الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النصر – العلامة ابن عثيمين رحمه الله

عدد الملفات المرفوعه : 1

الحمد لله القوي العظيم الرقيب الشهيد الكريم، يدبر خلقه كما يشاء بحكمته، فهو الفعال لـما يريد، أحكم ما شرع، وأتقن ما صنع، فهو الولي الحميد، حدّ لعباده حدودًا ونظم لهم تنظيمًا، وقال لهم: (هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)(الأنعام: 153)، فصار الناس على أقسام فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، وإن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102)، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الـملك القهار فلا ضد له ولا نديد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، القائم بأمر الله، الناصح لعباد الله على الرشد والتسديد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الـمزيد وسلم تسليمًا.

أما بعد:

فقد قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)) (الحج)، وقال الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) (لقمان) (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)) (البقرة)،  وقال الله عز وجل : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1))(النساء)، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)) (لأنفال).

عباد الله هذه آيات من كتاب الله، فيها التحذيرُ مِنَ الاغترارِ بهذهِ الحياةِ الدُّنيا، فيها التحذير من الاغترار بهذه الحياة الدُّنيا بالأموال وكثرتِها، ورَغَدِ العيش ونَظَارتِهَا، لا يغرنكم أيها الـمسلمون ما أنعم الله به عليكم من العافية والأمان، إنّ العافية ربما يعقبها سَقمٌ وبَلاء، وإنّ الأمان ربما يعقبه خوف وذُعر، أيها الـمسلمون لا يغرنكم أن الله أمهلكم مع تقصيركم في الواجب، لا يغرنكم، لا يغرنَّكم أنّ الله أمهلكم مع مبارزتِكُم لله بالـمعصية، إنّ الإنسان إذا اغترَّ بمثل هذه الأمور فإنّه آمنٌ منْ مكر الله (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) (لأعراف).

أيها الـمسلمون لقد انتشرت الـمعاصي في مجتمع الأمة الإسلامية، وأصبح ما كان مُنكرًا بالأمس معروفًا اليوم، عباد الله انتشرت الـمعاصي  في هذه الأمة فأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وتعاملوا بالربا ومنعوا الزكاة، وابتعدوا عن الحياء وانتهكوا الحرمات، وصاروا كالبهائم يطلبون متع الدنيا وإنْ أضاعوا الدين، صدوا عن سبيل الله واتبعوا سُبُلَ الكافرين، زُيِّنَ لهم سُوءُ أعمالِهم، فظنوا ذلك تحررًا وتقدمًا وتطورًا، وما علموا أنَّ ذلك تحررٌ من رقِّ عبودية الله، إلى رقِّ عبودية الشيطان، وما علموا أنَّ ذلك تقدمٌ في معصية الله، وتأخرٌ في طاعة الله، وما علموا أن ذلك تطور ولكنه تطور يؤدي إلى  تدهور وهاوية، أيها الـمسلمون الـمؤمنين بالله ورسوله إن أسباب هذا التدهور الذي قد يُسميه بعض الناس تحررًا وتطورًا ترجع إلى أمرين: أحدهما ضعف الدين في النفوس، وقوة الداعي إلى الباطل، فإنَّ الدين في نفوس كثير من الـمسلمين ضعف جدًا، ولهذا لا يجدون في نفوسهِم ما كانوا يجدونه بالأمس من خشية الله ومحبته، ومحبة التقرب إليه وعبادته، أما الأمر الثاني: فهو ضعف السلطة، ضعف السلطة الآمرة بالـمعروف الناهية عن الـمنكر، ومن ذلك أيضًا الـمداهنة في دين الله – عز وجل -، والسكوت عن بيان الحق وعن بيان الباطل ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ )( لأنفال)، أيها الـمسلمون إنّ الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر فريضة على هذه الأمة، التي هي أفضل الأمم وأكرمها على الله إن استقامت على دينه كما قال الله – عز وجل – (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران)، أيها الـمسلمون إننا إذا قمنا بهذا الأمر الذي أمرنا الله به كنا خير أمة أخرجت للناس، وإن تركنا ذلك كنا من شرار الخلق عند الله، إنه لا نسب بين الله وبين العباد ولكن من اتقاه فهو الكريم عنده كما قال عز وجل: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات)، أيها الـمسلمون إنّ الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر لا يقتصر على فئة معينة من الناس، إنه واجب على الناس جميعًا، وإني من هذا الـمكان أشكر هيئة الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر في هذه البلد لأنهم قاموا بذلك أتم قيام، ولكن علينا أن نساندهم، وعلينا أن نعينهم، وعلينا أن نكون أعين لهم لـمن نالهم بأذى، أو فكر أن ينالهم بأذى، حتى نحميهم، لأن حمايتهم بلا شك حماية لهذا الـمنصب العظيم : الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر الذي لن نكون خير أمة أخرجت للناس إلا به، فإني أشكرهم من هذا الـمكان وأسأل الله أن يزيدهم قوة ومعونة على كبت أهل الـمنكر، وعلى الاطلاع على عوارهم ومعايبهم حتى يقام عليهم ما يجب أن يقام عليهم من ولاة الأمور، أيها الـمسلمون إن من ظن أن الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر خاص بفئة معينة فقد ظن ظناً فاسداً، لأن النبي ﷺ قال: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)، كل واحد منا يستطيع أن يتكلم مع الـمسئولين في منع الـمنكر، ويجب على  الـمسئولين إذا بلغهم ذلك أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من الإصلاح، وأن يجتمعوا على ذلك لينالوا الفوز والفلاح، إنَّ على الـمسئولين أن يتركوا الدعة والسكون، وأن يقوموا لله مخلصين له الدِّين وسوف تكون العاقبة لهم ( إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(هود)، أيُّها الـمسلمون إنَّ الأمَّة الإسلامية لا يمكن أن تكون أمَّة قويَّة مرموقة حتَّى تتَّحد في أهدافها وأعمالها، ولن يُمكنها ذلك حتَّى تقوم بالأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر فتكون على دين واحد في العقيدة والقول والعمل صراطاً مستقيمًا (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (الشورى)، أمَّا إذا لم تقم الأمَّة بذلك فإنَّها سوف تتفكك وتنفصم عُراها، يكون لكلِّ واحد هدف ولكلِّ  سالك طريق وعمل، يتفرقون أحزابًا ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(المؤمنون: 53) وقد قال الله لنبيه محمَّد ﷺ: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام: 159)، أيها الـمسلمون أيها الـمواطنون: إنَّنا إذا لم نقم بأمر الله، وإذا لم نسعى في إصلاح مجتمعنا بالالتزام بدين الله، فمن الذي يقوم ويسعى بذلك، إنَّنا إذا لم نتكاتف على منع الشر والفساد فكلُّنا هالك فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :  إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرًا، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون جليسه، أو يأكل معه، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داوود وعيسى ابن مريم (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (المائدة:78) ثمَّ قال رسول الله ﷺ: (والذي نفس محمَّد بيده لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ ولتأخذن على يد السفيه ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ)، أيُّها الـمسلمون هل تريدون أن تتعرضوا للعنة الله ؟، إنَّ لعنة الله هي الطرد والأبعاد عن رحمته، فاتقوا الله أيُّها الـمسلمون شدو أزر الأمرين بالـمعروف والناهيين عن الـمنكر، بل كونوا أنتم منهم، آمرين بالـمعروف ناهيين عن الـمنكر أن كنتم تريدون السعادة والفلاح، ولـمَّا فتح الـمسلمون جزيرة قُبْرُصُ تفرَّق أهلها، فَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فرؤيا أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي فقالوا له : مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ؟، فقال : وَيْحَكَ، مَا أَهْوَنُ الْخَلْقِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَضَاعُوا أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمُلْكُ تَرَكُوا أَمْرَ اللهِ فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى)[ أخرجه أبو نعيم فى الحلية وابن جرير الطبرى فى تاريخه]، أيُّها الـمسلمون إنَّ من الـمؤسف الـمروِّع أن نرى مجتمعنا الإسلامي أمَّة محمَّد، هكذا شعبًا متفككًا، لا يغارون لدين، ولا يخافون من وبال، لا يتفقَّد الرجل أهله وولده، لا ينظر في جيرانه، بل تراه ينظر الـمعاصي فيهم لا ينهاهم عنها، ويرى التقصير في الواجب فلا يتداركه، وهذا والله مؤذن بالخطر، لاسيما مع كثرة النِّعم والانغماس في الترف، فإن الله تعالى قال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)[الإسراء]، ويقول جل وعلا: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)[الأنعام]، وإنَّنا أيُّها الـمسلمون في هذه الأيام العصيبة التي قد تنسينا ما أنعم الله به علينا من الأمن والرغد، لأنَّنا في ظلِّ حروب نسأل الله أن يرفعها عنا، وأن يقنا شرها وشر من كانوا سبباً فيها، ونسأل الله أن يبعد عنا كلَّ شر، وأن يعرِّفنا بنعمه، وأن يعرِّفنا بأسباب نقمه حتَّى ندع هذه الأسباب، إنَّ الواجب علينا أيُّها الإخوة في هذه الظروف ألَّا ننسى ما يجب علينا من الرجوع إلى الله بإصلاح أنفسنا وأهلينا، وإصلاح جيراننا ومواطنينا، وإصلاح كلِّ ما يمكننا إصلاحه في الـمسلمين، علينا أن نتعاون على البر والتقوى، وأن نتآمر بالـمعروف ونتناهى عن الـمنكر، وأن نشدَّ أزر كلِّ من يقوم بهذا الأمر لأنَّ هذا هو الو اجب علينا، اللهم إنا نسألك أن توفقنا لـِما فيه خيرنا ورشدنا، اللهم اجمع كلمتنا على الحق، اللهم أبرم لأمتنا هذه أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالـمعروف وينهي عن الـمنكر، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى اله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

أيُّها الـمسلمون اتقوا الله تعالى، وأدوا الـمظالم التي بينكم وبين العباد في الـمعاملات، لا تماطلوا أصحاب الحقوق بحقوقهم، فإنَّ النبي ﷺ يقول: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ)[متفق عليه]، و(الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وقال النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه عز وجل أنَّه قال: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)[رواه البخاري]، وقد كثرت الشكاوى من العمال الذين استعملهم كفلاؤهم فيما استأجروهم فيه، ولكنَّهم يماطلونهم في الحقوق ولا يعطونهم إياها، وهذا حرام عليهم، وخصمهم يوم القيامة هو الله رب العالـمين، وهم في ظلمات يوم القيامة، فعليهم أن يؤدوا حقوق هؤلاء العمال، عليهم أن يشكروا نعمة الله عليهم حيث كانت أيديهم هي الأيدي العليا، أفلا  يخشون أن تنقلب الأمور وأن يكونوا محتاجين كما أحتاج هؤلاء العمال، أفلا يخشون أن يسافروا من بلادهم وأوطانهم يريدون لقمة العيش كما كانت هذه حال هؤلاء العمال، إنَّ الذي قلب الأوضاع السابقة التي كان فيها أهل هذه البلاد يسافرون إلى البلاد الـمجاورة من أجل أن ينالوا لقمة العيش هو قادر أن يعيد هذا الأمر كما كان، فعليكم أيُّها الكفلاء أن تخشوا الله عز وجل في هؤلاء العمال، وألَّا تظلموهم شيئاً، وأن تؤدوا إليهم حقوقهم كاملة من غير نقص، ومن كان منهم مُفرِّطًا في العمل فإنَّ عليكم أن تهددوه، أن تهددوه بأن تسفروه إلى بلده، وهم إذا راءوا العزيمة منكم  فسوف يجدُّون في العمل، أنا لا أظن أنَّ أحدًا يُهدد بأن يُرد إلى وطنه الذي فارقه من أجل لقمة العيش لا أشك ولا أظن أنَّه يخالف ما يأمره به كفيله من الأمور التي اتفق معه عليها في العقد، فاتقوا الله عباد الله وأدوا الـمظالم إلى أهلها قبل أن تؤخذ هذه الـمظالم من أعمالكم الصالحة، أمَا تخشون أنَّكم إذا متم فرَّط ورثتكم في حقوق هؤلاء العمال وأضاعوها فتكون الـمسئولية عليكم وتكون أموالكم لورثتكم من بعدكم، إنَّ هذا أمر وارد لا يدري الإنسان متى يحصل، قد يموت الإنسان في ليلته أو يومه القريب وحينئذ تضيع هذه الحقوق، فاتقوا الله أيُّها الـمسلمون اتقوا الله ( وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً) (لقمان:33) إنَّ الـمظالم سبب لحصول الشرِّ والفساد كما قال الله عز وجل : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41)، أيُّها الـمسلمون أكثروا من التوبة، أكثروا من الاستغفار، أكثروا من الدعاء والإلحاح على الله أن يسقيكم الغيث، فإنَّه قد تأخر هذه السَّنة كثيرًا، فنسأل الله عز وجل أن يغيثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا غيثا مغيثاً هنيئًا مريئًا غدقًا مُجلِّلاً عامًا نافعًا غير ضار، اللهم أغثنا يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، اللهم أغثنا اللهم أغثنا (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الأعراف)، اللهم أغفر لنا وارحمنا اللهم اسقنا غيثا والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

الفوائد الـمنتقاة :

{ إذا لم نتكاتف على منع الشر والفساد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكلنا هالك }

{مَا أَهْوَنُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَضَاعُوا أَمْرَهُ}

{إنَّ الأمَّة الإسلامية لا يمكن أن تكون أمَّة قويَّة مرموقة حتَّى تتَّحد في أهدافها وأعمالها، ولن يُمكنها ذلك حتَّى تقوم بالأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر}

{ من ظن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص بفئة معينة فقد ظن ظناً فاسداً }

{ أسباب التدهور في بلاد المسلمين الذي يسميه البعض تقدم وتطور }

{ إن الإنسان إذا اغتر بمثل هذه الأمور فإنه آمن من مكر الله }

{لا تماطلوا أصحاب الحقوق بحقوقهم}

 

 

 

  • 1445/11/08
  • مشاهدات : 197
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري