المنحة الربانية في شرح الأربعين النووية – الشيخ د. صالح الفوزان

عدد الملفات المرفوعه :

الأحاديث مقسمة :

1 – عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ – رَضيَ اللهُ تعالى عنْهُ – قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوله، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا، أَو امْرأَة يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) متفق عليه .

الفوائد المنتقاة :

حتى لا يكون تعبًا بلا فائدة / صدر المؤلف – النووي – مؤلفه – الأربعين النووية ورياض الصالحين – بهذا الحديث – حديث إنما الأعمال بالنيات – للتذكير بالنية ، وأن المؤلف وغيره من كل من يقوم بعمل صالح يجب أن يكون صادرًا عن نية خالصة لله عز وجل ، كما أن الإمام البخاري – رحمه الله – صدّر صحيحه بهذا الحديث تذكيرًا بالنية ، وأن المؤلف وغيره يجب أن يتذكر هذا الحديث عند كل عمل يعمله فيخلصه لله عز وجل لئلا يكون عمله تعباً بلا فائدة . (شرح الأربعين النووية ش1).
أعمال جليلة تذهب هدرًا بسبب نيات أصحابها / جاء في الحديث أن النَّبِيَّ g قال: « إنَّ أوَّلَ الناسِ يُقْضَى يومَ القيامةِ عليه رجلٌ اسْتُشْهِدَ ، فأُتِيَ بهِ ، فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ ، فعَرَفَها ، قال : فما عمِلْتَ فيها ؟ قال: قاتَلْتُ فِيكَ حتى اسْتُشْهِدْتَ ، قال : كذبْتَ ، ولكنَّكَ قاتَلْتَ لِيُقالَ جِريءٌ، فقدْ قِيلَ ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النارِ»، لماذا ألقي في النار مع أنه قُتل في المعركة وصورتهُ أنَّه يُجاهد في سبيل الله؟ ، الجواب: لأن نيَّتهُ ليست لله، وإنما نيَّتهُ أن يُمدح بالجراءة والشجاعة، وقد قيل هذا في الدنيا، وحصل على ما قَصد من مدح النَّاس له، فليس له في الآخرة عند الله شيء، والله لا يظلمُ النَّاس شيئاً ، والثاني: «ورجلٌ تعلَّمَ العِلْمَ وعلَّمَهُ ، وقَرَأَ القُرآنَ ، فأُتِيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعمَهُ ، فعَرَفَها ، قال : فما عمِلْتَ فيها ؟ قال : تعلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمْتَهُ ، وقَرَأْتُ فِيكَ القُرآنَ ، قال : كذبْتَ ، ولكنَّكَ تعلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ عالِمٌ ، وقرأْتَ القُرآنَ لِيُقالَ : هو قارِئٌ فقدْ قِيلَ ، ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النارِ »، وهذا ما يُوجب لطالب العلم أن يُخلص نيَّته الله – عزَّ وجلَّ – في طلب العلم، فلا يكون قصده الترَّفع، أو الوظيفة الدنيوية وتحصيلُ الحُطام بعلمهِ وتعليمه، وإنّما يكون قصده لله عزَّ وجلَّ، لأنّ تَعلُّم العلم وتعليمه من أجل الأعمال الصالحة فلا يصرفهُ ويريدُ به الدنيا، وإنما يريد به وجه الله، وما يعطي له من مالٍ إن أُعطي فهو تابع وليس مقصوداً ، والثالث: رجل آتاه الله مالاً سلّطه على هلكته في الخير، فصار ينفقه في الخير، فهو في الظاهر كثير الإنفاق، والإنفاق في سبيل الله لا شك أنه من أفضل الأعمال، قال : «.. ورجُلٌ وسَّعَ اللهُ عليْهِ ، وأعْطاهُ من أصنافِ المالِ كُلِّهِ ، فأُتِيَ بهِ فعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعَرَفَها ، قال : فمَا عمِلْتَ فيها ؟ قال : ما تركْتُ من سبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنفَقَ فيها إلَّا أنفقْتُ فيها لكَ ، قال : كذبْتَ ولكنَّكَ فعلْتَ لِيُقالَ : هوَ جَوَادٌ ، فقدْ قِيلَ : ثمَّ أُمِرَ بهِ فسُحِبَ على وجْهِهِ ، ثمَّ أُلْقِيَ في النارِ» ، فإذا كانت هذه الأعمال الجليلة تذهب هدراً وتعباً وتضيعُ على صاحبها يوم القيامة نظراً لنيَّات أصحابها وسوء قصدهم فيها من الأعمال من باب أولى، هذا ما يؤكد على المسلم أن يخلص نيَّته لله – عزَّ وجلَّ – عندما يقوم بعمل من الأعمال الصالحة، من صلاة، وصيام، وحج وعمرة، وصدقة، وطلب للعلم والتعليم، وأمر بالمعروف ونهي عن المُنكر، ودعوة إلى الله عز وجل، وغير ذلك، يراقب نيَّتهُ ويتذكر نيَّتهُ في كل عمل يعمله بأن يخلصه لله، ويطرد عن نفسهِ الرياء؛ الإنسان بشر يَعرضُ له الرياء و المدح وحب الثناء، فعليه أن يطرد هذا القصد إذا طَرأ عليه، ويخلص نيَّتهُ لله عزَّ وجلَّ ، وقد قال الشاعر في حُبِّ الثناء: يَهْوَى الثَّنَاءَ مُبَرِّزٌ وَمُقَصِّرٌ … حُبُّ الثَّنَاءِ طَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ فالإنسان بشرٌ يَعرض له هذا القصد ، من حبِّ المدح وحب الثناء ، فعليه أن يطردهُ ويتخلّص منهُ، ويُخلص نيَّتهُ لله عز وجل . حاشيه : الحديث رواه الترمذي وأحمد ، والشعر من تيمية الدهر. (المنحة الربانية في شرح الأربعين النووية ص26).
المسلم بحاجة إلى الهجرة إذا شقَّ عليه في دينه وصار لا يستطيع إظهار الدين / والهجرة: هي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام فراراَ بالدِّين، فهي من أفضل الأعمال وهي قرينة الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ) [الأنفال:72] والله – جلَّ وعلا – قدَّمَ المهاجرين على الأنصار في الذكر والثناء؛ لأنهم تركوا أوطانهم وديارهم وأموالهم نُصرة لدين الله – عزَّ وجلَّ – فهم أفضل من غيرهم، فالهجرة شرفٌ عظيمٌ وعملٌ جليلٌ، ولكن ليست العبرة بصورة الهجرة، إنما العبرة بمقصد صاحبها، فإن هاجر يريد نُصرة الله ورسولهِ، فهجرتهُ إلى الله ورسوله نظراً لنيِّتهِ، وتكون عند الله مقبولة، ويكون لهُ ثواب المُهاجر، فإن خرج للهجرة ومات في الطريق كُتب له أنه مهاجر، كما قال تعالى: (وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ ٱلمَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللهِ)[النساء: 110]، نظراً لنيَّتهِ الصالحة يكتب الله – جلَّ وعلا – لهُ أجر المهاجر وإن كان مات في الطريق، هذا إذا كانت هجرته إلى الله ورسولهِ، أي : لنُصرةِ دين الله وحُبّاً لله وحُبّاً للرسول ﷺ ، والهجرة باقية إلى أن تقوم الساعة؛ لقوله ﷺ : «لا تَنقطِعُ الهِجرةُ حتى تنَقطِعَ التَّوبةُ، ولا تَنقطِعُ التَّوبةُ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها»، فالمسلم بحاجة إلى الهجرة دائماً وأبداً، فإذا شقَّ عليه في دينه وصار لا يستطيع إظهار الدين هاجر إلى بلد يستطيع أن يظهر دينه فيه محافظة على دينه،(وَمَن يُهَاجِر فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِد فِي ٱلأَرضِ مُرَٰغَماً كَثِيرٗاً وَسَعَةً)(النساء)، فليُهاجر فراراً بدينه إلى بلدٍ يستطيع فيها أن يُظهر دينه، ويتمكّن من عبادة ربِّه عزَّ وجل، وأما قوله ﷺ: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ »، فالمُراد بالهجرة هنا الهجرة من مكة؛ لأنها لمّا فُتحت على يد رسول الله ﷺ صارت بلد إسلام، فلا يُهاجر منها، إنما كان يُهاجر منها عندما كانت في قبضة الكفار، وكانوا يضايقون المسلمين يصدّونهم عن دينهم، فلما فتحها رسول الله ﷺ صارت بلاد إسلام، فالذي يهاجر من مكة إلى المدينة بعد الفتح لا يُسمَّى مُهاجراً؛ لأن الهجرة حينئذ ليس لها موجب، ومكة أفضل من المدينة ومن غيرها من البلدان، أما الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام فهي باقية، ولا تعارض بين الأحاديث ، قوله ﷺ : «فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى الله ..» هذا هو القسم الأول: وهو الذي أخلص نيَّته لله في الهجرة وتقبل الله هجرته وكَتبهُ في المهاجرين في أي وقت كان؛ لأن الهجرة باقية، ولا يقال: إن هذا خاصٌّ بما كان قبل الفتح، بل هي باقية كُلما أُحتيج إليها، فهي متنوعة، ومن هاجر في أي وقت فله تواب المهاجرين ، القسم الثاني: من كانت هجرته لغير الله، فهجرته إلى هذا الشيء الذي قصد، وليس له ثواب عند الله جل وعلا، كما قال ﷺ : « ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا ..» ، أي: هاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام وليس قصده الدين، وإنما قصده أن بلاد المسلمين فيها طمع، وفيها دنيا، وفيها تجارة، وفيها ملذات، فهجرته للدنيا وليست لله عزّ وجلّ، ولا يُكتب لهُ ثواب المهاجر، وإن كانت صورة عمله أنّه مهاجر، ولكن النظر للقصد والنيَّة وليس للصورة، فإذا انتقل من بلد الكفر إلى بلد الإسلام من أجل الرفاهية، أو من أجل الطمع الدنيوي، أو التجارة، أو العيش الرغد، فهذا لا يُكتب مع المهاجرين، وليس له ثواب، بهجرته ، قال ﷺ : «أوِ امْرَأَةٍ يَنكِحُها»؛ كمن هاجر من أجل أن يتزوج امرأة تعلَّق قلبه بها، وهي لا تريده إلا إذا جاء إلى بلادها، فهي في بلاد الإسلام وهو متعلق بها وقالت له: أنا لا أتزوجك في بلاد الكفر، فهاجر إلى بلاد الإسلام؛ لأجل أن يتزوجها، فهذا ليس له ثواب الهجرة عند الله، وإن كانت صورة عمله هي صورة الهجرة، ولكن لما كان قصده ليس الدِّین، وإنما قصده الزواج بالمرأة لم يكتب له ثواب عند الله جلَّ وعلا، وأفلسَ من ثواب المُهاجر، والله – جلَّ وعلا – يعلم ما في القلوب، قال تعالى: (قُل أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُم وَاللهُ يَعلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيم) [الحجرات: 16]، فلا يعلم ما في القلوب إلا الله وجل، أما الناس لا يعلمون (المنحة الربانية في شرح الأربعين النووية ص27).
النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة / والنيَّة محلُّها القلب لا يعلمها إلا الله، والتلفظ بها بدعة، فلا يقول المسلم: نويت أن أصلي، نويت أن أحج، نويت أن أتصدق؛ هذا بدعة، لأن النيَّة محلها القلب، وهي عمل قلبي وليست عمل لسان، وفي المجاهرة بها رياء، فالمسلم لا يجهر بالنية ولم يرد ولم يثبت أن الرسول ﷺ تلفظ بالنيّة عندما يريد الصلاة، أو يريد أي عمل من الأعمال، نعم جاء عنه ﷺ أنه في حجَّة الوداع أحرم بقوله: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»، هذا ليس تلفظاً بالنيَّة وإنما هو تلفظ بالمنوي، وهو النُسك الذي يريد: هل يريد حجّاً؟ هل يريد عمرةً؟ هل يريد أن يُقرِن بين الحجّ والعمرة؟ هل يريد أن يُفرد بالحجّ؟ هل يريد التمتع بالعمرة إلى الحجّ؟ فهو يعين النُسك الذي يريده، وليس المُراد أنه ينطق بالنيِّة، فهو لا يقول: نويت الحج، أو نويت العمرة، أو نويت التمتع، أو نويت القِران، ولا يقول: أريد الحج، أو أريد العمرة، كلمة (أريد) لا تجور، وإن كان بعض الفقهاء يقول بها، ولكن هذا غلط، وإنما الذي ورد عن الرسول ﷺ التلفظ بالنسُك من باب التعيين للنسُك الذي يريده لا من باب النطق بالنيِّة ، فلا يجوز التلفظ بالنيِّة لا عند الطلاق، ولا عند الزكاة، ولا عند أي عمل يعمله، بل يؤديه ولا يحتاج إلى التلفظ بالنيِّة ؛ لأن الله يعلم ما في قلبه، حتى لو قال: إنه ينوي وجه الله، وهو ليس كذلك، فالله يعلم ما في قلبه، ولا يفيده هذا اللفظ، فالتلفظ بالنيِّة بدعة؛ لأن محِلَّها القلب، والجهر بها بدعة، وهو أيضاً رياء، وهذه مسألة مهمة جداً، لأن بعض الناس لا يزالون ينطقون بالنيِّة عند الطواف، وعند الصلاة، وعند أي عمل يعملونه، وهذه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، وإن كانوا ينسبون إلى الإمام الشافعي – رحمه الله – أنه قال بالتلفظ بالنيِّة، فهذا مردود من وجهين: أولاً: هذا لم يصحّ عن الإمام الشافعي – رحمه الله – ثانياً: لو صحّ عن الإمام الشافعي فلیس حُجَّة ؛ لأن الإمام الشافعي مجتهد يخطئ ويصيب، والحجة في كلام الرسول ﷺ ، لا في كلام الشافعي ولا أحد ولا أبي حنيفة ولا مالك، ولا يكون قول العالم حُجَّة إلا إذا وافق الدليل. ثالثاً: الذي رُوي عن الشافعي أنه قال: الصلاة ليست كغيرها، الصلاة لا يُدخل فيها إلا بذكر الله، والمراد بالذكر: التكبير ، فعلى كل حال النيِّة عملٌ قلبيٌّ، ولا يجوز التلفظ بها، والله أنكر على الأعراب الذين قالوا: (آمَنَّا)، فقال – جل وعلا – مخاطباً رسوله: (قُل لَّم تُؤمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ ٱلإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُم) [الحجرات 16]، إلى قوله: (قُل أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُم)[الحجرات 16] فالله سبحانه لا يحتاج أن تُعلمه عن نيتك بقولك: أنا نويت كذا وأنا عملت لك كذا وكذا، الله يعلم هذا بدون أن تخبره سبحانه وتعالى، فعليك بإصلاح النية وإسرار النيِّة وعدم التلفّظ بها وأما التلفّظ عند ذبح الأُضحية فليس تلفُّظاً بالنيِّة ؛ لأنّ قولهُ : «اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ الله، وَالله أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَبَحَ» هذا دعاء وتلفّظ بالمنوي وليس لفظاً بالنيَّة، وهو مثل التلفظ بالنُسُك، فإذا ذبحت الأُضحية فإنك تُعيّن الذي قصدته، هل هو لك أو لوالدك أو لأحد؟ فمن أجل التمييز تُعيّن الذي قصدته . (المنحة الربانية في شرح الأربعين النووية ص30).
بعض آداب طالب العلم المستنبطة من حديث جبريل المشهور / قوله: (شديد بياض الثياب) من النظافة، وقوله: (شديد سواد الشعر)؛ يعني: في صورة جميلة، وفي هذا دليل على أن طالب العلم حينما يحضر إلى مجلس العلم ينبغي له أن يتجمل، وأن يأتي بصورة نظيفة جميلة؛ لأن جبريل جاء مُعلِّماً ومتعلماً، ومن ذلك أنه علمهم كيف يأتون إلى مجلس الرسول ﷺ ؛ لأن مجلس العلم مجلس وقار، واللقاء بالرسول ﷺ واللقاء بالعلماء ينبغي أن يكون له استعداد، وإجلال العلماء مطلوب؛ لأنك إذا لم تجل العالم وتحترمه لم تستفد من علمه ، فقوله: (فجلس إلى النبي ﷺ) ؛ فيه آداب لطالب العلم منها : أولاً: أنه يتجمل في هيئته وصورته، ثانياً: أنه يجلس أمام المعلّم مُقبلاً عليه ليتلقى منه العلم، ولا يُعرضُ عنه، أو يلتفت، أو يمزح، أو ينشغل، بل يكون مُقبلاً على المعلم بجسمه وبفكره؛ لئلا تفوته فرصة التعلم، قوله: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه) ؛ أي: أسند جبريل ركبتيه إلى ركبتي النبي ﷺ مقابلاً له وقريبًا منه، وفي هذا أن طالب العلم يقرُبُ من المعلم لتكون الفائدة متصلة، أما البعيد فإنه قد لا يسمع، وإذا سمع قد لا يستوضح الصوت، فإذا كان قريباً فإنه يسمع ويستوضح الصوت تماماً، وقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يحدقون بالنبي ﷺ ، ويقربون منه وقت تلقيهم العلم عنه (أخرج الترمذي (۵۰۹)، وأبو يعلى في مسنده (۲۸۲/۹)، وأبو نعيم في الحلية) (٤/٢٣٦) من حديث ابن مسعود قال : (كان رسول الله ﷺ إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا)، وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية، وهو ضعيف ، وللحديث شاهد عند البخاري (۹۲۱)، ومسلم (۱۰۵۲) من حديث أبي سعيد الخدري قال: (جلس رسول الله ﷺ على المنبر وجلسنا حوله)، قوله : (ووَضَعَ كفّيهِ)؛ أي: وضع جبريل كفيه (على فَخِذَيهِ)؛ أي: على فخذي جبريل، وهذا فيه أن المتعلم ينبغي أن يكون بصورة هادئة مؤدبة، ولا يكثر من الحركات أو من الالتفات أو من الشواغل التي تشغله عن تلقي العلم، ثم سأل النبي ﷺ ، وهذا فيه أنه إذا جلس واطمأن فله أن يسأل، ولا يسأل أوَّلَ ما يأتي وإنما يجلس أوّلاً متأدباً ثم يسألُ، هذه صفة طالب العلم، وهذه آداب طالب العلم (المنحة الربانية في شرح الأربعين النووية ص : 35).
الواجب إقامة الصلاة لا مجرد صورة الصلاة / قال ﷺ: (وتُقيمَ الصَّلاةَ)؛ لأن المقصود إقامة الصلاة، وليس المقصود صورة الصلاة فقط، فتقيم الصلاة بأن تأتي بها كما جاء بها النبي ﷺ ؛ لقوله : (صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلَّي) فالذي رآه بعينه يقتدي به والذي بلغه خبره وأحاديثه الصحيحة يمتثل ويصلي كما في الأحاديث الصحيحة التي بلغته، هذا من إقامة الصلاة أن يُصلي على الصفة التي كان النبي ﷺ يؤدي الصلاة بها، ولا يزيد من عنده أو ينقص منها، وكذلك من إقامة الصلاة: أن يصليها في الوقت الذي حدده الله لها، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)) [النساء: ١٠٣]، فلا يخرجها عن وقتها؛ لأن المقصود أن يصلي كما أمره الله ، والله أمرك أن تصلي الصلاة في وقتها، وقد سئل النبي ﷺ : (أي الأعمال أحب إلى الله؟، فقال ﷺ: (الصَّلاةُ لِوَقتِها) ، أما من يتصرف ويصلي على هواه متى ما أراد ومتى ما قام من نومه أو فرغ من شغله، فهذا صلاته غير صحيحة؛ لأنه لم يصل الصلاة التي أمر الله بها، وإنما صلى صلاةً على حسب هواه، وكذلك من إقامة الصلاة: الخشوع فيها، وحضور القلب، فالذي يصلي بجسمه ولكن قلبه غائب ليس له من صلاته إلا ما عقل منها وحضر قلبه فيها، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)) [المؤمنون: ١ – ٢]،وقال: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾ [البقرة: ٤٥]؛ يعني: الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين، فإنها تكون عليهم ميسرة ويتلذذون بها، والخشوع روح الصلاة، وصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وإن كان قد صلى في الظاهر ولا يؤمر بالإعادة، لكن ليس له فيها ثواب، فقد يخرج منها وليس معه أجرُ أبدًا؛ لأنه لم يحضر قلبه فيها من أولها إلى آخرها، وقد يخرج منها بشيء يسير، وقد يخرج منها بكثير، وقد يخرج منها بأجر كامل، وذلك حسب خشوعه في الصلاة، ومن إقامة الصلاة صلاتها في المساجد مع الجماعة، فإن الجماعة واجبة على الأعيان – يعني: على الأشخاص، فكل مسلم يقدر على حضور المسجد والصلاة مع الجماعة يجب عليه ذلك، قال ﷺ : (مَن سَمِعَ النداء فلم يُجِب فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِن عُذرٍ) ، ولو كان كل واحد يصلي في مكانه أو في بيته لماذا شُرعَ الأذان؟ ، لماذا شُرعَ أن يقول المؤذن حي على الصلاة، حي على الفلاح ؟ ، يعني: تعالوا صلوا مع بيوت الله ، إلا من كان له عذر ، أو ليس عنده جماعة، أو ليس عنده مسجد فليصل في مكانه، أما الذي حول المسجد ويسمع الأذان وهو معافى وآمن فلا صلاة له لو صلى في بيته ولم يقم الصلاة (المنحة الربانية في شرح الأربعين النووية ص45).
  • 1444/04/26
  • مشاهدات : 150
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري