وﲢﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﳌﺮاد ﺑﻪ : ﺗﺘﻤﻴﻤﻪ وﺗﻜﻤﻴﻠﻪ ، وﻫﺬا اﻟﺘﺘﻤﻴﻢ واﻟﺘﻜﻤﻴﻞ ﻋﻠﻰ درﺟﺘﲔ : اﻟﺘﺘﻤﻴﻢ اﻟﻮاﺟﺐ ، واﻟﺪرﺟـﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴـﺔ اﻟﺘﺘﻤﻴﻢ اﳌﺴﺘﺤﺐ ، وﻗُﻞ إن ﺷﺌﺖ درﺟﺔ اﳌﻘﺘﺼﺪﻳﻦ ، ودرﺟﺔ اﳌﻘﺮﺑﲔ ، وﻛﻞٌ ﻣﻦ اﳌﻘﺘﺼﺪ واﳌﻘﺮﱠب أو اﻟﺴﺎبق باﳋـﲑات ﻗﺪ ﺣﻘﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ، واﺳﺘﺤﻖ دﺧﻮل اﳉﻨﺔ ﺑﺪون ﺣﺴﺎب وﻻ ﻋﺬاب ، ﻟﻜـﻦ درﺟـﺔ اﻟﺴـﺎﺑﻖ باﳋـﲑات أﻋﻠـﻰ وﻣﻜﺎﻧﺘـﻪ ﰲ اﳉﻨﺔ أرﻓﻊ (وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(اﻷﺣﻘﺎف:١٩) .

وﻗﺪ ﻗﺎل اﻟﻌﻠﻤﺎء – رﲪﻬـﻢ ﷲ ﺗﻌـﺎﱃ – ﰲ ﺑﻴـﺎن ﺣـﺪ وﺿـﺎﺑﻂ اﻟﺘﺤﻘﻴـﻖ اﻟﻮاﺟـﺐ اﻟـﺬي ﻫـﻮ درﺟـﺔ اﳌﻘﺘﺼـﺪﻳﻦ : “ﻫـﻮ ﺗﺼـﻔﻴﺔ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ وﺗﻨﻘﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﺷﻮاﺋﺐ اﻟﺸﺮك واﻟﺒﺪع واﳌﻌﺎﺻﻲ” ، أﻣﺎ اﻟﺸـﺮك ﻓـﺎﻷﻛﱪ ﻣﻨـﻪ ناﻗـﺾ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴـﺪ ﻣـﻦ أﺻـﻠﻪ ، واﻷﺻـﻐﺮ ﻗــﺎدحٌ ﰲ ﻛﻤﺎﻟــﻪ اﻟﻮاﺟــﺐ ، واﻟﺒــﺪع ﺑﻨﻮﻋﻴﻬــﺎ اﻟﻘﻮﻟﻴــﺔ واﻟﻔﻌﻠﻴــﺔ ﻗﺎدﺣــﺔ أﻳﻀــﺎً ﰲ ﻛﻤــﺎل اﻟﺘﻮﺣﻴــﺪ اﻟﻮاﺟــﺐ ، وﻫﻜــﺬا أﻳﻀــﺎً اﻟﺸﺄن ﰲ ﻛﺒﺎﺋﺮ اﻟﺬﻧﻮب واﳌﻌﺎﺻﻲ ﳍﺎ أﺛﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ، ﻓﺘﺤﻘﻴـــﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴـــﺪ ﻫـــﻮ: ﺗﺼـــﻔﻴﺘﻪ وﺗﻨﻘﻴﺘـــﻪ ﻣـــﻦ ﺷـــﻮاﺋﺐ اﻟﺸـــﺮك واﻟﺒـــﺪع واﳌﻌﺎﺻــﻲ ، وﻫـــﺬﻩ اﻟـــﺜﻼث ﻳﺴـــﻤﻴﻬﺎ أﻫـــﻞ اﻟﻌﻠـــﻢ (اﻟﻌﻮاﺋﻖ) ؛ أي التي ﺗﻌﻮق اﻟﺴﺎﺋﺮ إﱃ ﷲ – ﻋﺰ وﺟﻞ – ﰲ ﺑﻠﻮﻏﻪ ﻟﻠﺠﻨﺔ واﻟﻔﻮز ﺑﺮﺿﺎ ﷲ – ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ – ؛ ﻋﺎﺋﻖ اﻟﺸﺮك، وﻋــﺎﺋﻖ اﻟﺒﺪﻋــﺔ ، وﻋــﺎﺋﻖ اﳌﻌﺎﺻــﻲ .

واﳋــﻼص ﻣــﻦ ﻋــﺎﺋﻖ اﻟﺸــﺮك: ﻳﻜــﻮن بإﺧــﻼص اﻟﺘﻮﺣﻴــﺪ لله .

واﳋــﻼص ﻣــﻦ ﻋــﺎﺋﻖ اﻟﺒﺪﻋــﺔ: ﻳﻜــﻮن ﺑﺘﺠﺮﻳــﺪ اﳌﺘﺎﺑﻌــﺔ ﻟﺮﺳــﻮل ﷲ -ﺻــﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴــﻪ وﺳــﻠﻢ- .

واﳋــﻼص ﻣــﻦ ﻋــﺎﺋﻖ اﳌﻌﺎﺻــﻲ: ﻳﻜــﻮن ﲟﺠﺎﻫــﺪة اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﻓﻌﻠﻬﺎ واﳌﺒﺎدرة إﱃ اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻮﻗﻮع ﰲ ﺷﻲء ﻣﻨﻬﺎ .

واﻟﻌﺒﺪ ﻻ ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﳋﻄـﺄ ﻟﻜﻨـﻪ ﳚﺎﻫـﺪ ﻧﻔﺴـﻪ أن ﻻ ﻳﻘﻊ ﰲ اﳌﻌﺼﻴﺔ ، وإن وﻗﻊ ﰲ ﺷﻲء ﻣﻨﻬﺎ بادر وﺳﺎرع إﱃ اﻟﺘﻮﺑﺔ إﱃ ﷲ – ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ – ، أﻣﺎ أن ﻳﻜـﻮن ﻣﺼِﺮًا ﻋﻠـــﻰ اﳌﻌﺎﺻـــﻲ واﻵثام ﻓﻬـــﺬا ﻻ ﺷـــﻚ ﻟـــﻪ أﺛـــﺮﻩ ﻋﻠـــﻰ ﲢﻘﻴﻘـــﻪ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴـــﺪ اﻟﻮاﺟـــﺐ ، ﻷن ﲢﻘﻴـــﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴـــﺪ اﻟﻮاﺟـــﺐ ﻳﻜـــﻮن ﺑﺘﺼﻔﻴﺘﻪ وﺗﻨﻘﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﺷﻮاﺋﺐ اﻟﺸﺮك واﻟﺒﺪع واﳌﻌﺎﺻـﻲ ، ﻓﻤـﻦ ﻧﻘـﻰ وﺻـﻔﱠﻰ ﺗﻮﺣﻴـﺪﻩ وﺧﻠﱠﺼـﻪ ﻣـﻦ ﺗﻠـﻚ اﻟﺸـﻮاﺋﺐ دﺧـﻞ اﳉﻨﺔ ﺑﺪون ﺣﺴﺎب وﻻ ﻋﺬاب ، ﻷن اﳊﺴﺎب واﻟﻌﺬاب إﳕﺎ ﻳﻜﻮن ﰲ ﻓﻌﻞ ﳏﺮم أو ﺗﺮك واﺟﺐ ، وﻫـﺬا اﻟـﺬي ﺣﻘـﻖ اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﱂ ﻳﻔﻌﻞ اﶈﺮم وﱂ ﻳﱰك اﻟﻮاﺟﺐ ﻓﻜﺎن ﺑﺬﻟﻜﻢ ﳏﻘﻘﺎً اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻮاﺟﺐ ، وأﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺬا درﺟﺔً ﲢﻘﻴﻘﻪ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﳌﺴﺘﺤﺐ ، واﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﳌﺴﺘﺤﺐ : ﻫـﻮ اﻟـﺬي ﻳﺜـﺎب ﻓﺎﻋﻠـﻪ وﻻ ﻳﻌﺎﻗـﺐ تارﻛـﻪ ، وﻫــﻮ ﻋﺒــﺎرة ﻋــﻦ ﻣﻴــﺪان ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴــﺔ واﳌﺴــﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠــﺪرﺟﺎت اﻟﻌــﻼ واﳌﻨــﺎزل اﻟﺮﻓﻴﻌــﺔ ، ﻛﻤــﺎ ﻗــﺎل -ﻋﻠﻴــﻪ اﻟﺼــﻼة واﻟﺴــﻼم-: (إِنﱠ أَﻫْـﻞَ اﳉَﻨﱠــﺔِ ﻳـَﺘـَـﺮَاءَوْنَ أَﻫْــﻞَ اﻟﻐُـﺮَفِ ﻣِــﻦْ ﻓـَـﻮْﻗِﻬِﻢْ، ﻛَﻤَــﺎ ﻳـَﺘـَـﺮَاءَوْنَ اﻟﻜَﻮْﻛَــﺐَ اﻟـﺪﱡرِّيﱠ اﻟﻐَــﺎﺑِﺮَ ﰲِ اﻷ ُﻓُـﻖِ ، ﻣِــﻦَ اﳌﺸْـﺮِقِ أَوِ اﳌﻐْــﺮِبِ ، لتـَﻔَﺎﺿُــﻞِ ﻣَــﺎ ﺑـَﻴـْــﻨـَﻬُﻢْ) ﻓﺄﻫــﻞ اﳉﻨــﺔ ﰲ درﺟــﺎت وﻣﺘﻔﺎﺿــﻠﻮن ، ﻓــﺎﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﳌﺴــﺘﺤﺐ ﻣﻴــﺪان ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴــﺔ واﳌﺴــﺎﺑﻘﺔ واﻟﻔــﻮز باﻟﺪرﺟﺎت اﻟﻌﻼ ﰲ ﺟﻨﺎت اﻟﻨﻌﻴﻢ .

ﺣﺎﺻﻞ اﻟﻘﻮل: أن ﲢﻘﻴﻖ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻧﻮﻋﺎن أو درﺟﺘﺎن : ﲢﻘﻴـﻖ واﺟـﺐ ، وﲢﻘﻴـﻖ ﻣﺴـﺘﺤﺐ ، وﻛـﻞﱞ ﻣـﻦ ﻫـﺬﻳﻦ اﻟﻨـﻮﻋﲔ أو أﻫــﻞ ﻫــﺎﺗﲔ اﻟــﺪرﺟﺘﲔ ﻳــﺪﺧﻞ اﳉﻨــﺔ ﺑــﺪون ﺣﺴــﺎب وﻻ ﻋــﺬاب ، وأﻣﱠــﺎ ﻣــﻦ أﺧــﻞﱠ ﺑﺘﻮﺣﻴــﺪﻩ إﺧــﻼﻻً ﻻ ﻳــﻨﻘﺾ أﺻــﻞ اﻟﺘﻮﺣﻴــﺪ ﻓﻬــﺬا أﻳﻀــﺎً ﻳــﺪﺧﻞ اﳉﻨــﺔ ﻟﻜﻨــﻪ ﻗــﺪ ﳛﺎﺳَــﺐ وﻳﻌــﺬﱠب ﻗﺒــﻞ ذﻟــﻚ ﰒ ﻳــﺪﺧﻞ اﳉﻨــﺔ ، ﲟﻌــﲎ أن دﺧﻮﻟــﻪ اﳉﻨــﺔ ﻻ ﻳﻜﻮن دﺧﻮﻻً أوﻟﻴﺎً ، وﷲ – ﻋــﺰ وﺟــﻞ – ذﻛــﺮ ﻫــﺬﻩ اﻷﻗﺴــﺎم اﻟﺜﻼﺛــﺔ ﰲ ﻗﻮﻟــﻪ -ﺳــﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﱃ- : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)(ﻓـــــــﺎﻃﺮ:٣٣-٣٢) ﻣـــــــﻦ ﻫـــــــﻢ ؟ اﻟﺜﻼﺛـــــــﺔ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) أي اﻟﺜﻼﺛـــــــﺔ ، ﻓـــــــﺎﻟﻮاو ﰲ ﻗﻮﻟـــــــﻪ (يَدْخُلُونَهَا) ﺗﺸﻤﻞ اﻟﻈﺎﱂ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻷن ﷲ ﻗـﺎل: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) أي ﻫـﺆﻻء ، وﺻُـﺪِّرت اﻵﻳـﺔ ﺑﻮﺻـﻔﻬﻢ بأنهم ﻋﺒﺎد ﷲ وأنهم اﳌﺼﻄَﻔﻮن ﰒ ذﻛﺮ ﰲ اﻵﻳُﺔ اﻟﱵ ﺗﻠﻴﻬـﺎ أنهـﻢ ﰲ اﳉﻨـﺔ ، ﻟﻜـﻦ اﳌﻘﺘﺼـﺪ واﻟﺴـﺎﺑﻖ باﳋـﲑات دﺧﻮﳍﻤـﺎ ﻟﻠﺠﻨــﺔ دﺧــﻮﻻً أوﻟﻴــﺎً ﺑــﺪون ﺣﺴــﺎب وﻻ ﻋــﺬاب ، أﻣــﺎ اﻟﻈــﺎﱂ ﻟﻨﻔﺴــﻪ ﻓﺈﻧــﻪ ﻗــﺪ ﳝــﺮ ﲟﺮﺣﻠــﺔ ﻋــﺬاب ﻳﻄﻬـﺮ ﻓﻴﻬــﺎ ﻣــﻦ ذﻧﻮﺑــﻪ وﻣﻌﺎﺻﻴﻪ ﰒ ﻣﺂﻟﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻜﻢ إﱃ اﳉﻨﺔ .

• (شرح كتاب التوحيد ش : 4 ) .