أما مولده فقد ولد ﷺ عام الفيل ، وهو العام الذي جاء فيه أبرهة ملك اليمن ، انتدبه ملك الحبشة ليهدم الكعبة ومعه فيه فيل عظيم ، فلما وصل إلى مكان يقال له : المغمس ، ولم يبق إلا أن يدخل مكة ويهدم الكعبة ، وتفرق أهل مكة وصعدوا الجبال ؛ لأنهم لا طاقة لهم به ، فأراد أن يتوجه إلى الكعبة ، فانحبس الفيل وأبى أن يقوم من الأرض ، حبسه الله ، فإذا وجهه إلى غير جهة مكة قام وهرول ، وإذا وجهه إلى جهة مكة انحبس ولم يستطع المشي ، وبينما هم كذلك رأوا فرقان طير من قبل البحر معها حجارة ، كل طائر معه حجران : حجر في منقاره وحجر في رجليه ، فرمتهم فصارت الحصاة تضرب هامة الرجل ، فتخرج من دبره وتشقه نصفين ، فأهلكهم الله عز وجل ، فأنزل الله في ذلك يذكر قريشا سورة الفيل : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) من جهنم والعياذ بالله (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [ الفيل ] ، أصبحوا مثل التبن الذي أكلته الدواب وراثته ، هذه قصة الفيل ، حمى الله بيته الحرام ، وأهلك هذا الجبار ، وفي هذا العام ولد محمد صلى الله عليه وسلم ، وظهر مع ولادته آيات ، حيث ظهر معه نور أشرقت له قصور الشام ، وفي ليلة ولادته ارتجت الأصنام ، وارتج إيوان كسرى وسقطت منه شرفات في ليلة ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، هذه إرهاصات لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، والجن والشياطين حصل عندهم ضجة في الليلة العظيمة ، ولد في مكان يقال له : شعب على مقربة من الكعبة ، ولد في مكة ، لكن لا يوجد تحديد ثابت لموضع الدار ، فهو ولد في مكة ﷺ ، واسترضع في بني سعد عند حليمة السعدية ، ومات عبد الله أبوه وهو في بطن أمه ، ثم ماتت أمه بعد ولاته بقليل ، فحضنته أم أيمن الحبشية التي ورثها عن أبيه ، وصار في كفالة جده عبد المطلب ، ثم مات عبد المطلب وانتقلت كفالته إلى عمه أبي طالب ، وعاش ﷺ أربعين سنة قبل النبوة معروفا بالأمانة والصدق والكرم ، وتجنب عبادة الأصنام ، وتجنب شرب الخمر ، ما كان يعمل ما يعمله أهل الجاهلية ، بل كان عليه الصلاة والسلام يخرج إلى غار حراء ويتعبد فيه الأيام ذات العدد ، يعبد الله على ملة إبراهيم على التوحيد .