شرح ثلاثة الأصول وأدلتها – الشيخ د. صالح الفوزان

عدد الملفات المرفوعه : 10

تنبيه الشيخ صالح الفوزان على أهمية حفظ متن ثلاثة الأصول
البدء بالمختصرات هي الأساس لطالب العلم – الشيخ : صالح الفوزان

والبداءة بهذه المختصرات هي الأساس لطلبة العلم ، فطالب العلم يبدأ بالتعلم شيئا فشيئا يأخذ من مبادئ العلم وأصوله ، ويتدرج فيه .

فهذه المختصرات طريق المطولات . لا يمكن أن تفهم المطولات إلا بعد فهم المختصرات والتدرج منها شيئًا فشيئًا ؛ ولهذا قالوا في معنى قوله تعالى : (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) [آل عمران : 79 ] إن الربانيين هم الذين يبدؤون بصغائر مسائل العلم قبل كباره ، يربون أنفسهم وطلابهم ابتداء من المسائل الصغيرة إلى المسائل الكبيرة ، وهذا شيء طبيعي ؛ لأن كل الأشياء تبدأ من أصولها وأساساتها ثم تكبر وتعظم بعد ذلك ، فأما الذي يهجم على العلم هجوما من أعلاه ، فهذا يتعب ولا يحصل على شيء ، بينما الذي يبدأ من الأصول ويتدرج هذا هو الذي – بإذن الله – يسير مع الطريق الصحيح والاتجاه السليم .

ترك السؤال والبحث عن المسائل الفضولية – الشيخ : صالح الفوزان

قال تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) [ البقرة : 189 ] ، هؤلاء سألوا عن الأهلة ، لماذا يبدأ الهلال صغيرا ثم يكبر ثم يكبر حتى يتكامل ثم يصغر حتى يعود هلالا ؟ فعتب الله عليهم ، ووجههم أن يسألوا عما ينفعهم ، وأن يأتوا بيوت العلم من أبوابها . أما السؤال عن الهلال وأحواله وصغره وكبره ، فهذا لا فائدة لهم فيه ، بل الفائدة هي أن يسألوا عما يحتاجون إليه ، وهو معرفة فوائد الأهلة ولهذا قال : قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ بين لهم فوائدها ، وهي أن الله جعلها مواقيت للناس يعرفون بها العبادات والمعاملات والآجال ، وغير ذلك . فأرشدهم إلى فوائد الأهلة ، ولم يجبهم عن سؤالهم عن حقيقة الأهلة ، لأنه ليس لهم في ذلك فائدة وليوجههم إلى ما ينبغي أن يسألوا عنه ، وهو أبواب العلم لا ظهور العلم والمسائل الفضولية التي لا يحتاجون إليها ، وإن احتاجوا إليها فهي حاجة قليلة .

البدء بالبسملة مطلع عظيم للكلام وللكتب والرسائل – الشيخ : صالح الفوزان

فالبداءة بها في الرسائل وفي الكتب وفي المؤلفات اقتداء بكتاب الله – عز وجل – ، وكذلك النبي ﷺ كان يكتبها في أول رسائله حينما يكتب إلى الأمراء والرؤساء وإلى من في أقطار الأرض يدعوهم إلى الإسلام يبدأ كتابته ” ببسم الله الرحمن الرحيم ” ، وكان – صلى الله عليه وسلم – يفتتح أحاديثه وكلامه ” ببسم الله الرحمن الرحيم ” مما يدل على أن البداءة ” ببسم الله الرحمن الرحيم ” سنة الرسول ﷺ ، كما أن سليمان – عليه السلام – لما كتب إلى بلقيس ملكة سبأ بدأ كتابه ” ببسم الله الرحمن الرحيم ” : (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [ النمل : 29 – 31 ] ، ينبغي البدء ” ببسم الله الرحمن الرحيم ” في كل أمر له أهمية وكل مؤلف له أهمية وله قيمة ، وكل رسالة ، وعلى هذا فالذين لا يبدءون مؤلفاتهم ورسائلهم ” ببسم الله الرحمن الرحيم ” هؤلاء تركوا السنة النبوية والاقتداء بكتاب الله – عز وجل – ، وربما بسبب ذلك أن كتبهم هذه ورسائلهم ليس فيها بركة وليس فيها فائدة ؛ لأنها إذا خلت من ” بسم الله الرحمن الرحيم ” فإنها منزوعة الفائدة ، لماذا تركوا ” بسم الله الرحمن الرحيم ” ؟ ، إنما تركوها لأنها سُنة ، وهم ينفرون من السنة ، أو يقلدون من ينفر من السنة ، فينبغي التنبه لمثل هذا ، فمعنى ” بسم الله الرحمن الرحيم ” : الاستعانة باسم الله ، فقوله : بسم الله : جار ومجرور متعلق بمحذوف ، تقديره : أستعين بسم الله الرحمن الرحيم ، أو أبتدئ ببسم الله الرحمن الرحيم تبركا بها واستعانة بالله – عز وجل – ، فهي مطلع عظيم للكلام وللكتب والرسائل ، فالإنسان يستعين بالله في بدايتها ويتبرك باسمه سبحانه وتعالى .

طريقة التعامل مع طالب الحق والمعاند – الشيخ : صالح الفوزان

فالواجب على المعلم وعلى من يدعو إلى الله ، وعلى من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر التلطف بمن يخاطبه بالدعاء والثناء عليه والكلام اللين فإن هذا أدعى للقبول ، أما المعاند والمكابر فهذا له خطاب آخر قال الله سبحانه:(وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [ العنكبوت : 46 ] ، فالذين ظلموا من أهل الكتاب وعاندوا وكابروا هؤلاء لا يخاطبون بالتي هي أحسن بل يخاطبون بما يردعهم . قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ التوبة : 73 ] ، المنافقون لا يجاهدون بالسلاح ، وإنما يجاهدون بالحجة والكلام والرد عليهم بالغلظة ردعا لهم وتنفيرا للناس عنهم ، وقال تعالى فيهم : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [ النساء : 63 ] ، هؤلاء لهم خطاب خاص ؛ لأنهم أهل عناد ومكابرة ولا يريدون الحق بل يريدون تضليل الناس فهؤلاء يخاطبون بما يليق بهم . أما الطالب المسترشد فهذا يخاطب بالرفق والرحمة واللطف ؛ لأنه يريد الحق ويريد العلم والفائدة ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)[ التوبة : 73 ] ، المنافقون لا يجاهدون بالسلاح ، وإنما يجاهدون بالحجة والكلام والرد عليهم بالغلظة ردعاً لهم وتنفيراً للناس عنهم ، وقال تعالى فيهم : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [ النساء : 63 ] ، هؤلاء لهم خطاب خاص ؛ لأنهم أهل عناد ومكابرة ولا يريدون الحق بل يريدون تضليل الناس فهؤلاء يخاطبون بما يليق بهم ، أما الطالب المسترشد فهذا يخاطب بالرفق والرحمة واللطف ؛ لأنه يريد الحق ويريد العلم والفائدة .

أقسام العلم الشرعي – الشيخ : صالح الفوزان
العلم على قسمين : الأول : ما يجب تعلمه على الأعيان ، فلا يعذر أحد بجهله وهو ما لا يستقيم الدين إلا به ، مثل أركان الإسلام الخمسة التي هي : الشهادتان ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ، لا يجوز لمسلم أن يجهلها بل لا بد أن يتعلمها ، لأن تعلم معنى الشهادتين إنما هو تعلم العقيدة ، يتعلم المسلم العقيدة من أجل العمل بها ، ويتعلم ما يضادها من أجل أن يتجنبه ، هذا مضمون الشهادتين ، كذلك يتعلم أركان الصلاة وشروط الصلاة ، وواجبات الصلاة ، وسنن الصلاة ، يتعلم بالتفصيل هذه الأمور ، ليس مجرد أنه يصلي وهو لا يعرف أحكام الصلاة ، كيف يعمل الإنسان عملاً وهو لا يعلم هذا العمل الذي يؤديه ؟ ، كيف يؤدي الصلاة وهو جاهل بأحكامها ؟ ، فلا بد أن يتعلم أحكام الصلاة ، ومبطلات الصلاة ، لا بد من تعلم هذا ، كذلك يتعلم أحكام الزكاة ، ويتعلم أحكام الصيام ، ويتعلم أحكام الحج ، فإذا أراد أن يحج وَجَبَ عليه تعلم أحكام الحج وأحكام العمرة ، من أجل أن يؤدي هذه العبادات على الوجه المشروع ، وهذا القسم لا يعذر أحد بجهله ، وهو ما يسمى بالواجب العيني على كل مسلم ، القسم الثاني من أقسام العلم : فهو ما زاد عن ذلك من الأحكام الشرعية التي تحتاجها الأمة بمجموعها وقد لا يحتاجه كل أحد بعينه مثل أحكام البيع وأحكام المعاملات ، وأحكام الأوقاف والمواريث والوصايا ، وأحكام الأنكحة ، وأحكام الجنايات ، هذه لا بد منها للأمة ، لكن لا يجب على كل فرد من الأمة أن يتعلمها بل إذا تعلمها من يحصل به المقصود من العلماء كفى هذا ؛ ليقوموا بحاجة المسلمين من قضاء وإفتاء وتعليم وغير ذلك ، هذا يسمى واجب الكفاية الذي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثموا جميعاً ، لا بد للأمة من أناس يتعلمون هذا القسم لأنهم بحاجة إليه ؛ لكن ما يقال لكل واحد : يجب عليك أن تتفقه في هذه الأبواب ؛ لأنه قد لا يتأتى هذا لكل أحد ، وإنما يختص هذا بأهل القدرة وأهل الاستطاعة من الأمة ، ولأنه إذا تعلم هذا بعضُ الأمة قام بالواجب ، بخلاف القسم الأول فكل واحد مسؤول عنه في نفسه ، لأنه لا يمكن أن يعمل هذه الأعمال إلا عن علم ، ولهذا قال الشيخ : (يجب علينا) ، ولم يقل : يجب على المسلمين ، أو يجب على بعضهم ، بل قال : يجب علينا ، أي على كل واحد منا وجوباً عينياً .

