قول الله -تعالىٰ- : ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)﴾ سورة التوبة ، فهذه الآية اشتملت على ثناء الله -تبارك و تعالىٰ- على أصحاب رسوله ﷺ من السابقين الأولين و هم المهاجرون ، و الأنصار -رضي الله تعالىٰ عنهم- الذين جاؤوا بعد ذلك فآووهم وفتحوا لهم ديارهم ، وبيوتهم ، وشاطروهم أموالهم وأرزاقهم و جادت بذلك نفوسهم في سبيل الله -تبارك وتعالىٰ – ، و إكرامًا لهذا الرسول الكريم الذي آمنوا به -عليه الصلاة و السلام- .
فكان أن نوَّه الله -سبحانه و تعالىٰ- بعظيم فضلهم ، ورفيع مكانتهم فقال في هذه الآية الكريمة ﴿ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ فهذا الثناء وهذا الجزاء من الله -تبارك وتعالىٰ -، هل يكون لمن قيل أنه ارتد ؟! لا يمكن ، هل يكون لمن قيل فيه أنه فسق الفسق الأكبر فخرج عن الدين ؟! لا يمكن .
فهؤلاء القائلون لهذه المقالة أكذب خلق الله أجمعين ، إذ إذا قيل بمقالتهم سقط الدين ؛ لأن نقلة الدين إلينا هم هؤلاء الأصحاب ، فإذا كانوا كفرة ، وهم الواسطة بيننا و بين النبي ﷺ ، فكيف يوثق بهذا الكتاب الذي نقلوه إلينا ؟! وكيف يوثق بهذه السنة التي نقلوها إلينا ؟! فقد أدرك السلف -رحمهم الله- خبث هذه المقالة التي صدرت من هذه القلوب الآثمة الظالمة في حق هؤلاء الأطهار الأبرار الأخيار ، فتصدوا لها -رحمهم الله تعالىٰ- أشد التصدي فقالوا في من قال فيهم هذه المقالة إنه زنديق ، من كان يقول : إن أصحاب رسول الله ﷺ قد ارتدوا جميعًا إلا نفرًا قليلًا أو فسقوا جميعًا إلا نفرًا قليلا فهو كافر بنص القرآن ؛ لأنه مكذب للقرآن ؛ فالله -جل و علا- يقول : ﴿ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ ، وهذا يقول أنهم قد ارتدوا ، أفيُسكن الله -سبحانه و تعالىٰ- جنته من كان من أهل الردة ؟! حاشا و كلا.
فهذه الآية اشتملت على أبلغ الثناء من الله -تبارك و تعالىٰ- على هؤلاء الأصحاب الأخيار و هي في الوقت نفسه دليل واضح و برهان فاضح لانتكاسة قلوب هؤلاء القائلين لهذه المقالة ، وسخف عقولهم وخوائها ، نسأل الله السلامة و العافية .
وقد عصم الله -جل و عز- أهل السنة والجماعة من هذه المقالة ، وهذه الشناعة التي وقع فيها هؤلاء الرافضة الذين قالوا لهذه المقالة ، وفي هؤلاء الخوارج الذين كفروا أصحاب رسول الله ﷺ ، فلم يقل أهل السنة في أصحاب رسول الله ﷺ -ورضي الله عنهم- إلا مقالة ربهم -تبارك و تعالىٰ- ، فأثنوا عليهم الثناء الجميل كما أثنى الله عليهم به في كتابه العظيم ، وأحلوهم المكانة العالية الرفيعة كما أنزلهم الله -سبحانه و تعالىٰ- إياها.