شرح كتاب التوحيد – الشيخ الدكتور سليمان الرحيلي

عدد الملفات المرفوعه : 2

الفوائد المنتقاة :

معنى كلمة : (كتاب) : قال – الشيخ محمد بن عبدالوهاب – : (كتاب التوحيد)، كتاب: من الكَتْبِ؛ وهو الجمع والضم، وقلنا لكم يا إخوة تسمَّى القطعة من الجيش: كَتيبة؛ فيقال: كَتيبة الفرسان، كَتيبة المدفعية، كَتيبة الدبابات؛ لأنهم يجتمعون في هذه الكَتيبة، والكتاب يسمَّى كتابًا لأنه تُجمَع فيه المادة العلمية المتعلِّقة به، فعندما نقول: كتاب التوحيد؛ يعني أنّا سنجمع المادة العلمية المتعلِّقة بالتوحيد (شرح كتاب التوحيد ش1).

التوحيد فيما كان مشتركاً بين الله وخلقه : أن نفرِد الله فيه بالكمال المطلق: التوحيد في الشرع: فهو إفراد الله عز وجل بما له سبحانه وتعالى ، فما هو خاصٌّ لله عز وجل: يُفرَد الله به، ولا يُشرَك فيه أحد، مثل العبادة، العبادة خاصة لله عز وجل، فالتوحيد فيها: أن نُفرِد العبادة لله وألا نشرِك بالله أحدًا؛ لا ملَكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلًا ولا رجلًا صالحًا ولا حاكمًا ولا محكومًا ولا شرطة ولا غير ذلك، نوحِّد الله عز وجل في العبادة، وما كان مشترَكًا بين الله وخلقه: فإنّ التوحيد فيه: أن نفرِد الله عز وجل فيه بالكمال المطلق، فالكمال المطلق إنما هو لله عز وجل، مثلًا: الرحمة، ربنا رحمن رحيم، والعبد قد يكون رحيمًا، كالنبي ﷺ ﴿بِالمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٌ﴾ ﷺ، والأم رحيمة بأولادها، والأب رحيم بأولاده، إذن الرحمة قد تكون من العبد، كيف يكون توحيد الله هنا؟، توحيد الله عز وجل هنا يكون: بإفراد الله عز وجل بالكمال المطلق في رحمته، فالله عز وجل له الكمال المطلق في الرحمة، وليس لأحد من الخلق هذا الكمال، يكون لكل عبد من الرحمة ما يناسبه، أمّا الكمال المطلق فهو لله عز وجل ، كذلك العدل؛ الله عدل سبحانه وتعالى، والحاكم المسلم يجب أن يكون حاكمًا عادلًا، توحيد الله هنا: بأن نفرد الله عز وجل بالكمال المطلق في العدل، فالكمال المطلق في العدل لله وحده لا شريك له، وأمّا الخلق فعدلهم فيما يناسبهم وبما يناسبهم، ولذلك؛ الجملة العامّة الجامعة الشاملة لمعنى التوحيد هي ما ذكرناه؛ وهي: إفراد الله عز وجل بما له سبحانه وتعالى (شرح كتاب التوحيد ش1).

تفسير قوله تعالى : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) / توحيد الأسماء والصفات، وهو: توحيد الله في أسمائه وصفاته؛ بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ على سَنن قول الله عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: الآية 11]، تضمَّنت هذه الآية كل العقيدة في الأسماء والصفات، ولو أنّ الأمّة أخذت بهذه الآية لاستقامت على عقيدة التوحيد في الأسماء والصفات، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ﴾ عندنا هنا أمران: الأمر الأول: ليس مثله شيء، فامتنع قياس التمثيل، ما هو قياس التمثيل؟، هو التمثيل بشيء معيّن، مثلًا: عمك سافر إلى دولة بعيدة عنكم وأنت صغير، ثم كان سيأتيكم، فتقول لأبيك: عمي؛ صفه لي! فيقول: تعرف عمك خالد؟ مثله تمامًا؛ هذا قياس تمثيل؛ مثَّل لك صورة عمك الغائب بصورة عمك الحاضر بعينه، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ إذن امتنع قياس التمثيل في حق الله عز وجل، في أسماء الله، في صفات الله، امتنع التمثيل، الأمر الثاني: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ﴾ هذه الكاف التي يقول فيها بعض المفسرين: إنها زائدة لها فائدة عظيمة، لأنها منعت قياس الشمول، الذي يقال فيه “كـ”، قياس الشمول هو: التمثيل بالأعم، أريد مثلًا أن أعرف صفة وجه زيد من الناس؛ فأقول: زيد إنسان، والإنسان وجهه فيه أنف في الوسط، وفيه عينان، وله فم تحت أنفه، هذه صفة وجه الإنسان على الشمول، على العموم، ليس بإنسان معيّن وإنما على الشمول، هنا امتنع قياس الشمول في حق الله عز وجل، فقول الله عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ﴾ نفى قياس التمثيل؛ فلا تطمع بالتمثيل، أن تمثّل يد الله أو تمثّل وجه الله، ونفى قياس الشمول، ﴿وَهُوَ السَّمِيْعُ﴾ هذا الإثبات، فنثبت لله سمعًا على المعنى الظاهر على ما يليق بجلال الله، فلا نؤوِّل تأويل التحريف؛ كما يأتي المؤوِّلة يقولون: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ يعني: استولى! وبزعمهم أنهم يريدون التنزيه! وما دروا أنهم يقعون في التنقُّص؛ لأنّ لازم قولهم: أنّ العرش لم يكن في سلطانه، ثم استولى عليه! ففوق كونه تحريفًا؛ هم يقعون فيما يفرُّون منه بزعمهم، “من غير تحريف”؛ يُثبَت على المعنى الظاهر على ما يليق بجلال ربنا سبحانه وتعالى. (شرح كتاب التوحيد ش1).
بيان أقسام التوحيد ودليلها وتعريفها / إذن؛ التوحيد في كلياته ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1.توحيد الربوبية، 2.توحيد الألوهية، 3.توحيد الأسماء والصفات، ما الدليل على هذا التقسيم؟، هل جاء حديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: التوحيد ثلاثة أقسام؟، الجواب: لا؛ ولكنّ الدليل –كما يقول العلماء-: الاستقراء لأدلة التوحيد في الكتاب والسنة، فإنّا استقرأنا أدلة التوحيد في الكتاب والسنة فوجدناها إمّا: متعلقة بأفعال الله، وإمّا متعلقة بأسماء الله وصفاته، وإمّا متعلقة بأفعال العباد على وجه التقرُّب؛ فعلمنا أنّ أقسام التوحيد ثلاثة، ولا يمكن لعبد أن يأتي بقسم رابع، لأنه إذا ذكر قسمًا رابعًا سيكون راجعًا إلى أحد هذه الكليات، فهو ليس قسمًا وإنما نوع من أنواع القسم المذكور، وهذا تقسيم حاصِر لأنواع التوحيد، توحيد الله عز وجل الذي سميناه بتوحيد الربوبية: هو توحيد الله عز وجل بأفعاله؛ كالخلق والرَّزق والإحياء والإماتة والتدبير، فتوحيد الربوبية هنا: أن يعترف العبد ويعتقد أنّ الله عز وجل هو الخالق لا شريك له، وأنه سبحانه هو الرزاق لا شريك له، وأنه سبحانه هو المحيي، وأنه سبحانه هو المميت، وهذا التوحيد –توحيد الربوبية- فرض لازم على كل مسلم؛ لكنّ الإتيان به لا يكفي للدخول في الإسلام، يعني فرضٌ لازمٌ للمسلم أن يوحِّد الله في ربوبيته، لكن لو أنّ إنسانًا وحَّد الله في الربوبية هل نقول إنه مسلم بمجرد توحيد الربوبية؟، الجواب: لا، لا يُدخله ذلك في الإسلام؛ لأنه لم يأتِ بالمفتاح الذي يأتي بيانه، إن شاء الله، كان الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مقرِّين بتوحيد الربوبية ويعتقدون أنّ الخالق هو الله، وأنّ الرازق هو الله، وأنّ المحيي هو الله؛ لكنّ ذلك لم يدخلهم في الإسلام؛ قال الله عز وجل: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾[يونس: الآية 31] سبحان الله يا إخوة! تلحظون هنا أنّ الإقرار بتوحيد الربوبية يَستلزم توحيد الألوهية؛ ولذلك قال الله عز وجل في آخر الآية: ﴿فقل أفلا تتقون﴾؟!، ما دمتم تقرُّون أنّ الله هو الذي يرزق، وأنّ الله هو الذي يحيي، وأنّ الله والذي يميت؛ فكيف لا تتقون؟!، إذن؛ توحيد الربوبية فرضٌ لازمٌ؛ لكنّ الإتيان به لا يكفي للدخول في الإسلام واعتبار المرء مسلمًا، الثاني: توحيد الألوهية، وهو: توحيد الله عز وجل بأفعال العباد على وجه التقرُّب، “على وجه التقرُّب” لأنّ أفعال العباد قد تكون عادية ليست على وجه التقرُّب؛ فهذه لا تدخل معنا هنا، وإنما الذي يدخل معنا: ما يكون على وجه التقرُّب؛ وهو العبادات، فتوحيد الألوهية هو: إفراد الله عز وجل بأفعال العباد التي تُفعَل على وجه التقرُّب، التي تسمى “العبادة” ، وهذا التوحيد هو الذي نازعت فيه الأمم رسلها، فما مِن رسول جاء إلا وقد أمر أمته بتوحيد الألوهية، ونازَع المشركون في هذا التوحيد، ولم يقبلوه، ولم يقرُّوا به، ولهذا؛ لمّا قام محمد صلى الله عليه وسلم وقال لهم: «قولوا: لا إله إلا الله؛ تُفلحوا» أنكر كفار قريش عليه صلى الله عليه وسلم ذلك وقالوا: ﴿أجعل الآلهة إلهًا واحدًا﴾؟!، وأنكروا هذا وتعجبوا منه وقالوا: ﴿إنّ هذا لشيءٌ عُجَاب﴾، كيف يجعل الآلهة إلها واحدًا؟!، مع إقرارهم بتوحيد الربوبية؛ لكنهم نازعوا في هذا التوحيد، وهذا التوحيد هو الذي أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتِل الناس عليه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله» الحديث، والحديث في الصحيحين، النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو: توحيد الله في أسمائه وصفاته؛ بإثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ على سَنن قول الله عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: الآية 11]، تضمَّنت هذه الآية كل العقيدة في الأسماء والصفات، ولو أنّ الأمّة أخذت بهذه الآية لاستقامت على عقيدة التوحيد في الأسماء والصفات، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ﴾ عندنا هنا أمران: الأمر الأول: ليس مثله شيء، فامتنع قياس التمثيل، ما هو قياس التمثيل؟، هو التمثيل بشيء معيّن، مثلًا: عمك سافر إلى دولة بعيدة عنكم وأنت صغير، ثم كان سيأتيكم، فتقول لأبيك: عمي؛ صفه لي! فيقول: تعرف عمك خالد؟ مثله تمامًا؛ هذا قياس تمثيل؛ مثَّل لك صورة عمك الغائب بصورة عمك الحاضر بعينه، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ إذن امتنع قياس التمثيل في حق الله عز وجل، في أسماء الله، في صفات الله، امتنع التمثيل، الأمر الثاني: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ﴾ هذه الكاف التي يقول فيها بعض المفسرين: إنها زائدة لها فائدة عظيمة، لأنها منعت قياس الشمول، الذي يقال فيه “كـ”، قياس الشمول هو: التمثيل بالأعم، أريد مثلًا أن أعرف صفة وجه زيد من الناس؛ فأقول: زيد إنسان، والإنسان وجهه فيه أنف في الوسط، وفيه عينان، وله فم تحت أنفه، هذه صفة وجه الإنسان على الشمول، على العموم، ليس بإنسان معيّن وإنما على الشمول، هنا امتنع قياس الشمول في حق الله عز وجل، فقول الله عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ﴾ نفى قياس التمثيل؛ فلا تطمع بالتمثيل، أن تمثّل يد الله أو تمثّل وجه الله، ونفى قياس الشمول، ﴿وَهُوَ السَّمِيْعُ﴾ هذا الإثبات، فنثبت لله سمعًا على المعنى الظاهر على ما يليق بجلال الله، فلا نؤوِّل تأويل التحريف؛ كما يأتي المؤوِّلة يقولون: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ يعني: استولى! وبزعمهم أنهم يريدون التنزيه! وما دروا أنهم يقعون في التنقُّص؛ لأنّ لازم قولهم: أنّ العرش لم يكن في سلطانه، ثم استولى عليه! ففوق كونه تحريفًا؛ هم يقعون فيما يفرُّون منه بزعمهم، “من غير تحريف”؛ يُثبَت على المعنى الظاهر على ما يليق بجلال ربنا سبحانه وتعالى، هذه أنواع التوحيد الثلاثة، لكنّ التوحيد إذا أُطلق في النصوص وفي لسان العلماء؛ فإنّ المراد به: توحيد الألوهية، إذا قيل: التوحيد في النصوص، أو يوحِّدوا، أو وحِّد؛ فإنّ المقصود به: توحيد الألوهية، وكذا التوحيد إذا أطلِق في لسان العلماء فإنّ المقصود به: توحيد الألوهية، نعم؛ توحيد الألوهية يتضمن توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية؛ ولكنّ المقصود به عند الإطلاق: هو توحيد الألوهية، ولذلك؛ عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن قال: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: أن يوحِّدوا الله»، وهذا في الصحيحين عند البخاري ومسلم، وفي الرواية الأخرى: «فليكن أوّل ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله»؛ إذن التوحيد: هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله، إذن؛ التوحيد إذا أطلِق في النصوص أو في لسان العلماء فإنّ المقصود به: توحيد الألوهية (شرح كتاب التوحيد ش1).