العلم الشرعي هو المقصود في الكتاب والسنة – الشيخ : صالح الفوزان
ولنعلم أيضاً قبل الدخول في المسائل أن المراد بالعلم الذي يجب على الأمة إما وجوباً عينياً أو كفائياً أنه العلم الشرعي الذي جاء به الرسول ﷺ ، أما العلم الدنيوي كعلم الصناعات والحِرَف والحساب والرياضيات والهندسة ، فهذا العلم مباح يباح تعلمه وقد يجب إذا احتاجت الأمة إليه ، يجب على من يستطيع لكن ليس هو العلم المقصود في القرآن والسنة والذي أثنى الله تعالى على أهله ومدحهم ، والذي قال فيه النبي ﷺ : (العلماء ورثة الأنبياء) المراد العلم الشرعي ، وأما العلم الدنيوي فمن جهله فلا إثم عليه ، ومن تعلمه فهو مباح له ، وإذا نفع به الأمة فهو مأجور عليه ومثاب عليه ، ولو مات الإنسان وهو يجهل هذا العلم لم يؤاخذ عليه يوم القيامة ، لكن من مات وهو يجهل العلم الشرعي خصوصاً العلم الضروري فإنه يسأل عنه يوم القيامة ، لِمَ لَمْ تتعلم ؟ ، لماذا لَمْ تسأل ؟ ، الذي يقول إذا وضع في قبره: ربي الله والإسلام ديني ونبيي محمد ﷺ هذا ينجو ، يقال له : من أين حصَّلت هذا ؟ ، يقول : قرأت كتاب الله وتعلمته ، أما الذي أعرض عن ذلك فإنه إذا سئل في قبره فإنه يقول : هاه هاه لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ، فهذا يؤجج عليه قبره ناراً – والعياذ بالله – ويضيق عليه فيه حتى تختلف أضلاعه ، ويصبح في حفرة من حفر النار ؛ لأنه ما درى ولا تلا فيقال له : لا دريت ولا تليت [ أو لا تلوت ] فهو لم يتعلم ولم يَقْتَدِ بأهل العلم ، وإنما هو ضائع في حياته ، فهذا الذي يؤول إلى الشقاء والعياذ بالله .

لا يليق بالمسلم أن يجهل الرسول ﷺ – الشيخ : صالح الفوزان
ومعرفة نبيه : هو محمد ﷺ لأنه هو المبلغ عن الله – عز وجل – ، وهو الواسطة بيننا وبين الله – عز وجل – في تبليغ الرسالة ، لا بد أن تعرفه ، تعرف من هو ؟ ، وتعرف نسبه وتعرف بلده ، وتعرف ما جاء به ﷺ ، تعرف كيف بدأه الوحي ؟ ، وكيف قام بالدعوة إلى الله – عز وجل – في مكة والمدينة ، تعرف سيرة الرسول ﷺ ولو باختصار . الرسول ﷺ هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف إلى آخر النسب النبوي الذي ينتهي إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وتعرف كيف عاش قبل البعثة ، وكيف جاء الوحي من الله – عز وجل – ، وماذا عمل – عليه الصلاة والسلام – بعد بعثته ، تعرف ذلك بدراسة سيرته ﷺ ولا يليق بالمسلم أن يجهل الرسول ﷺ كيف تتبع شخصا وأنت لا تعرفه ؟ ! ، هذا غير معقول .

لا يكفي أن الإنسان يعلم ويتعلم بل لا بد أن يعمل بعلمه – الشيخ : صالح الفوزان
العمل به : أي بالعلم لأنه لا يكفي أن الإنسان يعلم ويتعلم بل لا بد أن يعمل بعلمه ، فالعلم بدون عمل إنما هو حجة على الإنسان ، فلا يكون العلم نافعاً إلا بالعمل ، أما من عَلِمَ ولم يعمل فهذا مغضوب عليه ؛ لأنه عرف الحق وتركه على بصيرة . والناظم يقول : وعــالم بعلمـه لـم يعملـن معذب من قبل عباد الوثن وهذا مذكور في الحديث الشريف : (إن من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ، عالم لم يعمل بعلمه) العلم مقرون بالعمل ، والعمل هو ثمرة العلم ، فعلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر ، لا فائدة فيها ، والعلم إنما أنزل من أجل العمل . كما أن العمل بدون علم يكون وبالاً وضلالاً على صاحبه ، إذا كان الإنسان يعمل بدون علم فإن عمله وبال وتعب على صاحبه ، قال – صلى الله عليه وسلم – : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولهذا نقرأ في الفاتحة في كل ركعة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [ الفاتحة : 6-7 ] ، فسمى الله الذين يعملون بدون علم الضالين ، والذين يعلمون ولا يعملون بالمغضوب عليهم ، فلنتنبه لذلك فإنه مهم جداً .

هذا العلم الشرعي أمانة ليس بملك لك تختزنه وتحرم الناس منه – الشيخ : صالح الفوزان
لا يكفي أن يتعلم الإنسان ويعمل في نفسه ، ولا يدعو إلى الله – عز وجل – ، بل لا بد أن يدعو غيره فيكون نافعاً لنفسه ونافعاً لغيره ، ولأن هذا العلم أمانة ، ليس بملك لك تختزنه وتحرم الناس منه ، والناس بحاجة إليه ، فالواجب عليك التبليغ والبيان ودعوة الناس إلى الخير ، هذا العلم الذي حملك الله إياه ليس وقفا عليك ؛ وإنما هو لك ولغيرك ، فلا تحتكره على نفسك وتمنع الناس من الانتفاع به ، بل لا بد من تبليغه ولا بد من بيانه للناس ، قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) [ آل عمران : 187 ] . هذا ميثاق أخذه الله على العلماء أن يبينوا للناس ما علمهم الله من أجل أن ينشروا الخير ، ويخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، وهذا عمل الرسل – عليهم الصلاة والسلام – ومن اتبعهم ، قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [ يوسف : 108 ] هذه طريقة الرسول ﷺ وطريقة أتباعه ، العلم والعمل والدعوة إلى الله – عز وجل – ، فمن لم يدع وهو قادر على الدعوة وعنده وكتمه ، فإنه يلجم بلجام من نار يوم القيامة كما في الحديث .

الواجب على من يدعو إلى الله ويريد وجهه أن يصبر على الأذى وأن يستمر في الدعوة – الشيخ : صالح الفوزان
معلوم أن من دعا الناس وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فإنه سيتعرض للأذى من الأشرار ؛ لأن كثيراً من الناس لا يريدون الخير بل يريدون الشهوات والمحرمات والأهواء الباطلة ، فإذا جاء من يدعوهم إلى الله ويردهم عن شهواتهم فلا بد أن يكون منهم رد فعل بالقول أو بالفعل فالواجب على من يدعو إلى الله ويريد وجه الله أن يصبر على الأذى وأن يستمر في الدعوة إلى الله ، وقدوته في ذلك الرسل – عليهم الصلاة والسلام – وخيرتهم وخاتمهم محمد ﷺ ، ماذا لقي من الناس ؟ ، وكم لقي من الأذى بالقول والفعل ؟ ، قالوا : ساحر وكذاب ، وقالوا : مجنون ، وقالوا فيه من الأقوال التي ذكرها الله – عز وجل – في القرآن ، وتناولوه بالأذى ، قذفوه بالحجارة حتى أدموا عقبه ﷺ لما دعاهم إلى الله – عز وجل – ، وألقوا سلا جزور على ظهره وهو ساجد عند الكعبة ، وتوعدوه بالقتل وهددوه ، وفي غزوة أحد جرى عليه وعلى أصحابه ما جرى ، عليه الصلاة والسلام ، كسروا رباعيته وشجوه في رأسه ﷺ وقع في حفرة ، وهو نبي الله ، كل هذا أذى في الدعوة إلى الله – عز وجل – لكنه صبر وتحمل وهو أفضل الخلق – عليه الصلاة والسلام – ، فلا بد للذي يقوم بهذه الدعوة أن يتعرض للأذى على حسب إيمانه ودعوته ؛ ولكن عليه أن يصبر ، ما دام أنه على حق فإنه يصبر ويتحمل فهو في سبيل الله وما يناله من الأذى فهو في كفة حسناته أجر من الله – سبحانه وتعالى – .

الله تعالى يقسم بما شاء من الخلق والمخلوق لا يقسم إلا بالله – الشيخ : صالح الفوزان
أقسم الله – تعالى – بالزمان والوقت وهو مخلوق ، والله – جل وعلا – يقسم بما شاء من الخلق ، والمخلوق لا يقسم إلا بالله ، والله لا يقسم إلا بشيء له أهمية ، وفيه آية من آياته – سبحانه وتعالى – فهذا الزمان فيه عبرة وله أهمية ، ولذلك أقسم الله بالعصر ، وبالليل إذا يغشى ، وأقسم بالضحى . أما المخلوق فإنه لا يقسم إلا بالله ، ولا يجوز لنا أن نحلف بغير الله ، قال ﷺ : (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقال : (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) . فالله يقسم بما شاء ولا يقسم إلا بما له أهمية وفيه عبرة .

لابد من الصبر على الأذى في سبيل الدعوة وإن كنت مخطئًا عليك بالرجوع إلى الحق – الشيخ : صالح الفوزان
الصبر على الأذى في الدعوة إلى الله – عز وجل – فإن هذا من المصائب فعليك أن تصبر على ما تلقى من الأذى في سبيل الخير ، ولا تنثني عن فعل الخير ؛ لأن بعض الناس يريد فعل الخير لكن إذا واجهه شيء يكرهه قال : ليس من الواجب علي أن أدخل نفسي في هذه الأمور ، ثم يترك التعليم إن كان معلمًا ، يترك الدعوة إلى الله ، يترك الخطابة إن كان خطيب مسجد ، يترك إمامة المسجد ، يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هذا لم يصبر على ما ناله من الأذى ، وإذا كنت مخطئًا عليك بالرجوع إلى الحق والصواب ، أما إن كنت على حق ولم تخطئ فعليك بالصبر والاحتساب واستشعر أن هذا في سبيل الله – عز وجل – وأنك مأجور عليه ، وتذكر ما حصل للأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – من الأذى وكيف صبروا وجاهدوا في سبيل الله حتى نصرهم الله – عز وجل – .

الرجل والمرأة سواء في الواجبات وترك المحرمات إلا ما خصه الدليل بالرجل – الشيخ : صالح الفوزان
يجب على كل مسلم ومسلمة : أي يجب على كل ذكر وأنثى من المسلمين سواء كانوا أحرارًا أو عبيدًا أو ذكورًا أو إناثًا ، لأن المرأة تشارك الرجل في كثير من الواجبات إلا ما خصه الدليل بالرجال ، فإنه يختص بهم مثل وجوب صلاة الجماعة في المساجد ، وصلاة الجمعة ومثل زيارة القبور فإنها خاصة بالرجال ، ومثل الجهاد في سبيل الله فإنه خاص بالرجال .
فما دل الدليل على اختصاصه بالرجال فإنه يختص بهم ، وإلا فإن الأصل أن الرجال والنساء سواء في الواجبات وتجنب المحرمات وسائر التكاليف ، ومن ذلك أن تعلم العلم واجب على الرجال والنساء لأنه لا يمكن عبادة الله – جل وعلا – التي خلقنا من أجلها إلا بتعلم العلم الذي نعرف به عبادة ربنا ، فهذا واجب على الرجال والنساء أن يتعلموا أمور دينهم لا سيما أمور العقيدة .

العبادات توقيفية لا يجوز أن يُعبد الله بشيء إلا بما شرعه – الشيخ : صالح الفوزان
لما كانت العبادة لا يجوز أن نأخذها من استحساننا أو تقليد فلان وعلان من الناس ؛ أرسل الله إلينا رسلًا تبين لنا كيف نعبده ؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز أن يعبد الله بشيء إلا بما شرعه .
فالعبادات توقيفية على ما جاءت به الرسل – عليهم الصلاة والسلام – ، فالحكمة من إرسال الرسل أن يبينوا للناس كيف يعبدون ربهم ، وينهونهم عن الشرك والكفر بالله – عز وجل – هذه مهمة الرسل – عليهم الصلاة والسلام – ، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام : (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) ؛ فالعبادة توقيفية ، والبدع مردودة ، والخرافات مردودة ، والتقليد الأعمى مرفوض لا تؤخذ العبادات إلا من الشريعة التي جاء بها الرسول ﷺ .

من عصى محمدًا ﷺ فإن مآله أشد من مآل قوم فرعون – الشيخ : صالح الفوزان

المساجد يجب أن تطهر من آثار الشرك والوثنية وألا تقام على القبور – الشيخ : صالح الفوزان

من حقوق التوحيد الولاء لأولياء الله والبراء من أعداء الله – الشيخ : صالح الفوزان

من حقوق التوحيد الولاء لأولياء الله والبراء من أعداء الله ، والموالاة والولاء بمعنى واحد ، والولاء يراد به المحبة بالقلب ، ويراد به المناصرة والمعاونة ، ويراد به الإرث والعقل في الديات .

فالمسلم يوالي أولياء الله بمعنى أنه يحصر محبته على أولياء الله ويناصرهم ، فالمسلم يكون مع المسلمين بعضهم من بعض ، كما قال تعالى : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [ الأنفال : 75 ] . فالتعاقل في ديات الخطأ يكون بين المسلمين ، وهو ما يسمى بالتكافل ، كل هذا يدخل في الولاء ، فلا يكون بين مسلم وكافر ، والمحبة والنصرة والميراث والعقل وولاية النكاح وولاية القضاء إلى غير ذلك ، فلا يكون بين مسلم وكافر ؛ وإنما يكون هذا بين المسلمين لقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [ النساء : 141 ] . هكذا يجب أن يتميز المؤمنون عن الكفار ، فلا يجوز لمن وحد الله وأطاع الرسول ﷺ موالاة من حاد الله .

والمحادة معناها : أن يكون الإنسان في جانب ، والله ورسوله والمؤمنون في جانب ، ويكون المحاد في جانب الكفار هذه هي المحادة .

قوله : (ولو كان أقرب قريب) : أي نسبًا ، فإذا كان قريبك محادا لله ورسوله فيجب عليك محادته ومقاطعته ، ومن كان وليا لله ورسوله وجب عليك أن تحبه وتواليه ، ولو كان بعيدًا من النسب عنك ، لو كان أعجميا أو أسود أو أبيض أو أحمر يجب عليك أن تواليه وأن تحبه سواء كان من بلدك أو من أقصى الشرق أو من أقصى الغرب ، قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [ التوبة : 71 ] ، أي : بينهم المحبة والتناصر والتعاون ، وبينهم الألفة هذا بين المؤمنين .

والدليل قوله تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ المجادلة : 22] .

قوله تعالى : ( لا تجد ) : هذا خطاب للنبي ﷺ ، أي : لا يقع هذا ولا يكون موجودًا أبدًا أن يكون مؤمن بالله ورسوله يحب الكفار ، فإن أحبهم ؛ فإنه ليس بمؤمن ، ولو كان يدعي ذلك .

قال ابن القيم – رحمه الله – في الكافية الشافية :

أتحب أعداء الحبيب وتدعي حبـــا لـــه مــا ذاك بإمكــان
وكـذا تعـادي جـاهدًا أحبابـه أين المحبة يا أخا الشيطان

ودلت الآية أيضًا على أن محبة الكافر تتنافى مع الإيمان بالله واليوم الآخر ، إما مع أصله أو مع كماله ، لكن إن كانت محبتهم معها تأييد لمذهبهم وكفرهم فهذا خروج عن الإسلام ، أما إن كان مجرد محبة من غير مناصرة لهم فهذا يعتبر منقصًا للإيمان وفسقًا ومضعفًا للإيمان .فهذا لا يمكن أبدًا أن يحب الكفار ، يقول : أنا أحب الله ورسوله لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [ الممتحنة : 1 ] إلى قوله تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [ الممتحنة : 4 ] . وقوله : (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [ التوبة : 114 ] ، هذه ملة إبراهيم تبرأ من أبيه ، أقرب الناس إليه لما تبين له أنه عدو الله .

قيل : إن هذه الآية نزلت في أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه – لما قتل أباه يوم بدر ؛ لأن أباه كان على الكفر ، وكان يريد أن يقتل ابنه أبا عبيدة ، فقتله أبو عبيدة – رضي الله عنه – لأنه عدو الله ولم يمنعه أنه أبوه ، لم يمنعه ذلك من قتله غضبًا لله – سبحانه وتعالى – .

قوله تعالى : أُولَئِكَ  : أي الذين يبتعدون عن محبة ومودة من حاد الله ورسوله .

قوله تعالى :  كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ : أي أثبت الله في قلوبهم ورسخ الله في قلوبهم الإيمان .

قوله تعالى : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) : التأييد معناه التقوية ، قواهم بروح منه ، والروح لها عدة إطلاقات في القرآن ، منها الروح التي هي النفس التي بها الحياة ، ومنها الوحي كما في قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) [ الشورى : 52 ] ومنها جبريل – عليه السلام – أنه روح القدس ، والروح الأمين .

قال تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [ النحل : 102 ] وقال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [ الشعراء : 193] ومنها ما في هذه الآية وهي القوة .

فأيدهم بروح منه أي بقوة منه سبحانه وتعالى ، قوة إيمان في الدنيا ، وفي الآخرة وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ جمع جنة ، والجنة في اللغة البستان ، سمي جنة لأنه مجتن بالأشجار ، أي : مستتر ومغطى بالأشجار الملتفة ، لأن الجنة ظلال وأشجار وأنهار وقصور وأعلاها وسقفها عرش الرحمن سبحانه وتعالى .

قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) أي: باقين فيها لا يتحولون عنها قال تعالى : (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) [ الكهف : 108 ] لا يخافون من موت ولا يخافون من أحد يخرجهم ويطردهم ، مثل ما في الدنيا ، قد يكون الإنسان في الدنيا في قصور لكن لا يسلم من الموت فيخرج منها ، ولا يسلم من الأعداء يتسلطون عليه ويخرجونه ، الإنسان في الدنيا دائمًا خائف .

قوله تعالى : (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) : لما أغضبوا أقرباءهم من الكفار وعادوهم منحهم الله الرضا منه سبحانه وتعالى جزاءً لهم ، فهم عوضوا بإغضابهم لأقاربهم الكفار ، عوضوا برضا الله سبحانه وتعالى ، رضي الله عنهم ورضوا عنه .

قوله تعالى : (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ) أي : جماعة الله ، وأما الكفار فهم حزب كما قال الله تعالى عنهم : (أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ) [ المجادلة : 19 ] أي جماعة الشيطان وأنصار الشيطان ، أما هؤلاء فهم أنصار الرب .

أركان وشروط لا إله إلا الله
أن لا إله إلا الله لها ركنان : هما النفي والإثبات ، فإذا قيل لك : ما هي أركان لا إله إلا الله ، فتقول النفي والإثبات.
وشروطها سبعة لا تنفع إلا بهذه الشروط نظمها بعضهم بقوله :
علـم يقيـن وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها
فالعلم : ضده الجهل ، فالذي يقول : لا إله إلا الله بلسانه ويجهل معناها هذا لا تنفعه لا إله إلا اله .
واليقين : فلا يكون عنده شك ؛ لأن بعض الناس قد يعلم معناها ولكن عنده شك في ذلك ، فليس علمه بصحيح ، لا بد أن يكون عنده يقين بلا إله إلا الله وأنها حق .
والإخلاص : ضده الشرك ، بعض الناس يقول : لا إله إلا الله ؛ ولكنه لا يترك الشرك ، مثل ما هو الواقع الآن عند عباد القبور ، هؤلاء لا تنفعهم لا إله إلا الله ؛ لأن من شروطها ترك الشرك .
والصدق : ضده الكذب ؛ لأن المنافقين يقولون : لا إله إلا الله ؛ لكنهم كاذبون في قلوبهم ، لا يعتقدون معناها ، قال الله تعالى : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) [المنافقون :1 ، 2 ] .
والمحبة : أن تكون محبًّا لهذه الكلمة وليًّا لأهلها ، أما الذي لا يحبها أو لا يحب أهلها فإنها لا تنفعه . والانقياد : ضد الإعراض والترك ، وهو الانقياد لما تدل عليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، وامتثال أوامره ، ما دمت اعترفت وشهدت أنه لا إله إلا الله يلزمك أن تنقاد لأحكامه ودينه ، أما أن تقول : لا إله إلا الله ، ولا تنقاد لأحكام الله وشرعه فإنها لا تنفعك لا إله إلا الله .
والقبول : القبول المنافي للرد ، بأن لا ترد شيئًا من حقوق لا إله إلا الله ، وما تدل عليه بل تقبل كل ما تدل عليه لا إله إلا الله ، تتقبله تقبلًا صحيحًا .
وزيد شرط ثامن : وزيــد ثامنهــا
الكفــران بمــا مع الإله من الأشياء قد ألها
أي : البراءة من الشرك ، فلا يكون موحدًا حتى يتبرأ من الشرك : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) [ الزخرف : 26 ] . هذه شروط لا إله إلا الله ، ثمانية شروط .

لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم – الشيخ : صالح الفوزان
وأدلة شهادة أن محمداً رسول الله كثيرة من الكتاب والسنة والمعجزات الباهرات الدالة على رسالته ﷺ ، ومن الكتاب هذه الآية ، يقول تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ، فهذه شهادة من الله لهذا الرسول ﷺبالرسالة وبيان صفاته ، قوله تعالى : (لقد جاءكم) : اللام هذه لام القسم ، ففيها قسم مقدر ، تقديره والله لقد جاءكم ، قد : حرف تحقيق وتأكيد بعد تأكيد ، (جاءكم) : أيها الناس ، هذا خطاب لجميع الناس ؛ لأن رسالته ﷺ عامة لجميع الثقلين ، الإنس والجن ، (رسول) : هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ، سمي رسولًا ؛ لأنه مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى ، (من أنفسكم) : أي من جنسكم من البشر ، وليس ملكًا من الملائكة ، وهذه سنة الله سبحانه وتعالى أنه يرسل إلى البشر رسلًا منهم من أجل البيان ، ومن أجل أن يتخاطبوا معهم ، ولأنهم يعرفونه ، لو أرسل إليهم ملكا ما استطاعوا أن يتخاطبوا معه ؛ لأنه ليس من جنسهم ، وأيضًا لا يقدرون على رؤية الملك ؛ لأنه ليس من جنسهم ، من رحمته سبحانه وتعالى أن أرسل إلى الناس رسولًا من جنسهم ، بل ومن العرب ومن أشرف بيوت العرب نسبًا ، من بني هاشم الذين هم أشرف أنساب قريش ، وقريش أشرف أنساب العرب ، فهو خيار من خيار يعرفونه ، ويعرفون شخصه ، ويعرفون نسبه ، ويعرفون قبيلته ، ويعرفون بلده ، ولو كانوا لا يعرفونه فكيف يصدقونه ؟ ولو كان بغير لغتهم فكيف يفهمون كلامه ؟ ، (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) ، فقوله : (عزيز) : يعني شاق عليه ﷺ ، (ما عنتم) : يعني ما يشق عليكم ، العنت معناه : التعب والمشقة ، والرسول ﷺ يشق عليه ما يشق على أمته ، وكان لا يريد لها المشقة وإنما يريد لها اليسر والسهولة ، ولذلك جاءت شريعته ﷺ سهلة سمحة ، قال ﷺ : (بعثت بالحنيفية السمحة) ، قال تعالى : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [ الحج : 78 ] . وقال : (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) [ المائدة : 6 ] فشريعته سهلة تتماشى مع قدرة الناس واستطاعة المكلفين ولا تحملهم ما لا يطيقون ، ولهذا كان النبي ﷺ يحب لهم التيسير ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ، وكان يحب أن يأتي بالعمل ويتركه شفقة بأمته ، يترك العمل وهو يحب أن يأتي به من الأعمال الصالحة من أجل أن لا يشق على أمته ، هذه من صفاته ، أنه يشق عليه ما يشق على أمته ، ويسر بسرورها ، ويفرح بفرحها ، ومن كانت هذه صفته فلا شك أنه لا يأتي إلا بالخير والرحمة ﷺ ، (حريص عليكم) ؛ أي : على هدايتكم وإخراجكم من الظلمات إلى النور ، ولذلك كان يتحمل المشاق في دعوة الناس طلبًا لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور حتى قال الله له : (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [ الشعراء : 3 ] أي لعلك مهلك نفسك أن لا يكونوا مؤمنين من أجل الحزن عليهم ، فلا تحزن عليهم ، وهذا من كمال نصحه ﷺ ، (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) : رءوف : من الرأفة وهي الرفق واللطف ، رحيم : وصفه بالرحمة فليس بغليظ (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [ آل عمران : 159 ] ، كان ﷺ متواضعًا لينا مع المؤمنين ، يخفض لهم جناحه ويستقبلهم بالبشر والمحبة والعطف والإحسان ، هذه من صفاته ﷺ ، ذكر الله خمس صفات في هذا الرسول ﷺ ، الأولى : أنه منكم ، الثانية : عزيز عليه ما عنتم ، الثالثة : حريص عليكم ، الرابعة : بالمؤمنين رءوف ، الخامسة : رحيم ، خمس صفات من صفات هذا النبي ﷺ ، وخص المؤمنين بالرأفة والرحمة ؛ لأنه ﷺ كان غليظًا على المشركين والمعاندين ، يغضب لغضب الله سبحانه وتعالى ، كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [ التوبة : 73 ] الرحمة والرأفة خاصة بالمؤمنين ، وهكذا المؤمنون بعضهم مع بعض : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [ الفتح : 29 ] هذه صفاته ﷺ (شرح ثلاثة الأصول ش7).

شهادة أن محمدًا رسول الله لها معنى ومقتضى ليست لفظًا يقال فقط ، فمعناها أن تعترف بلسانك وبقلبك أنه رسول الله ، تنطق بلسانك وتعتقد ذلك بقلبك أنه رسول الله ﷺ ، أما التلفظ باللسان والإنكار بالقلب فهذه طريقة المنافقين كما أخبرنا الله عنهم بقوله : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) [ المنافقون : 1 ، 2 ] جعلوا أيمانهم ، أي : شهاداتهم سترة يسترون بها ، فصدوا عن سبيل الله ، فدل على أن النطق باللسان لا يكفي .
وكذلك اعتقاد القلب مع عدم النطق باللسان لمن يقدر على النطق أيضًا لا يكفي ، فإن المشركين يعلمون أنه رسول الله لكنهم يعاندون ، كما قال تعالى : سورة الأنعام الآية 33 (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [ الأنعام : 33 ] ، فهم بقلوبهم يعترفون بالرسالة ، ويعرفون أنه رسول الله ، لكن منعهم الكبر ومنعهم العناد من الإقرار برسالته .
وكذلك منعهم الحسد كما عند اليهود وعند مشركي العرب ، وكان أبو جهل عمرو بن هشام يعترف ويقول : كنا نحن وبنو هاشم متساوين في كل الأمور لكنهم قالوا : منا رسول وليس منكم رسول من أين نأتي برسول؟ فلذلك أنكروا رسالته حسدًا لبني هاشم .
ويقول أبو طالب في قصيدته :
ولقـد علمت بأن دين محمد مــن خـير أديـان البريـة دينًـا
لـولا الملامـة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
يعترف بقلبه برسالة محمد لكن منعته الحمية الجاهلية لقومه فلم يكفر بدين عبد المطلب الذي هو عبادة الأصنام ، فهم يعترفون بنبوته بقلوبهم ، فلا يكفي الاعتراف بالقلب أنه رسول الله بل لا بد أن ينطق بلسانه .
ثم لا يكفي النطق باللسان والاعتراف بالقلب ، بل لا بد من أمر ثالث وهو الاتباع ، قال الله تعالى فيه : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ الأعراف : 157 ] حتى لو نصره مثل أبي طالب وحامى دونه ، وهو يعرف أنه رسول الله لكن لم يتبعه ، فإنه ليس بمسلم حتى يتبعه ، ولهذا قال الشيخ : ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .
فلا بد مع الاعتراف برسالته ظاهرًا وباطنًا واعتقادًا ، ولا بد من اتباعه ﷺ ، ويتلخص ذلك في هذه الأربع كلمات التي ذكرها الشيخ رحمه الله :
الأولى : طاعته فيما أمر : يقول الله جل وعلا : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [ النساء : 80 ] ويقول سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) [ النساء : 64 ] .
فقرن طاعة الرسول مع طاعته سبحانه وتعالى ، وقرن معصية الرسول مع معصيته (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) [ الجـن : 23 ] وقال : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [ النور : 54 ] وقال : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [ النور : 56 ] فلا بد من طاعته ﷺ ، فالذي يشهد أنه رسول الله تلزمه طاعته فيما أمر لقوله تعالى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [ الحشر : 7 ] ، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ النور : 63 ] ، عن أمره : أي عن أمر الرسول فلا بد من طاعة الرسول ﷺ .
الثانية : تصديقه فيما أخبر ؛ لأن الرسول ﷺ أخبر عن أمور كثيرة مغيبة ، أخبر عن الله وعن الملائكة ، وأخبر عن أمور غائبة ، وأخبر عن أمور مستقبلة من قيام الساعة وأشراط الساعة والجنة والنار ، وأخبر عن أمور ماضية عن أحوال الأمم السابقة ، فلا بد من تصديقه فيما أخبر ؛ لأنه صدق لا كذب فيه ، قال تعالى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [ النجم : 3 ، 4] .
الرسول ﷺ لا يتكلم بهذه الأخبار أو هذه الأوامر والنواهي ، لا يتكلم بشيء من عنده عليه الصلاة والسلام ، إنما يتكلم بوحي من الله عز وجل فأخباره صدق ، ومن لم يصدقه فيما أخبر فليس بمؤمن ولا صادق في شهادته أنه رسول الله ، كيف يشهد أنه رسول الله ويكذبه في أخباره ؟ كيف يشهد أنه رسول الله ولا يطيع أمره؟! .
الثالثة : اجتناب ما نهى عنه وزجر : اجتنب ما نهاك عنه الرسول ﷺ ؛ نهاك عن أقوال وأفعال وصفات كثيرة ، ولا ينهى ﷺ إلا عن شيء فيه ضرر وفيه شر ، ولا يأمر إلا بشيء فيه خير وفيه بر ، فإذا لم يجتنب ما نهى عنه رسول الله ﷺ لم يكن شاهدًا له بالرسالة بل صار متناقضًا ، كيف يشهد أنه رسول الله ولا يجتنب ما نهاه عنه الرسول ﷺ ، والله تعالى يقول : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [ الحشر : 7 ] قال ﷺ : (إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، فلا بد من اجتناب ما نهى عنه ﷺ .
الرابعة : أن لا يُعبد الله إلا بما شرع : تقيد في العبادات بما شرعه الله لرسوله ﷺ فلا تأت بعبادة لم يشرعها الرسول ﷺ ، وإن كان قصده حسنًا ، وإن كنت تريد الأجر ، لكن هذا عمل باطل ؛ لأنه لم يأت به الرسول ﷺ النية لا تكفي بل لا بد من الاتباع .
فالعبادات توقيفية لا يجوز الإتيان بعبادات لم يشرعها رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وقال ﷺ : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة) ، فالإتيان بعبادة لم يشرعها رسول الله ﷺ تعتبر بدعة منكرة منهيًّا عنها ، وإن قال بها فلان أو فلان ، أو فعلها من فعلها من الناس ما دامت خارجه عن ما جاء به الرسول ﷺ فإنها بدعة وضلالة ، فلا يعبد الله إلا بما شرع على لسان رسوله ، والمحدثات والخرافات كلها عمل باطل ونقص وضلال على من أتى بها ، وإن كان يقصد بها الخير ويريد الأجر ، فإن العبرة ليست بالمقاصد ، وإنما العبرة بالاتباع والطاعة والانقياد ، ولو كنا أحرارًا نأتي بما نشاء ونستكثر من العبادات ما نشاء لما احتجنا إلى بعثة الرسول ﷺ .
ولكن من رحمة الله بنا لم يكلنا إلى عقولنا ، ولم يكلنا إلى فلان وعلان من الناس ؛ لأن هذه الأمور مردها إلى الشرع إلى الله ورسوله ، ولا ينفع منها إلا ما كان موافقًا لما شرعه الله ورسوله ، ففي هذا الابتعاد عن جميع البدع ، ومن ابتدع شيئًا في الدين لم يأت به الرسول ﷺ ، فإنه لم يشهد أنه رسول الله ، لم يشهد الشهادة الحقيقية ؛ لأن الذي يشهد أنه رسول الله ﷺ شهادة حقيقية يتقيد بما شرعه ، ولا يحدث شيئًا من عنده أو يتبع شيئًا محدثًا ممن سبقه .
هذا معنى شهادة أن محمدًا رسول الله ليست ألفاظًا تقال باللسان فقط من غير التزام ومن غير عمل ومن غير تقيد بما جاء به هذا الرسول ﷺ .

