معنى كلمة : (كتاب) : قال – الشيخ محمد بن عبدالوهاب – : (كتاب التوحيد)، كتاب: من الكَتْبِ؛ وهو الجمع والضم، وقلنا لكم يا إخوة تسمَّى القطعة من الجيش: كَتيبة؛ فيقال: كَتيبة الفرسان، كَتيبة المدفعية، كَتيبة الدبابات؛ لأنهم يجتمعون في هذه الكَتيبة، والكتاب يسمَّى كتابًا لأنه تُجمَع فيه المادة العلمية المتعلِّقة به، فعندما نقول: كتاب التوحيد؛ يعني أنّا سنجمع المادة العلمية المتعلِّقة بالتوحيد (شرح كتاب التوحيد ش1).
التوحيد فيما كان مشتركاً بين الله وخلقه : أن نفرِد الله فيه بالكمال المطلق:التوحيد في الشرع: فهو إفراد الله عز وجل بما له سبحانه وتعالى ، فما هو خاصٌّ لله عز وجل: يُفرَد الله به، ولا يُشرَك فيه أحد، مثل العبادة، العبادة خاصة لله عز وجل، فالتوحيد فيها: أن نُفرِد العبادة لله وألا نشرِك بالله أحدًا؛ لا ملَكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلًا ولا رجلًا صالحًا ولا حاكمًا ولا محكومًا ولا شرطة ولا غير ذلك، نوحِّد الله عز وجل في العبادة، وما كان مشترَكًا بين الله وخلقه: فإنّ التوحيد فيه: أن نفرِد الله عز وجل فيه بالكمال المطلق، فالكمال المطلق إنما هو لله عز وجل، مثلًا: الرحمة، ربنا رحمن رحيم، والعبد قد يكون رحيمًا، كالنبي ﷺ ﴿بِالمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٌ﴾ ﷺ، والأم رحيمة بأولادها، والأب رحيم بأولاده، إذن الرحمة قد تكون من العبد، كيف يكون توحيد الله هنا؟، توحيد الله عز وجل هنا يكون: بإفراد الله عز وجل بالكمال المطلق في رحمته، فالله عز وجل له الكمال المطلق في الرحمة، وليس لأحد من الخلق هذا الكمال، يكون لكل عبد من الرحمة ما يناسبه، أمّا الكمال المطلق فهو لله عز وجل ، كذلك العدل؛ الله عدل سبحانه وتعالى، والحاكم المسلم يجب أن يكون حاكمًا عادلًا، توحيد الله هنا: بأن نفرد الله عز وجل بالكمال المطلق في العدل، فالكمال المطلق في العدل لله وحده لا شريك له، وأمّا الخلق فعدلهم فيما يناسبهم وبما يناسبهم، ولذلك؛ الجملة العامّة الجامعة الشاملة لمعنى التوحيد هي ما ذكرناه؛ وهي: إفراد الله عز وجل بما له سبحانه وتعالى (شرح كتاب التوحيد ش1).
تواضع لوالديك مهما بلغت من المنزلة : ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أن تتواضع لهما مهما بلغت من المنزلة. كان بعض العلماء يدرّس في مجلسه، فتناديه أمه، فيخرج من المجلس والطلاب يكتبون، ويذهب إلى أمه ويضع الحب للدجاج، ثم يعود إلى الدرس، جالس يدرّس الناس الحديث والسنة، فتناديه أمه: يا فلان، فيقوم، ماذا تريد أمه؟، تقول له: ضع الحب للدجاج، فيأخذ الحب ويضع الحب للدجاج طاعة لأمه ويرجع إلى درسه، فمهما بلغتَ يجب أن تتواضع لوالديك، ومن ذلك يا إخوة؛ أنه إذا جاءك طلاب العلم وأنت مع والدك، عليك أن تقدم والدك إلى صدر المجلس وتقول: هذا أبي، ولو كان عاميًّا من الناس، لا تقول: لا أنا طالب علم وهؤلاء طلاب علم وأبي عامي ما يعرف، ما تستحي من أبيك أبدًا مهما بلغتَ من منزلة (شرح كتاب التوحيد ش3).
أمور خمسة إذا فعلها العبد كان محسنًا إلى والديه : فكأنّ قائلًا قال: كيف أُحسِن إلى الوالدين؟، فبيّن الله عز وجل هذا الإحسان: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾. فتحصَّل من هذا؛ أنّ الإحسان إلى الوالدين يكون: 1.ببذل المعروف. 2. وكف الأذى. 3. وإدخال السرور. 4.والدعاء لهما. 5.والتواضع لهما. لا تكون محسنًا لوالديك إلا بهذه الأمور الخمسة: 1.بذل المعروف، أين هذا من الآية؟، في قول الله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ هذا بذل المعروف، ويدخل فيه كل معروف. 2.وكف الأذى، أن تكف الأذى عنهما؛ صغيرًا كان أو كبيرًا؛ ولذلك قال الله: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾، فنهى عن الأذى الصغير والأذى الكبير، الأذى الصغير: أن تقول: أف، يقول لك: يا ابني أحضر لي كذا؛ تقول: أف، هكذا ما أحسنت إلى الوالد؛ لأنك ما كففتَ الأذى عنه. 3. والكبير: أن تنهرهما؛ فما فوق، كأن تقول: لا تطلب مني هذا أنت آذيتني، هذا نهر، فما فوق، هذا كف الأذى. 4. وإدخال السرور، إدخال السرور إلى قلب الأب وقلب الأم، ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ ما هو القول الكريم؟، الذي إذا سمعاه طابت أنفسُهما؛ فيدخل السرور إلى قلبيهما بهذا الكلام، هذا القول الكريم، ما هو القول الكريم الذي أقوله لوالدي؟، هو القول الذي إذا سمعه طاب قلبه؛ يا أبتي، يا أبي، يا أبي غفر الله لك، يا أبي رحمك الله، ما يدخل السرور إلى قلبه. 5. والتواضع لهما؛ ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أن تتواضع لهما مهما بلغت من المنزلة. كان بعض العلماء يدرّس في مجلسه، فتناديه أمه، فيخرج من المجلس والطلاب يكتبون، ويذهب إلى أمه ويضع الحب للدجاج، ثم يعود إلى الدرس، جالس يدرّس الناس الحديث والسنة، فتناديه أمه: يا فلان، فيقوم، ماذا تريد أمه؟، تقول له: ضع الحب للدجاج، فيأخذ الحب ويضع الحب للدجاج طاعة لأمه ويرجع إلى درسه، فمهما بلغتَ يجب أن تتواضع لوالديك. ومن ذلك يا إخوة؛ أنه إذا جاءك طلاب العلم وأنت مع والدك، عليك أن تقدم والدك إلى صدر المجلس وتقول: هذا أبي، ولو كان عاميًّا من الناس، لا تقول: لا أنا طالب علم وهؤلاء طلاب علم وأبي عامي ما يعرف، ما تستحي من أبيك أبدًا مهما بلغتَ من منزلة. 6. والدعاء لهما. ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، قال العلماء: تُسمِعهما هذا الدعاء، وتدعو به في ظهر الغيب، تُسمعهما هذا الدعاء: لتجمع بين الدعاء لهما وإدخال السرور إلى قلبيهما، وتدعو به في ظهر الغيب: ليكون أبلغ في الإجابة (شرح كتاب التوحيد ش3).
