حديث زيد بن أرقم – رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يُستجاب لها ) ، قوله – عليه الصلاة والسلام – : ( أعوذبك من علم لا ينفع ) فالعلم الذي لا ينفع هو : العلم الضار أو الذي الجهل به لا يضر ، وقيل : هو السحر ، فإنه لا ينفع وهو ضار ، وقيل غير ذلك ، ولكن جماعه كما ذكر ذلك شراح الحديث جماعه جماع الكلام فيه وموجز الكلام فيه هو الآتي : ” هو كل علم لا يُورث صاحبه ايمانًا ، ولا يهذب الأخلاق – حسن أخلاق – ، ولا يصلح المعاملة – يعرف أحكام الحلال والحرام – ” هذا جماعه ، فإذا لم يُفد هذه الأشياء فهو علم لا ينفع ، لا يهذب الأخلاق ولا النفوس ولا القلوب ، ولا يصلح المعاملة ، ولا يُرثك ايماناً بالله – تبارك وتعالى – فهذا العلم هو الذي لا ينفع ، وشراح الحديث هذا قد أكثروا من الكلام فيه وكلامهم محصله هذا .
والنبي ﷺ كان يستعيذ بالله – تبارك وتعالى – من العلم الذي لا ينفع ، والعلوم الدنيوية التي لا فائدة فيها ، ولا تدل على الله – تبارك وتعالى – ، وتُشغل عن الآخرة فهي من هذا العلم ، وأما العلوم المحرمة فأمرها أظهر وأظهر كتعلم السحر ونحوه ، وهكذا العلوم التي الجهل بها لا يضر أيضًا هذه لا تنفع ، إن تعلمها صاحبها مانفعته ، وإن جهلها ما ضرته فهذه أيضًا لا نفع فيها .
فينبغي للإنسان أن يحفظ وقته من أن يصرفه فيها ، ولهذا كان النبي ﷺ يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يُستجاب لها أو من دعاء لا يُسمع ، أعوذ بك من هؤلاء الأربع ، أعوذ بك من هؤلاء الأربع) فجاء الحديث كله سجعًا ، وهذا لكمال الفصاحة ،السجع الذي يأتي من غير تكلف بسبب كمال الفصاحة هذا غير مذموم ، لكن المذموم في الدعاء المسجوع المذموم : التكلف ، بحيث يذهب بخشوع القلب ، ويصبح الإنسان لا يراعي إلا الكلمات ، يختار هذه الكلمة ما الذي يصلح معها ، هذا من الأجوبة التي أجيب بها ، وهو جواب صحيح ، أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – تقول : (النبي ﷺ كان يكره السجع في الدعاء) ، طيب هو هنا دعا دعاءً مسجوعًا كيف الجمع بين هذا وهذا ؟ .
وجه الجمع أن السجع إذا جاء بسبب كمال الفصاحة بغير تكلف فلا بأس به ، أما إذا كان مُتقصدًا بحيث يشغل الداعي عن الخشوع والتفكر فيما يدعو به فهذا هو الذي نُهي عنه ، فالنبي ﷺ دعا هنا فجاءت كلماته على هذا النحو .
(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع) القلب إذا قسى أصبح نقمة على صاحبه (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ)(سورة الزمر:22) – نسأل الله العافية – (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)) سورة البقرة ، فأي شيء أشد ضررًا من القلب القاسي ؛ فهذا حري بأن يُستعاذ بالله – تبارك وتعالى – منه .
وهكذا النفس إذا كانت لا تشبع فهي نقمة على صاحبها ، تتعبه في هذه الدنيا ، يصبح مهموم ويمسي مغموم ، مهموم يريد الذي يؤمن كله فيسعى حتى يكل ولا يصل إلا إلى ما كُتب له ، ويمسي مغمومًا حزينًا ما وصل إلا إلى الذي لا يريد ، فهذه النفس مُتعبة للإنسان ، فهو بين هم وغم – نعوذ بالله من ذلك – .
وهكذا الدعاء الذي لا يُسمع ، إنما يدعو الإنسان ربه لأجل أن تُقضى حوائجه فيرفع ما نزل به ، ويستنزل ما يحب أن ينزل عليه ، إذا كان دعاءه لا يُسمع فيُناسب أن يستعيذ بالله – جل وعلا – من ذلك ، وليبحث عن سبب عدم السماع للدعاء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60))سورة غافر ، فكلفنا الله بالدعاء ووعدنا بالإجابة ، فالذي لا يُستجاب لدعاءه عليه أن يُفتش نفسه ، والأسباب المانعة من الإجابة كثيرة – نسأل الله – جل وعلا – أن يعافينا وجميع إخواننا المسلمين منها .
فالنبي ﷺ تعوذ من ربه من علم لا ينفع ، وسأل ربه – جل و علا – أن ينفعه بما علمه – سبحانه وتعالى – ، وهذا العلم إذا لم يكن نافعًا كان إما ضارًا لصاحبه ، وإما الجهل به لا يضر ؛ فلا ميزة للعلم حينئذ به ، وجوده وعدمه سواء ، فيكون أجهد نفسه إما فيما فيه ضرر ، وأما فيما لا نفع فيه وجوده وعدمه سواء – نسأل الله العافية والسلامة – ولهذا قال النبي ﷺ (أعوذ بك من علم لا ينفع) ، ويقول المصنف – ابن رجب – العلم الذي لا ينفع قد يكون ضررًا وحينئذ فالجهل بهذا النوع من العلم الذي يكون العلم به ضررًا الجهل به خير ، وإذا كان هذا الجهل بهذا النوع من العلوم التي لا تنفع إذا كان الجهل بها لا يضر الإنسان فهذا دليل على وضاعتها ، ودليل على أنها ليست بشيء في ميزان النفع ، فلأن الإنسان إنما يطلب ما ينفعه في دينه وفي دنياه ، وهذا العلم إما أن يضره في دينه ودنياه وآخرته ، وإما أن يكون ضارًا له في دينه ، وعلى كل حال فهو شر ، والعلم الذي يضر ولا ينفع هذا أشد من الجهل ، لأنه إذا جهلته خير لك ، فإذا كان الجهل خير منه فهو شر لا شك ولا ريب – نسأل الله العافية والسلامة –