وكتاب إحياء علوم الدين للغزالي فيه طوام وفيه بلايا – الشيخ د. صالح الفوزان / وكتاب ” إحياء علوم الدين ” للغزالي فيه طوام وفيه بلايا ، وإن كان فيه شيء من الخير والفوائد ، لكن فيه من المهلكات والسموم الشيء الكثير ، وهو كتاب مختلط ، شره أكثر من خيره ، فلا يليق بالمبتدئ أو العامي أن يطالع فيه إلا إذا كان عنده علم وتمييز بين الحق والباطل .

مسائل مستفادة من حديث جبريل المشهور / فدل هذا الحديث (حديث جبريل) على مسائل عظيمة : الأولى : أن الدين ينقسم إلى ثلاثة مراتب : الإسلام والإيمان والإحسان ، كل مرتبة أعلى من التي قبلها ، وأن كل مرتبة لها أركان : أركان الإسلام ، وأركان الإيمان والإحسان ركن واحد ، الثانية : فيه التعليم بطريق السؤال والجواب ، وهذه طريقة تعليمية ناجحة ؛ لأنها أدعى للانتباه وتلقي العلم ، كونه يسأل ويتهيأ ذهنه يتطلب الجواب ، ثم يلقي عليه الجواب وهو يتطلع إليه ، يكون هذا أثبت . الثالثة : في الحديث دليل على أن من سأل عن علم وهو لا يدري أن يقول : الله ورسوله أعلم ، يكل العلم إلى عالمه ، فلا يتكلم بالجواب وهو لا يعرفه ويتخرص ، هذا لا يجوز ، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الساعة قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، ولما قال للصحابة : أتدرون من السائل ؟ وهم لا يعرفونه قالوا : الله ورسوله أعلم . فدل ذلك على أن مسائل الشرع ومسائل الدين لا يجوز التخرص فيها ؛ لأن هذا من التكلف ، ولكن من كان عنده علم فإنه يجيب ، ومن ليس عنده علم يقول : الله أعلم ، ومن قال : لا أدري فقد أجاب . قد سئل الإمام مالك رحمه الله عن أربعين مسألة فأجاب عن ست منها ، وقال في الباقية : لا أدري ، فقال له السائل : أنا جئت من كذا وكذا ، وسافرت وأتعبت راحلتي ، وتقول : لا أدري ، قال : اركب راحلتك ، واذهب إلى البلد الذي جئت منه ، وقل : سألت مالكا فقال : لا أدري ، هذا ليس عيبا أن الإنسان إذا كان لا يعرف الجواب في الأمور الشرعية أنه يقول : لا أدري ولو كان عالما ، الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل . وكان صلى الله عليه وسلم إذا سئل في بعض الأسئلة ولم يكن عنده وحي من الله عز وجل ، انتظر حتى ينزل الوحي من الله عز وجل ، ألستم تقرءون : يسألونك عن كذا ، يسألونك عن كذا ، قل كذا ؟ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) [ البقرة : 219 ] ، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) [ البقرة : 189 ] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل ولم يكن عنده جواب ينتظر حتى ينزل عليه الوحي من الله ، وكذلك غيره من باب أولى ينتظر حتى يسأل غيره ، أو غيره يبحث عن المسألة في كتب أهل العلم ليتحصل على جواب، أما أن يستعجل فهذا فيه خطورة عظيمة ، وفيه سوء أدب مع الله عز وجل ؛ لأن الذي يجيب يجيب عن شرع الله ، يقول : الله أحل كذا أو حرم كذا أو شرع كذا ، فالأمر فيه خطورة جداً ، المسألة الرابعة : في الحديث دليل على آداب المتعلم ، جبريل وهو سيد الملائكة يجلس بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يسند ركبتيه إلى ركبتي الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويضع يديه على فخذيه ، يسأل بأدب ، هذا من أجل أن يعلم الناس كيف يتأدبون مع العلماء ، هذا بعض ما يدل عليه الحديث وفيه : مسألة خامسة : وهي بيان بعض علامات الساعة ، ذكر علامتين : أن تلد الأمة ربتها ، وبعض العلماء يقول : معنى أن تلد الأمة ربتها أنه يكثر العقوق في آخر الزمان حتى تصبح البنت كأنها سيدة على والدتها ، تأمرها وتنهاها وتغلظ عليها (ج3/ص155).

بعث الله للنبي ﷺ بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد / بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد : هذه دعوته ﷺ : النذارة عن الشرك والدعوة إلى التوحيد ، وهذا الذي يجب أن يسير عليه الدعاة في دعوتهم ، أن يركزوا على الإنذار عن الشرك ، والدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء ، وإلا لم تكن دعوتهم على منهج الرسول ﷺ ، الرسول ﷺ بعثه الله بالنذارة عن الشرك والدعوة إلى التوحيد ، فلا بد من تأصيل هذا الشيء أولاً ، ثم بعد ذلك يتجه إلى بقية الأمور ؛ لأنها لا تصلح الأمور إلا بوجود التوحيد ، لو أن الناس تركوا الزنا والخمر والسرقة واتصفوا بكل فضيلة من الأعمال والأخلاق ، لكنهم لم يتركوا الشرك ، فلا فائدة من هذه الأمور ولا تنفعهم ، بينما لو سلم الإنسان من الشرك وعنده كبائر دون الشرك فهو مرجو أن يغفر الله له ، أو يعذب بقدر ذنوبه ، ولكن مآله إلى الجنة لأنه موحد ، فالتوحيد هو الأصل والأساس ، ولا نجاة إلا بوجود التوحيد أولاً ، ولذلك يجب التركيز عليه ، والعناية به دائماً وأبدًا ، ودعوة الناس إليه وتعليم الناس إياه ، وأن يبين لهم التوحيد ما معنى التوحيد ، وما معنى الشرك ، لا بد أن يعرف المسلم هذا الأمر ويتحقق منه ، ويتفقد نفسه حتى لا يقع في شيء من الشرك أو يخل بالتوحيد ، فلا بد من هذا الأمر ، ولا بد أن تقوم الدعوة على هذا الأساس . (ج3/ص164).

يجب أن تبقى مكة داراً للتوحيد والدعوة إلى الله وأن يبعد عنها كل ما يخالف ذلك / والله جل وعلا يقول : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا) [ سورة القصص : 59 ] ، والأم هي المرجع الذي يرجع إليه ، الأصل الذي يرجع إليه ، هذا هو الأم ، قوله تعالى : (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) [سورة آل عمران : 7 ] ، أي : الأصل الذي ترد إليه الآيات المتشابهات ، كذلك مكة شرفها الله ، هي الأصل الذي يرجع إليه أهل الأرض ، والمسلمون في أقطار الأرض يرجعون إلى مكة، فهي أم القرى بمعنى هي المرجع ، ولذلك بعث الله نبيه ﷺ من مكة لأنها أم القرى ، ومكث فيها ثلاث عشرة سنة ، ينهى أهل مكة عن الشرك ويأمرهم بالتوحيد ؛ لأن أهل مكة هم القدوة لغيرهم ، ولهذا يجب أن تبقى مكة إلى قيام الساعة داراً للتوحيد ومناراً للدعوة إلى الله ، وأن يبعد عنها كل ما يخالف ذلك ، يبعد عنها الشرك والبدع والخرافات ؛ لأن الناس ينظرون إليها دائماً وأبداً ، ما يفعل فيها ينتشر في العالم ، فإن كان ما يفعل فيها خيراً انتشر الخير ، وإن كان على عكس ذلك انتشر الشر ، فيجب أن تطهر مكة دائماً وأبداً ، ولهذا يقول جل وعلا : (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [ البقرة : 125 ] ، فيجب أن تطهر مكة من كل ما يخالف الإسلام حتى يصدر منها الدين والدعوة إلى مشارق الأرض ومغاربها ؛ لأن الله بعث نبيه فيها ، وبدأ دعوته فيها عليه الصلاة والسلام (ج3/ص165).

ولا بد من الاعتقادات بأنهﷺ أسري وعرج بروحه وجسمه معًا يقظة لا منامًا ، لأن بعض الناس يقولون : أسرى بروحه ، وأما جسده فلم يبرح مكة وإنما أسري وعرج بروحه وهذا كلام باطل ، بل أنه أسري بروحه وجسده – عليه الصلاة والسلام – وحمل على البراق ، وكان ذلك يقظة لا منامًا إذ لو كان بروحه فقط أو كان منامًا فما الفرق بينه وبين الرؤيا ، والله جل وعلا يقول : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) [ الإسراء : 1 ] ، فالعبد يطلق على الروح والبدن جميعا لا يطلق على الروح وحدَها أنها عبد ، ولا يطلق على البدن وحده أنه عبد ، لا يطلق إلا على مجموع الروح والبدن ، لم يقل : سبحان الذي أسرى بروح عبده ، بل قال : أسرى بعبده ، والعبد هو مجموع الروح والبدن ، والله جل وعلا لا يعجزه شيء وهو القادر على كل شيء (ج3ص169) .

هذه الآية من سورة العنكبوت ، وفيها الأمر بالهجرة وأن أرض الله واسعة ، إذا كنت في بلد لا تتمكن من إظهار دينك فيها ، فهناك أرض الله واسعة ، انتقل منها ، لا تبقَ في هذه البقعة السيئة بل اخرج منها إلى أرض الله الواسعة ، قد وسع الله الأرض سبحانه (ج3ص175).

فلم يتوف ﷺ إلا بعد أن أكمل الله به الدين وأتم به النعمة ، وأنزل عليه قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [ المائدة : 3 ] ، نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ وهو واقف في عرفة في حجة الوداع من يوم الجمعة ، وعاش بعدها ﷺ مدة يسيرة وانتقل إلى الرفيق الأعلى ، وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك ، وفي هذه الآية شهادة من الله سبحانه وتعالى على كمال هذا الدين وشموله لمصالح العباد وحل قضاياهم ومشاكلهم إلى أن تقوم الساعة ، وهو صالح لكل زمان ومكان لا يحتاجون بعده إلى شريعة أخرى ، أو إلى كتاب ينزل أو إلى رسول يبعث بعد الرسول ﷺ ، فما من قضية تجد وما نازلة تنزل إلى يوم القيامة إلا وفي شريعة محمد ﷺ حلها والحكم فيها ، ولكن الشأن فيمن يحسن الاستنباط والاستدلال في الأحكام والقضايا ، فإذا توفر أهل العلم وأهل الاجتهاد الذين تتوفر فيهم شروط الاجتهاد فإن هذه الشريعة كاملة وفيها حل المشاكل كلها ، وإنما يحصل النقص من ناحيتنا نحن ، من ناحية قصور العلم وعدم إدراك ما أنزل الله سبحانه وتعالى ، أو من ناحية الهوى بأن يكون هناك هوى يصرف عن الحق ، وإلا فهذا الدين صالح وشامل وكامل قد أغنى الله به الأمة الإسلامية إلى أن تقوم الساعة إذا ما عملت به حق العمل ، ورجعت إليه في أمورها ، قال تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [ النساء : 59 ] الرد إلى الله هو الرد إلى كتاب الله، والرد إلى الرسول بعد وفاته هو الرد إلى سنته ، قال تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) [الشورى : 10 ]فهذه الآية فيها رد على الذين يرمون الشريعة الإسلامية بالقصور أو النقص من الملاحدة والزنادقة أو أنصاف المتعلمين الذين قصرت أفهامهم عن إدراك أسرار هذه الشريعة ، فنسبوا القصور إلى الشريعة ولم يعلموا أن القصور من عندهم هم ، ففيها رد على من اتهم الشريعة بالنقص ، وأنها لم تتناول حاجات العباد ومصالح العباد إلى أن تقوم الساعة ، أو قال : إنها مخصوصة بالزمان الأول ؛ لأن كثيرًا من الجهال إذا قيل لهم هذا الحكم الشرعي قالوا : هذا زمان الرسول والزمان الأول ، أما الآن تغيرت الأحوال وتبدلت الأمور ، والأحكام الشرعية هذه لأناس مضوا ولمشاكل انتهت ، يقولون هذا وهذا كفر بالله عز وجل وتكذيب لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أكمل الله الدين لهذه الأمة إلى أن تقوم الساعة لكل زمان ولكل مكان ولكل جيل من الناس وفيها رد أيضا على المبتدعة الذين يحدثون عبادة من عند أنفسهم وينسبوها إلى الدين وليس لها دليل من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ، وإنما ابتدعوها باستحسانهم أو بتقليدهم لمن يحسنون به الظن من المخرفين وأصحاب المطامع والشهوات ، فيحدثون في الدين عبادة ما أنزل الله بها من سلطان ، وقد قال ﷺ : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال عليه الصلاة والسلام : (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ، فالذي يحدث عبادات ليس لها دليل من كتاب الله ولا من سنة رسول الله فإنه متهم لهذا الدين بعدم التمام ، وهو يريد أن يكمل الدين من عنده ، ولا يعترف بتكميل الله له ، فما لم يكن دينًا في عهد النبي ﷺ فإنه لا يكون من بعده دينًا أبدًا ، فهذا رد على هذه الطوائف ، الطائفة التي تقول : إن الإسلام لا يصلح لكل زمان ، أو الذين يبتدعون البدع المحدثات التي ليس لها دليل من كتاب الله وسنة رسوله وينسبونها إلى الدين ففي هذه الآية رد عليهم لأن الدين أكمله الله سبحانه وتعالى ، فلا مجال للزيادة فيه ، ولا النقصان ، ولا مجال للتشكيك والتلبيس بأنه لا يصلح لأهل الزمان المتأخر : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) هذا كلام الله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين وقال تعالى : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) هذا آخر ما نزل على النبي ﷺ ، وهو شهادة من رب العاملين لهذا الدين بالكمال والشمولية والصلاحية لكل زمان ومكان ، فقوله تعالى خطاب لهذه الأمة من أولها إلى آخرها ليس خطابًا للجيل الأول فقط إنما هو خطاب لكل الأمة إلى أن تقوم الساعة (ج3ص177-178-179).

أقسام المسلمون في الحساب يوم القيامة :

القسم الأول منهم : من لا يحاسب ويدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب كما في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب أخرجه البخاري (5705) ومسلم (218) مِن حديث عمران بن حصين رضي الله عنه .

القسم الثاني من الناس : من يحاسب حسابًا يسيرًا وهو العرض فقط ، لا يحاسب حساب مناقشة وإنما يحاسب حساب عرض فقط ، وهذا أيضا من السعداء ، قال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا) [الانشقاق : 7 – 9 ] .

القسم الثالث : من يحاسب حساب مناقشة وهذا تحت الخطر لقوله ﷺ : (من نوقش الحساب عذب) أخرجه البخاري (103) ومسلم (2876) مِن حديث عائشة رضي الله عنها .

أما الكفار فقد اختلف العلماء فيهم هل يحاسبون أو لا يحاسبون ، فمن العلماء من يقول : إن الكفار لا يحاسبون لأنهم ليس لهم حسنات وإنما يذهب بهم إلى النار لأنهم ليس لهم حسنات ، ومن العلماء من يقول: إنهم يحاسبون حساب تقرير ، أي بأعمالهم وكفرهم وإلحادهم ، ثم يذهب بهم إلى النار (ج3ص185).

الصلاة إذا فقدت فإن الإسلام لا يقوم ، ولذلك قال العلماء : إن من ترك الصلاة تكاسلًا فإنه يكفر على الصحيح ولو كان يعترف بوجوبها ؛ لأنه لا فائدة من الاعتراف بالوجوب مع عدم التطبيق وعدم العمل ، لا فائدة من ذلك ، ولذلك حكم المحققون من أهل العلم بكفر من ترك الصلاة متعمدًا ولو كان يقر بوجوبها ، أما من كان يجحد وجوبها فهذا كافر بإجماع المسلمين (ج3ص203-204).

 

 

الليل والنهار كسب عظيم لمن استغلهما في طاعة الله / فالليل والنهار كسب عظيم لمن استغلهما في طاعة الله – عز وجل – ومجال العمل هو الليل والنهار ، ما عندك غير الليل والنهار ، هما مجال العمل والكسب الطيب للدنيا والآخرة ، في الليل والنهار عبر وفوائد لذلك أقسم الله بالعصر .
ما هو جواب القسم ؟ هو قوله :  إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ  الإنسان جميع بني آدم لم يستثن أحدا لا الملوك ولا الرؤساء ، ولا الأغنياء ، ولا الفقراء ، ولا الأحرار ، ولا العبيد ، ولا الذكور ولا الإناث . فـ ” أل ” في الإنسان للاستغراق ، كل بني آدم في خسر ؛ أي في خسارة وهلاك إذا ضيعوا هذا الوقت الثمين ، واستعملوه في معصية الله ، وفيما يضرهم .
وهذا الوقت الذي هو رخيص عند كثير من الناس يطول عليهم الوقت يملون ويقولون : نريد قتل الوقت ، يأتون بالملهيات ، أو يسافرون للخارج لقضاء العطلة والوقت ، أو يضحكون ويمزحون لقطع الوقت ، فهؤلاء الذين قطعوه وضيعوه سيكون خسارة وندامة عليهم يوم القيامة ، وهو مصدر سعادتهم لو حافظوا عليه .

