شرح حديث من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه

عدد الملفات المرفوعه : 1

4946 – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه أبو داود .


فهذا فيه حثٌ على تفريج الكربات ، والكرب جمع كربة التي تقدم ذكرها كربة من كرب في الدنيا ، والكرب والكربة هي التي تنزل على الإنسان فتورثه الغم ، ولذلك قال فيه النبي ﷺ : (من نفس) فكأنما أغمي عليه من شدة ما نزل به أغمي عليه كتم نفسه من شدة ما نزل به فأورثه الكرب الذي يكتم النفس ، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- : (نفس الله) ، وهي كل أمر عظيم يغم الإنسان ويذهل بسببه ، مثلًا لو جاءه وعيد بسبب وشايةٍ كاذبة بأنه سيقتل من الحاكم فلم تزل أنت تسعى في شأنه ‏وأمره لدى السلطان حتى يفرج الله -سبحانه وتعالى- عنه وتنكشف الأمور ؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- ينفس عنك كربةً من كرب يوم القيامة ، مثاله هذا ، ومن ذلك ما جاء في قصة عبدالله بن سالم بن عبد الله بن عمر لما دخل على الحجاج ورآه الحجاج أن يقتل شخصًا كان بحضرته قد أقسم الحجاج أن يقتلهُ ، وتعرفون جميعًا سطوة الحجاج وظلمه ؛ فدفع السيف إلى سالم بن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهم جميعًا- وفي هذا احراج لسالم ؛ فإن قتله قتل باسم الحجاج فأعان على الظلم ، وإن تركهُ شق عليه وربما أخذ الحجاج عليه ، وخرج على هذا السلطان وأعطاه ؛ فأخذ السيف فوقع في قلب أبيه كيف يقبل سالم هذا ويكون عونًا له وهو يعلم ظلم الحجاج ؟ ، فأحسن في التلطف ؛ فقام إليه وفرق الرجل ثم قال هامسًا في أذنه يا هذا هل صليت اليوم الصبح في جماعة ؟ قال نعم ؛ فأغمد السيف ورجع ، ثم قال له : أيها الأمير أصلحك الله ، قال : لمَ لم تقتله ، قال : أيها الأمير أصلحك الله أو كلمة نحوها تلطف في الدعاء له ؛ حدثني هذا وأشار بيده إلى أبيه عبد الله بن عمر نعم أن النبي ﷺ قال : (مَن صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ حَتَّىٰ يُمْسِي ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِى ذِمَّتِهِ) وقد سألت هذا أصليت الصبح في جماعة ؟ ، فقال : نعم ، فما أحببت أن يخفر الأمير ذمة الله فيه ، قال : قد عفونا عنه ، فتلطف ، وفرج عن ذلك المسكين هذه الكربة فكم من الكرب سيفرج الله -سبحانه وتعالى- عنه ؟ ، فأحسن في الأخذ أولًا من الأمير ، وأحسن في الصفح ثانيًا عن ذلك الإنسان ، وعدم مباشرته فخرج منها ثم أحسنه في التلطف والعذر إلى الأمير ثالثًا حتى خرج المرء ذلك سليمًا معافًا بعد أن كاد يهلك فدخل وهو موقن بالهلكة ، وهكذا فليكن ، وهذا من ثمار العلم النافعة التي يعرفها من رزق هذا العلم ، ويعرف فضلها ، ولا يعرفها ولا يعرف قدرها من حرم هذا العلم ؛ فربما وقع في البلاء وهو لا يريد إلا الإحسان ، ولكن كم من مريدٍ للخير لم يصبه ! ، وأما قوله : (ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والاخرة) فهذا اخبارٌ من النبي ﷺ بتيسير الله على من يسر على المعسرين ، وذلك لأن الله أحق بأن يتجاوز عن من تجاوز عن عباده ، وأحق بأن ييسر على من يسر على عباده ، والتيسير على العبد المعسر كان يصفح عن صاحب الدَّين أو تؤخره إلى ميسرة كأن تصفح مثال : أن تصفح عن صاحب الدَّين الذي لا يجد وفاءً ، أو تُنظِره إلى ميسرة كما قال : الله -جل وعلا- : {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚوَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فإما أن تتصدق فهذا احسن تعفو عنه ، وإما أن تنظره إلى حين اليسار ؛ فمن يسر على معسر يسر الله -سبحانه وتعالى- عنه وفي هذا بيانٌ لقصةٍ أخبر النبي ﷺ بها فيمن كان قبلنا ؛ الرجل الذي كان له غلام فيرسلهُ إلى من يسألهم دينًا فيمر عليهم ، ويأمره بأن إذا أتى إلى معسر قال له : فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا ، قال : (فلقي الله فتجاوز الله عنه) ، وفي بعض الطرق قال قال الله -عز وجل- ( أنا أولى بذلك منك فتجاوز الله عنه) ؛ فالتيسير على أصحاب العسر إما بالإنظار ، وإما بالصفح عنهم بالديون التي تحملوها ولا يستطيعون أداءها -هذا جزاءه عند الله عظيم- وكذلك التيسير على من أعان معسرًا في قضاء دينه ؛ من كان عليه فكُّ رقاب من كان عليه دينٌ كبير لا يستطيع أداءه تحمَّل حمالة لا يستطيع أداءها فأعنته فيسرت عليه هذا الأمر فالله -سبحانه وتعالى- ييسر عليك ؛ فهذا ندبٌ للناس إلى أن يجنحوا إلى جانب التيسير والسعي في التيسير على الناس أيضًا ، (ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة) ، وهذه أيضًا نعمةٌ من الله عظيمة ففيها حثٌ وترغيبٌ في الستر حثٌ وترغيب في الستر على الناس من قارفوا العيوب ، وقارفوا المعاصي ، وقارفوا بعض الجرائم وهم غير مشهورين بين الناس ، فالواجب الستر عليهم من قارفوا شيئًا من الجرائم ، والقبائح ، والذنوب ، والمعاصي وهم غير مشهورين بها فإن الواجب الستر عليهم أخذًا بهذا الحديث فإن النبي ﷺ قد رغب هنا في الستر (من ستر مسلمًا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة) وهذا ترغيبٌ قولي ، والترغيب الفعلي كما جاء في صحيح مسلم لما جاءه بآخر وقد شرب الخمر ؟ ، قال له -عليه الصلاة والسلام- : (هلَّا قلت عليه بردائك هكذا) يعني سترته هلَّا قلت عليه بردائك هكذا ؟! ، يعني تغطيه تستره ففي هذا حثٌ أيضًا على الستر ؛ فمن قارف شيئًا من الجرائم ، والمعاصي وهو غير مشهور بها في الناس ، ولا معروف بين الناس بهذا ، ولم يظهر شره بين الناس فإن مثل هذا الواجب الستر عليه الواجب الستر عليه لعل ذلك يقع من نفسه موقعًا فيهديه الله -سبحانه وتعالى- ؛ فيقلع عن الذنب أولًا ، ثم يقبل على الخير ثانيًا يقلع عن الذنب أولًا وهذا فائدة له فائدة آنية وقتية يقلع عن الذنب أولًا ثم يقبل على الخير ثانيًا فإذا رأى أهل الخير يحبون الستر على الناس فإنه حينئذٍ يحب قربهم ، والجلوس إليهم فربما بعد ذلك ترك ما كان عليه من الشر ترك ما كان يتعاطى من الفساد وأقبل على أهل الخير لما يرى من حسن خلقهم ولما يرى من جمال سيرهم فمثل هذا فيه دعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- ؛ فالواجب على من رأى شيئًا من هذا وخصوصًا أهل الاحتساب أهل الحسبة أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب عليهم الستر ما استطاعوا الى ذلك سبيلًا لا سيما إذا لم يترتب على ذلك شر بالمسلمين ، ومثله في جانب القضاة درء الحدود بالشبهات ما استطاع القاضي إلى ذلك سبيلًا فالستر على صاحب المعصية هذا فيه خيرٌ له في الدنيا ، وفيه أيضًا خيرٌ لك أنتَ في الدنيا ، وخيرٌ لك في الآخرة فالله -سبحانه وتعالى- يستر عليك فربما وقعت أنت أيضًا في يومٍ من الأيام في بلاء من البلاءات القبيحة فيستر الله -جل وعلا- عليك بسبب ما سترت على أخيك المسلم ، وأما في الآخرة فالله -سبحانه وتعالى- يستر عليك فلا يفضحك على رؤوس الأشهاد ، وهذا مطلبٌ عظيمٌ كل واحد منا يسعى إليه يحب أن يستره الله بستره الجميل في الدنيا والآخرة ، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يستر علينا وعليكم جميعًا . نعم.


  • مقتطف من شرح كتاب الأدب من سنن أبي داود .

شاهد-على-اليوتيوب

  • 1442/10/10
  • مشاهدات : 2٬305
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري