لا يقال أبدًا إن الحق بالكثرة ، كما يقوله كثير من أهل الضلال ، فإن الميزان في الإسلام هو الحق ، وقد قال رسول الله : ( بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا ، فطوبى للغرباء ) رواه مسلم (ص63) .
- الفائدة رقم : (2) – {التروي والابتعاد عن أخذ الكلام بلا دليل من الكتاب والسنة}
- قال الإمام البربهاري – رحمه الله – :
فانظر – رحمك الله – كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة ، فلا تعجلن ، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر : هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي ؟ أو أحد من العلماء ؟ ، فإن أصبت فيه أثرًا عنهم فتمسك به ، ولا تجاوزه لشيء ، ولا تختر عليه شيئًا فتسقط في النار .
- قال الشيخ ربيع المدخلي معلقًا :
يرشد المؤلف – رحمه الله – من يقرأ كلامه أو يبلغه إلى التروي والابتعاد عن العجلة في تلقف الكلام دون التفات إلى كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة من رشد وهدى واعتصام بالكتاب والسنة ، وما كانوا عليه من نفور من الباطل والبدع ، حتى إن المتتبع لسيرهم لا يجد أحدًا منهم وقع في بدعة ، ومن عرف السلف الصالح وأئمة الهدى لمكانة الصحابة وأنهم على الحق ؛ والحق يدور معهم حيث داروا ، ومن معرفة المؤلف لواقعهم المشرق حذر من دخول المسلم السنّي في شيء مما يسمعه من أهل زمانه حتى يسأل أهل العلم ، ويتأمل ويبحث ، فإذا تبين له أن هذا القول قد قال به الصحابة أو يدل عليه نص من كتاب الله وسنة رسوله أخذ به .
وإن لم يجد شيئًا من ذلك فليأخذ حذره من هذا الكلام الغريب الذي لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة ولا من فقه الصحابة ، ولا من فقه أحد منهم ، وهذا المقياس ينبغي أن يكون عند الشحيح بدينه لكل كلام ، ولو صدر من كبار العلماء ، وقد وضع العلماء الناصحون أصولاً لما يقبل من كلامهم وما يرد .
فمن أصولهم : (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله) .
ومن أصولهم ما قاله الإمام الشافعي : (إذا خالف قولي قول رسول الله فاضربوا بقولي عرض الحائط).
وقول الإمام أحمد : ( لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا الأوزاعي ، وخذ من حيث أخذوا) (ص 70 – 71).
في قول القائل : لم قال رسول الله ﷺ كذا ؟ ، وكيف يقول كذا ؟ ، اعتراض على رسول الله ﷺ ، وينم عن عدم التصديق للرسول وعدم القناعة بقوله ، والله يقول : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)) فلابد من انتفاء الحرج من النفوس ، ولابد من التسليم والرضا بأحكام رسول الله ﷺ ، وتلقي ذلك بقلوب منشرحة ونفوس راضية (ص:83).
قال – رحمه الله – : (لَأَنْ يَلْقَى اللهَ عز وجل الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ علم الْكَلَامِ) رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم)(192/2) والخطابي في (الغنية)(ص:37) ، والبيهقي في (الكبرى)(10/206) وغيرهم من طرق عن الشافعي .
وقال – رحمه الله – : (حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَام أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيد والنعال، وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرَ وَالْقَبَائِل ويُقال: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَخَذَ علم الْكَلَام) ذكره ابن عبد البر في (جامع بيان العلم)(2/193) والذهبي في (تاريخ الإسلام)(14/329) من طرق عن الشافعي ، وقال الذهبي في (السير)(10/29) : ولعل هذا متواتر عن الإمام (ص:85) .
فهؤلاء الأنبياء كلّ منهم يعتذر ويقول : (إنّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله)(رواه أحمد والبخاري ومسلم) ، ويذكر خطيئته ويستحي من ربه أن يشفع ، لأن بعضهم وقع في الخطأ ، وبعضهم وقع في شبه الخطأ ، وإن كانوا قد خرجوا من هذا الخطأ وشبهه بتوبة لا نظير لها ، ولكن الحياء يلاحقهم حتى في الآخرة .
فعلينا أن نستحيي من الله في الدنيا والآخرة ، والله لا يرتكب المعاصي والجرائم والظلم إلا من قلّ حياؤه أو عُدم ؛ فالحياء أمر عظيم ، ومن فوائده الجليلة : أنك ربما تهمّ بالمعصية فتذهب وتمشي إليها ، ثم تتذكر وتقول : إن ربي يراني وسمعني ، فتخجل وتخاف في نفس الوقت ؛ فيدفعك ذلك الحياء والخوف إلى الإحجام عن فعلها ، فالحياء رادع عظيم ووازع عظيم ؛ الحياء والخوف مع الإيمان الصادق .
فعلينا أن نقّوي إيماننا وأن نغذي الحياء بدراسة سير الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – ومنها هذا الحديث .
فهذا نبي الله آدم – عليه الصلاة والسلام – يستحي أن يشفع ؛ نهاه الله أن يأكل من الشجرة فخدعه الشيطان وقاسمه بالله : إنه لمن الناصحين وإنها شجرة الخلد ، فخدعه وأكل منها وتاب وندم منه ؛ قال الله عنه وعن زوجه – عليهما السلام – : (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الأعراف : 23) فتاب الله عليهما ، ومع ذلك يأتي يوم القيامة مستحياً ، ويعتذر عن الشفاعة ويقول : أنا أخطأت .
ونوح دعا على قومه الكفار ، ومع هذا اعتبر ذلك خطيئة ، فيستحي ويخجل منها ؛ ويعتذر عن الشفاعة .
وإبراهيم – عليه السلام – يعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات في ذات الله – وهي توريات – ولكنه أطلق عليها أنها كذب ، وهي توريات ليست بكذب حقيقي ، وبعضها مثل قوله عن زوجته : إن هذه أختي ، يعني أخته في الإسلام | قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في مجموع فتاواه (8/527) : (والكذبات الثلاث التي ذكرها إبراهيم – عليه السلام – فُسِّرت بما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: لم يكذب إبراهيم – عليه السلام – إلا ثلاث كذبات؛ اثنتين منهن في ذات الله: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، وذكر قوله عن امرأته سارة: إنها أختي ، وفي “صحيح مسلم” في حديث الشفاعة السابق أن الثالثة قوله في الكوكب {هَذَا رَبِّي}، ولم يذكر قصة سارة ، لكن قال ابن حجر في الفتح (فتح الباري (6/ 391): (الذي يظهر أنها وهم من بعض الرواة) ، وعلل لذلك ، وإنما سمى إبراهيم – عليه السلام – هذه كذبات؛ تواضعًا منه؛ لأنها بحسب مراده صدق مطابق للواقع؛ فهي من باب التورية، والله أعلم) | وليست بكذبة ، مع هذا من شدة خوفه من الله وحيائه منه وعلّو منزلته عند الله – عز وجل – يرى أن هذا خطأ ويراها ذنوبًا ويخجل من الله وهو خليله – عليه الصلاة والسلام – وهو أفضل الأنبياء بعد محمد – عليه الصلاة والسلام – وأبو الأنبياء ، فما بعث الله من نبي بعد إلا من ذريته (ص : 141-145) .
- الفائدة رقم : (6) – {الخلافة والولاية حق من حقوق القرشيين}
- قال الإمام البربهاري – رحمه الله – :
(والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى ابن مريم – عليه السلام -).
- قال الشيخ ربيع المدخلي معلقًا :
يعني الخلافة هذه حق من حقوقهم مع شروط أخرى ، إذا توفرت فيهم فهي حقهم ، فمن شروطها : أن يكون عالمًا ، وأن يكون مجتهدًا ، وأن يكون عدلاً ، وأن يكون رضًا عند الناس ، ومن شروطها أيضًا : القرشيّة .
فإذا توفرت هذه الشروط في رجلين ، ثلاث أو أربع خصال ، وواحد يمتاز عنهم بالقرشية فهذا حقه ، وإذا اختلت هذه الشروط ولم يبق إلا القرشيّة فيسقط حقه ؛ لأنه ضيّع نفسه وضيّع هذا الحق ، أما إذا توفرت هذه الشروط وتوفرت في غيره فهو أولى وهذا حقه .
وقريش أوسع من أهل البيت : (الخلافة في قريش) حديث صحيح رواه البخاري ، فهم السلف هذا ، وفهم هذا الصحابة الكرام : أنّ هذا ليس خاصًا بأهل البيت ، بل هو لكل بطون قريش فيه حق ، فهم أولى …
ثم الشاهد أنّ أبا بكر ليس من بني هاشم ، ولم ينازعه أحد في هذا ؛ لأنه قرشيّ ، فهي حق لبني هاشم ، ومنهم آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل العباس الذين نالوا الخلافة بعد بني أمية ، واستمرت فيهم ما يقرب من خمسمائة سنة ، ثم الله يؤتي ملكه من يشاء (ج1 ص 230-231) .
يجب على المرأة أن تطيع زوجها ، والابن أن يطيع أبويه ، وأن يبر أقاربه ، ويطيع ولي أمره ، ومديره … إلخ ، في طاعة الله ، وفي بعض الأمور قد تكون مباحة ، لكن في معصية الله لا ، أبدًا ، كما قامت الأدلة على ذلك ، قال النبي ﷺ : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) رواه أحمد (ص:246) .
- الفائدة رقم : (8) – {دراسة لحديث : (رأيت ربي في أحسن صورة)}
- الفائدة رقم : (9) – {تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله}
– قال النبي ﷺ : (تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله) سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/395-397) ورد عن عدد من الصحابة من طرق ضعيفة حسنه الألباني بمجموعها .
فالمؤمن إذا تفكر في آيات الله ﷻ ، وبعظمته ، وقدرته ، وحكمته ، وتدبيره يزداد إيمانه ، أما التفكر في ذات الله فقد نهى عنه رسول الله ﷺ كما في هذا الحديث (ص:320).
– الكافرُ إنْ كانَ حربيَّاً فهذا قِتالُهُ أمرٌ مشروع، وجهادٌ في سبيلِ الله، وإعلاءٌ لكلمةِ الله، وإنْ كانَ في الذِمَّةِ فَدَمُهُ حرام، إنْ كانَ في ذِمَّةِ المسلمين، فقتلُهُ يُعتبرُ خيانة، وخَفْراً لِذِمَّةِ الله، وذِمَّةِ رسولِه، ولكن لا يُقتَلُ مسلمٌ بكافر، إنَّما يودى، يُدفعُ فيهِ ديِّة، لكنَّه لا يُقتل به، فالذي يقتلُ يَرتكِبُ إثمًا كبيرًا، ويكونُ قد خَفَرَ ذِمَّةَ اللهِ وذِمَّةَ رسولِه، عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، ومُتوعَّدٌ بالنَّار، ولكنَّهُ لا يُقتَلُ به، قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) رواهُ البُخاريّ في صحيحه رقم : (111) من حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه (ج1 ص:336).
– وأما قول ابن تيمية – رحمه الله – في (اقتضاء الصراط المستقيم ص 264) : (ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى – عليه السلام – ، وإما محبة للنبي ﷺ ، وتعظيمًا له ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي ﷺ عيداً) انتهى، فيعني الثواب على المحبة ، يثيبهم على محبة النبي ﷺ لا على العمل ، هذا يخفف من المشكلة ، لأنهم يرون أنه يثاب على العمل ، الآن الذين ينقلون عن ابن تيمية يرون أن الله يثيب على هذا العمل ، لماذا ؟ لأنه ناشئ عن محبة النبي ﷺ ، فهنا يصرح شيخ الإسلام أن الله لا يقبل هذا العمل المبتدع ، وإنما قد يثيبهم على المحبة ، لكن حتى على هذه المحبة التي بَعثت على مخالفة النبي ﷺ لا يثابون عليها ، حبهم للنبي ﷺ عمومًا في غير هذه المناسبة ينفعهم إن شاء الله ، لكن هذا الحب غير المشروع الذي دفعهم إلى ممارسة هذه البدع ، هذا لا يثابون عليه ولا كرامة ، وقد ذكر شيخ الإسلام في موضع آخر أن غاية مافيه أن الجاهل منهم يعذر ، ويخسر هذا العمل فلا يقبل منه، وكل يؤخذ من قوله ويرد ، يعني حتى لو كان شيخ الإسلام فإنه يُحتج لقوله ، كل الناس يُحتج لهم إلا رسول الله ﷺ ، هو شيخ الإسلام نفسه يقول بأن الرجال ما يُحتج بهم إنما يحتج لهم (منها قوله في مجموع الفتاوى (26/202) : {وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ بِقَوْلِ أَحَدٍ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ، وَدَلِيلٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ ذَلِكَ تُقَرَّرُ مُقَدِّمَاتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِأَقْوَالِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ يُحْتَجُّ لَهَا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ} انتهى ، فالرجل إذا جاءك بكلام قل له : أين دليلك ؟ هات برهانك ، فإذا ما كان عنده برهان فلا يؤخذ بقوله ، غفر الله له ، وسامحه ، وندعو له ، لكن والله ما يجوز أن نتبعه على الخطأ (ص:349 – 350).
- الفائدة رقم : (12) – {الفرق بين الرضا والصبر}
– الصبر واجب، والرضا فضيلة ومنزلة أعلى من الصبر، والصبر واجب على العبد، مات لك قريب، هلك مال، أصابك شيء، مرض أو فقر أو خوف، يجب أن تصبر، ولا تجزع، ولا تسخط قضاء الله – تبارك وتعالى – ، وأما الرضا: فمرتبة فوق هذه، أن ترضى بما قدره الله، تجد نفسك مرتاحاً، وهذه مرتبة صعبة جداً، والبكاء على القريب لا ينافيها ولا ينافي الصبر، فالرسول – عليه الصلاة والسّلام – بكى، ونهى عن النياحة، فبكى على ابنه إبراهيم، وعلى ابن بنته، ولما سئل قال: «هذه رحمة يجعلها في قلوب من يشاء من عباده» ، لما أرسلت إليه ابنته أن ابنها احتضر، وطلبت منه أن يأتي، فأرسل إليها يقول لها: «لله ما أخذ، والله ما أعطى، فلتصبر ولتحتسب» فناشدته أن يأتي، فجاءها والصبي روحه تقعقع في صدره كالشن، يعني يضطرب، فبكى رسول الله – عليه الصلاة والسّلام – ، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله! أتبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ ، قال: «هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» رواه البخاري في صحيحه رقم (6655) واللفظ له، ومسلم في صحيحه رقم (۹۲۳) من حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنه – ،ولما توفي إبراهيم، بکی ﷺ، وقال: «ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون» رواه البخاري في صحيحه رقم (1303)، ومسلم في صحيحه رقم (٢٣١٥) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه – ، هو الذي نهى عن الصلق والحلق، وبرئ من (الصالقة والحالقة) رواه البخاري في صحيحه رقم (١٢٩٦)، ومسلم في صحيحه رقم (۱۰۳) من حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – ، نهى؛ لأن هذه الأفعال تسخّط لقدر الله – تبارك وتعالى – ، وتنافي الصبر، فالمؤمن عليه أن يصبر، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: ۱۰] ، (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 – 157] الرضا منزلة عظيمة، وقد يصل بعض الناس إليها، ولكن هذا يندر، قد تحصل فاجعة على الشخص فكأنه ما حصل شيء، بل يفرح، هذا يدعيه الصوفية، والله أعلم، لكن نحن رأينا في الصحابة، في الرسول، في الأنبياء من يحزن، نبي الله يعقوب حزن حزناً شديداً على ابنه، وبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن – عليه الصلاة والسّلام – ، لكنه راض بقدر الله ، ورسول اللہ ﷺ بکی على ابنه إبراهيم، وعلى ابن ابنته، وعلى الشهداء في وقعة مؤتة، وهم زيد بن ثابت وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة – رضي الله عنهم – ، فكان يخطب وعيناه تذرفان عليه الصلاة والسّلام (رواه البخاري في صحيحه رقم (4262) من حديث أنس بن مالك) ، فالقلب قد يحزن، والحزن لا ينافي الرضا، هو لا ينافي الصبر قطعاً، لا ينافي هذا، وكذلك – إن شاء الله – لا ينافي الرضا، لكن الصوفية يعطون مرتبة الرضا فوق هذه، فيقول: فلان توفي ولده وكان يضحك، وفرحان، وكذا، وكذا، وهذا من دعاواهم (ص:364 – 366) .