ليست القوة للأمة بالأناشيد أو ترك ديننا لأجل الدنيا بل في تحقيق التوحيد ولزوم السنة :أعظم ما يكون عند المسلم : التوحيد، ولذلك -كما قلنا سابقًا-: يحبه المسلم، ويتعلمه المسلم، ويحققه المسلم، ويحذر مما يَنقضه أو يُنقصِه، ويدعو إليه، ويصبر على ذلك، ويكون ثمرة ذلك: أن يُعلِّق قلبه بالله سبحانه وتعالى، والمسلم إذا عرف هذه الأهمية لا بد أن توجَد هذه الأمور في قلبه، إذا عرف هذه الأهمية وسمعها وقرَّرها، وتقررت في قلبه؛ والله سيحب التوحيد، سيصبح التوحيد مثل الدم في جسده، لو قُطِّع أو حُرِّق ما أشرك بالله، قلبه سيكون على التوحيد دائمًا حتى لو أُكرِه، ربما تلفَّظ بكلمة لأنه أُكرِه لكنّ قلبه مطمئن بالإيمان، موحِّد، وهذا الذي ينبغي أن نكون يا إخوة، هذه الأمور يا إخوة اختبروا بها قلوبكم: هل تحبون التوحيد؟، هل إذا سمعتم التوحيد انشرحت صدوركم وفرحتم؟، أو ضاقت صدوركم؟، عياذًا بالله من هذا، القلب الحي المؤمن يحب التوحيد، ولذلك؛ الشيطان يريد أن يُبعِد الناس عن التوحيد؛ يأتي لبعض الناس يقول: الناس الآن سبقونا؛ اخترعوا الصواريخ، وصعدوا إلى القمر، ويخترعون ويخترعون، وأنتم مشغولون بالتوحيد، والله لو خلَونا من التوحيد لا خير فينا، لو اخترعنا من الاختراعات ما اخترعنا، ولو أصبحنا أقوى الأمم مثلنا مثل بقية الأمم؛ إن هم كالأنعام، وإذا حققنا التوحيد فنحن أقوياء بالله، والله لو حققت الأمة التوحيد وأظهرت السنة لخافت منها جميع الأمم، ليست القوة للأمة بالأناشيد، وليست القوة للأمة بأن نترك ديننا من أجل أمور الدنيا؛ وإنما القوة للأمة: في تحقيق التوحيد، ولزوم السنة، والله لو رأى الأعداء أنّا على التوحيد وأنّا على السنة، نصطف في الصفوف في صلاة الفجر ونحن على التوحيد والسنة؛ لهابنا الأعداء، ثم في ضوء هذا نُعِدُّ ما استطعنا من قوة، فشياطين الإنس والجن ما يريدون للأمة أن تقوى، ولذلك لا يريدون للأمة أن يظهر فيها التوحيد وحب التوحيد، فأنا أقول: المسلم يختبر قلبه بهذه الأمور: هل يحب أن يتعلم التوحيد؟، فإذا جاء الخطيب وخطب خطبة عن التوحيد قال: “الحمد لله، اليوم سمعنا خيرًا عظيمًا من شيخنا؛ علَّمنا التوحيد”؛ هذا قلب حي، أو أنه -والعياذ بالله- قال: “الشيخ هذا ما عنده إلا توحيد توحيد”؛ هذه علامة سوء في القلب، هل نحقق التوحيد؟، ويكون عملنا بالتوحيد ألذّ عندنا من الماء البارد على العطش وأحسن عندنا من جمع الأموال كلها، أو لا؟، هل نحذر ونخاف من الشرك وندعو الله أن يجنِّبنا الشرك، أو لا؟، هل ندعو إلى التوحيد لا سيَّما إذا قامت الحاجة إلى ذلك ورأينا المشركين رأينا من أخطأ الطريق وهو ينتسب إلى الإسلام لكنه يعلق قلبه بغير الله؛ يعلق قلبه بالشيخ أو بالقبر، أو لا؟ ، هل نصبر على ذلك أو أنه بمجرد ما قلنا للناس لو أنكم وحدتم قالوا: وهابي خِفْنَا؟، المؤمن الذي عرف حق الله يصبر على الدعوة إلى التوحيد ولو بقيَ واحدًا، لو بقيَ واحد في القرية تركه الناس وابتعدوا عنه لأنه يدعو إلى التوحيد؛ يبقى يدعو إلى التوحيد ويحقق التوحيد، إذا كان يدرِّس؛ إذا درَّس التوحيد جاء عشرة، وإذا درَّس القصص جاء خمسون ألفًا، المؤمن يدرِّس التوحيد ولو كان عنده واحد، ويصبر ويفرح أنه يدرِّس التوحيد، والله يا إخوة أدركنا من مشايخنا هذا، شيخنا الشيخ عبد العزيز الشبل، رحمه الله رحمة واسعة، رجل من أتقياء الله، من الأتقياء الأزكياء، ولا نزكي على الله أحدًا، لكن عرفناه بالدين والعبادة ورقة القلب، كان الشيخ يدرّسني في المعهد الثانوي، وكان إذا ذكر الصحابة يبكي، رحمه الله رحمة واسعة، وموحِّد، رجل توحيد عجيب، وحافظ لكتاب الله، كان الشيخ ابن صالح -رحمه الله- يقول: “ما أطمئن في صلاتي إلا إذا كان الشيخ الشبل خلفي”، يعني الشيخ حافظ، وقد مات الشيخ -رحمه الله- في المسجد هنا، كان يدرّس هناك بعد الرِّواء، والله رأيته بعيني يا إخوة يدرّس ولا طالب موجود، جالس على الكرسي يدرِّس وليس هناك أحد جالس، لكن الشيخ يدرِّس، يدرِّس التوحيد حتى يفرغ، ويصلي العشاء خلف الإمام وينصرف، رحمه الله رحمة واسعة، وكذا رأينا بعض شيوخنا، وذكر لي بعض طلاب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أنّ الشيخ في أوّل حياته كان يدرِّس ولا يأتِ أحد، فيأمر مؤذن المسجد أن يجلس معه، ويدرِّس الشيخ، لأنهم يدرِّسون لله لا للجماهير، وإذا فعل الإنسان ما عليه فالذي عند الله لله فيه حكمة، بعض الناس -والعياذ بالله- يضحك عليه الشيطان يقول له: أنت إذا درَّست التوحيد ما يأتيك أحد، لكن إذا درّست الفقه ولا سيما إذا أخذت متنًا مالكيًا إذا كنت عند المالكية، أو متنًا حنفيًّا إذا كنت عند الحنفية، أو متنًا شافعيًّا إذا كنت عند الشافعية، أو متنًا حنبليًّا إن كنت عند الحنابلة، يحضر عندك كتير، وكله علم، درِّس الفقه، نعم لا شك أنّ الفقه خير وعلم، لكن ما يترك الإنسان تدريس التوحيد من أجل قلة الناس الذين يحضرون عنده، وهذه ثمرة معرفتنا بأهمية التوحيد. (شرح كتاب التوحيد ش3).
الفتاوى المنتقاة :
السؤال : مات أبي مريضاً وترك الصلاة في آخر حياته بسبب المرض، فهل يجوز أن أَحُجّ عنه ؟
الجواب : دائماً أنا أُنبِّه الإخوة إذا ذكرت أباك الميّت أو أُمّك الميّتة، فقل: رحمه الله، واحرص على هذا لتجعل تذكُّرك له وذِكرَك له مقروناً بالدّعاء والإحسان إليه، وتنفَعُه بالدّعاء، يقول الأخ: إنّ أباه رحمه الله ترك الصّلاة في مرض موته، وأنا أرى -والله أعلم- مع أنّي أرى أنّ تارك الصلاة يكون كافراً، أنّ الذين يتركون الصّلاة حال المرض إنّما يتركونها متأوّلين أو جهلة، يظنّون أنّه ما يصلح أن يصلّي وهو مريض، بعضهم يقول: كيف أُصلّي وأنا مُتلطّخ بالنّجاسة، وقد يُخبره ولَدُه بهذا بأنّه يُصلّي؛ لكن ما يقتنع، فمثل هذا أرى -والله أعلم- لا يُحكم بكفره، وهذا الأصل عندي فيمن ترك الصلاة في مرض موته، أو في مرضه الأخير، وعليه فأقول: الأصل في مثل سؤال الأخ أن يحُجّ عنه ما في حرج، إلا إذا علمنا أنه ترك الصلاة قاصداً، ليس متأوّلاً، أنّه ما يصلح أن يصلّي الآن، وإلا هو إذا شُفي سيُصلّي، هذا المتأوّل، المتأوّل علامته: أنّه يقول: الآن ما أُصلّي، ما يُمكن، هذا مسكين من شدّة تعظيمه لله أخطأ، لكن إذا علمنا أنّه ترك الصلاة قاصداً، وقال: لا، أنا ما أُصلّي خلاص، وترك الصلاة قصداً مع وُجود عقله، وليس متأوّلاً، فهذا على ما نُرجّحه: كافر يخرج من ملّة الإسلام، ولا نستغفر له، ولا نحجّ عنه، لكن ما هو الأصل في من ترك الصلاة في المرض؟، الأصل: أنّه متأوّل، خاصّة إذا كان مُصلّي قبل المرض، وإنما تركه في المرض متأوّلاً أنّه ما يصلح أن يصلّي فهذا مُخطئ وليس بكافر فيما يظهر لي (شرح كتاب التوحيد ش3).