218 – عن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: (أَتَدْرُون ما الْمُفْلِسُ؟) ، قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ ، فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ) رواه مُسلم.
وفي ذلك اليوم العظيم يظهر أُناس يأتون يوم القيامة مفاليس ، مفاليس من الحسنات والأجور لأنها تذهب إلى أولائك الذين ظلمهم هؤلاء في هذه الحياة الدنيا .
وصدر الني – عليه الصلاة والسلام – هذا الحديث بهذا الاسلوب الذي هو فيه تشويق وتنبيه ولفت للأنظار إلى حسن الاستفادة قال : (أَتَدْرُون ما الْمُفْلِسُ) والمفلس في العرف والمعتاد والمألوف عند الناس هو من لا درهم له ولا متاع ، فبين – عليه الصلاة والسلام – الإفلاس الحقيقي هو : الإفلاس من الخيرات والحسنات والأجور ، قال : (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ) تأمل ، يأتي وهو يصلي ويصوم ويزكي ، ليس تاركًا للصيام ، ولا تاركًا للصلاة ، ولا تاركًا للزكاة ولكنه : (يأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هَذَا) هذه أنواع خمسة من التعديات ذُكرت في هذا الحديث ، الشتم : وهو السباب واللعن ونحو ذلك ، والقذف : وهو رمي المحصنات أو المحصنين العفيفين والعفيفات رمي بالفاحشة والزنا ، والثالث : أكل الأموال ، أموال الناس بالباطل ، والرابع : سفك الدماء بإراقتها ، وإزهاق الأرواح ، والخامس الضرب ، وهذه لأبرز أنواع ما يقع من الظلم ، وإلا ليس الأمر محصورًا في هذه الخمس المذكورة في الحديث ، أو أن ما سواها من الظلم راجع إليها في الجملة .
قال : (فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ) الإشارة هنا : إلى من ظلمهم بسفك دم ، أو أخذ مال ، أو ضرب ، أو شتم ، أو قذف ، أو نحو ذلك ، (فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ) أي : لم يبقى له حسنة ، حسنة الصلاة ، وحسنة الصيام ، وحسنة الزكاة ، إذا فنيت هذه الحسنات ولم يبقى له حسنة لا يقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل يؤخذ من خطاياهم ، ذنوبهم ، من آثامهم ، من أوزارهم وتطرح عليه ، ثم طرح في النار ، فهذا افلاس عظيم جدًا ، ويوم القيامة يتبين الإفلاس الحقيقي .
وهؤلاء المفلسون هم أُناس يأتون يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ثم يُفلسون مع كونهم من أهل الصلاة والصيام والزكاة ؛ فكيف أيها الإخوة الكرام بمن لا يصلي ، أو يتهاون في الصلاة ، ويتهاون في الصيام ، ويتهاون في فرائض الإسلام ؛ فلا شك أن الأمر أعظم وأشد وأفظع وأكبر .
ثم أيضًا أنبه هنا إلى أولائك الأقوام الذين يتجرأون على مقام الصحابة الكرام ، سبًا لهم ، وطعنًا فيهم ، ونيلاً منهم ، فهؤلاء لاشك أن لهم نصيب كبير جداً من الإفلاس ، وهم بهذا السب لأصحاب النبي – عليه الصلاة والسلام – يكونون أنفقوا من حسناتهم وبذلوا من حسناتهم لأصحاب النبي ﷺ ، وإذا فنيت الحسنات أُخذ من سيئات من شتموهم ، أو نالوا منهم ، وطرحت على هؤلاء الشاتمين السابين فطرحوا في النار .
فالشاهد أن الأمر أمر خطير وليس بالهين ، والواجب على الإنسان أن يتقي الله – عزوجل – وأن يحذر الظلم ، فإن الظلم ظلمات ، وأن يحذر أشد الحذر أن يقف يوم القيامة في ذلك اليوم العصيب مفلسًا يرى حسناته تذهب هنا وتذهب هناك ، وتذهب إلى هذا وإلى ذاك حتى لا يبقى له من حسناته شيء ، ثم لا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل يطرح عليه من سيئات من ظلمهم فيطرح – والعياذ بالله – في نار جهنم .