- الفائدة رقم : (13) – {مسألة رفع اليدين في تكبيرات الجنازة}
– لكن بعد أن صلى على النجاشي أربعاً كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في موت النجاشي، وأن النبي ﷺ قال: (صلوا على أخيكم) أعلن موته، ثم قال: (صلوا عليه) فكبر أربعاً (رواه البخاري في “صحيحه” رقم (۳۸۷۹) ومسلم في “صحيحه” أيضا رقم (٩٥٢) من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنها)، ثم بعدها ما زاد عليها بعد هذه الصلاة على النجاشي، ما زاد – عليه الصلاة والسّلام – على الأربع ، لكن ورد عن بعض أصحابه، ورد عن ابن مسعود أنه قال: (صل مع الإمام إن كبر أربعاً صل معه وإن كبر خمساً فاتبعه) (قال الألباني في “أحكام الجنائز” (ص113): أخرجه ابن حزم في “المحلى” (١٢٦/٥)، وقال، وهذا إسناد غاية في الصحة) وورد عن علي – رضي الله عنه – أنه كبر على البدريين ستاً، وعلى غيرهم من أصحاب رسول الله ﷺ خمساً، وعلى من عداهم من التابعين أربعاً (قال الألباني في “أحكام الجنائز” (ص ۱۱۳): أخرجه الطحاوي، والدار قطني (191) ومن طريقه البيهقي (4 / ٣٧)، وسنده صحيح، رجاله ثقات كلهم)؛ لأن البدريين أفضل فزادهم، وبقية الصحابة أفضل زادهم أعطاهم خمساً، ومن عداهم من المؤمنين من التابعين الذين أدركوا علياً كان يصلي عليهم أربعاً ، والجمهور استقروا على الأربع، ومن حججهم: أن هذا كان آخر فعل النبي – عليه الصلاة والسّلام – ، ويؤخذ من فعل النبي ﷺ بالأحدث فالأحدث، يعني بالآخر فالآخر، فيقول: إنه بعد صلاته على النجاشي أربعاً ما زاد عليها، لكن بقي بعض الصحابة يصلي الخمس، كما روي عن علي، وعن غيره، يصلون أربعاً، وخمساً، وستاً، وما شاكل ذلك .
س: ما يقال بين التكبيرات إذا زاد على الأربع؟ ، ج: ما ورد فيها شيء.
س: رفع اليدين مع التكبيرة الصلاة على الجنازة؟ ، ج: فيها خلاف، لكن الصحيح أنها ترفع، ترفع مع كل تكبيرة، وهذا عن ابن عمر، وعن سمرة بن جندب، وعن بعض الصحابة الآخرين، وردت آثار عن الصحابة، وعن التابعين أنهم كانوا يرفعون مع كل تكبيرة ، قال الترمذي في “الجامع” (٢/ ٣٧٤) تعليقاً على حديث أبي هريرة بعد أن قال: هذا حديث غريب لا تعرفه إلا من هذا الوجه ، قال: “واختلف أهل العلم في هذا – يعني في رفع اليدين – فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: لا يرفع يديه إلا في أول مرة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة” ، لكن الشيخ الألباني يرى أنه لا تُرفع اليدان إلا في التكبيرة الأولى، وعنده حديثان: حديث ابن عباس، وهو ضعيف جداً، شديد الضعف (رواه الدارقطني في “سننه” (٢/ ٧٥) من طريق الحجاج بن نصير عن الفضل بن السكن عن هشام بن يوسف عن معمر عن ابن طاوس عن ابن عباس مرفوعاً: كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود ، حجاج بن نصير ضعيف وكان يتلقن، قاله الحافظ في “التقريب”، والفضل بن السكن قال الذهبي في “الميزان”: لا يعرف، وضعفه الدارقطني) ، وكذلك حديث أبي هريرة ، وهو شديد الضعف: أنه رفع مع التكبيرة الأولى ثم لم يعد ، يعني لم يرفع بعدها، لكن هذين الحديثين ضعيفان، ضعفهما شديد (رواه الترمذي في “سننه” رقم (١٠٧٧) والدارقطني في “سننه” (٢/ ٧٥)، من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي عن أبي فروة يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث غريب. وقال المباركفوري في “التحفة” (4/ 163): أعله ابن القطان في كتابه بأبي فروة، ونقل تضعيفه عن أحمد، والنسائي، وابن معين، والعقيلي ، قال: وفيه علة أخرى، وهو أن يحيى بن يعلى الراوي عن أبي فروة، هو أبو زكريا القطواني الأسلمي، هكذا صرح به عند الدارقطني، وهو ضعيف ، قلت: قال ابن حبان في أبي فروة: كثير الخطأ، لا يعجبني الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد، ثم نقل عن ابن معين أنه قال: ليس بشيء، كذا في “نصب الراية”.اهـ ، وعده الذهبي في “الميزان” (٤١٥/٤) من مناكير يحيى بن يعلى الأسلمي ، وقال ابن حجر في “التلخيص الحبير” (۲/ ۳۳۳): روى الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة أن النبي ﷺ كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، وإسنادهما ضعيفان ولا يصح فيه شيء، وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، رواه سعيد بن منصور.اهـ
فالرفع مع كل التكبيرات ثابت ( ج1ص:369-371) .
- الفائدة رقم : (14) – {عدم ثبوت أن مع كل قطرة تنزل ينزل معها ملك}
– قول الإمام البربهاري : (والايمان بأن مع كل قطرة ملكًا ينزل من السماء) قال الشيخ ربيع : لم أقف على دليله من القرآن ولا من السنة وهو من الأمور الغيبية ، ونقل قريب من هذا عن الحسن والحكم بن عتيبة (فهذان الأثران إنما هما عن الحسن البصري والحكم بن عتيبة وليسا عن النبي ﷺ ، ومع ذلك فليس فيهما إلا أن الملائكة يكتبون القطر ، وليس فيهما أن مع كل قطرة ملك ، وعلى كل فلا يبعد أن هذين الأثرين من الإسرائليات) أخشى أن يكون هذا أخذاه من الروايات الإسرائيلية فالله أعلم ، لكن لم يثبت فيها حديث عن النبي ﷺ (ص:372 – 373).
- الفائدة رقم : (15) – {سماع الأموات في قليب كان توبيخًا لهم}
– قال ﷺ : (والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا) (رواه البخاري في “صحيحه” رقم (٣٩٧٦) ومسلم في “صحيحه” رقم (٢٨٤٧).
{16} – فوائد في مسائل عدة :
1 – الرد على معطلة الأسماء والصفات .
2 – الرد على من يرد الأحاديث بحجة أنها أخبار آحاد.
3 – حفظ الله للسنة ينفي الوهم في روايتها .
4 – قبول خبر الواحد العدل واحتمال الوهم ليس سبب في رد خبرهم .
5 – الرد على من يستدل بقوله تعالى : (إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) في رد خبر الواحد .
الفائدة رقم : (16) – {الضابط في أن يطلق على الرجل أنه مبتدع؟}
هناك أمور واضحة جلية، إذا وقع فيها العبد فهو مبتدع، وهناك أمور تخفى، الأمور الواضحة مثل القول بخلق القرآن ومثل إنكار رؤية الله في الآخرة إذا وقع فيها يحكم عليه أنه مبتدع، والأمور الخفية التي قد يقع – يعني – العالم فيها، وهي بدعة ولا يدري أنها بدعة، يكون مثلاً قصده الحق كما يقول ابن تيمية رحمة الله يعني كثير من علماء السلف والخلف وقعوا في بدع من حيث لا يشعرون، لكن السبب في ذلك أنهم مجتهدون، والذي يوقعه إما بناء على حديث ضعيف، أو على قياس فاسد، أو على فهم سقيم مثلاً لنص، فمثل هذه الأمور خفية، ويقع فيها بعض الناس، مثل هذه الأسباب لا يحكم عليه أنه مبتدع، لكن أن يعطل صفات الله ويقول القرآن مخلوق ويدعو غير الله و يذبح لغير الله وينذر لغير الله فهذا هين عليه أننا ما نكفره، يعني إذا قلنا مبتدع رحمة به، يعني هذه الأمور واضحة ما تخفى على كثير من الناس، ومثل هذه الأمور تبدع فيها، فتقول: هذا رافضي، وهذا جهمي، وهذا معتزلي، وهذا أشعري، وهذا…. إلى آخره، فالظاهر هذا، ومن هنا نرى الإمام أحمد وغيره من أعلام السنة لا يتوقفون في تبديع من يقف في القرآن، فيقول: القرآن كلام الله، لكن لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فقد بدعوا عدداً من هذا الصنف، ووصفوهم بأنهم جهمية من أجل هذا التوقف في أمر واضح، منهم يعقوب بن شيبة وهو من كبار أئمة الحديث صاحب المسند الذي لم يؤلف في الإسلام مثل المسند المعلل، لما بلغ الإمام أحمد أنه توقف هل القرآن مخلوق أو غير مخلوق، توقف، قال: هذا مبتدع، هذا ضال، واستشاره الخليفة في أن يوليه القضاء فأبى قال: لا، هذا مبتدع ضال، يعني القرآن واضح، الله يقول: (وكلم الله موسى تكليماً) [النساء: 164]، وبعدها يجيء يتوقف فيه، مخلوق أو ما هو مخلوق، أما لو قال: القرآن مخلوق، فيكفره أحمد، ما يبدع، يقول: كافر؛ ولهذا ذكر ابن أبي حاتم في أصول أهل السنة التي رواها عن أبي حاتم وأبي زرعة: من قال إن القرآن مخلوق كفر كفراً يخرجه عن الملة، الشاهد: هذا هو الفيصل، الأمور الظاهرة الواقعة يبدع فيها، وإذا عاند بعد قيام الحجة يكفر، والأمور الخفية لا يبدع فيها إلا بعد البيان (ص: 476).
الفائدة رقم : (17) – {بعض الناس يشترط في التبديع إقامة الحجة؟}
ما هو في كل شيء، السلف ما كانوا يشترطون هذا الشرط أبداً، لكن لطول الزمان ولخفاء كثير من السنن، ما يكفر، لكن يبدع، وإذا كان من الأمور التي تخفى وهو مجتهد ويريد الحق ما عنده هوى، وإذا كان عنده هوى يبدع ولو كانت خفية إذا كان يتبع هواه ، وإذا كان عُرف عنه أنه طالب حق يبحث عن الحق لكن وقع في شبهة من هذه الشبه، حديث ضعيف أو فهم سقيم لنص أو قياس فيه شيء من الخلل، هذا لا يحكم عليه بالبدعة ولا يبدع إلا إذا خالفت هذه البدعة نصاً وأصر عليها؛ فحينئذ يبدع (ص : 477).
الفائدة رقم : (18) – {هل من يقول القرآن مخلوق يكفر؟}
كفره السلف، لكن ابن تيمية لا يكفرهم، وكثير من المتأخرين ما يكفرونهم؛ لأن الأولين كانت الأمور عندهم واضحة، والإسلام واضح، والصحابة عندهم ثم التابعون ثم… ثم …. فكفروهم، لكن الآن تكاتفت الشبه كما يقول ابن تيمية، فيقول: تعذرهم حتى تقوم عليهم الحجة، وبعد إقامة الحجة يكفرون أما السلف فكفروا، والله أعلم أن السبب الوضوح عند الجهمية في ذلك الوقت وعند غيرهم من المعتزلة وغيرهم ، ملاحظة: كان الإمام أحمد – رحمه الله – يفرق بين الجهمية فيكفرهم بقولهم بخلق القرآن وبين الجهال فلا يكفرهم حتى تقام عليهم الحجة (ص : 478).
الفائدة رقم : (19) – {ولا يحل أن تكتم النصيحة أحداً من المسلمين} قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : ولا يحل أن تكتم النصيحة أحدًا من المسلمين، برهم وفاجرهم، في أمـر الدين، فمن كتم فقد غش المسلمين، ومن غش المسلمين فقد غش الدين، ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
قال الشيخ ربيع : الله أكبر، و(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )[البقرة: 159]، فالذي يكتم الحق، ويكتم النصيحة، ولا يبينها للناس، هذا غاش، ويستحق من الله اللعنات، وهذا يتحتم على من عنده معرفة بالحق من الكتاب والسنة، أن يبين للناس الحق، العقائد الصحيحة من العقائد الباطلة، والحلال من الحرام، والمعروف من المنكر، والسنة من البدعة، والهدى من الضلال، مسئولية عظيمة على طلاب العلم، وورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (ص : 482).
الفائدة رقم : (20) – {هذا من الغش والتلبيس الذي تسلكه هذه المناهج السياسية}
وهدد الله تبارك وتعالى ولعن من يكتمون الحق، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) سورة البقرة ، هذا الكتمان موجود عند كثير من الناس الآن، عند أهل الأهواء والبدع، وخاصة البدع السياسية، الذين يقولون: نجمع المسلمين وفقط، الذي يهمنا فقط جمع المسلمين، روافض، خوارج، معتزلة، صوفية قبورية، نجمعهم، ونواجه بهم الاستعمار، هو يعرف النتائج أن هذا الحشد من الغثاء لا ينفع بشيء، لا ينكأ صيدًا، وإنما يفقأ العين، يفقأ عين المسلمين ولا يرد كيد الأعداء، كم الآن مر عليهم؟ ، أكثر من ثمانين سنة وهم يحشدون أهل الباطل، والروافض والبدع، وما نفعوا المسلمين بشيء، وإنما ألحقوا الأضرار الفادحة بالمسلمين، ولو سلكوا طريقة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- في بيان الحق، وتربية الناس على هذا الدين الحق، على العقائد الصحيحة والمناهج الصحيحة، لكان وضع المسلمين الآن أحسن الأوضاع، وعلى أحسن الأحوال، ولكن مع الأسف، (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) [القصص: 50]، ولا يحل لك أن تكتم النصيحة، من النصيحة أن تبين للناس عقائدهم الصحيحة، تراهم يعبدون القبور، تراهم واقعين في الرفض، تراهم واقعين في مذهب الخوارج، في مذهب المعتزلة، في القبورية الصوفية، في الأشياء هذه وأنت لا تبين، بل تربت على أكتاف الروافض، وغلاة الصوفية، والقبوريين، وتقول: كلنا مسلمون، نحن مسلمون، والخلافات بيننا وبين الروافض كالخلاف بين أبي بكر وعمر، أو مالك والشافعي وأحمد، هذا من الغش والتلبيس الذي تسلكه هذه المناهج السياسية، مناهج سياسية قامت على ضلالات وبدع؛ لأن هؤلاء السياسيين أصلهم خرافيون أهل بدع وضلال، عندهم مزيج من البدع والضلالات، من الرفض والخروج وإلى آخره، ولا يهمهم إلا الوصول إلى الكراسي، فلا يهمهم أصلحت عقائد الناس أم فسدت، في الآخرة هل يدخلون النار أو يخرجون، لا يبالون، المهم أن أهدافهم الدنيوية تتحقق في هذه الحياة الدنيا، والله سبحانه وتعالى خيب آمالهم، لم يصلوا إلى شيء ينفعهم أو ينفع المسلمين، فنسأل الله العافية ، فعلينا بالنصيحة يا إخوة، والرسول سمى الدين: النصيحة، (الدين النصيحة الدين النصيحة) ، قلنا: لمن؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم( ، ومر رسول الله ﷺ بصبرة طعام، فأدخل يده فيها، فوجد بللا فيها قال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) ، قال: أصابته السماء ، قال: (هلا أظهرته للناس، من غشنا فليس منا)(رواه مسلم)، وإذا كان هذا الغاش في الدنيا (ليس منا)، في حبيبات من الطعام، كيف في الدين وفي العقائد وفي المناهج ؟! (ص : 483-484).
الفائدة رقم : (21) – {تحذير علماء أهل السنة والجماعة من أهل الكلام وعلم الكلام الفاسد}
قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : {واعلم رحمك الله أنه ما كانت زندقة قط، ولا كفر، ولا شك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين، إلا مـن الكلام، وأهـل الـكلام والجدل والمـراء} .
قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي معلقًا : (يحذر المؤلف – رحمه الله – من علم الكلام المذموم، الذي أجمع السلف على تحريمه وضرره على العقول وخطره على العقائد، حتى إن الشافعي – رحمه الله – قال: “لأن ألقى الله بكل ذنب ما عدا الشرك أحب إلي من أن ألقاه بعلم الكلام”(رواه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم” (2/ 192) والخطابي في “الغنية” (ص37) والبيهقي في “الكبرى” (206/10) ، وغيرهم من طرق عن الشافعي، وفي بعض رواياته: (بشيء من الأهواء) بدل (علم الكلام) ، وقال – رحمه الله – : “حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله، وأقبل على علم الكلام” أو كما قال رحمه الله تعالى ، ذكره ابن عبد البر في “جامع بيان العلم” (2/193)والذهبي في “تاريخ الإسلام” (329/14) من طرق عن الشافعي، وقال الذهبي في “السير” (29/10) لعل هذا متواتر عن الإمام ، هذا من فقه السلف، وإدراكهم لخطورة البدع، وقبله أدرك السلف ضرر علم الكلام، وأنه يورث الشك والحيرة والكفر والزندقة ، قال الإمام البربهاري رحمه الله : {واعلم -رحمك الله- أنه ما كانت زندقة قط، ولا كفر، ولا شك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين، إلا من الكلام}.
قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي : (علم الكلام هذا خبيث، الذي يسميه أهل الضلال – ومنهم الأشاعرة- يسمونه: أصول الدين، أصول دين الشيطان، ما هو أصول دين الله، أصول دين الباطل، ما هو أصول دين الإسلام، أصول الدين في الإسلام: أركان الإيمان، أركان الإسلام، التي نص عليها الكتاب، ونص عليها محمد ﷺ، وعرفه علماء الإسلام، أصول الإسلام: القرآن والسنة والإجماع، ما هو علم الفلاسفة والضلال؛ لأن علم الكلام فلسفة، أخذوها من اليونان، فصار هذا لجهلهم وضلالهم وإغراقهم في الحيرة والضلال يسمون هذا العلم الفاسد: أصول الدين / (فتح الباري بيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري ج2 ص9-10).
