عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، ما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) . رواه مسلم.
ثم قال ـ عليه الصلاة والسلام: (فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا) ويعني بعد أن تحرص وتبذل الجهد، وتستعين بالله، وتستمر، ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا لأن هذا أمر فوق إرادتك، أنت فعلت الذي تؤمر به، ولكن الله ـ عز وجل ـ غالب على أمره (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَعْلَمُونَ) (يوسف: 21) ، ونضرب مثالاً لذلك: إذا سافر رجل يريد العمرة، ولكنه في أثناء الطريق تعطلت السيارة، ثم رجع فقال: لو أني أخذت السيارة والأخرى لكان أحسن، ولما حصل على التعطل، نقول: لا تقل هكذا؛ لأنك أنت بذلت الجهد، ولو كان الله ـ عز وجل ـ أراد أن تبلغ العمرة ليسر لك الأمر، ولكن الله لم يرد ذلك.
فالإنسان إذا بذل ما يستطيع مما أمر ببذله، وأخلفت الأمور؛ فحينئذ يفوض الأمر إلى الله؛ لأنه فعل ما يقدر عليه، ولهذا قال: (إن أصابك شيء) يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله ـ عز وجل ـ (فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا كَذا) .
وجزى الله عنا نبينا خير الجزاء؛ فقد بين لنا الحكمة من ذلك، حيث قال: (فإن لو تفتح عمل الشيطان) أي تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا. فلا تقل هكذا، والأمر انتهى، ولا يمكن أن يتغير عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت.
ولهذا قال (ولكن قل: قدر الله) أي هذا قدر الله، أي تقدير الله وقضاؤه، وما شاء الله ـ عز وجل ـ فعله (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (هود: 107) ، لا أحد يمنعه أن يفعل في ملكه ما يشاء، ما شاء فعل ـ عز وجل.
ولكن يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى ـ لا يفعل شيئاً إلا لحكمة خفيت علينا أو ظهرت لنا، والدليل على هذا قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (الإنسان: 30) ، فبين أن مشيئته مقرونة بالحكمة والعلم، وكم من شيء كره الإنسان وقوعه، فصار في العاقبة خيراً له، كما قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: 216) ، ولقد جرت حوادث كثيرة تدل على هذه الآية، من ذلك: قبل عدة سنوات أقلعت طائرة من الرياض متجهة إلى جدة، وفيها ركاب كثيرون، يزيدون عن ثلاثمائة راكب، وكان أحد الركاب الذين سجلوا في هذه الطائرة في قاعة الانتظار، فغلبته عيناه حتى نام، وأعلن عن إقلاع الطائرة، وذهب الركاب وركبوا، فإذا بالرجل يستيقظ بعد أن أغلق الباب، فندم ندامة شديدة؛ كيف فاتته الطائرة؟ ثم إن الله قدر بحكمته أن تحترق الطائرة وركابها. فسبحان الله! كيف نجا هذا الرجل؟ كره أنه فاتته الطائرة، ولكن كان ذلك خيراً له.
فأنت إذا بذلت الجهد، واستعنت بالله، وصار الأمر على خلاف ما تريد، لا تندم، ولا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، إذا قلت هذا انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو، فقد انتهى الأمر وراح، وعليك أن تسلم الأمر للجبار ـ عز وجل ـ قل: قدر الله وما شاء فعل.
ووالله، لو أننا سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيراً، لكن تجد الإنسان منا؛ أولاً: لا يحرص على ما ينفعه، بل تمضي أوقاته ليلاً ونهاراً بدون فائدة، تضع عليه سدي. ثانياً إذا قدر أنه اجتهد في أمر ينفعه، ثم فات الأمر، ولم يكن على ما توقع، تجده يندم، ويقول: ليتني ما فعلت كذا، ولو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا ليس بصحيح، فأنت أدّ ما عليك، ثم بعد هذا فوض الأمر لله ـ عز وجل.
(شرح رياض الصالحين).