ما نوع التوحيد الذي يوجد في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب / طيّب؛ يقول لي قائل: ما التوحيد الذي يتكلم عنه الشيخ هنا؟، هل هو توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات؟، الجواب: إنّ الشيخ هنا في هذا الكتاب يتكلم عن توحيد الألوهية، طيّب؛ لماذا تكلم الشيخ عن توحيد الألوهية؟، نحن قلنا توحيد الألوهية متضمِّن لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، لكنّ الصُّلْب في الكتاب هو عن توحيد الألوهية، فلماذا ذكر الشيخ هنا توحيد الألوهية دون غيره من الأنواع؟، الجواب: لثلاثة أمور: الأمر الأوّل: ما قدمناه؛ من أنّ التوحيد إذا أطلقناه في النصوص فإنّ المراد به توحيد الألوهية، الأمر الثاني: أنّ الحاجة العظيمة الكبيرة في زمن كتابة الكتاب هي لتقرير توحيد الألوهية، لأنّ زلل الناس العظيم كان في توحيد الألوهية، يعني في زمن الشيخ كثر الوقوع في الشرك في الأمة، وتعرفون أنّ الشيخ ألّف هذا الكتاب في العراق، في رحلته لطلب العلم، ألفه وهو ابن عشرين سنة، الشيخ حفظ القرآن وهو دون العشر سنين، ثم ارتحل في طلب العلم وهو صغير، وذهب إلى العراق ورأى الشرك العظيم في البصرة وغيرها، فدعا الناس على التوحيد وهو ابن عشرين سنة، فأوذي، وصبر؛ لأنه يريد وجه الله، يريد لهذه الأمة أن تخرج من الظلمات إلى النور، وألّف هذا الكتاب وهو ابن عشرين سنة، فألّفه وكانت الحاجة العظيمة لبيان توحيد الألوهية، الأمر الثالث: أنّ توحيد الربوبية قلّ مَن ينازِع فيه، كل البشر إلا من انطمست فطرته تمامًا يقرُّون بتوحيد الربوبية، ما ينازِعون في توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات قد كتب فيه العلماء كثيرًا. وبقي توحيد الألوهية يحتاج زيادة مؤلفات. فألّف الشيخ في توحيد الألوهية؛ نصحًا للأمة، إذن؛ الأسباب التي جعلت الشيخ يَخصُّ التوحيد هنا بتوحيد الألوهية: ثلاثة: 1-الاتّباع للنصوص عند الاطلاق ، 2-الحاجة العظيمة لتقرير توحيد الألوهية ، 3-قلة التأليف المفرَد في توحيد الألوهية (شرح كتاب التوحيد ش1).
كتاب التوحيد من أوله إلى آخره في التوحيد / الشيخ هنا قال: (كتاب التوحيد)؛ فهل هذا عنوان للكتاب كله أو عنوان لِما تحته من كلام؟، لأنه قال: (كتاب التوحيد)، وقول الله تعالى: ﴿وما خَلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليَعبدون﴾)؛ فهل قول (كتاب التوحيد) عنوان للكتاب كله أو أنه عنوان لِمَا تحته؟، الصواب: أنه عنون للكتاب كله، فهذا عنوان للكتاب من أوله إلى آخره: (كتاب التوحيد)؛ بدليل: أنّ الشيخ -رحمه الله- لم يقسِّم كتابه إلى كتب؛ وإنما قسم كتابه إلى أبواب. فلو كان هذا الكتاب عنوانًا لِمَا تحته هنا؛ لقال بعده: كتاب كذا، كتاب كذا، كما في الفقه: كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الصيام، كتاب الزكاة، كتاب الحج، إذن؛ هذا العنوان للكتاب كله، طيِّب؛ إذا كان ذلك كذلك؛ فلماذا لم يقل الشيخ بعد قوله: (كتاب التوحيد): باب قول الله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ فيكون هذا بابًا كسائر الأبواب؟! ، والجواب: أنّ هذا ليس بابًا؛ وإنما هذا مدخل للكتاب يشمل الكتاب كله، أراد فيه الشيخ أن يبيّن أهمية التوحيد ومنزلة التوحيد، إذن؛ هل المذكور هنا: باب من أبواب الكتاب؟، الأقرب –والله أعلم- أنه ليس بابًا من أبواب الكتاب؛ وإنما مدخل للكتاب يشمل الكتاب كله، أراد هنا أن يبيّن منزلة التوحيد، وأهمية التوحيد، وهذا يدخل فيه كل ما يذكره في الكتاب (شرح كتاب التوحيد ش1).
منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مصنفه (كتاب التوحيد) / ما منهج الشيخ في الكتاب؟، ولماذا اتخذ هذا المنهج؟، منهج الشيخ: أنه يستدل بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة، فليس للشيخ كلام في الكتاب سوى التبويب والمسائل التي يذكرها في آخر الباب. يبوِّب ويذكر المسائل في آخر الباب، طيّب؛ لماذا اتخذ الشيخ هذا المنهج؟، الجواب: لأمرين: الأمر الأوّل: لأنّ هذا هو العلم عند السلف. العلم عند السلف: قـــــــال الله قـــــال رسولـــــــه قال الصحابة هم أولوا العِرفان هذا العلم المعتبَر عند السلف، والشيخ متَّبع للسلف الصالح رضوان الله عليهم، فلم يجعل في الكتاب إلا النصوص من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم، الأمر الثاني: أنّ هذا أدعى للتسليم وعدم النزاع، الاستدلال بالأدلة الواضحة أدعى للتسليم، لكن لو ذكر كلامًا له لجاءه مَن ينازِع في كلامه، فهذا دعا الشيخ إلى هذا المنهج العظيم النافع (شرح كتاب التوحيد ش1).
الأمور التي بُني عليها (كتاب التوحيد) للشيخ محمد بن عبدالوهاب / على أيّ شيء بنى الشيخ كتابه؟، الشيخ كيف قسَّم الكتاب وجمع المادة العلمية؟، الشيخ بنى الكتاب على ما ينبغي على المؤمن في التوحيد، فإنّ المؤمن ينبغي له في التوحيد أمور: الأمر الأوّل: أن يحبه، وأن يحب أهله، وكيف لا يحب المؤمن التوحيد وهو حق الله وهو أعظم فرض، وأن يحب أهل التوحيد، الأمر الثاني: أن يتعلمه، أن يتعلم التوحيد؛ جملةً وتفصيلًا، الأمر الثالث: أن يحقق التوحيد، الأمر الرابع: أن يحذر مما يَنقضه أو يُنقصه، فإنّ التوحيد له نواقض تنقضه وتزيله بالكلية، وله أمور تُنقِص كماله، فينبغي على المؤمن أن يحذر مما يَنقض التوحيد ومما يُنقِص التوحيد، الأمر الخامس: أن يدعو إليه، الأمر السادس: أن يصبر على ذلك، فإنه ما دعا أحد إلى التوحيد إلا أوذي، وما عمل أحد بالتوحيد إلا أوذي، هذا الذي ينبغي على المؤمن، ينبغي على المؤمن في التوحيد: أن يحبه، وأن يتعلمه، وأن يحققه، وأن يدعو إليه، وأن يصبر على ذلك، وأن يحذر مما يَنقضه أو يُنقصه، هذه الأمور التي تنبغي على المؤمن في باب التوحيد، والشيخ بنى الكتاب على هذا، فالكتاب كله مبني على هذا؛ على التحبيب في التوحيد وأهل التوحيد، على تعليم التوحيد، على بيان كيفية تحقيق التوحيد، على الدعوة إلى التوحيد، على الصبر على التوحيد، على التحذير مما يَنقض التوحيد أو يُنقص التوحيد (شرح كتاب التوحيد ش1).
لماذا لم يُذكر الملائكة في قوله تعالى : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} / وبهذا يا أخي تعرف الجواب عن سؤال: لماذا لم يذكر الله الملائكة هنا؟ في قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، الملائكة مخلوقة لتوحيد الله؛ لماذا لم يذكر الله الملائكة هنا؟ لأنّ الملائكة مخلوقة للتوحيد فقط، ما يتأتى منها غير التوحيد، الملائكة كلهم موحِّدون، فهذا بأمر الله الكوني، خلق الملائكة هكذا، وإنما ذكر الله هنا مَن ابتلاهم بالأمر بالتوحيد؛ فمنهم موحِّد ومنهم مشرك، والعياذ بالله (شرح كتاب التوحيد ش2).
تعريف العبادة والفرق بينها وبين التعبد : ماهي العبادة؟، العبادة أحسن ما قيل فيها هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، (اسم جامع): ليست لفرد من العمل، اسم جامع يجمع أشياء كثيرة، (لكل ما يحبه الله ويرضاه) إذن يا إخوة؛ كل عبادةٍ اللهُ يحبها ويرضاها، كيف نعرف أن الله يحبها ويرضاها؟، بأن يأمرنا الله بها، إذن؛ لا تكون العبادة عبادة إلا إذا أمر الله بها في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا نأخذه في تفسيرنا لكلام شيخ الإسلام عندما قال: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه)، ولا يمكن لنا أن نقتري على الله فنقول: “الله يحب هذا” بدون أن يخبرنا الله، أو نقول: “الله يرضا عن هذا” بدون أن يخبرنا الله سبحانه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال) فالعبادة قد تكون قولًا، وقد تكون عملًا، (الظاهرة) مثل الصلاة، (الباطنة): مثل المحبة والخوف والرجاء في القلوب، هذه العبادة، أما التعبد: هو التذلل والخضوع لله عز وجل بما شرع في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه المحبة، ما هو التعبد لله؟ هو التذلل والخضوع؛ لأنّ أصل العبادة هو التذلل والخضوع، ولذلك اليوم يا إخوة نقول: طريق معبَّد، أي أنه مذلَّل سهل، إذن؛ التعبُّد: هو التذلل، فلابد في العبادة من ذِلة، الذي يتكبَّر يفعل العبادة بكبر هذا ما تعبد، والعياذ بالله الذي يذهب يصلي وهو يرى أنّ له على الله منَّة في صلاته؛ هذا ما عَبَدَ الله، لابد من التذلل والخضوع لله عز وجل، (بما شرع) ليس بالهوى ولا بالرأي ولا بما يراه المشايخ ولا بما فعله أباؤنا؛ وإنما بما شرع الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي يتذلل لله أو يخضع لله بما شرعه الناس وقاله الناس ولم يأتِ في الكتاب ولم يأتِ في السنة؛ هذا ليس متعبِّدًا؛ هذا مبتدع، (على وجه المحبة) شرط التعبُّد أن يكون على وجه المحبة، أن تصلي على وجه المحبة، محبًّا لله ومحبًّا للصلاة، فإذا خلت العبادة عن المحبة؛ فهذا فعل المنافقين، الذين يصلون وهم كسالى؛ لأنهم لا يحبون الصلاة، أمّا فعل المؤمنين: التعبد؛ فهو لابد فيه من المحبة، إذن يا إخوة؛ يجب أن نفرِّق بين حقيقة العبادة والتعبُّد، لأنّ هذا اختلط على بعض طلاب العلم فانتقدوا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- للعبادة؛ فقالوا: لابد من الذل والمحبة -كما قال ابن القيم-! فخلطوا بين حقيقة العبادة؛ ما الذي نسميه عبادة وبين التعبد؟، – الذي نسميه عبادة -بعيدًا عن فعل المكلَّف-: هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، – والذي هو فعل المكلَّف الذي هو التعبُّد هذا الذي هو: التذلل والخضوع لله بما شرع في كتابه أو لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه المحبة (شرح كتاب التوحيد ش2).

تواضع لوالديك مهما بلغت من المنزلة : ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أن تتواضع لهما مهما بلغت من المنزلة. كان بعض العلماء يدرّس في مجلسه، فتناديه أمه، فيخرج من المجلس والطلاب يكتبون، ويذهب إلى أمه ويضع الحب للدجاج، ثم يعود إلى الدرس، جالس يدرّس الناس الحديث والسنة، فتناديه أمه: يا فلان، فيقوم، ماذا تريد أمه؟، تقول له: ضع الحب للدجاج، فيأخذ الحب ويضع الحب للدجاج طاعة لأمه ويرجع إلى درسه، فمهما بلغتَ يجب أن تتواضع لوالديك، ومن ذلك يا إخوة؛ أنه إذا جاءك طلاب العلم وأنت مع والدك، عليك أن تقدم والدك إلى صدر المجلس وتقول: هذا أبي، ولو كان عاميًّا من الناس، لا تقول: لا أنا طالب علم وهؤلاء طلاب علم وأبي عامي ما يعرف، ما تستحي من أبيك أبدًا مهما بلغتَ من منزلة (شرح كتاب التوحيد ش3).

أمور خمسة إذا فعلها العبد كان محسنًا إلى والديه : فكأنّ قائلًا قال: كيف أُحسِن إلى الوالدين؟، فبيّن الله عز وجل هذا الإحسان: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾. فتحصَّل من هذا؛ أنّ الإحسان إلى الوالدين يكون: 1.ببذل المعروف. 2. وكف الأذى. 3. وإدخال السرور. 4.والدعاء لهما. 5.والتواضع لهما. لا تكون محسنًا لوالديك إلا بهذه الأمور الخمسة: 1.بذل المعروف، أين هذا من الآية؟، في قول الله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ هذا بذل المعروف، ويدخل فيه كل معروف. 2.وكف الأذى، أن تكف الأذى عنهما؛ صغيرًا كان أو كبيرًا؛ ولذلك قال الله: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾، فنهى عن الأذى الصغير والأذى الكبير، الأذى الصغير: أن تقول: أف، يقول لك: يا ابني أحضر لي كذا؛ تقول: أف، هكذا ما أحسنت إلى الوالد؛ لأنك ما كففتَ الأذى عنه. 3. والكبير: أن تنهرهما؛ فما فوق، كأن تقول: لا تطلب مني هذا أنت آذيتني، هذا نهر، فما فوق، هذا كف الأذى. 4. وإدخال السرور، إدخال السرور إلى قلب الأب وقلب الأم، ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ ما هو القول الكريم؟، الذي إذا سمعاه طابت أنفسُهما؛ فيدخل السرور إلى قلبيهما بهذا الكلام، هذا القول الكريم، ما هو القول الكريم الذي أقوله لوالدي؟، هو القول الذي إذا سمعه طاب قلبه؛ يا أبتي، يا أبي، يا أبي غفر الله لك، يا أبي رحمك الله، ما يدخل السرور إلى قلبه. 5. والتواضع لهما؛ ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أن تتواضع لهما مهما بلغت من المنزلة. كان بعض العلماء يدرّس في مجلسه، فتناديه أمه، فيخرج من المجلس والطلاب يكتبون، ويذهب إلى أمه ويضع الحب للدجاج، ثم يعود إلى الدرس، جالس يدرّس الناس الحديث والسنة، فتناديه أمه: يا فلان، فيقوم، ماذا تريد أمه؟، تقول له: ضع الحب للدجاج، فيأخذ الحب ويضع الحب للدجاج طاعة لأمه ويرجع إلى درسه، فمهما بلغتَ يجب أن تتواضع لوالديك. ومن ذلك يا إخوة؛ أنه إذا جاءك طلاب العلم وأنت مع والدك، عليك أن تقدم والدك إلى صدر المجلس وتقول: هذا أبي، ولو كان عاميًّا من الناس، لا تقول: لا أنا طالب علم وهؤلاء طلاب علم وأبي عامي ما يعرف، ما تستحي من أبيك أبدًا مهما بلغتَ من منزلة. 6. والدعاء لهما. ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، قال العلماء: تُسمِعهما هذا الدعاء، وتدعو به في ظهر الغيب، تُسمعهما هذا الدعاء: لتجمع بين الدعاء لهما وإدخال السرور إلى قلبيهما، وتدعو به في ظهر الغيب: ليكون أبلغ في الإجابة (شرح كتاب التوحيد ش3).