المسلم يجب عليه أن يعرف ما أوجب الله عليه من أجل أن يمتثله ، ومن أجل أن لا يخل به ، لا يكفي الانتساب بدون معرفة ، لا يكفي أن ينتسب للإسلام وهو لا يعرفه ، ولا يعرف ما هي نواقض الإسلام ، وما هي شرائع الإسلام ، وأحكام الإسلام ، ولا يكفي الانتساب لملة إبراهيم وأنت لا تعرفها ، وإذا سئلت عنها تقول : لا أدري ، هذا لا يجوز ، يجب أن تعرفها جيدا من أجل أن تسير عليها على بصيرة ، وألا تخل بشيء منها .

يجب أن يبدأ المسلم بتعلم العقيدة قبل كل شيء / إذا كان أعظم ما أمر الله به التوحيد فإنه يجب أن يبدأ الإنسان بتعلم العقيدة قبل كل شيء ، العقيدة هي الأساس ، فيجب أن يبدأ بها بالتعلم والتعليم ، وأن يداوم على تدريسها وبيانها للناس ؛ لأنها هي أعظم ما أمر الله به ، فليس من المناسب أن تجعلها آخر الأشياء ، أو لا يؤبه بها ، لأن الآن هناك دعاة يزهدون في تعليم التوحيد والعقيدة ، فهناك أناس ابتلوا بهذا ، ولأن الإخلال بها إخلال بالدين كله فيجب العناية بها .

الرد على من يقتصر بتفسير الشرك على أنه شرك الحاكمية فقط  / من الناس من يقولون إن الشرك هو الشرك في الحاكمية ، وهذا ظهر الآن مع الأسف ، الحكم بغير ما أنزل الله نوع من أنواع الشرك يسمى شرك الطاعة ، لا شك أن طاعة المخلوق في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله هذا نوع من الشرك ؛ لكن هناك ما هو أعظم منه وهو عبادة غير الله – عز وجل – بالذبح والنذر والطواف والاستغاثة ، فالواجب أن يحذر من الشرك كله لا يؤخذ منه ويترك ما هو أعظم وأخطر منه ، فلا يفسر الشرك بأنه شرك الحاكمية فقط أو الشرك السياسي ، ويقولون الشرك بالقبور هذا شرك ساذج ، أي هين ، هذه جراءة على الله سبحانه وتعالى ، الشرك أعظم ما نهى الله عنه ، وهو دعوة غيره معه ، هذا هو الشرك .

شرح قوله تعالى : (وعلى الله فتوكلوا) وبيان الفرق بين التوكل والتوكيل / قال تعالى : {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)} سورة المائدة . التوكل هو التفويض والاعتماد على الله سبحانه وتعالى ، وتفويض الأمور إليه سبحانه وتعالى هذا هو التوكل ، وهو من أعظم أنواع العبادة ، ولهذا قال : (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قدم الجار والمجرور على العامل ليفيد الحصر ، (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا) أي : عليه لا على غيره ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فجعل من شرط الإيمان التوكل على الله سبحانه وتعالى ، ودل على أن من لم يتوكل على الله فليس بمؤمن ، فالتوكل عبادة عظيمة ، فالمؤمن دائمًا يتوكل على الله ، ويعتمد على الله عز وجل ، والله من أسمائه الوكيل ، أي : الموكول إليه أمور عباده سبحانه وتعالى ، فالتوكل لا يكون إلا على الله ، ولا يجوز أن يقول : توكلت على فلان ؛ لأن التوكل عبادة ، والعبادة لا تكون إلا لله . أما إذا أسندت إلى أحد من الخلق تصرفًا ، فهذا لا يسمى توكلًا إنما يسمى توكيلًا ، والوكالة معروفة أنك توكل أحدًا يقضي لك حاجة ، وقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم من ينوبون عنه في بعض الأعمال ، فالتوكيل غير التوكل ، فالتوكل عبادة لا يكون إلا لله ، ولا يجوز أن تقول : توكلت على فلان ، وإنما تقول وكلت فلانًا . ومع هذا أنت توكله ولا تتوكل عليه ، وإنما تتوكل على الله سبحانه وتعالى ، فلاحظوا الفرق بين الأمرين التوكل والتوكيل . ومن صفات المؤمنين ما ذكره الله تعالى بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [ الأنفال :2 ] هذه من صفات المؤمنين ، فالتوكل عبادة عظيمة لا تكون إلا لله عز وجل ؛ لأنه هو القادر على كل شيء ، وهو المالك لكل شيء ، وهو الذي يقدر أن يحقق لك مطلوبك ، أما المخلوق فإنه قد لا يقدر أن يحقق لك مطلوبك ، فإنك توكله في قضاء شيء من الأمور ، لكن تتوكل على الله في حصول ذلك الشيء . ثم أيضًا لنعلم أن التوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب ، فيجمع المسلم بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب ، ولا تنافي بينهما ، فأنت تعمل الأسباب التي أُمِرْتَ بعملها ، ولكن لا تعتمد على الأسباب ، وإنما تعتمد على الله ، أنت تزرع الزرعَ في الأرض ، هذا سبب ولكن لا تعتمد على زرعك وفعلك ، بل اعتمد على الله في نمو هذا الزرع وتثميره وحمايته وإصلاحه ، ولهذا يقول : (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [ الواقعة : 63 ، 64 ] فالزارع الحقيقي هو الله أما أنت فقد فعلت سببًا فقط قد ينتج هذا الزرع وينبت وقد لا ينتج ، وإذا نبت قد يصلح وقد لا يصلح ، قد يصاب بآفة ، فيذهب .

قال تعالى : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} سورة الأنبياء . الرغبة : هي طلب الشيء المحمود ، الرهبة : هي الخوف من الشيء المرهوب ، قال تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [ البقرة :40 ] وهي نوع من الخوف ، الرهبة والخوف بمعنى واحد ، الخشوع : نوع من التذلل الله عز وجل ، والخضوع والذل بين يديه سبحانه وتعالى وهو من أعظم مقامات العبادة ، قوله تعالى : (إِنَّهُمْ) الضمير يرجع للأنبياء ؛ لأن سورة الأنبياء قد ذكر الله قصص الأنبياء فيها ثم قال : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) فقوله تعالى : (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) أي : يتسابقون إليها ، ويبادرون إليها ، هذه صفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يتكاسلون ولا يتعاجزون ، وإنما يسارعون إلى فعل الخيرات ويتسابقون إليها ، قوله تعالى : (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا) أي : طمعًا لما عند الله عز وجل طمعًا في حصول المطلوب ، قوله تعالى : (وَرَهَبًا) أي : خوفًا منا ، فيدعون الله أن يرحمهم ، ويدعونه ألا يعذبهم ، وألا يؤاخذهم ، وألا يعاقبهم ، فهم يطمعون في رحمة الله ويخافون من عذابه ، كما قال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) [ الإسراء : 57 ] فهم يدعون الله خوفًا منه ، ويدعونه أيضًا طمعًا فيما عنده ، يدعون الله أن يقدر لهم الخير ويدفع عنهم الشر ، (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) أي : خاضعين متذللين متواضعين لله عز وجل فجمعوا بين الصفات الثلاث : الرغبة والرهبة والخشوع ، هذه صفات الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وهذه الأنواع الثلاثة من أنواع العبادة لله عز وجل ، وفيها رد على الصوفية الذين يقولون : نحن لا نعبد الله رغبة في ثوابه ولا خوفًا من عقابه ، وإنما نعبده محبة له فقط ، هذا كلام باطل ؛ لأن الأنبياء يدعون الله رغبًا ورهبًا وهم أكمل الخلق .

قال تعالى : {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} سورة الزمر . الإنابة : الرجوع وهي بمعنى التوبة ، والتوبة والإنابة بمعنى واحد ، ولكن بعض العلماء يقول : الإنابة أخص من التوبة أي : آكد لأنها توبة مع إقبال إلى الله عز وجل ، أي : توبة خاصة ، والإنسان قد يتوب ويترك الذنب ولا يعود إليه ، ويندم عليه ، ولكن قد يكون في الإقبال على الله إقبال ضعيف ، أما الإنابة فهي إقبال على الله عز وجل ، ولهذا قال : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) أي : ارجعوا له ، وأقبلوا عليه سبحانه وتعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) إذا جاء العذاب المهلك الماحق فإنها لا تقبل توبة من تاب عند ذلك : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ) [ يونس : 98 ] هذا مستثنى وإلا فإنه إذا نزل العذاب المهلك فإنها لا تقبل التوبة ، ولهذا قال : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) ، فالتوبة والإنابة لها أجل ولهما حد ، فهي لا تقبل توبة من غَرْغَرَ أو من حضره الموت ، ولا تقبل توبة من نزل به العذاب الماحق المهلك ، ولا تقبل التوبة إذا خرجت الشمس من مغربها قبل قيام الساعة ، لا تقبل التوبة حينئذ ، فالله يحث العبد على التوبة والإنابة قبل انتهاء أجله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) ، الشاهد قوله : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ) دل على أن الإنابة نوع من أنواع العبادة ؛ لأنه قال : (إِلَى رَبِّكُمْ) فهذا يدل على أنها نوع من أنواع العبادة .

الاستعانة : طلب العون ، وهي على نوعين :
النوع الأول : الاستعانة بشيء لا يقدر عليه إلا الله ، فهذه صرفها لغير الله شرك ، من استعان بغير الله في شيء لا يقدر عليه إلا الله فإنه قد أشرك ؛ لأنه صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله عز وجل .
النوع الثاني : الاستعانة فيما يقدر عليه المخلوق ، فأنت تستعين بأحد أن يبني معك الجدار ، أو أن يحمل معك متاعك ، أو أن يعينك على مطلوب مباح ، كما قال تعالى :  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [ المائدة : 2 ] فالاستعانة في الأمور العادية التي يقدر عليها الناس ، هذا النوع لا بأس فيه ؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى ، وقال صلى الله عليه وسلم :  والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
أما الاستعانة بالمخلوق في شيء لا يقدر عليه إلا الله ؛ مثل جلب الرزق ودفع الضرر ، فهذا لا يكون إلا لله ، كالاستعانة بالأموات ، والاستعانة بالجن والشياطين ، والاستعانة بالغائبين ، وهم لا يسمعونك تهتف بأسمائهم ، هذا شرك أكبر ؛ لأنك تستعين بمن لا يقدر على إعانتك .
فقوله تعالى :  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
إياك نعبد : هذا فيه تقديم المعمول على العامل ، المعمول إياك في محل نصب ، ونعبد هذا هو العامل الذي نصب إياك ، وتقديم المعمول على العامل يفيد الحصر .
فمعنى إياك نعبد : أي لا نعبد غيرك ، فحصر العبادة في الله عز وجل .
وإياك نستعين : حصر الاستعانة بالله عز وجل وذلك في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى .
وفي قوله : إياك نستعين ، براءة من الحول والقوة ، وأن الإنسان لا قوة له إلا بالله ولا يقدر إلا بالله عز وجل ، وهذا غاية التعبد لله إذا تبرأ من الشرك وتبرأ من الحول ومن القوة فهذا غاية التعبد لله عز وجل .

تفسير سورة الفلق / قال تعالى : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} سورة الفلق . الاستعاذة : طلب الالتجاء إلى من يمنعك من محذور تخافه من أجل أن يدفع عنك هذا الشيء ، هذه هي الاستعاذة ، والاستعاذة نوع من أنواع العبادة ، لا يجوز أن تستعيذ بغير الله عز وجل ، فمن استعاذ بقبر أو بوثن أو بأي شيء غير الله عز وجل فإنه يكون مشركًا الشرك الأكبر ، وقال تعالى : (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [ الجـن : 6 ] ، كان العرب في جاهليتهم إذا نزلوا في مكان من الأرض يقول أحدهم : أعوذ بسيد هذا الوادي ، أي : كبير الجن ، يستعيذ به من شر سفهاء قومه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مبطلًا لذلك ومبينًا لما يشرع بدله : (من نزل منزلًا فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) هذا هو البديل الصحيح ، الاستعاذة بكلمات الله التامات بدلًا من الاستعاذة بالجن ، قال تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، الفلق : هو الصبح ، ورب الفلق : هو الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى : (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ) [ الأنعام : 96 ] أي: مظهر نور الصبح في ظلام الليل ، من الذي يقدر على هذا إلا الله سبحانه وتعالى ، (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) أي : رب الصبح إذا أصبح ، المالك المتصرف فيه القادر عليه ، (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) : هذا يشمل شر جميع المخلوقات ، يستعيذ بالله من شر جميع المخلوقات ، هذا يكفيك عن كل استعاذة أو تعوذ مما يفعله الناس (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) الغاسق : هو ظلام الليل ؛ لأن ظلام الليل تخرج فيه الوحوش والسباع ، فأنت تقع في خطر ، تستعيذ بالله من شر هذا الظلام وما تحته من هذه المؤذيات ، (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) وهي السواحر تستعيذ بالله من السحر وأهله ؛ لأن السحر شر عظيم (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) ، الحاسد : هو الذي يتمنى زوال النعمة عن الغير ، إذا رأى على أحد نعمة فإنه يغتاظ ويتمنى زوال هذه النعمة حسدًا وبغيًا – والعياذ بالله – ، وهو من أعظم الخصال المذمومة ؛ لأن فيه اعتراضًا على الله ، وفيه إساءة إلى الخلق ، ويدخل فيه العائن ، الذي يصيب بنظرته ؛ لأن الإصابة بالعين نوع من الحسد ، فأنت تستعيذ بالله من هذه الشرور، فدل على أن الاستعاذة عبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله ، فلا تستعيذ بالمخلوق ومن استعاذ بمخلوق فقد أشرك بالله عز وجل ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعبد الله بن عباس الله عنهما : (وإذا استعنت فاستعن بالله) .

لا يكفي أنك تستسلم لله وتنقاد له بالطاعة وأنت لا تتبرأ من الشرك ولا المشركين / والبراءة من الشرك وأهله : البراءة معناها الانقطاع والاعتزال ، والبعد عن الشرك وأهل الشرك ، بأن تعتقد بطلان الشرك فتبتعد عنه ، وتعتقد وجوب عداوة المشركين ؛ لأنهم أعداء الله عز وجل فلا تتخذهم أولياء ، إنما تتخذهم أعداء ؛ لأنهم أعداء لله ولرسوله ولدينه فلا تحبهم ولا تواليهم ، وإنما تقاطعهم في الدين وتبتعد عنهم ، وتعتقد بطلان ما هم عليه ، فلا تحبهم بالقلب ولا تناصرهم بالقول والفعل ؛ لأنهم أعداء لربك وأعداء لدينك ، فكيف تواليهم وهم أعداء الإسلام ؟! . لا يكفي أنك تستسلم لله وتنقاد له بالطاعة ، وأنت لا تتبرأ من الشرك ولا من المشركين ، هذا لا يكفي ، ولا تعد مسلمًا حتى تتصف بهذه الصفات . أولًا : الاستسلام لله بالتوحيد . ثانيًا : الانقياد له بالطاعة . ثالثًا : البراءة مما يضاد التوحيد ويضاد الطاعة وهو الشرك . رابعًا : البراءة من أهل الشرك . بتحقيق هذه الصفات تكون مسلمًا ، أما إذا نقصت صفة واحدة منها فإنك لا تكون مسلمًا .

المراد بأولي العلم أهل العلم الشرعي وليس أهل العلم الدنيوي / قال تعالى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) سورة آل عمران . وأولو العلم : صنفان ؛ الملائكة ، والصنف الثاني أولو العلم من البشر ، وأولو العلم لا يشهدون إلا بما هو حق ، بخلاف الجهال لا اعتبار بشهادتهم ، وكل عالم من خلق الله يشهد لله بالوحدانية وأنه لا إله إلا هو ، وهذا فيه تشريف لأهل العلم حيث إن الله قرن شهادتهم مع شهادته سبحانه وتعالى وشهادة ملائكته ، اعتبر شهادة أهل العلم من الخلق ودل على فضلهم وشرفهم ومكانتهم ، على أعظم مشهود به وهو التوحيد . والمراد بأولي العلم ، أهل العلم الشرعي لا كما يقوله بعض الناس : إن أهل العلم المراد بهم أهل الصناعة والزراعة فهؤلاء لا يقال لهم أهل العلم على وجه الإطلاق ؛ لأن علمهم محدود مقيد ، بل يقال : هذا عالم بالحساب ، عالم بالهندسة ، عالم بالطب ، ولا يقال لهم : أهل العلم مطلقًا ؛ لأن هذا لا يطلق إلا على أهل العلم الشرعي ، وأيضًا أكثر هؤلاء أهل علم دنيوي ، وفيهم ملاحدة يزيدهم علمهم -غالبًا- جهلًا بالله عز وجل ، وغرورًا وإلحادًا كما تشاهدون الآن في الأمم الكافرة ، متقدمون في الصناعات وفي الزراعة لكنهم كفار ، فكيف يقال : إنهم أهل العلم الذين ذكرهم الله في قوله : (وَأُولُو الْعِلْمِ) هذا غير معقول أبدا . وكذلك قوله : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [ فاطر : 28 ] المراد علماء الشرع الذين يعرفون الله حق معرفته ويعبدونه حق عبادته ويخشونه ، أما هؤلاء فأغلبهم لا يخشون الله عز وجل بل يكفرون بالله ويجحدونه ، ويدعون أن العالم ليس له رب ، وإنما الطبيعة هي التي توجده وتتصرف فيه ، كما هو عند الشيوعيين ، إنهم ينكرون الرب سبحانه وتعالى مع أن عندهم علما دنيويًّا كيف نقول : إن هؤلاء هم أهل العلم . هذا غلط ، فالعلم لا يطلق إلا على أهله ، وهو لقب شريف لا يطلق على الملاحدة والكفار ، ويقال : هؤلاء أهل العلم .

معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله / ومعناها لا معبود بحق إلا الله ، أي معنى لا إله إلا الله ليس كما يقول أهل الباطل : لا خالق ولا رازق إلا الله ؛ لأن هذا توحيد الربوبية يقر به المشركون ، وهم لا يقولون : لا إله إلا الله ، قال تعالى : (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) [الصافات : 35 – 36 ] آلهتنا ، أي : معبوداتنا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم وصفوه بالشعر والجنون ؛ لأنه قال لهم : قولوا لا إله إلا الله ، ونهاهم عن عبادة الأصنام ، ولما قال لهم : قولوا لا إله إلا الله ، قالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) [ ص :5 ] يحسبون الآلهة متعددة ، فدل على أن معناها لا معبود بحق إلا الله ، ولو كان معناها لا خالق ولا رازق إلا الله ، فإن هذا يقرون به ولا يمارون فيه ، فلو كان هذا معناها ، ما امتنعوا من قول لا إله إلا الله ؛ لأنهم يقولون إذا سئلوا من خلق السماوات والأرض يقولون : الله ، إذا سئلوا من الذي يخلق؟ من الذي يرزق؟ من الذي يحيي ويميت ؟ ويدبر الأرض ؟ يقولون : الله . هم يعترفون بهذا فلو كان هذا معنى لا إله إلا الله لأقروا بهذا ، لكن معناها لا معبود بحق إلا الله ، لو قلت : لا معبود إلا الله ، هذا غلط كبير ؛ لأن المعبودات كلها تكون هي الله -تعالى الله عن هذا- لكن إذا قيدتها وقلت : بحق ، انتفت المعبودات كلها إلا الله سبحانه وتعالى ، لا بد أن تقول لا معبود حق ، أو لا معبود بحق إلا الله . ثم بين ذلك على لفظ الكلمة ، لا إله : النفي ، نفي للعبودية عما سوى الله ، إلا الله : هذا إثبات للعبودية لله وحده لا شريك له ، فلا إله إلا الله تشتمل على نفي وإثبات ، ولا بد في التوحيد من النفي والإثبات لا يكفي الإثبات وحده ، ولا يكفي النفي وحده ، بل لا بد من النفي والإثبات كما قال تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) [ البقرة : 256 ] ، (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [ النساء : 36 ] ، فلو قلت : الله إله ، هذا لا يكفي ، اللات إله ، والعزى إله ، ومناة إله ، كل الأصنام تسمى آلهة ، فلا بد أن تقول : لا إله إلا الله ، فلا بد من الجمع بين النفي والإثبات حتى يتحقق التوحيد وينتفي الشرك .

  • 1443/01/18
  • مشاهدات : 1٬023
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري