قال – جل وعلا – في الأعراف : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) فقوله تعالى : (آيَاتِنَا) دليل على العلم النافع ، لكنه هو لم ينتفع به لنحرافه .
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) سورة الأعراف ، هذه الآيات كلها في مساق واحد ، اتلوا يا نبينا يامحمد عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا ، آيات الله – تبارك وتعالى – ، وحيه وتنزيله على رسوله ﷺ المتلو ، (فَانسَلَخَ مِنْهَا) ، خرج منها كما يخرج الإنسان مما يُجمله ، فالدين جمال للإنسان يتجمل به ، كالجلد مثلاً ، إذا انسلخ الإنسان من جلده الذي يجمله أصبح لونه مقززًا ، فهكذا الإلتزام بشرع الله ودينه ، واتباع آياته ، مثله كهذا المثل يتجمل به الإنسان (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) هذا لباس حسي ، (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ) هذا لباس معنوي ، فالايمان والدين والعلم يُجمل صاحبه فهو له بمنزلة الثوب الجميل الحسن ، فإذا انسلخ منه بدت سوأته التي يكره أن يراها الناس فمادام قد انسلخ فإن الناس سيرون سوأته – نسأل الله العافية والسلامة – ، ومادام انسلخ من الآيات أين يذهب ؟ ، (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) ، (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) لكنه علم الله منه أنه ليس بأهل ، فالعلم يرتفع به الإنسان فمن تركه فقد أخلد إلى الأرض ، علم الشريعة يرتفع به الإنسان وإذا تركه فقد اختار الأدنى على الأعلى ، العلم الشرعي هو الأعلى ، وعلم الدنيا هو الأدنى ، واليوم المنافسة في الثاني – والعياذ بالله – ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهذا دليل على نقص العقول أو ضعف العقول ، وتغير الفهوم ، المنافسة الآن في تحصيل العلوم الدنيوية ، يقول هذا : المتخرجين من كلية الشريعة ماذا أفادوا الناس ؟ كثير ما استفادوا شيء ، الناس اليوم بحاجة إلى الصناعة وإلى التطور ، وإلى التقدم ، وإلى الإنتاج ، عصرك عصر اقتصاد ، عصر الثورة المعلوماتية ، ثورة اقتصادية ، ماهي هذه الثورة المعلوماتية لا تدري ، كلها لا فائدة فيها ، أو إن وجدت فيها فائدة فهي قليلة لا تكاد تُذكر بجانب الشر المترتب عليها ، أو بجانب الخير الذي تركوه العظيم، لا تكاد تذكر ، ما قيمة الإنسان يتعلم يتعلم يتعلم وفي أسهل المسائل وأيسرها لا يعلم شيئًا ، في وضوءه ، في طهارته ، في صلاته لا يعلم شيئًا ، ما قيمة هذا العلم ، هذا العقل الذي عطلته ، ما قيمته ؟ ، الله – جل وعلا – يقول : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) فالعمل كله للآخرة ، ولما يورث الفوز بالآخرة ، ثم قال – جل وعلا – : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) فالدنيا يؤخذ منها نصيب ، البلغة التي تبلغ المسافر إلى داره ، والمسافر دائمًا يتخفف لأجل أن يصل بسرعة ، والعكس اليوم تمامًا نحن نثقل ونتحمل كأن الدار المقامة هي الدنيا ، والعمل هو كأنه كله للدنيا ، والعزوف عن العلوم الأخروية التي تورث القرب من الله – تبارك وتعالى – وذلك بتنوير القلوب ومراقبتها لعلام الغيوب وعمارة الآخرة ، هذا لا يكون إلا بالعلم الشرعي ، (وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)(فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) وهذا ضرب الله – جل وعلا – له المثل القبيح بأخس الحيوانات على الإطلاق وهو الكلب ، بأخسها وفي أخس صورة من صور الكلب وهي اللهث (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ) حينما يكون ضمآن ويجري في الحر يُخرج لسانه ، هذه أقبح صور الكلب على الإطلاق ، (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ) يجري في الدنيا لا يشبع منها هكذا الكلب ، يجري وهو ضمآن ما يجد الري (إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) – نسأل الله العافية والسلامة – فمن تبدل بآيات الله ، تبدل بالعلم النافع بضده وهو عدم الانتفاع ، عدم الاستقامة والإهتداء فمثله هذا المثل – عياذًا بالله من ذلك – ، فهذا فيه بيان العلم النافع ، ولكن فيه بالوقت نفسه بيان حال قلوب فاسدة انحرفت عنه ولم تنتفع به .