ليست القوة للأمة بالأناشيد أو ترك ديننا لأجل الدنيا بل في تحقيق التوحيد ولزوم السنة : أعظم ما يكون عند المسلم : التوحيد، ولذلك -كما قلنا سابقًا-: يحبه المسلم، ويتعلمه المسلم، ويحققه المسلم، ويحذر مما يَنقضه أو يُنقصِه، ويدعو إليه، ويصبر على ذلك، ويكون ثمرة ذلك: أن يُعلِّق قلبه بالله سبحانه وتعالى، والمسلم إذا عرف هذه الأهمية لا بد أن توجَد هذه الأمور في قلبه، إذا عرف هذه الأهمية وسمعها وقرَّرها، وتقررت في قلبه؛ والله سيحب التوحيد، سيصبح التوحيد مثل الدم في جسده، لو قُطِّع أو حُرِّق ما أشرك بالله، قلبه سيكون على التوحيد دائمًا حتى لو أُكرِه، ربما تلفَّظ بكلمة لأنه أُكرِه لكنّ قلبه مطمئن بالإيمان، موحِّد، وهذا الذي ينبغي أن نكون يا إخوة، هذه الأمور يا إخوة اختبروا بها قلوبكم: هل تحبون التوحيد؟، هل إذا سمعتم التوحيد انشرحت صدوركم وفرحتم؟، أو ضاقت صدوركم؟، عياذًا بالله من هذا، القلب الحي المؤمن يحب التوحيد، ولذلك؛ الشيطان يريد أن يُبعِد الناس عن التوحيد؛ يأتي لبعض الناس يقول: الناس الآن سبقونا؛ اخترعوا الصواريخ، وصعدوا إلى القمر، ويخترعون ويخترعون، وأنتم مشغولون بالتوحيد، والله لو خلَونا من التوحيد لا خير فينا، لو اخترعنا من الاختراعات ما اخترعنا، ولو أصبحنا أقوى الأمم مثلنا مثل بقية الأمم؛ إن هم كالأنعام، وإذا حققنا التوحيد فنحن أقوياء بالله، والله لو حققت الأمة التوحيد وأظهرت السنة لخافت منها جميع الأمم، ليست القوة للأمة بالأناشيد، وليست القوة للأمة بأن نترك ديننا من أجل أمور الدنيا؛ وإنما القوة للأمة: في تحقيق التوحيد، ولزوم السنة، والله لو رأى الأعداء أنّا على التوحيد وأنّا على السنة، نصطف في الصفوف في صلاة الفجر ونحن على التوحيد والسنة؛ لهابنا الأعداء، ثم في ضوء هذا نُعِدُّ ما استطعنا من قوة، فشياطين الإنس والجن ما يريدون للأمة أن تقوى، ولذلك لا يريدون للأمة أن يظهر فيها التوحيد وحب التوحيد، فأنا أقول: المسلم يختبر قلبه بهذه الأمور: هل يحب أن يتعلم التوحيد؟، فإذا جاء الخطيب وخطب خطبة عن التوحيد قال: “الحمد لله، اليوم سمعنا خيرًا عظيمًا من شيخنا؛ علَّمنا التوحيد”؛ هذا قلب حي، أو أنه -والعياذ بالله- قال: “الشيخ هذا ما عنده إلا توحيد توحيد”؛ هذه علامة سوء في القلب، هل نحقق التوحيد؟، ويكون عملنا بالتوحيد ألذّ عندنا من الماء البارد على العطش وأحسن عندنا من جمع الأموال كلها، أو لا؟، هل نحذر ونخاف من الشرك وندعو الله أن يجنِّبنا الشرك، أو لا؟، هل ندعو إلى التوحيد لا سيَّما إذا قامت الحاجة إلى ذلك ورأينا المشركين رأينا من أخطأ الطريق وهو ينتسب إلى الإسلام لكنه يعلق قلبه بغير الله؛ يعلق قلبه بالشيخ أو بالقبر، أو لا؟ ، هل نصبر على ذلك أو أنه بمجرد ما قلنا للناس لو أنكم وحدتم قالوا: وهابي خِفْنَا؟، المؤمن الذي عرف حق الله يصبر على الدعوة إلى التوحيد ولو بقيَ واحدًا، لو بقيَ واحد في القرية تركه الناس وابتعدوا عنه لأنه يدعو إلى التوحيد؛ يبقى يدعو إلى التوحيد ويحقق التوحيد، إذا كان يدرِّس؛ إذا درَّس التوحيد جاء عشرة، وإذا درَّس القصص جاء خمسون ألفًا، المؤمن يدرِّس التوحيد ولو كان عنده واحد، ويصبر ويفرح أنه يدرِّس التوحيد، والله يا إخوة أدركنا من مشايخنا هذا، شيخنا الشيخ عبد العزيز الشبل، رحمه الله رحمة واسعة، رجل من أتقياء الله، من الأتقياء الأزكياء، ولا نزكي على الله أحدًا، لكن عرفناه بالدين والعبادة ورقة القلب، كان الشيخ يدرّسني في المعهد الثانوي، وكان إذا ذكر الصحابة يبكي، رحمه الله رحمة واسعة، وموحِّد، رجل توحيد عجيب، وحافظ لكتاب الله، كان الشيخ ابن صالح -رحمه الله- يقول: “ما أطمئن في صلاتي إلا