2 – شرح حديث يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم

عدد الملفات المرفوعه : 3

2 – عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَائشَةَ رَضيَ الله عنها قالت: قالَ رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا ببيْداءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ)، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بَأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنهُمْ،؟ ، قَالَ: (يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُون عَلَى نِيَّاتِهِمْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.


وقولهُ -عليه الصلاة والسلام- : (ببيْداءَ مِنَ الأَرْضِ) أي: أرض واسعة ، والخسف هو : أن يسيخ الناس في الأرض وتذهب بهم في أعماقها ، و(أَسْوَاقُهُمْ) أي : الذين جاؤوا من أجل البيع والشراء لم يأتوا مِن أجل غزو الكعبة وإنما جاؤوا مِن أجل البيع والشراء ، فلما سمِعت عائشه -رضي الله عنها- النبي ﷺ يُخبر بأن هؤلاء الذين جاؤوا لِغزو الكعبة وأنهم يُخسف بهم بأولهم وآخرهم سألت -رضي الله عنها- قالت : كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ، يعني قد يكون شخص في ذلك الوقت مر من ذلك الطريق او جاء مثلًا يتفاوض معهم ونحو ذلك ، أو جاء ليبيع ويشتري ، أو كان مارًّا من ذلك الطريق فيشملهُ ذلك الخسف ، تسأل عائشة -رضي الله عنها- كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم , قال: (يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُون عَلَى نِيَّاتِهِمْ) وهذا موضع الشاهد من الحديث قوله: (يُبْعَثُون عَلَى نِيَّاتِهِمْ) مثل قوله في الحديث المتقدم (إنما الأعمال بالنيات) ، والعقوبة تعُم الصالح والفاسد ، لكن الناس يوم القيامة يُبعثون علىٰ نياتهم ، فأهل الايمان والطاعة والإخلاص والتقرب إلى الله -سبحانهُ وتعالىٰ- يُبعثون علىٰ ذلك ، ومن سواهم أيضًا يُبعثون علىٰ ما كانوا عليه من نيةٍ خبيثة ومقاصد سيئة .

الشرح الأول : يقول عليه الصلاة والسلام: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ) يعني في آخر الزمان؛ لهدمها فيخسف الله بهم الأرض يعني عقوبة عاجلة، قالت عائشة -رضي الله عنها- : (يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بَأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنهُمْ،؟) يعني عادة الجيوش إذا جاءت يأتي فيها أسواق للبيع والشراء يأتي أناس ليسوا منهم إنما جاؤوا إما للشراء أو للبيع أو للاطلاع على الجيش ليسوا منهم، قال -عليه الصلاة والسلام- : (يخسف بهم جميعًا، ثم يبعثون على نياتهم) الكل يبعث على نيته، اللي منهم يبعث على نيته، واللي معهم وليس له نيتهم يبعث على نيته، هكذا العقوبات إذا عمت تعم الصالح والطالح، ثم يبعث كل على نيته، فالواجب على المكلف أن يحذر عقوبة الله وبأسه، وأن يجتهد في إخلاص العمل لله وموافقة الشريعة قبل أن يهجم عليه الأجل أو تحل عقوبة تعمه وتعم غيره، كما قال النبي ﷺ: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه)، وفي اللفظ الأخر: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) وقد أهلك الله أممًا كثيرة بالعقوبات العامة: قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم لوط، وغيرهم أمم كثيرة كلها أهلكت بالعقوبات العامة لما ضيعوا أمر الله واستحلوا الشرك به وظلموا عباده عمتهم العقوبة نسأل الله العافية!.
فالواجب على كل مكلف أن يحذر نقمة الله وأن يبتعد عن أسباب غضبه وأن يجتهد في أداء حقه يرجو ثوابه ويخشى عقابه.

الشرح الثاني : في هذا الحديث حديث عائشة رضي الله عنها يقول النبي ﷺ: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ) يعني في آخر الزمان (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ) لهدمها ضد الإسلام (فَإِذَا كَانُوا ببيْداءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ) يعني خسف الله بهم الأرض عقوبة عاجلة، فقالت : (يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بَأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنهُمْ،؟) يعني الجيوش في الطرقات يأتي إليها الناس الذين يبيعون ويشترون يدورون الرزق ما هم منهم، ما دروا عن نيتهم ولا يعرفون حالهم كيف يخسف بهم جميعاً يعني، وهؤلاء ما عندهم نية ما عند هؤلاء، جاؤوا للبيع والشراء ما يعرفون حالهم؟ ، قال النبي ﷺ: (يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُون عَلَى نِيَّاتِهِمْ) الذين أرادوا الشر يبعثون على نياتهم، والذين جاؤوا للبيع والشراء ما دروا عن الموضوع ولا شركوا فيه على نياتهم، وهكذا عند ظهور المعاصي وانتشار المعاصي قد تعم العقوبات فيبعثون على نياتهم وأحوالهم، أهل المعاصي على نياتهم، وأهل الخير على نياتهم كما في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)، في الحديث الآخر: (إن المعصية إذا خفت لم تضر إلا أصحابها، وإذا ظهرت ولم تنكر ضرت العامة).

فالإنسان في محل المعاصي، مجلس المعاصي، قرية المعاصي الظاهرة قد تعمه العقوبة، ثم يبعث على نيته إذا كان معذورا، إذا كان معذوراً يبعث على نيته وعلى عمله.

وفي هذا التحذير من صحبة أهل الشر، في هذا الحديث التحذير من صحبة أهل الشر والجلوس معهم، وأنهم خطر، يقول -جل وعلا: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68]، ويقول ﷺ: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك -يعني يعطيك، وإما أن تبتاع منه -تشتري منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير -مثل نافخ الكير- إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) ففي هذا الحث على صحبة الأخيار والبعد عن صحبة الأشرار.

حديث عائشة – رضي الله عنها- أن النبي ﷺ أخبر بأنه يغزو جيش الكعبة، الكعبة المشرفة حماها الله وأنقذها من كل شر. هذه الكعبة هي بيت الله؛ بناه إبراهيم، وابنه إسماعيل – عليهما الصلاة والسلام – وكانا يرفعان القواعد من البيت ويقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)) البقرة، هذا البيت أراد ابرهة أن يغزوه من اليمن، فغزاه بجيش عظيم في مقدمته فيل عظيم؛ يريد أن يهدم به الكعبة بيت الله ، فلما قرب من الكعبة ووصل إلى مكان يقال له المغمس حرن الفيل، أبى أن يتقدم، فجعلوا ينهرونه ليتقدم إلى الكعبة فيأبى، فإذا صرفوه نحو اليمن هرول وأسرع؛ ولهذا قال الرسول – عليه الصلاة والسلام – في غزوة الحديبة لما أن ناقته حرنت وأبت أن تمشي، فقال الصحابة : خلأت القصواء خلأت القصواء – يعني حرنت – ، قال النبي ﷺ: (والله ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق) النبي – عليه الصلاة والسلام – يدافع عن بهيمة، لأن الظلم لا ينبغي، ولو على البهائم. قال : (ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق – أي ليس من عادتها – ولكن حبسها حابس الفيل) حابس الفيل: هو الرب عزوجل، (والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطتيهم إياها) ، المهم أن الكعبة غزيت من قبل اليمن، في جيش عظيم، يقوده هذا الفيل العظيم، ليهدم الكعبة، فلما وصلوا إلى المغمس أبى الفيل أن يمشي، وحرن، فنتهروه، ولكن لا فائدة، فبقوا هناك انحبسوا، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل، والأبابيل: يعني الجماعات الكثيرة من الطيور، كل طير يحمل حجراً قد أمسكه برجله، ثم يرسله على الواحد منهم، حتى يضربه مع هامته ويخرج إلي دبره (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل: ٥) ، كأنهم زرع أكلته البهائم، أندكوا في الأرض، وفي هذا يقول أمية بن الصلت: حبس الفيل في المغمس حتى ظل يحبو كأنه معقور فحمى الله عز وجل بيته من كيد هذا الملك الظالم الذي جاء ليهدم بيت الله، وقد قال الله عز وجل،: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)) الحج، في آخر الزمان يغزو قوم الكعبة، جيش عظيم. وقوله: (حتى إذا كانوا بيداء من الأرض) أي بأرض واسعة متسعة، خسف الله بأولهم وآخرهم. خسفت بهم الأرض، وساخوا فيها هم وأسواقهم، وكل من معهم. وفي هذا دليل على أنه جيش عظيم؛ لأن معهم اسواقهم؛ للبيع والشراء وغير ذلك. فيخسف الله بأولهم وآخرهم، لما قال الرسول ﷺ هذا، ورد على خاطر عائشة – رضي الله عنها- سؤال، فقالت: يا رسول الله : (كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟) أسواقهم: الذين جاءوا للبيع والشراء؛ ليس لهم قصد سيء في غزو الكعبة، وفيهم أناس ليسوا منهم تبعوهم من غير أن يعلموا بخطتهم، فقال الرسول ﷺ: (يخسف بأولهم وآخرهم وأسواقهم ومن ليس منهم ثم يبعثون يوم القيامة على نياتهم) كل له ما نوى ، هذا فرد من أفراد قول الرسول ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي) . وفي هذا الحديث عبرة: أن من شارك أهل الباطل وأهل البغي والعدوان، فإنه يكون معهم في العقوبة؛ الصالح والطالح، العقوبة إذا وقعت تعم الصالح والطالح، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر، والمصلي والمستكبر، ولا تترك أحداً، ويوم القيامة يبعثون على نياتهم. يقول الله عز وجل: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)) الأنفال ، الشاهد من هذا الحديث قوله ﷺ : (ثم يبعثون على نياتهم) فهو كقوله: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) .

  • 1440/07/26
  • مشاهدات : 2٬371
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري