السؤال: إذا أراد المسافر أن يصلي الجمعة مع المسلمين فهل يلزمه الغسل أم لا؟
الجواب: الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الجواب عن هذا السؤال ينبني على هل غسل الجمعة واجب أو سنة مؤكدة؟ في هذا للعلماء ثلاثة أقوال؛ القول الأول: إنه واجب مطلقاً. والقول الثاني: إنه سنة مطلقاً. والقول الثالث: تفصيل فإن كان على الإنسان وسخ كثير يخشى من ثوران رائحته في هذا الاجتماع الكبير، فإنه يجب عليه الغسل؛ إزالة للأذى، وإلا فإن الغسل في حقه سنة، والذي يتبين من الأدلة الشرعية أنه واجب على الإطلاق لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخضري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: غسل الجمعة واجب على كل محتلم. فتأمل كلمة واجب ممن صدرت وبماذا أحيطت؟ هذه الكلمة صدرت من أفصح الخلق، وأعلمهم بما يقول، وأنصحهم فيما يريد وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم معنى كلمة واجب، فلو لم يرد بها الإلزام لكان التعبير بها فيه إهانة، ومن المعلوم أن رسول صلى الله عليه آله وسلم لا يأتي بعبارة مبهمة يريد بها خلاف ظهرها، بل لا يأتي بعبارة إلا وهو يريد ما يستفاد منها من ظاهر اللفظ؛ لأنه أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم لعباد الله، ثم إن هذه الكلمة أحيطت بما يدل أن المراد بها الوجوب الإلزامي، وهو قوله على كل محتلم؛ أي على كل بالغ، فإن البلوغ وصف يقتضي إلزام المخاطب بما يوجه إليه من خطاب فهو وصف مناسب لعلة الإجابة، وعلى هذا فلا مناص من القول بوجوب الغسل على من أراد الجمعة، وأتى إليها ويدل على ذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب يوم الجمعة، فدخل عثمان، فسأله؛ يعني لما تأخر، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت؛ يعني ثم جاء فقال له عمر وهو يخطب الناس: والوضوء أيضاً. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل». وعلى هذا فمن ترك غسل الجمعة فهو آثم؛ لتركه الواجب، لكن الصلاة صحيحة؛ لأن هذا الغسل واجب عن غير حدث، فلا يمنع صحة الصلاة، وحينئذ يتبين جواب السائل، بل جواب سؤال السائل أنه إذا كان مسافراً وحضر الجمعة فهل عليه الغسل؟ نقول: نعم عليه الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل». ولكن إذا كان يشق عليه ذلك بكون لا يجد الماء، أو لا يجد إلا ماء بارداً في أيام الشتاء، ويخاف على نفسه من البرد، فإنه لا إثم عليه في هذه الحال؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾ ويقول جل ذكره: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾, وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ومن هذه النصوص أخذ العلماء قاعدة مفيدة جداً لطالب العلم وهو أنه لا واجب مع عجز، كما أن لا محرم مع الضرورة لقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾.