ومكانِ طاعة جوارَ الكعبة ؛ فكيف الأمر – عباد الله – بمن تزاحمُ الرجال في الأسواق والأماكن العامة والمنتديات وهي في كامل زينتها وأجمل حليتها وأبهى تعطرها !! ، عباد الله : إننا نقول هنيئا للمرأة المسلمة إذا عاشت حياتها ممتثلةً هذه التوجيهات الكريمة والهدي القويم غير ملتفتة إلى الهَمَلِ من الناس من دعاة الفاحشة والفتنة والله جلّ وعلا يقول : ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:٢٧]
- تحريم الإسلام للاختلاط حماية للمرأة وللمجتمع :
ومن يتأمّل التّاريخ على طول مداه يجد أنّ من أكبر أسباب انهيار الحضارات ، وتفكّك المجتمعات ، وتحلّل الأخلاق وفساد القيم ، وفشوّ الجريمة هو تبرّج المرأة ومخالطتها للرّجال ، ومبالغتها في الزّينة والاختلاط ، وخلوتها مع الأجانب ، وارتيادها للمنتديات والمجالس العامّة وهي في أتمّ زينة وأبهى تجمّل ، قال العلّامة ابن القيّم – رحمه الله – : (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهنّ بالرجال أصل كلِّ بليةٍ وشر ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أعظم أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا ، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة) (الطرق الحكميّة ص: 239)(21).
- خاف على نفسه من الفتنة وهو في مسجد النبي ﷺ :
– أيها المؤمنون عباد الله : عبرة عظيمة وفائدة جليلة ثمينة نفيدها من قصة صحابية فاضلة وهي تحكي خبر إسلامها ونبأ دخولها في هذا الدين وبداية حياتها في الإسلام ؛ تلكم هي – أيها المؤمنون – قَيْلَةُ بنتُ مَخْرَمَة التميمية رضي الله عنها وأرضاها ، وقصتها طويلة رواها الطبراني بتمامها في كتابه المعجم الكبير ، وروى طرفاً منها البخاري في أدبه المفرد والترمذي في جامعه ، وأجتزئ من قصتها -رضي الله عنها- ذكْرها لخبر وصولها إلى المدينة ودخولها لمسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان ذلكم الدخول كما روت رضي الله عنها وقت صلاة الفجر ، والنبي عليه الصلاة والسلام يصلي بالمؤمنين ، والصفوف خلفه قائمين بأداء هذه الصلاة العظيمة، قالت رضي الله عنها : قدمنا ورسول الله ﷺ يصلي بالناس صلاة الغداة حين شق الصبح ، وذكرت رضي الله عنها أن الرجال لا تكاد تعارف من الظلمة ، وأن النجوم شابكةٌ في السماء ، قالت رضي الله عنها : فدخلت وأنا امرأة حديثة عهد بجاهلية فصففت إلى جنب الرجال . وتأملوا ؛ وفي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام امرأة تصف إلى جنب الرجال ! وفي صلاة الفجر !! قالت : فقال لي الرجل الذي يليني: امرأة أنتِ أم رجل ؟ قالت : فقلت له لا ؛ بل أنا امرأة ، قال رضي الله عنه : إنك قد كدتِ أن تفتنينني فاذهبي فصلي مع النساء ، قالت فرأيت صفاً من النساء إلى جانب الحجرات لم أكن رأيته حين دخلت المسجد ؛ فكنت فيهن أي أنها ذهبت وصلت مع النساء ، تأمل أيها الأخ المسلم ، وتأملي أيتها الأخت المسلمة : المكان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ، والزمان زمانه عليه الصلاة والسلام ، والوقت والحال حال فاضلة ؛ وقت أداء صلاة الفجر ، ومع ذلكم ! يقول ذلكم الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه : (إنك قد كدتِ أن تفتنينني) وهذا المعنى الذي ذكره رضي الله عنه هو الذي بينه النبي ﷺ في حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال : قال عليه الصلاة والسلام : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) ، وفي حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال : (فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ؛ فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) ، وفي السنن من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : ( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) أي جعلها الشيطان غرضاً له وهدفاً ليفتن الرجال وليوقعهم في الفاحشة والرذيلة . نعود إلى قول ذلك الصحابي -رضي الله عنه وأرضاه- : (إنك قد كدتِ أن تفتنينني) وتعتذر لنفسها في ذلك الموقف الخاطئ أنها كانت حديثة عهد بجاهلية ، أي: أنها لم تكن على معرفة بالإسلام وتفاصيله وأحكامه وهداياته ، قال: (إنك قد كدتِ أن تفتنينني) خاف على نفسه من الفتنة وهو في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام !! ، وهو خلف النبي عليه الصلاة والسلام !! ، وهو في زمان النبي عليه الصلاة والسلام !! ؛ فكيف الأمر -أيها المؤمنون- عندما تخالط المرأة الرجال ليس في وقت مظلِمٍ كهذا ؛ وإنما في وقت هو في وضح النهار بكامل زينتها وتمام حليتها وجمال تعطرها إلى غير ذلكم مما هو خطر داهم وبلاء عظيم يدمِّر ويهلك ويوقع في الفتن العظام التي خاف النبي ﷺ على أمته منها !! ، وإذا كان النبي ﷺ في المسجد بيت الله الذي هو موضع الطمأنينة والإيمان وحُسنِ الإقبال على الرحمن -جل وعلا- يباعد بين النساء والرجال حياطة وحذرًا ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال ﷺ : (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا ، وَشَرُّهَا آخِرُهَا ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) أي: أن المرأة حتى وإن كانت في المسجد بيت الله كلما كانت بعيدة عن الرجال كان خيرا لها وأولى ، وصلاتها في بيتها خير من صلاتها في المسجد ، ففي حديث أم حميد الساعدية -رضي الله عنها- قالت : أتيت النبي ﷺ وقلت: يا رسول الله إني أحب أن أصلي معك في مسجدك هذا ، قال عليه الصلاة والسلام : (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي) وجاء في صحيح البخاري من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت : (كان رسول الله ﷺ إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مكانه يسيرا قبل أن يقوم) قال الراوي : نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال ، وجاء في مسند الشافعي وسنن البيهقي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن مولاةٍ لها جاءت فرِحَة تخبرها قائلة : لقد طفت بالبيت سبعاً واستلمتُ الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة -رضي الله عنها-: (لا آجرك الله .. لا آجرك الله ؛ تدافعين الرجال ! ألا كبرتِ ومررتِ ) تقول لها ذلك وهي في بيت الله الحرام ، وإلى جوار الكعبة ، وفي ذلكم الموضع العظيم .
- ابتلاء بعض النساء بالإنهزامية :
– قصة امرأة من أهل الجنة : روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ بَلَى ، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ؛ أَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي ، قَالَ ﷺ : (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ ، فَقَالَتْ أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا) ،أيتها المرأة المؤمنة : تأملي في حياة هذه المرأة السوداء المرأة صادقة الإيمان عظيمة الحياء وهي تخاطب النبي – عليه الصلاة والسلام – صابرةً على الشدة واللأواء قائلة : (إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ) إذا كانت هذه حالها خوفاً من التكشف فكيف حالك أنت أيتها المؤمنة ؟! إن بعض النساء – أيتها المؤمنات- ابتلين في هذا الزمان بانهزامية عظيمة وتحوّل شنيع بسبب انبهار بحضارات زائفة وتقدم قاتل فأصبحت المرأة لا تقلد من هي معجبة بحضارتها إلا بتوافه الأمور وخسيس الأشياء وحقير الأخلاق فجنت على نفسها أعظم جناية وجرت على إيمانها أعظم بلاء ، ألا فلتتق الله كل أمَةٍ مسلمة وكل امرأة مؤمنة ولتتذكر وقوفها بين يدي الله ، وأن الله رب العالمين سائلها يوم القيامة عن حيائها وعن سترها وعن حشمتها وعن كل ما جاء في كتاب ربها وسنة نبيها – صلوات الله وسلامه عليه – (ص:32).
- صرع أُصبن به بعض النساء ولا يعذرن به :
– روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ بَلَى ، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ؛ أَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي ، قَالَ : ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيَكِ ، فَقَالَتْ أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ الله لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا ) ، إن قصة هذه المرأة قصة عظيمة تُروى في مكارم الأخلاق وجميل الصفات ومحاسن القيَم وجمال الحياء ونقاء القلب وصفائه ، نعم !! قالت : ( – يا رسول الله – إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ) فكان هذا التكشف الذي يقع عن غير طوعٍ واختيار ، وعلى وضعٍ لا ملامة عليه فيه كان تكشفاً يؤرقها ويقلقها ، إذا كانت هذه حالها – وما أكرمها من حال وما أعظمه من وصف – فكيف الحال بامرأة تتكشف مبديةً محاسنها مظهِرةً مفاتنها مبرزةً جمالها مع طوعها واختيارها غير مبالية ولا مكترثة لا بحياء ولا إيمان !! تسمع آيات الله وتسمع أحاديث رسول الله ﷺ وتسمع ما في التبرج والسفور من وعيدٍ وتهديد فلا تبالي بشيء من ذلك ولا تكترث بهذا الأمر . أيها المؤمنون : هذه المرأة التي هي من أهل الجنة كان تكشفها بسبب الصرْع وكانت تكره ذلك التكشف أشد الكراهة ، لكن ما يقع في عدد من النساء من تكشف وتبرج وسفور سببه – أيها المؤمنون – صرع أصيب به هؤلاء النساء ولكنه من نوع آخر ؛ صرْعٌ شديد على من يصاب به وسببه ضعف الإيمان وقلة الدين وذهاب الحياء ، إنه – أيها المؤمنون – صرع الشهوات ؛ أن يكون الإنسان صريع شهواته وصريع تتبع ملذاته فيكون بهذا الصرع ليس مبالياً ولا مكترثاً بما يفعله أهو من رضا الله سبحانه وتعالى أم من سخطه ؟ ، ومن لم يأخذ نفسه بزمام الشرع ويزمَّها بزمام هدي نبينا -عليه الصلاة والسلام – وإلا كان من صرعى هذه الآفات وقتلى هذه الفتن وطريحي هذه الشهوات (ص : 28 – 31).
أيها المؤمنون : إننا في زمان يجب علينا أن تتضافر فيه جهودنا حمايةً للفضيلة ورعايةً للكرامة وصيانةً للشرف ورعاية للغيرة الدينية التي جاء بها دين الله – تبارك وتعالى – لنعيش في كنف الإسلام وآدابه العظام وتوجيهاته المسددة حياة شرف وفضيلة وكرامة ورفعة ، هذا ؛ واللجوء إلى الله وحده لا شريك له بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ لنا أجمعين شرفنا وفضيلتنا وكرامتنا وديننا وعفتنا أيها المؤمنون : وإذا كان ديننا الحنيف بتوجيهاته العظيمة وإرشاداته السمحة المباركة يريد من المرأة أن تعيش حياة الكمال والفضيلة والرفعة فإن أعداء الدين وخصومه لا يريدون منها ذلك ؛ بل يريدون حياة الرذيلة والانحطاط والسفول (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27] ، نعم ! إنها حقيقةٌ ظاهرة ، عباد الله : إن على المرأة المسلمة أن لا تستهين بهذا الأمر وأن لا تسمع لدعوة كل ناعقٍ وكل هاتف ، وإنما ليكن سماعها مقصوراً على ما كان مُدْعَماً بالحجج البينات والدلائل الواضحات من العلماء المحققين الراسخين أهل الدراية بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه – عليه الصلاة والسلام – .
قَدْ هَيَّأُوكَ لِأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ
فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الهَمَلِ
أيها المؤمنون عباد الله : إن المرأة في هذا الإسلام إن عاشت مع آدابه عاشت حياةً كريمةً فاضلة ، وإن فُتنت ومضت مع دعاة الفتنة ودعاة الشر والفساد لِتتذكر أنها يوماً من الأيام ستغادر هذه الحياة، ولتتذكر أن جسمها الجميل ومحاسنها الفاتنة وتزيينها لنفسها وفتنها للرجال سيأتي عليها يوم وتُدرج في حفرة ويهال عليها التراب وتأكلها الديدان ويذهب عنها رونقها وجمالها وتكون في تلك الحفرة رهينةُ أعمالها وقيد ما قدَّمت في هذه الحياة ، فلتتق الله المرأة المسلمة في نفسها خاصة وفي مجتمعها ؛ ليعيش المجتمع حياة الكرماء وحياة الأفاضل النبلاء .
(ص : 34)