مالم يكن علمًا في ذاك الزمن فلن يكون علمًا ، لأننا نحن قلنا : إن العلم هو العلم الشرعي الذي يدل على الله ، ويستبين به الإنسان شرع الله – تبارك وتعالى – ، فهذا أولاً أحدث محدث ما عُرف في عصر الصحابة – رضي الله عنهم – ، مثل ما يقولون اليوم كذبًا وزورًا وفجورًا – ايش تتوقعون ؟ – الفلسفة الإسلامية ، حاشا الإسلام وأهل الإسلام من الفلسفة ، الفلسفة اليونانية ماهي إسلامية ، عند اليونان الإغريق الوثنيين ، لأنها مركبة من فيلا سوف ومعناه : محب الحكمة ، في الاتيني مركبة هذه الكلمة من هاتين اللفظتين ، وهذا كانت هند اليونانيين ، عند ارسطو واتباعه ، الذي يسمونه المعلم الأول ، فما يمكن أن تكون الفلسفة إسلامية أبدًا ، فهذا مما أُحدث ، ويسمى زورًا بايش ، بالفلسفة الإسلامية ، وفلاسفة الإسلام أيضًا ، حاشا وكلا ، كالطوسي والفارابي وابن سينا ومن كان على شاكلتهم ، فهذا مُحدث لا شك ولا ريب ، لأننا نعرف أصله ، وأن أصله عند هؤلاء الوثنيين المشركين ، فأولاً أن يكون هذا مُحدثًا ، ما أحدث بعد الصحابة ، والنبي ﷺ يقول : ( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل مُحدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) ، ثم مع الإحداث لها توسعوا فيها وسموها علم ، علم الفلسفة ، تجد كليات عند المسلمين لتعليم الفلسفة ، كلية الفلسفة ، هذا في الحقيقة ما يعجبني فيه إلا كلام عامة أهل المدينة النبوية ، العوام في المدينة ، يقولون : فلفسة ، بتكرار الفاء بدل السين فهي فلفسة ، لأنه يذهب العمر فيها فلفسة ، وتورث صاحبها الحيرة والإضطراب ، ويسمونها الفلسفة الإسلامية ، وفلاسفة الإسلام ، كتب مطبوعة بهذا الإسم ، من هم ابن سينا والفارابي ومن كان على شاكلتهم ما نريد أن نتوسع في ذكرهم ، وهؤلاء إذا نظرت إلى حياتهم وجدتها مظلمة ، حيرة واضطراب وشك حتى في الله – تبارك وتعالى – ، فما فائدة هذا العلم ؟ ، الذي يسمونه علمًا ؟ ، ثم الثاني أنهم يظنون من لم يكن عالمًا بها فهو جاهل أو ضال ، واليوم ما يقولون جاهل أو ضال ، لكن يقولون : متحجر لأنه ما عنده إلا قال الله قال رسول الله ﷺ ، ومتخلف ، ورجعي ، وجامد ، ومن العلماء المحنطين ، هكذا هذه الألقاب كلها في الصحف تُكال لحملة الشريعة ، ونقلة الشريعة ، وخزان الشريعة ، وشراح الشريعة ، وأنصار الشريعة من علماء الإسلام ، وراث النبي ﷺ يقال فيهم هذه الأوصاف ، يقال فيهم : علماء متخلفين وجامدين ، ومتأخرين ، ورجعيين ، ومتحجرين ، ومحنطين إلى غير ذلك من الألقاب الباطلة التي يقولونها ويكيلونها لهم ؛ ومعناها أنهم جهال جامدين ، يعني كما رأينا قبل مدة في الصحف واحد يقول : إن الجامعة الإسلامية انتهى فيها عصر الجمود ، يعني في المدينة ، وعصر الإنغلاق ، وعصر الرأي الواحد ، وعصر ما أريكم إلا ما أرى ، وعصر ما أدري ايش إلى آخره ، هذه العصور من هم فيها ؟ ، كان فيها سادة وخيار أئمة الدين والهدى في هذا الزمن ، هذا العصر الذي طعنو فيه بهذه الطعنات ، فيها شيخ الإسلام في زمانه الشيخ محمد بن ابراهيم – رحمه الله – بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب – رحمة الله على الجميع – ، الذي ما كان يصل إليه في حفظه ولا في فقهه ولا في فهمه ، ولا في دقة نظره أحد ، وفيها أيضًا تلميذه البار شيخ الإسلام أيضًا بعده الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – ، وفيها أيضًا علم السنة ، وحافظ السنة ، وناصر حديث رسول الله ﷺ الذي ما أخرجت هذه الأعصار المتأخرة مثله الشيخ ناصر الدين الألباني – رحمه الله – ، وفيها حافظ وقته على الأطلاق الذي ما بلغه في الحفظ أحد الشيخ الأمين الشنقيطي – رحمه الله – ، فجمعت هذه الجامعة من الشام ومن بلاد الغرب ومن بلاد الشرق خيرة عباد الله في هذا القرن ، يقال عنها هذا القول ! ، ويسمى عصرهم بهذه التسميات ! ، انظروا إلى ما كتبوه وخلفوه ، إذا أزحت كتاب واحد منهم افتقرت المكتبة إليه ، وانظروا إلى ما كتبه وكذبه هؤلاء اليوم ، لو تزيح كل ما كتبوه ما أثر في مكتبة الإسلام بالنقص ، ومع ذلك يقال فيهم هذا القول ، فإلى الله المشتكى ، صح ما سموهم جهالًا ضلالًا ، لكن رموهم بالكلام الآخر الذي هو هذا معناه ، فهذه هي الرزية – نسأل الله العافية والسلامة – ، والشاهد أن هذا العلم الذي وصف بهذا الوصف : أنه أُحدث ، ولم يكن في خير القرون وهم أصحاب النبي ﷺ ، ثم توسعوا فيه وسموه علمًا ، ثم رموا من لم يكن عالمًا به بالجهل أو الضلال ، هذه هي علوم الخلف ، العلم إنما هو علم الكتاب والسنة ، وما عداه من العلوم الدنيوية خذ منها حقك ونصيبك بحيث ايش ؟ ، تعمر بها دنياك وتستقيم بها حياتك ، هذا يقوله علماء الإسلام ، لكن أولئك ماذا يقولون عن علماء الإسلام ؟ ، يقولون هذا الذي سمعتم ، فأي الفريقين أحق بالعدل والإنصاف عند العقلاء !؟ ، لا شك أنهم العلماء ، يحثون على العلم الشرعي ، ويقولون وقتك كله فيه ، ولكن خذ نصيبك من الدنيا ، كما قال الله : (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) ، نعم .
شرح كتاب بيان فضل علم السلف على علم الخلف (ش : 2).