7 – عَنْ أبي هُريْرة عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ صخْرٍ -رضي الله عَنْهُ- قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- : (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعمالكم) رواه مسلم.
الشرح الأول : تتعلق بعظم شأن النية وأن مدار الأعمال على النيات صلاحًا وفسادًا وقبولاً وردًا، فمن أصلح الله نيته في أعماله تمت له السعادة وانتفع بأعماله، ومن فسدت نيته لم تنفعه الأعمال، ولهذا يقول -عليه الصلاة والسلام- : (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم) وفي اللفظ الآخر: (ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) فالصورة والجسم والمال ليس محل نظر، محل النظر ومحل الاعتبار القلب والعمل فمتى صلح القلب وزكى القلب بالإخلاص لله ومتابعة الرسول ﷺ زكت الأعمال، ومتى فسد القلب بالرياء والسمعة والشرك فسدت الأعمال، فالأعمال بالنيات، ولهذا يقول ﷺ: ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فهي محل النظر، فإذا زكى القلب واطمأن إلى الله وأخلص لله وعظمه وخافه واستقام على الشريعة صلحت أعماله وانتفع بأعماله وإلا فلا.
الشرح الثاني : محل النظر القلب والعمل، أما مال الإنسان وجسمه، كونه قوي أو جميل أو ما هو جميل أمره سهل، ليس محل نظر الله، لا جسمه ولا ماله، إنما محل النظر والاعتبار قلبه وعمله، إذا صلح قلبه وصلح عمله هذه هي الفائدة العظيمة، أما كونه كثير المال أو قليل المال، عظيم الجسيم أو جميل ما له قيمة في درجاته عند الآخرة وفي ثوابه، إنما الدرجات والأعمال الصالحات والحسنات تتعلق بقلبك وعملك، بقلبك الذي يحب الله ورسوله ويخلص له العمل ويخافه ويرجوه، وفي عملك تصدق، تصلي، تصوم، تجاهد، هذه الذي ينفعك، هذا المال الذي تصدقت به وجاهدت به وواسيت به الفقراء هذا ينفعك.
فالمقصود محل الاعتبار ومحل النظر من الله -جل وعلا- هو قلبك وعملك، فاحرص على أن يكون قلبك معموراً بحب الله، والإخلاص لله، وخوف الله ورجائه والشوق إليه، واحرص على أن يكون عملك لله خالصًا لله، صدقاتك، صلاتك، صومك، جهادك، غير ذلك يكون لله، لا رياء ولا سمعة، تصلي لله، تصوم لله، تتصدق لله، تتجاهد لله، تنصح لله، تأمر بالمعروف، تنهى عن المنكر، تدعو إلى الله، كله لله، لم نرد رياء الناس ولا حمد الناس، ولكن تعمل تبتغي وجه الله كما قال -جل وعلا- : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)(الكهف:110)، ويقول سبحانه : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة:5)، ويقول : (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) (الزمر:2-3).
فالواجب على المكلفين من الرجال والنساء، من الجن والإنس العناية بالإخلاص لله في العمل والصدق في العمل، وتحري أسباب القبول من الخوف والرجاء والمحبة والكسب الطيب، والحذر من المعاصي، كل هذه أسباب للقبول والمغفرة، والوصية وغير الوصية يلتزم فيها شرع الله، إنسان يتصرف حسب الشرع في وصيته، وفي بيعه وشرائه، في كل شيء يتحرى ما جاء به الشرع ولا يخالف الشرع.
والحديث خرجهُ الإمام مسلم -رحمه الله- في كتابه الصحيح ، وفيه زيادة مهمة وهي قوله : (ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وقوله -عليه الصلاة والسلام- : (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم) فيهِ أن الأجسام والصور ليست محلًا للثواب والعقاب ، فكون الإنسان مثلًا طويلًا أو قصيرًا أو أحمرًا أو أسودًا أو سمينًا أو نحيلًا أو غير ذلك ، هذه كلها ليست محل الثواب والعقاب ، وإنما النظر الذي هو محل الثواب والعقاب القلوب والأعمال ما يقوم بالقلب من أعمال صالحة وإخلاص وصدق ومحبة ورجاء ؛ فيثاب عليها ، أو سيئة من غل وحقد وغير ذلك ؛ فيعاقب عليها ، وكذلك أعمال الإنسان وكذالكم أعمال الإنسان ، والحديث فيه دلالة علىٰ أهمية العناية بالقلب لأن القلب محل النظر والثواب والعقاب ؛ فيجب على العبد أن يعنى بقلبه وإصلاحه ، والقلب هو الأساس وسيأتي لاحقًا حديث النبي -ﷺ- (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).