4944 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ» قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لِلَّهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ، وَأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَامَّتِهِمْ، أَوْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ»
فهنا جاء عندنا بالتأكيد إنّ الدين النصيحة ، إنّ الدين النصيحة ، إنّ الدين النصيحة ، و النصيحة مأخوذة من النصح ، والمراد به : الإخلاص ، قالوا : نصحت العسل أي : أخلصته خلصته من الشوائب التي تعلق به ، أو كانت عالقة به حتى يكون صافيًا لا شائبة فيه ؛ فهنَّ الدين ، النبي -ﷺ- يقول : (إنّ الدينَ النصيحة) ، ولفظ مسلم : (الدينُ النصيحة) فأفاد هذا أنّ الدين محصور كله في النصيحة ، في الإخلاص في الأمور ، وتنقيتها من شوائب الغش التي تلحقها ، وأكده -عليه الصلاة والسلام- بمأكدين :
الأول : (إنّ) ، والثاني : توكيده بتكرار اللفظ (إنّ الدين النصيحة ، إنّ الدين النصيحة ، إنّ الدين النصيحة) فتوكيد لفظي هذا تكراره يدل على الاهتمام به ، وفي هذا التكرار فائدة تعليمية وهي : شد الانتباه و الأنظار إلى الشيء المراد الاعتناء به ، الفائدة التعليمية هنا : شد الانتباه والأنظار إلى الشيء المراد الاعتناء به ، وهنا النبي -ﷺ- اهتم بالنصيحة فجعلها الدين كله ؛ إنّ الدين النصيحة ؛ فلما رأوا ذلك القول منه -ﷺ- سألوه لما رأوا الصحابة هذا الاهتمام منه -عليه الصلاة والسلام- سألوه لمن ؟ ، مادام الدين كله النصيحة لمن تكون هذه النصيحة ؟ ، فجمع فيها -عليه الصلاة والسلام- أمر الدين والدنيا ، فقال : (لله ، اثنين : وكتابه ، ثلاثة : ورسوله ، أربعة : ولأئمة المؤمنين أو المسلمين ، خمسة : وعامتهم ) ، وهؤلاء هم شرائح الناس جميعًا.
الرسول ، أئمة المؤمنين ، عامة المؤمنين ، هذه أنواع ثلاثة ، وقبل ذلك لله -جلا وعز- ولكتابه -سبحانه وتعالى- ، فأما النصيحة لله فذلك بإخلاص العبادة له من جميع الوجوه ، إخلاص العبادة لله من جميع الوجوه ، الإخلاص له في العقائد ؛ وذلك بتنقيتها من الشرك ، والإخلاص له في العبادة وذلك بتنقيتها من الرياء أيضًا.
فيجب على العبد أن يكون مخلصًا لله -سبحانه وتعالى- ، قال الله -جل وعلا- : (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ، وقال سبحانه : (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ) ، وقال -جل وعلا-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) ؛ فالنصيحة لله بالإخلاص له بالاعتقاد وبالعبادات ؛ فأما الاعتقاد فتنقيته من الشرك في توحيد الربوبية ، توحيد الإلاهية ، توحيد الأسماء والصفات .
توحيد الألوهية وهو أقل أنواع التوحيد خلافًا بين الناس ، لم يحصل فيه الخلاف إلا عند نزرٍ يسير ممن انحرفت فطرهم ؛ فلا يوجد من يعتقد أن هناك خالقًا غير الله -جل وعلا- إلا من تلفت فطرهم ممن يقولون بأن الطبيعة هي التي توجد هذه الأشياء كلها ، نعم.
أين الطبيعة التي تزعمها ؟! الطبيعة نفسها مخلوقة موجودة ، نعم.
الشاهد : هذا التوحيد القلوب مفطورة على الإقرار به ولذلك قلَّ الخلاف فيه ، توحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله هو -سبحانه وتعالى- من خلقٍ ، ورزقٍ وإحياءٍ ، وإماتةٍ إلى غير ذلك.
هذا لم يخالف فيه إلا طائفة يسيره ممن طمس الله على بصائرهم -عياذًا بالله جل وعلا- فإن الناس مفطورون كلهم على الإقرار به لكنه لا ينفعهم ، وإنما الذي ينفع هو توحيد الألاهية ، وهو إفراد الله بأفعالنا نحن ، توحيد الله بأفعالنا نحن المخلوقين ؛ فنفرده بالعبادة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي : لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك ، فلا يُذبح إلا له -جل وعلا- ، ولا يُنذر إلا له ، ولا يُكتب إلا به -سبحانه وتعالى- ، ولا يخاف فوق الرهبة والتعظيم إلا منه -جل وعز- ، ولا يخشى إلا الله ، ولا يتوكل إلا على الله ، ولا يناب إلا إليه -سبحانه وتعالى- ، ولا يخشع إلا له -سبحانه وتعالى- وهكذا سائر العبادات ؛ فمن صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشرك كافر ، وأما توحيد الأسماء والصفات فهو وصف الله -جل وعلا- بما يليق به مما وصف به نفسه في كتابه ، أو وصفه به رسوله -ﷺ- فيما صح عنه -صلوات الله وسلامه عليه- من سنته ؛ فما جاءنا في كتاب الله ، وفي صحيح السنة عن رسول الله -ﷺ- فإننا نصف الله به ؛ فالله -سبحانه وتعالى- وصف نفسه بأنه رحيم ؛ نصفه بذلك ، وصف نفسه بأنه عليم ؛ نصفه بذلك ، وصف نفسه بأنه يغضب ؛ فإننا نصفه بذلك ، وصف نفسه بأنه يحب ؛ نصفه بذلك ، وصف نفسه بأنه يبغض ؛ نصفه بذلك على الوجه اللائق به -سبحانه وتعالى- وصف نفسه بأن له عينين ، أن له يدين ، نثبت له ذلك ، وهكذا كل ما جاء بالوحي عن الله وعن رسوله -ﷺ- فإننا نصفه به -سبحانه وتعالى- ولا نتردد في ذلك مع اعتقادنا البون الشاسع وأنه لا وجه للمشابهة بين صفات الخالق والمخلوق.
فإن المخلوقين فيما بينهم يتفاوتون في الصفة الواحدة ، أبناء الجنس الواحد هذا سميع وهذا سميع ولكن سمع هذا يختلف عن سمع هذا وهم أبناء آدم وحواء ، وهذا بصير وهذا بصير وهذا بصير ولكن بصر هذا يختلف عن بصر هذا وهم أبناء آدم وحواء كلهم ، هذا بصره ستة على ستة بدون نظارة وهذا بصرة أربعة على ستة بالنظارة ، وهذا لا يرى أعلى من عشرة أمتار أو نحو ذلك ، وذاك يرى مسافة كيلو ، وذاك يرى في الأرض مسافة عشرة كيلو وهكذا ، فإذا كان هذا في المخلوقين من جنس واحد يتباين التباين بين المخلوق والخالق وعدم المشابهة من باب أولى ، وانظر إليه أشد بعدًا الحيوان ، في المخلوقات إذا اختلفت أجناسها فسمع البشر ليس كسمع الدواب ، وبصر البشر ليس كبصر الدواب وهكذا ، فإذا كان هذا في المخلوقات ؛ فبين المخلوق والخالق من باب أولى لا وجه للمشابهة وإن جاء الاسم هذا سميع والله -سبحانه وتعالى- وصف نفسه بأنه سميع ، هذا بصير والله وصف نفسه بأنه بصير ، نقول : نعم ، ولكن ليس السمع كالسمع والبصر كالبصر وإنما قال الله -جل وعز- : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، فأثبت لنفسه السمع والبصر فرد على المعطلة ، ونفى عن نفسه المشابهة فرد عن الممثلة ، (ليس كمثله شيء) رد على المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه ، والله (السميع البصير) رد على المعطلة الذين يقولون ما يسمع وما يبصر فنصف الله بما وصف به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله -ﷺ- على الحقيقة ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل نعم ، والنصيحة لكتاب الله -جل وعلا- بتلاوته ، والعمل به ، واعتقاد أنه كلام الله -جل وعلا- المنزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ، تكلم الله به حقيقة ، أوحاه إلى جبريل ، تكلم به إلى جبريل ، سمعه جبريل فنزل به على رسول الله -ﷺ- فليس هو بالمخلوق ولا هو بالكلام النفسي كما يقول أهل البدع ، وإنما نعتقد أنه كلام الله -سبحانه وتعالى- ، والله سماه كلامًا ؛ قال -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) ، قال -سبحانه وتعالى-: (قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي) ، وقال جل وعلا-: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) ، وقال: (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) هذا الوحي كلام الله -جل وعلا- الذي بين أيدينا هو كلام الله -جل وعلا- ، تكلم الله به حقيقة ، وأنزله على رسوله -ﷺ- بواسطة جبريل ، ولا تعجز ولا تجبن أن تقول غير مخلوق ، وإنما تقول كلام الله المنزل غير مخلوق ، ومن وقف فإن أئمة السنة يجعلونه مبتدعاً في هذا ، فهذه النصيحة للكتاب ، فالإيمان بما دل عليه ، والعمل بما أمر به ، ثم الإيمان بأنه كلام الله -سبحانه وتعالى- المنزل غير مخلوق ، فهو صفة من صفاته ، والإيمان برسوله -ﷺ- هذا نصيحة لرسول الله -ﷺ- ، وهذا يكون بتطبيق أوامره ، بالتزام أوامره وتصديق أخباره -عليه الصلاة والسلام- ، إما عن ماضي أو عن ما سيأتي من الغيبيات ، وكذلك اجتناب نواهيه -ﷺ- فإن ما أمر به رسول الله -ﷺ- مثل ما أمر الله به ، وما حرمه رسول الله -ﷺ- مثل ما حرمه الله -سبحانه وتعالى- لقوله -عليه الصلاة والسلام- : (ألا إنَّ ما حرم رسولُ اللهِ مثلُ ما حرم اللهُ) فالسمع والطاعة لرسول الله -ﷺ- ، هذه هي النصيحة له -عليه الصلاة والسلام- ، الإيمان بأنه -عليه الصلاة والسلام- أيضاً خاتم الرسل ، آخر الرسل -صلوات الله وسلامه عليه- ليس بعده نبي ، (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) هذا أيضاً من النصيحة له فلا نبي بعده -عليه الصلاة والسلام- ، وهو أفضل الأنبياء على الإطلاق والرسل -صلوات الله وسلامه عليه- أفضل الأنبياء والرسل قاطبة ، وهو سيد ولد آدم ولا فخر -عليه الصلاة والسلام- ، هو سيد أهل الموقف وهو أول من يدخل الجنة إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت في فضائله -عليه الصلاة السلام- وخصائصه التي خصه الله -سبحانه وتعالى- بها ، فنؤمن بذلك كله ونصدق بذلك كله ، ونعتقد ذلك كله ، فهذا من النصيحة له -عليه الصلاة والسلام- ، فهو رسول لا يكذّب ، وعبد لا يعبد -عليه الصلاة والسلام- ، رسول مرسل لا يكذّب ، وعبد لا يعبد (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الآية ، فرسول الله -ﷺ- أفضل الخلق قاطبة ، لكن هذا لا يعني أنّا نغلو فيه ، فنحن ممتثلون في ذلك لأمره -عليه الصلاة والسلام- حينما قال : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد .
والنصيحة لأئمة المؤمنين أو أئمة المسلمين هؤلاء حكام المسلمين ، في أداء الحقوق التي أمر الله -سبحانه وتعالى- بأدائها لهم ، وأمر رسول الله -ﷺ- بأدائها لهم ، فإن أعطونا حقنا الحمد لله ، وإن لم يعطونا حقنا وجب علينا أن نصبر ونحتسب ، والله -سبحانه وتعالى- سائلهم كما قال رسول الله -ﷺ- : (فإن الله سائلهم عما استرعاهم) ، فالنصيحة لهم : بالسمع والطاعة لهم في المعروف ، تنفيذ أوامرهم في المعروف ، إذا لم يكن ذلك تحصل الفوضى في الأرض ، ويحصل الشر في الأرض ، ويحصل الخلاف بين الناس والفتن في الأرض ، وبالسمع والطاعة لهم تحقن الدماء ، وتصان الأعراض ، وتحمى الأموال ، وتأمّن الطرق ، وتنفّذ الحدود ، وتحمى الثغور ، وتقام الجمع والجماعات ، وما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون وإن جاروا وظلموا كما قال الحسن البصري ، فنحن نؤدي لهم حقهم علينا و إن قصروا في حقنا صبرنا ، طيب واذا ظلمونا ؟ ؛ أيضاً نصبر ، وإذا ضربونا ؟ ؛ أيضاً نصبر ، قال الرسول -ﷺ- : (اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) فأخذ المال ظلم أو لا؟ ، ظلم ، وضرب الظهر هذا اعتداء أيضاً ، قال -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث اسمع وأطع وإن ضربوا ظهرك وأخذوا مالك أو وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، في شي اصرح من هذا؟ ، لا شيء أصرح من هذا ، لماذا ؟ ، لأن هذه المفسدة مفسدة خاصة نزلت علي أنا نزلت على فلان من الناس بمفرده ، فإذا طالب هو وطالبت أنا وطالب الثالث وطالب الكمال الألف والألفين والعشرة آلاف حصلت الفوضى ، ودب الشر في مجتمع المسلمين ، وعادوا يحاربوا بعضهم بعضاً ، ويقتل بعضهم بعضاً كما ترون ، والسيف إذا وقع في بلاد المسلمين يوشك أن لا يرفع حتى يذوقوا سوء العذاب والعياذ بالله ، كما هو حال بعض البلدان الإسلامية الآن ، الصبر على جور الحاكم فيه ما فيه من المرارة لكن في مقابل المنفعة العامة للناس ، فهذه بعض بلدان المسلمين زال عنها الحاكم من قرابة خمس عشرة أو ست عشرة سنة ، تقطعت ميليشيات وأحزاب ، وسالت الدماء فيها منذ ذلك الحين وإلى اليوم ، لم تجتمع لهم كلمة ، ولم تتخذ لهم كلمة ، ولم تقم لهم قائمة يتناحرون فيما بينهم ، فالشاهد النصيحة لأئمة المسلمين بالسمع والطاعة لهم في المعروف ، أما في المحرم فلا ، لا سمع ولا طاعة ، ومع هذا لا يجوز أيضاً الخروج عليهم ، فإذا أمروا بمعصية يقول النبي -ﷺ- : (على المرء المسلم السمع والطاعة بما أحب وكره ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ، ولا ينزعن يداً من طاعة) ، يعني تحب تطيع مقبول منك إذا احببت تطيع من تحب ، لكن تطيع من كرهت هذا هو العدل منك ، هذا هو الانصاف منك ، تكره ذلك الحاكم ومع ذلك تعطيه حقه ، وهو السمع والطاعة له بالمعروف ، ظلمك ومع ذلك تعطيه حقه في المعروف هذا غاية العدل منك ، إذا أمرك بمعصية لا سمع ولا طاعة له ، إنما السمع والطاعة يكون بالمعروف كما قال النبي -ﷺ- : (إنما الطاعة بالمعروف) ، فإذا أمرك بطاعة ومعروف وجب عليك ، لأن الله أمرك به ، وأمرك به رسوله -ﷺ- ، وأمرك به أيضاً إمام المسلمين ، وسلطان المسلمين ، وأمير المؤمنين فوجب عليك لاجتماع هذه الأوامر من هذه الجوانب كلها ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) ، أمرك بمعصية؟ ، لا سمع ولا طاعة ، لا يجوز ، طاعته في معصية الله لا يجوز ، بحال من الأحوال.
لكن لا تنزعن يداً من طاعة ، فلا تقل هذا قد خالف أمر الله ورسوله -ﷺ- فلا يجوز البقاء تحت امرته ، ولهذا حصل ما حصل لأئمة الإسلام وما وقفوا إلا الموقف الذي أمر الله به ، فهذا الإمام أحمد -رحمه الله- امتحن ، وضرب جلد ظهره -رحمه الله تعالى- ، ولما جاء إليه من جاء واستأذنه في الخروج على ذلك السلطان ، فقال يا أبا عبد الله إن الأمر قد فشا وتفاقم وأنه لا سمع لهذا الرجل علينا ولا طاعة ، فقال : السلطان؟ ، الله الله في دماء المسلمين ، الله الله في دماء المسلمين ، كفوا دماء المسلمين ، هذا خلاف الآثار ، إنا نجد في الآثار ما صلوا فلا ، فقالوا : يا أبا عبدالله ما ترى ما نزل بك؟ ، قال : هذه فتنةٌ خاصة يوشك الله أن يرفعها ، والحسن البصري -رحمه الله- يقول : لو أن الناس إذا ابتلوا بسلطان صبروا -بجور السلطان- صبروا ، وفزعوا إلى الدعاء لأوشك الله -سبحانه وتعالى- أن يرفع عنهم ، ولكنهم يفزعون إلى السيف فيكلهم الله إليه ، فيكلهم الله إليه ، ثم تلا قول الله -سبحانه وتعالى- في آل فرعون لما ظهر فرعون عليهم وآذاهم وتسلط عليهم ، وذكرهم بذلك ، وهو قول الله -جل وعلا- : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) ، فالشاهد أنهم إذا فزعوا إلى الدعاء أوشك الله -سبحانه وتعالى- أن يرفع عنهم ، وإذا فزعوا إلى السيف فإن الله -سبحانه وتعالى- يكلهم إليه ، وإذا وكلهم إلى السيف فقد وكلهم إلى أنفسهم ، وإذا وكلهم إلى أنفسهم فقد هلكوا ، فلا شك أن العبد يجب عليه إذا نزل به الضيم ، وإذا نزل به الظلم أن يصبر وأن يدعو الله -سبحانه وتعالى- فيرفع الله -سبحانه وتعالى- عنه ، ولا ينبغي أن يخلد إلى قوته فإن الله -جل وعلا- يتخلى عنه ، وأئمة المسلمين لهم حقوقٌ كثيرة ومتعددة ورأسها كله : هو السمع والطاعة لهم بالمعروف ، هذا الذي يجمع جماع الباب كله ، قل ما شئت تحته ، وأما مطالبة بالسمع والطاعة مطلقاً هذا غير صحيح ، إنما السمع والطاعة في المعروف مقيدة كما قيدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنهم بشر قد يصيبون وقد يخطئون ، فإذا أخطئوا رد خطأهم عليهم ، واحتمل الصبر عليهم في هذا الجانب في مقابل المنفعة التي تحصل بسبب قيامهم ، يقول عبد الله بن مبارك :
إن الخلافة حبل الله فاعتصموا منــه بعروتــه الوثقـىٰ لمـــن دانا
كم يدفع الله بالسلطان معضلة في ديننــا رحمـــة منه ودنيانــا
لولا الخلافــة لم تأمن لنا سبــلٌ وكــان أضعفنــا نــهبًا لأقـوانــا
وقد استدل جمعٌ من المفسرين لقول الله -تبارك وتعالى- : (وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ) الآية ، لولا أن الله يدفع الناس بعضهم ببعض قالوا : لولا أن الله يقيم السلطان فينتصر للمظلوم من الظالم ويكف المظلوم عن الظالم ، ينتصر للمظلوم من الظالم فيعيد حقه إليه ، ويكف المظلوم عن الظالم فلا يتحين الفرص ليغتال من ظلمه ، لولا ذلك لوقع الفساد في الارض -نسأل الله العافية والسلامة- ، والحاصل هذا الحديث حديثٌ جامعٌ عظيم من جوامع الأحاديث التي شملت الخير كله وشملت الفضل كله في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة ينبغي للإنسان أن يكثر من قراءة الشروح لهذا الحديث فإنها نافعة ومذكرة له بإذن الله -تبارك وتعالى- .
واسأل الله -سبحانه وتعالى- لنا جميعاً الفقه في دينه ، واسأله -سبحانه وتعالى- أن يبصرنا بمواقع الضعف والنقص في نفوسنا ، وأن يجنبنا وإياكم الأهواء المضلة والمذاهب المردية إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.