الفوائد المنتقاة :
ولا تزال تمر بالمسلمين الأخطار متلاحقة يتبع بعضها بعضاً : فإن دراسة الفرق ومعرفة الأخطار التي تجلبها على المسلمين من أهم ما ينبغي أن يهتم به عامة المسلمين، فضلاً عن طلاب العلم والدعاة إلى الله تعالى، وقد كان الصحابي الجليل حذيفة رضي الله عنه يسأل رسول الله ﷺ عن الشر؛ بينما طبيعة الإنسان هي السؤال عن الخير، وقد بيَّن سبب ذلك بقوله: (كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الخير وكنت أساله عن الشر؛ مخافة أن يدركني) ، ولقد مرت بالمسلمين ولا تزال تمر بهم الأخطار متلاحقة يتبع بعضها بعضاً بعد أن تكالب الأعداء على مختلف اتجاهاتهم، ووقفوا صفاً واحداً متناسين ما بينهم من عداوات واختلاف في العقائد لحرب المسلمين وفتنتهم عن دينهم الحنيف، في الوقت الذي غفل فيه المسلمون عن واقعهم وركن كثير منهم إلى أعدائهم أعداء عقيدتهم – فنفر بعضهم عن البعض الآخر بسبب تلك المؤامرات الخفية والظاهرة، وما تبعها من اختلاف المسلمين في الموالاة والأهواء (ج1ص5).
الرد على شبهة : نجيب هنا عن شبهة لكثير من الناس ربما يرددها بعضهم منخدعاً بحسن نية، والبعض الآخر يرددها بنية سيئة، وهي: لماذا نشغل أنفسنا بدراسة فرق انتهت، وربما لم يعد لها ذكر على الألسنة، وقد رد العلماء عليها قديماً وحديثاً وانتهى الأمر؟.
والجواب: إن هذا التساؤل قد انطوى على مغالطات خفية ونية سيئة، أو جهل شنيع، وذلك: أولاً: إن هذه الفرق وإن كانت قديمة فليست العبرة بأشخاص مؤسسي تلك الفرق ولا بزمنهم، ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق في وقتنا الحاضر، فإننا إذا نظرنا إلى فرقة من تلك الفرق الماضية نجد أن لها امتداداً يسري في الأمة سريان الوباء، وأقرب مثال على ذلك فرقة المعتزلة، أليست أفكارهم لا تزال حية قوية يتشدق بها بعض المغرضين من الذين استهوتهم الحضارة الغريبة أو الشرقية، فراحوا يمجدون العقل ويحكمونه في كل الأمور، ويصفون من يعتمد على ما وراء ذلك بالتأخر والانزواء، إنهم يريدون الخروج عن النهج الإسلامي ولكنهم لم يجرءوا صراحة على ذلك، فوجدوا أن التستر وراء تلك الآراء التي قال بها من ينتسب إلى الإسلام خير وسيلة لتحقيق ذلك، فذهبوا إلى تمجيد تلك الأفكار لتحقيق أهدافهم البعيدة، ثانياً: مما هو معلوم أن كل الأفكار والآراء التي سبقت لها أتباع ينادون بتطبيقها، فالنزعة الخارجية وتنطع أهلها في الدين، واستحلال دماء المسلمين لأقل شبهة، وتكفيرهم الشخص بأدنى ذنب قائمة الآن في كثير من المجتمعات الإسلامية على أشدها، موهمين الشباب ومن قلت معرفته بالدين أن الدين هو هذا المسلك فقط، كذلك نرى الصوفية وقد اقتطعت من المسلمين أعداداً كثيرة، مثقفين وغير مثقفين، جرفهم تيار التصوف الخرافي فراحوا ينادون بالجهل والخرافات، واتباع المنامات، وتحضير الأرواح، ومعرفة المغيبات، وتعظيم الأشخاص والغلو فيهم، وغير ذلك من مسالك الصوفية التي سندرسها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا، فدراستنا هذه وإن كانت في ظاهرها دراسة للماضي، ومراجعة للتاريخ لفرق المبتدعة الذين جنوا على ماضي المسلمين إلا أنها دراسة حاضرة كذلك من حيث أنها تكشف جذور البلاء الذي شتت قوى المسلمين وفرقهم شيعاً، وجعل بأسهم بينهم شديداً، بل هي نور يضيء لشبابنا طريقه وسط هذا الظلام الفكري المفتعل، الذي لا يخدم إلا أعداء الإسلام وشانئيه بتوجيه الأنظار إلى تلك الفرق التي تعمل في الظلام لنشر أفكارها، وفرض مخططاتها المعادية للإسلام، ثالثاً: إن دراسة الفرق والدعوة إلى الاجتماع واتحاد كلمة المسلمين فيه تكثير لعدد الفرقة الناجية بانضمام أولئك الخارجين عن الحق ووقوفهم إلى جانب إخوانهم أهل الفرقة الناجية؛ فيكثر عددهم فيصح فيهم ما أخبر به الرسول ﷺ من قيام فرقة من المسلمين: (ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك) (أخرجه الترمذي) وتركنا لدراسة الفرق يفوت علينا هذا الخير العظيم، رابعاً: أضف إلى ذلك أن ترك الناس دون دعوة إلى التمسك بالدين الصحيح، ودون بيان أضرار الفرق المخالفة، فيه إبطال لما فرضه الشرع من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الفرق التي ظهرت، ما من فرقة منها إلا وقد قامت مبادئها على كثير من المنكرات، وهي تدعي أنها هي المحقة وما عداها على الضلال، فألبسوا الحق بالباطل، وأظهروا مروقهم وخروجهم وفجورهم عن منهج الكتاب والسنة في أثواب براقة لترويج بدعهم، والدعوة لها، خامساً: إن عدم دراسة الفرق والرد عليها وإبطال الأفكار المخالفة للحق، فيه إفساح المجال للفرق المبتدعة أن تفعل ما تريد، وأن تدعو إلى كل ما تريد من بدع وخرافات دون أن تجد من يتصدى لها بالدراسة والنقد كما هو الواقع؛ فإن كثيراً من طلاب العلم فضلاً عن عوام المسلمين يجهلون أفكار فرق يموج بها العالم، وهي تعمل ليلاً ونهاراً لنشر باطلهم، ولعل هذه الغفلة من المسلمين عن التوجه لكشف هذه الفرق المارقة لعله من تخطيط أولئك المارقين الذين نجحوا في حجب الأنظار عنهم وعن مخططاتهم الإجرامية، ولا أدل على ذلك من أنك تجد بعض الأفكار وبعض العبارات يرددها كثير من المسلمين دون أن يعرفوا أن مصدرها إما من المعتزلة (مثل تقديس المعتزلة للعقل، وجعله هو الحكم الفاصل في كل قضية، وتقديمه على النصوص) ، أو من الصوفية (مثل إطلاق لفظ العشق على الله أو الرسول ﷺ، كقولهم (عاشق النبي يصلي عليه)، أو البهائية (مثل تقديس العدد 19) ، أو القاديانية (مثل تأويل آيات القرآن بالهوى) ، أو الخوارج (مثل تكفير المجتمعات الإسلامية) ، أو الشيعة (مثل بغضهم الصحابة، ومثل انتظار محمد بن الحسن العسكري، ومثل المبالغة في حب الحسين، الخ …) ، وإلى غير ذلك.
ومن المعلوم أن ذلك إنما يعود إلى الجهل بأفكار هذه الطوائف (ج1ص5).
هذا هو الميزان الذي ينبغي أن نزن به كل قول ومعتقد مهما كان مصدره : فإن وحينما تفرق المسلمون أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون، زعمت كل فرقة أنها هي الناجية، وما عداها هالك، حتى التبس الأمر على كثير من المسلمين فلم يُهتدَ إلى الفرقة الناجية بسبب تلك المزاعم، ولا ينبغي أن نأبه لتلك المزاعم، بل نعرض كل ما نسمع على كتاب الله وسنة نبيه، فما وافقهما فهو الحق، وما خالفهما عرفنا أنه باطل وهذا هو الميزان الذي ينبغي أن نزن به كل قول ومعتقد مهما كان مصدره كما هو حال أهل السنة في عرضهم للأقوال والمعتقدات على كتاب الله وسنة رسولهﷺ ، وهو توفيق من الله لهم، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق إلى أن تقوم القيامة (ج1ص37).
قراءة الكتاب :