- الفائدة رقم : (22) – {الحد الصحيح في القياس في الفقه}
– ج: حد القياس إلحاق أمر بأمر لعلة جامعة بينهما، والقياس ضرورة، لا يرجع إليـه إلا في حال الضرورة، ولا ترد النصوص من أجله، كما يفعل أهل الآراء، قياس صحيح، ويحتاجه الناس، فهذا أمر مقبول، قاله الصحابة ودل عليه الكتاب، ودلت عليه السنة، وكان عليه الصحابة، يعني نص، يعني نتناول أموراً، ثم تجد أموراً تأتي مثل هذه أو أولى منها، فتقاس، إما قياس الأولى، أو بقياس المساوي المماثل، فيلحق بالأصل عند الحاجة، فهذا القياس مسلّم به، ولا ينازع فيه أهل السنة، وإنما ينازع فيه الظاهرية ، وأما الغلو فيه، على طريقة أهل الرأي الذين غلوا فيه، وصاروا يردون به النصوص من الكتاب والسنة، فهذا هو الرأي المذموم الذي إذا ذمه السلف إنما يقصدون هذا النوع (ج2ص75).
الفائدة رقم : (23) – {فهذا دليل أن ما يهذي به الروافض والغلاة من الشيعة كلام باطل}
في صحيح مسلم في حديث زيد بن أرقم، أن النبي ﷺ قام فيهم خطيباً في طريقه من مكة إلى المدينة، ثم قال: «…وأنا تارك فيكم ثقلين أولها كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»، كما يقول بعض أهل السنة: لو كانت الخلافة محصورة فيهم لأوصاهم بالناس، بدل أن يوصي بهم، كان يوصيهم بالناس، لو كان هذا الحديث يفيد أن الخلافة خاصة بهم، لا ينازعهم فيها أحد، لكانت وصية رسول الله لهم أن يوصيهم بالأمة، أما وقد أوصى الأمة بهم فهذا دليل أن ما يهذي به الروافض والغلاة من الشيعة كلام باطل ، الشاهد: أننا نأخذ من هذا احترام أهل البيت وحبهم؛ لقرابتهم من رسول الله عليه الصلاة والسّلام، فنحن نحب من استقام منهم على ما كان عليه رسول الله وأصحابه لحبنا لرسول الله من أجل أنهم أقرباء الرسول عليه الصلاة والسّلام، فنكرمهم من أجله، ونقدمهم على غيرهم ، وهذا معروف عند الناس إنك تكرم المرء من أجل قريبه، وهذا شيء معروف، فعلامة احترامنا لرسول اللہ ﷺ وحبنا له أن نحترم أقاربه ونحبهم، لكن هذا إذا التزموا الحق، واتبعوا الرسول، إذا كانوا كذلك فنحن نقدمهم على غيرهم لقرابتهم من رسول اللہ ﷺ ولوصيته المسلمين بهم (ج2ص84).
الفائدة رقم : (24) – {نحب أقارب النبي ﷺ ونحترمهم إذا التزموا منهج النبيﷺ}
فعلامة احترامنا لرسول الله ﷺ و وحبنا له أن نحترم أقاربه ونحبهم، لكن هذا إذا التزموا الحق، واتبعوا الرسول إذا كانوا كذلك فنحن نقدمهم على غيرهم لقرابتهم من رسول الله ﷺ ولوصيته المسلمين بهم، وأذكر أن رجلاً سلّم عليَّ في المسجد النبوي، وقال: أنا فلان السقاف، فقلت: أنت السقاف الذي يرد على الألباني قال : لا ، يعني كان فيه شيء من السنة، فقلت: إذا التزمتم منهج الرسول قدمناكم على الناس، وإذا تخلفتم عنه ما لكم حق علينا، سنعاملكم معاملة أبي لهب، فضحك، لأن هذا لما يكون من أهل البيت وينحرف وزره أكبر من غيره، كما قال الله لزوجاته : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)[الأحزاب:30]،وقال في حق الرسول نفسه (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) [الإسراء:74-75]؛ فالإنسان على قدر منزلته تضاعف عليه المسئولية فإذا كان أهل البيت يريدون الناس أن يكرموهم، قبل أي شيء عليهم أن يخلصوا لله – تبارك وتعالى – ، وأن يلتزموا منهج هذا الرسول الكريم ﷺ، وأن يعضوا على منهجه وما جاء به بالنواجذ، ويكونون مثلاً علياً للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ، أما أن يطلبوا حقهم، ويتركون حق الله، وحق الرسول، وحق الإسلام، فهذا هم يتحملون مسئوليتهم (ج2ص85).
الفائدة رقم : (25) – {تسوية الصفوف في الصلاة من أسباب تقوية روابط الإخوة}
من هنا يرشدنا الرسول ﷺ أن نستعمل الأسباب التي تقوي هذه الروابط، روابط الإخوة والمحبة، منها إفشاء السلام ومنها تسوية الصفوف، وسد الخلل، (لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم) (رواه البخاري ومسلم)؛ فسد الخلل، وتسوية الصفوف، وإفشاء السلام، هذه مما توثق وتؤكد وتقوي المحبة والمودة والإخوة فيما بين المسلمين ، فعلينا -أيها الإخوة – أن نهتم بهذه الأمور، وحينما روى أبو مسعود حديثاً في تسوية الصفوف وعدم الإخلال بها ألا وهو حديث (استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، قال: (وأنتم اليوم أشد اختلافًا) (رواه مسلم)، فرأى – رضي الله عنه – أَن أسباب من الاختلاف التقصير في القيام بهذا الواجب، وهو سد الخلل، وتسوية الصفوف، قال: (وأنتم اليوم أشد اختلافاً)، يشير إلى أن من أسباب الخلاف التقصير في هذا الأمر المهم؛ لأن هذا كلام الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، والله لتقومن بهذا الواجب أو تحصل هذه النتيجة ، فنأسف الآن، أن كثيراً حتى من السلفيين، لا يهتمون بتسوية الصفوف، ولا بسد الخلل، وهذا أمر خطير ، يجب أن نعنى به، فإخواننا في الهند، وفي كثير من المساجد الباكستانية يهتمون بهذه الأشياء، وبعض إخواننا في اليمن ما أدري هذه القضية قضية سد الخلل، وإلصاق الكعب بالكعب أحسن حالاً من كثير عندنا؛ لأن هنا الذين يلتزمون هذه السنة قليلون جدًّا، حتى من السلفيين والحق أن هذا أمر مؤكد إذا قمنا به تحصل هذه النتائج الطيبة (ج2ص90).
والقرشي والهاشمي عليه أن يبتعد عن الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب لأن هذه من الجاهلية، فإذا افتخر الهاشمي، أو التميمي، أو من أي قبيلة، إذا افتخر بنسبه فإن هذا يدخل في الجاهلية، والعياذ بالله، فعلينا أن نتواضع، فعلى المسلم أن يتواضع سواء رفعه الله بالعلم، أو بالنسب أو بغيره عليه أن يتواضع لله رب العالمين، وهذه الأمور ما تواضع عبد إلا رفعه الله، ولا تكبر إلا وضعه الله، فينبغي أن نعنى بالتواضع، واحترام الناس، فهذا له دور كبير جدًّا في تأليف القلوب على الخير،وعلى الحق، وهذه كلها يحتاجها المسلمون في العلاقات مع بعضهم البعض (ج2ص92).
الفائدة رقم : (27) – {من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي}
قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : (واعلم أن من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي هكذا قال أحمد بن حنبل) – رحمه الله -، يعني في أيام المحن، وفتنة الجهمية، وتسلطهم على أهل السنة والجهمية من أبرز ضلالاتهم تعطيل الصفات، وإنكار علو الله وقولهم : إن القرآن مخلوق، وإن الله لم يتكلم، ونشأ أناس ينتسبون إلى السنة يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق ، وقد يكون هذا من دس الجهمية على بعض المنتسبين إلى السنة، فقال بعض الناس: لفظي بالقرآن مخلوق، ومنهم الحسين بن علي الكرابيسي، فبدع أحمد من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ، لماذا ؟ ، حتى لو كان قصده صحيحًا، فإنه ليس له أن يقول ذلك؛ لأن كلمة (لفظ) تحتمل أن يراد بها الملفوظ به وهو القرآن، وتحتمل أن يكون المراد به لفظ القارئ، الذي هو كلامه، وقوله، ومنطقه، فلما كان هذا اللفظ محتملاً لهذين المعنيين ووسيلة إلى اتخاذه سبيلاً إلى القول بأن القرآن مخلوق؛ لأنه إذا كان أحد احتماليه هو الملفوظ به وهو القرآن فإنه لاشك لو قصد هذا لكان جهميّاً، إذا كان يقصد الملفوظ يكون جهمياً فعلاً، والجهمي – عرفتم – كفره السلف ، فإن كان قصده المعنى الباطل فهو تجهم، وإن كان يقصد المعنى الصحيح فهو مبتدع؛ لأن قوله هذا يتذرع به أهل الأهواء إلى القول بأن القرآن مخلوق، فأحمد – لفقهه ونفاذ بصيرته وحمايته للسنة – بدع من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لأنه يطرق لأهل البدع أو الجهمية أن يقولوا القرآن مخلوق، أو يطرق لهم أن يتحايلوا بهذا اللفظ ليصلوا إلى مرادهم من هذا اللفظ وهو لفظي بالقرآن مخلوق ، إلى مرادهم وهو أن القرآن مخلوق، فلما كان هذا اللفظ ذريعة يؤدي إلى القول بخلق القرآن، بدع أحمد وشدد النكير على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، يعني هو وسيلة، لفظي بالقرآن مخلوق وسيلة إلى القول بخلق القرآن، لماذا؟ ، لأن لفظ يحتمل المصدر ، ويحتمل الملفوظ به، وهو القرآن ، لفظ مصدر يأتي الثالث في تصريف الفعل أليس كذلك؟ ، ويحتمل أن يراد به الملفوظ، قولي بمعنى مقولي، لفظي بمعنى ملفوظي ، فلما كان يحتمل أن يكون القائل قاصداً به القرآن الذي يُتلفظ به، ويحتمل المعنى الآخر الذي هو المصدر، لفظي: لفظ يلفظ لفظاً، لما كان يحتمل هذا وهذا وكان هذا الاحتمال يطرق لأهل البدع أن يتوسلوا به إلى القول بأن القرآن مخلوق، حسم الأمر الإمام أحمد، وشدد النكير على من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق تقول القرآن كلام الله غير مخلوق إذا كنت صادقاً، من أهل السنة والجماعة، وتنكر على الجهمية، وعلى أهل الضلال القول بأن القرآن مخلوق قل القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا تلف وتدور ما الداعي لهذا القول لا داعي له إلا التطريق إلى الفتن، وإلى القول بخلق القرآن ، ولهذا شدد الإمام أحمد وأهل الحديث في زمانه على من يقول ذلك، وافتعل بعض الجهمية مكيدة للإمام البخاري ليضرب أهل السنة بعضهم ببعض، فأشاع عن الإمام البخاري أنه قال : لفظي بالقرآن مخلوق، بل البخاري يكفر من يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ويشدد في ذلك، لكن كادوه في هذا ، وانطلت هذه المكيدة على بعض أهل السنة ومنهم الإمام محمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري – رحمه الله -، وتلاميذه، ولكن كشفت هذه المكيدة فيما بعد لأهل السنة، وعرفوا منزلة البخاري – رحمه الله -، وعرفوا براءته، وتحدث عن هذه المسألة في كتابه خلق أفعال العباد، ونُقل عنه كما ذكر الذهبي في “السير”، أنه من يقول : لفظي بالقرآن مخلوق كافر؛ لأنه ذريعة إلى التجهم، فعرفوا براءة البخاري من هذه التهمة التي كاده بها أهل البدع، وقصدوا بذلك تفريق أهل السنة، وضرب بعضهم ببعض ، كما يجري مثل هذه المكايد في كل زمان و مكان وإلى يومنا هذا ، قال: (ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي)، يعني يقول: أنا متوقف، لا أقدر أن أقول: القرآن مخلوق، ولا غير مخلوق، هذا المراد به سكت وهو التوقف، عندما يسأل ما رأيك بالقرآن ؟، يقول ما أقدر أن أقول: إنه مخلوق، ولا غير مخلوق نقول هذا جهمي، يعني هذا شك، لابد من اليقين الصدع بأن القرآن كلام الله غير مخلوق أما أن تتلاعب وتتحايل تقول : ما أدري مخلوق أو غير مخلوق، فهذا شك وتشكيك في كلام الله، والقرآن واضح في أنه كلام الله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّه﴾ [التوبة: ٦] ، الله يتكلم : ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) [النساء : ١٦٤]، هذا بالتأكيد الذي يرفع احتمال المجاز، والله يتكلم متى شاء، وإذا شاء، كلم الملائكة، وكلم موسى، وكلم آدم وحواء ومحمداً، وكلم جبريل، وأنزل عليه الوحي للأنبياء جميعاً ، كلمه بالوحي، ويتكلم : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]، (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: ١٠٩] والقرآن والكتب المنزلة على الأنبياء من كلامه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فما الداعي إلى التوقف في القرآن، أنت لا تؤمن بهذه الآيات الصادعة بأن الله تكلم، ويتكلم متى شاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يتكلم بالكلام الشرعي، والكلام الكوني القدري: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، هذا معنى قوله: (ومن سكت فلم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو جهمي) ، نعم، إذ لابد من الجزم، لابد من الاستيقان بأن هذا القرآن كلام الله تكلم به سمعه جبريل من رب العالمين و بلغه محمداً ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) [الشعراء ١٩٣ – ١٩٥]، ومن أوضح الأدلة بعد هذه الأدلة أن الله تحدى به الجن والإنس أن يأتوا بمثل كلامه، فقال: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾ [الإسراء: ۸۸]، هذا من أكبر الآيات وأوضحها على أن هذا القرآن كلام الله عَزَّوَجَلَّ، وأن محمداً رسول الله حقًّا، أوحى الله إليه هذا القرآن، فلا محمد، ولا غيره، ولا الجن والإنس إذا اجتمعوا بما فيهم الأنبياء، حتى الملائكة والإنس لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولا بعشر سور من مثله، ولا حتى بسورة من مثله؛ لأنه كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، تحدى به الكفار، وغيرهم من المخلوقات (ج2ص119).
قال ابن خزيمة – رحمه الله – : (مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ قَدِ اسْتَوَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِرَبِّهِ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأُلْقِيَ عَلَى بَعْضِ الْمَزَابِلِ حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُعَاهَدُونَ بِنَتَنِ رِيحِ جِيفَتِهِ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئًا لَا يَرِثُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذِ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)(رواه الحاكم في كتاب : معرفة علوم الحديث ص125).
الفائدة رقم : (29) – {هل ابن حزم – رحمه الله – من غلاة الجهمية، وما هو قوله في مسألة الإيمان}
س: هل ابن حزم – رحمه الله – من غلاة الجهمية، وما هو قوله في مسألة الإيمان؟
ج: شيخ الإسلام ابن تيمية يشهد له أنه في مسائل الإيمان على طريقة أهل السنة والجماعة، وفي أبواب الصفات هو مشى على طريقة الجهمية، حتى إن ابن عبدالهادي، قال فيه جهمي جلد، لكن هذا من المعذورين؛ لأنه كان ينص على منهج أحمد، وكان محباً للسنة ويوالي ويعادي عليها، ورفع لواءها ونصرها، فهو وقع في شيء من التجهم لا عن خبث، حتى إنه متناقض في جهميته أحيانًا، يعني يفوق المشبهة في الإثبات نستغفر الله، يقول: الله يد وأيدٍ، وعينان وأعين وهكذا، يعني على مذهبه الظاهري، فهو يتخبط مسكين؛ لأن الرجل بدأ حياته في الترف، ووزارة، وكذا وكذا، وطلب العلم على نفسه تقريباً، ما طلب على علماء، فوقع في متاهات، ودخل في علم الكلام والمنطق وكذا وكذا، وتأثر كثيرًا بهذه الأشياء، لكن كان محباً للسنة مناصراً لها، ويجهد جهده في اتباع أحمد بن حنبل واقتفاء أثره ويرى نفسه أنه على طريقته، وهذه مزاعم باطلة، يكذبها واقعه، الشاهد: أنه في مسائل الإيمان كما يشهد له شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: فإنه على طريقة أهل السنة والجماعة، وأنا ما درست هذا الجانب من حياة ابن حزم، لكني وقفت على شيء من ضلالاته الجهمية، لكنه كما يعتذر له ابن تيمية – كان يرى نفسه على طريقة أحمد يعني الجهمية حاربوا أحمد، وعادوه ، فهو يحب أحمد ويحب أهل الحديث ويحترمهم، فعنده شبه كما قلنا إن الأشعرية المتأخرين وإن كان عندهم كفريات الجهمية، وابن حزم عنده المذهب الجهمي الكافر، لكن لا نكفره لأنه ما قامت عليه الحجة (ج2ص161)
الفائدة رقم : (30) – {علماء الفرقة الناجية هم ورثة الأنبياء حقاً} علماء هذه الطائفة (الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة) هم حقاً ورثة الأنبياء، كيف ورثوهم؟ ، ورثوهم في الأخذ بالوحي، من أخذ بالوحي فهو الوارث، ومن اعتمد على البدع والضلالات أو المنطق والفلسفة والضلالات والتصوف هذا ليس بوارث، هذا وارث لغير الرسول ، أما ورثة الرسول ﷺ حقاً، فهم الذين اعتصموا بكتاب الله في عقائدهم وفي عباداتهم، وسائر شؤون حياتهم، وهي هذه الطائفة التي تحدث عنها رسول الله ﷺ فجاءت في كل زمان كما أخبر .. (ج2ص169).
الفائدة رقم : (31) – {فعليكم بالثبات يا شباب الأمة على هذا الحق، اثبتوا واصبروا فإن الله ناصر الحق}
في الحديث عن النبي ﷺ قال : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوئهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم)، فناس يناوئون وناس يخذلون، يخذلون يعني يعرف أنَّ هذه الطائفة على حق لكن يخذلها، وناس يناوئونها بالباطل، ويصارعونها بالباطل، فلا يضرهم هذا المخذل المتخاذل، ولا يضرهم أولئك المناوئون، فعليكم بالثبات يا شباب الأمة على هذا الحق، اثبتوا واصبروا فإن الله ناصر الحق – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – في الدنيا والآخرة: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)}[غافر] ، فالعاقبة للمتقين، والنصر للمؤمنين، بشرط أن يثبتوا وأن يصبروا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران]، فوالله إن مواجهة أهل البدع أشد على المجاهد عن السنة الذاب عنها، أشد والله من مواجهة اليهود والنصارى، أشد بكثير وكثير، يسهل على المسلم أن يواجه في الجبهات الصواريخ والدبابات، ومن أشق ما يكون على النفس مواجهة أهل الباطل بالحق، ولهذا ترى كثيراً من الناس يهربون ويخذلون ويتأولون، كل ذلك منهم فراراً من مواجهة أهل الباطل بالحق؛ فالحق يحتاج إلى صبر وحكمة وشجاعة في نفس الوقت وصمود وثبات فهذه من مزايا هذه الطائفة من مزاياها أنها تصبر وتثبت حتى يظهر الحق (ج2ص170).
الفائدة رقم : (32) – {العلم ليست بكثرة الرواية والكتب}
قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري – رحمه الله – : {واعلم – رحمك الله – أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب إنما العالم من اتبع العلم والسنن، وإن كان قليل العلم والكتب، ومــن خالف الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة، وإن كان كثير العلم والكتب} (شرح السنة له) ، قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي معلقًا : كثرة الكتــب وكثرة العلم ليــس المقياس للعلم الشرعي المطلوب فالعلـم مـا نفـع ولو كان هذا العالم قليل العلم وقليل الكتب، فحيث استفاد من علمه وانتفع به عقيدة ومنهجا وتطبيقاً ، فهذا هو العلــم الذي يعتـد بـه الله تبارك وتعالى ويحبه ويحب أهله، وأثنى على أهله وقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: ٢٨)، ومن هنا قالوا: العلم خشية الله، فإذا رأيت كثير العـلـم لا يخشی الله فهذا ليس بعالم، ولا قيمة لعلمه فإنه وبال عليه، والقرآن حجة لك أو عليك، فبئس ذلك العالم الذي يكون أعوذ بالله تحت سياط الوعيد، وأن القرآن حجة عليه، وأن السنة حجة عليه، وأن العلم حجة عليه، والعياذ بالله فقد يكثر، وكونه كثير الكتب، ولكنه ضال، وقد يكون كثير العلم في اللغة وفي التفسير والحديث… وإلى آخره، ولكنه ضال، هذا علم يضر ولا ينفع، وهذا نستعيذ بالله منه وعلمنـا رسول الله الاستعاذة منه، فإذا اجتمع الأمران: العلم الكثير والكتب الكثيرة فحبذا، وإذا خلا من الاستفادة من هذا العلم، فلا تنفع كثرة الكتب، ولا كثرة العلم، فإنها وبال عليه، ولهذا يقول بعض الأنبياء: (وَمَا أُريد أن أَخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) [هود: ۱۸۸ ، فهناك أناس قوالون، وليسوا بفعالين، فيجب أن يجمع المسلم بين الأقوال والأفعال تصدق أفعاله أقواله، فيدعو إلى العقيدة ويعتقد، ويدعو إلى العمل ويعمل فهذا هو العلم النافع، يدعو إلى السنة ويلتزمها، يحارب البدعة ويكون جادا في حربهاء ومن أشد الناس بعدا عنها ، المصدر : (عون الباري ج ٢ ص ١٧٢).
• قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري – رحمه الله – : ومن اقتصر على سنة رسول الله ﷺ ما كان عليه أصحابه والجماعة فلج على أهل البدعة كلها، واستراح بدنه ، وسلم له دينه إن شاء الله؛ لأن رسول الله ﷺ قال: «ستفترق أمتي»، وبين لنا رسول الله ﷺ الناجي منها، فقال: «ما كنت أنا عليه اليوم وأصحابي » ، فهذا هو الشفاء والبيان، والأمر الواضح والمنار المستنير، وقال رسول الله ﷺ : «هلك المتنطعون» وقال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – : «إياكم والتعمق، وإياكم والتنطع ، وعليكم بدينكم العتيق» ، قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي : قال – رحمه الله -: (ومن اقتصر على سنة رسول الله ﷺ وما كان عليه أصحابه والجماعة فلج على أهل البدعة كلها). فلج : يعني غلب، (فلج على أهل البدع كلها) بل على أهل الملل كلها، أهل البدع وغيرهم، فالذي عليه رسول الله ﷺ وأصحابه هو القرآن والسنة ، (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [يونس: 32]، فالذي يتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وما كان عليه الصحابة الكرام هو على الحق ، ولابد أن يغلب من يخالفه من أهل الأهواء؛ ولهذا أحالنا رسول الله ﷺ عندما نرى الافتراق والاختلاف إلى ما كان عليه هو، سنته وسنة الخلفاء الراشدين، فإن فيها الهدى، وفيها الرشاد، وما عدا الهدى فهو الضلال، وما عدا الرشاد فهو الغي، فلا يكون مخالفاً ما عليه الرسول وأصحابه إلا صاحب غي وضلال، يقول – رحمه الله – : (واستراح بدنه وسلم له دينه إن شاء الله)، استراح بدنه، واستراح قلبه ، قلبه يستريح قبل بدنه ، من الشكوك والشبهات المزلزلة، ويكون على يقين واطمئنان بأنه على الحق إن شاء الله؛ لأنه يستند إلى ركن وثيق وهو الحق الذي كان عليه رسول الله ﷺ وكان عليه أصحابه، وقوله ﷺ : «هلك المتنطعون» ، والمتنطع المتكلف، وأهل الضلال ما أخرجهم عن الحق إلا التنطع والتكلف، ذهبوا يأخذون بالمنطق، وبالكلام، وبالقياسات الفاسدة، فتكلفوا وتعمقوا، وتنطعوا فوقعوا في الضلال؛ لأنهم كأنهم ما رضوا بما جاء به محمد ﷺ، وما أقنعهم، لهذا وقعوا في التأويلات والضلالات والتحريفات لكتاب الله ولسنة رسوله ﷺ ، وأخذوا بالمنطق، وأخذوا بالفلسفة وأخذوا بالكلام الفارغ والعياذ بالله، فتاهوا. وإلا لو قنعوا بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وما كان عليه الصحابة الكرام لما وقعوا في هذه المتاهات وهذه الضلالات (عون الباري في بيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري ج2 ص184).
الفائدة رقم : (34) – {فهو صاحب سنة وصاحب جماعة وحقيق أن يتبع وأن يعان وأن يحفظ} • قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري – رحمه الله – : ومن عرف ما ترك أهل البدع من السنة وما فارقوا فيها، فتمسك به، فهو صاحب سنة، وصاحب جماعة، وحقيق أن يتبع، وأن يعان، وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله ﷺ ، قال الشيخ الدكتور ربيع بن هادي المدخلي : قوله: (وحقيق أن يتبع، وأن يعان) يعني الذي يتمسك بالسنة لا يتبع لشخصه، وإنما يتبع لأنه أخذ بالسنة وتمسك بها ودعا إليها، فإذا دعا إليها فعلى الناس أن يتبعوا هذا الحق، لا من أجل شخصه، وإنما لأجل أن معه السنة، ومعه الحق، وهو سالك الطريق التي شرعها الله قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام:153]، (وأن يعان): يجب أن يُعان وأن يُنصر، قَالَ تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2] ، فمن يتعاون مع صاحب الحق وينصره فإنما نصر الحق، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، والله أمر بهذا النصر للحق، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، قال: (وأن يحفظ) يُمنع من كيد الأعداء، ومكرهم (عون الباري بيان ما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري ج2ص197).
الفائدة رقم : (35) – {علم النجوم الجائز منه والممنوع} • قال الإمام البربهاري – رحمه الله – : (وأقل من النظر في النجوم، إلا بما تستعين به على مواقيت الصلاة، واله عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة) ، قال الشيخ ربيع : يعني النظر في النجوم منه الجائز، ومنه المحرم وما يجر إلى الشرك والزندقة، فالجائز هو علم التسيير، يسمونه علم التسيير معرفة سير النجوم، فيستعان بذلك على معرفة أوقات الصلاة بزوال الشمس وبغروبها، وبطلوع الكواكب، ويُهتدى بها إلى القبلة، ومنه معرفة الفصول، ومواسم الزراعة، يعرفون به ما الذي يصلح في هذا الوقت، وما الذي لا يصلح، فهذه أمور يحتاج إليها البشر، وهي جائزة، ويستعينون بها على معرفة أسباب معيشتهم وأسباب دينهم، يستعين بها على معرفة شيء من دينهم كالقبلة يهتدى إليها بالنجوم والسير في البر والبحر، كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)) (النحل :١٦) ، وقال الإمام قتادة رحمة الله : (خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء ، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به » رواه البخاري ، قال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)) الصافات ، وكما قال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)) تبارك ، فالله خلقها لتكون زينة للسماء الدنيا، هذه الشمس والقمر والكواكب زينة عظيمة لهذه السماء، وجعلها الله أيضًا رجومًا للشياطين ، وجعلها علامات يهتدى بها في السير في البر في البحر في الليل والنهار، لمعرفة استقبال القبلة، المعرفة ما ذكرناه من معرفة الفصول الزراعية، ومواسمها، وما يصلح في هذا الوقت وما لا يصلح بمعرفة هذه النجوم الثريا والهقعة والهنعة والزبرة والطرفة … إلى آخره، هذه الأشياء يعرفون ماذا يصلح في هذا الفصل، وماذا يصلح في هذا الفصل. قال: (والهَ عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة)، نعم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله – في الفلاسفة: (إنهم يفنون أعمارهم في معرفة سير الكواكب لأن ذلك يساعدهم على الشرك، والسحر، يستعينون بذلك على السحر والشرك، والعياذ بالله. فلا يأخذ منه الإنسان إلا علم ما أباحه الله، وهو ما يحتاج إليه الناس، وأما ما يكون شركًا وسحرًا وما شاكل ذلك فهذا – والعياذ بالله – لا يجوز تعلمه، وكفى أنه شرك وسحر. فالناظر في النجوم، يقول: الذي يتزوج في الوقت الفلاني يحصل له كذا، والذي يسافر في الوقت الفلاني يحصل له كذا… إلى آخره، والذي يولد في الوقت الفلاني يكون كذا وكذا، ومن نجمه السنبلة ومن نجمه المريخ يحصل له كذا وكذا، يعني هذه كلها سحر وشرك، والعياذ بالله (شرح السنة للإمام البربهاري(ج2ص226)). واعلم أنه لا يزال الناس في عصابة من أهل الحق والسنة، يهديهم الله ويهدي بهم غيرهم، ويحيي بهم السنن، فهم الذين وصفهم الله مع قلتهم عند الاختلاف، وقال: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) البقرة، وقال رسول الله ﷺ: (لا تَزَالُ عِصابَةٌ مِن أُمَّتي لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ) . في بيانِ أنّه لا يزالُ في هذهِ الأمّة، مَنْ يُقيمُ اللهُ بهِ الحُجَّة، ويَنصُرُ بهِ دينَه، ويَردعُ بهِ كثيراً مِنَ الغَاوين، وهُمُ الطائفةُ المَنصورَة، والفِرقَةُ النَاجْيَة (ج2ص168). ج: أهل السنة ينقسمون إلى قسمين قسم عندهم علم، وعندهم ثبات، وعندهم خبرات وتجارب، فعليهم أن يدعوا الناس جميعًا إلى الله عَزَوَجَلَّ الأحزاب، والنصارى، واليهود، فأهل السنة الذين عندهم علم عليهم أن يدعوا إلى الله بالعلم والحجة والبرهان فهذا لا يستلزم معاشرة ومخالطة، يعني يدعوهم في الأسواق، يدعوهم في المساجد وعن طريق الأشرطة، وعن طريق الكتب والرسائل والإنترنت وأما ضعاف أهل السنة فما نرى لهم إلا الالتزام بهذا المنهج، وتطبيقه تجاه الأحزاب وتجاه الطوائف الضالة؛ لأن كثيراً من الناس ضعفاء، وإذا كان قد منّ الله عليه بشيء من الحق فليحافظ عليه، فليحافظ على هذه النعمة العظيمة، ولا يعرضها ويجعلها في مهب الرياح، وإننا قد جربنا كثيرًا وكثيرًا وكثيراً ممن خالطوا وعاشروا الأحزاب فتاهوا وضلوا وأصبحوا أعداء للسنة وأهلها، هذا شيء معروف من كل البلدان وأنا أعايش هذا من سنوات طويلة، وجربت الكثير والكثير من هؤلاء الذين اختلطوا بالأحزاب، فذهبوا ولم يعودوا إلى السنة، ذهبوا – والعياذ بالله – من غير رجعة، إلا أن يمنّ الله على من يشاء منهم بالتوبة، فنحذر الشباب – خاصة الضعفاء منهم- ألا يخالطوا ولا يعاشروا أهل البدع، و من كان فيه كفاءة علمية وقدرة على جذب الآخرين والتأثير عليهم فليدعهم إلى الله تبارك وتعالى، أما إذا كان هو نفسه يتأثر ويتميع، وتعلق في قلبه الشبه فلا يخالطهم ولا يستمع لكلامهم ولا يجالسهم، ويأتينا كثير يقولون ويقولون…. نقول لهم عند أهل البدع المقاتل، وعندهم قواصم تقصم الظهور، لماذا تجلسون تستمعون، قال وقيل، وتأتون بعد ذلك تشكون من الشبه، لماذا لا تهاجموهم أنتم بما عندكم من الحق، إذا كان لابد من مخالطتهم؟، فأنا لما آتيه، أقول: اترك هذه الشبه الآن، وأنا أسألك عن كذا وكذا، أجبني على هذا وبعد ذلك أجيبك، أما أن يسمع الشبه، ويتزلزل منها، ويريد حلها، فهذا – والله – ضيع كثيراً من الشباب؛ لأن هؤلاء الحزبيين وأهل الفتن مدربون على كيف يستميلون الناس ويؤثرون عليهم بإلقاء هذه الشبه شبهاً معينة يدرسها ويحفظها وكذا، ويجلس يقولها أمام المساكين والضعاف، فيتساقطون، أو يتحيرون، ويتزلزلون، فلا تخالطوهم، هذا الصنف لا يخالط هؤلاء، إنسان أقوى منه ويستطيع رد شبهته، ويورد عليه من الحجج والبراهين ما يفحمه ويسكته، بل يجعله يفر كما تفر الحمر من الأسود، فكم عندهم من الفواقر والضلالات كيف تنساها، ويفتعل لك شبهة قد لا يكون لها أساس، ثم يربكك، أنا أرى كثيراً، يعني هم متسلطون بالشبه على كثير من السلفيين، ثم يأخذون كثيراً منهم بهذه الشبه، فليأخذ السلفي بما أرشد إليه السلف، والسلف أهل علم وأهل بصيرة، وما استمدوا هذا المنهج من أهوائهم استمدوه من كتاب الله ومن سنة الرسول ﷺ، هؤلاء أهل البدع والأحزاب دائماً يخوضون في الباطل، فلا تقعد معهم ؛ لأنك تخوض معهم في الباطل، وهو لا يتركك، لا يتركك من الشبه ومن الدعوة إلى باطله ، عندهم حماس لباطلهم أكثر من حماسك أنت للسنة، قد يكون ما عندك أنت حماس، بارد ميت، أما هؤلاء فتتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه، لا يترك منه عضوًا ولا مفصلاً، فهم عندهم حماس ، وأنت بارد فلا تجلس عنده وأي شبهة تزلزلك، فإذا كان هذا حالك فابتعد بنفسك، واترك مواجهتهم لغيرك ، ممن عنده القدرة ويعرف كيف يؤدبهم، وكيف يفحمهم، وكيف يسكتهم، بل كيف يؤثر على بعضهم، فيحوزهم إلى طريق أهل السنة (عون الباري بيان ما تضمنه شرح السنة للبربهاري ج2ص180).