إذا كان الشيخ الشبل خلفي”، يعني الشيخ حافظ، وقد مات الشيخ -رحمه الله- في المسجد هنا، كان يدرّس هناك بعد الرِّواء، والله رأيته بعيني يا إخوة يدرّس ولا طالب موجود، جالس على الكرسي يدرِّس وليس هناك أحد جالس، لكن الشيخ يدرِّس، يدرِّس التوحيد حتى يفرغ، ويصلي العشاء خلف الإمام وينصرف، رحمه الله رحمة واسعة، وكذا رأينا بعض شيوخنا، وذكر لي بعض طلاب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أنّ الشيخ في أوّل حياته كان يدرِّس ولا يأتِ أحد، فيأمر مؤذن المسجد أن يجلس معه، ويدرِّس الشيخ، لأنهم يدرِّسون لله لا للجماهير، وإذا فعل الإنسان ما عليه فالذي عند الله لله فيه حكمة، بعض الناس -والعياذ بالله- يضحك عليه الشيطان يقول له: أنت إذا درَّست التوحيد ما يأتيك أحد، لكن إذا درّست الفقه ولا سيما إذا أخذت متنًا مالكيًا إذا كنت عند المالكية، أو متنًا حنفيًّا إذا كنت عند الحنفية، أو متنًا شافعيًّا إذا كنت عند الشافعية، أو متنًا حنبليًّا إن كنت عند الحنابلة، يحضر عندك كتير، وكله علم، درِّس الفقه، نعم لا شك أنّ الفقه خير وعلم، لكن ما يترك الإنسان تدريس التوحيد من أجل قلة الناس الذين يحضرون عنده، وهذه ثمرة معرفتنا بأهمية التوحيد. (شرح كتاب التوحيد ش3).

الفتاوى المنتقاة :

السؤال : نريد منكم توجيهات ونصائح في دراسة كتاب التوحيد ؟ / الجواب: لا شكّ -أيها الإخوة- أن التوحيد أفضل العلوم لأنه متعلق بما خُلق الخلق من أجله ما خلقت السموات والأرض ولا ما في السموات والأرض إلا من أجل التوحيد وما خلق الجن والإنس إلا لتوحيد الله وكل الرسل بعثوا بالتوحيد، فينبغي على طالب العلم أن يهتم بتعلم التوحيد، ينبغي على المسلم أن يهتم بتعلم التوحيد، وأن يحرص على ضبط هذا العلم وذلك يكون بالإخلاص لله عز وجل، ينبغي على الـمُعلِّم والمتعلِّم أن يُخلص لله عز وجل، فإنه ما وُفِّق إلا مُخلص ولا رُفع رفعا حقيقيا إلا من أخلص لله عز وجل، فينبغي علينا -أيها الإخوة- أن نجاهد أنفسنا في باب الإخلاص، في تعلُّم هذا العلم العظيم الذي هو (التوحيد). والأمر الثاني: أن نحب التوحيد، وأن نقبل عليه بحب، وأن نتعلَّمه بحبٍّ. والأمر الثالث: أن نحرص على ما نضبط به هذا العلم، وأهم أمر لضبط العلم بعد: – الإخلاص – أن نحضر القلوب – وأن نحسن الاستماع – وأن نُقيّد الفوائد – وأن نسأل عما أشكل فإن هذا يعين طالب العلم على ضبط العلم فينبغي أن نحرص على هذا الأمر. (شرح كتاب التوحيد ش1).

 

السؤال : ما صحّت قول من يقول: أن للتوحيد قسما رابعا وهو توحيد الحاكمية؟ / الجواب: إن الاستقراء التام دلّ على أن التوحيد إما أن يرجع إلى أفعال الله عز وجل وهذا توحيد الربوبية، وإما أن يرجع إلى أفعال العباد على وجه التقرب وهذه العبادات، وهذا توحيد الألوهية، وإما أن يرجع إلى الأسماء والصفات، ما عدا ذلك هو من أنواع هذه الأقسام، ولا شك أن الحكم لله؛ لكن هذا ليس قسما من أقسام التوحيد وإنما هو نوع من أنواع التوحيد، والذين يُفردون هذا القسم إنما يريدون جعل التوحيد مُنْصَبّا على هذا النوع مع إغفال بقية أقسام التوحيد، فلا عناية عندهم بتوحيد الألوهية، لا يتعلق اهتمامهم بتخليص العبادة لله، تُعبد القبور، ويُستغاث بغير الله، وينحر لغير الله ويذبح لغير الله ويدعى غير الله وهم لا يرون هذا أمرا يحتاج إلى إنكار وغضب لله وكذلك في الأسماء والصفات، بل يرون هذا من الأمور التي تدخل في السَّعة والاختلاف ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه وإنما التوحيد عندهم بزعمهم هو توحيد الحاكمية ولما تدبرنا ما يريدونه بتوحيد الحاكمية وجدنا في الحقيقة أنهم لا يريدون تحكيم الشريعة وإنما يريدون بتوحيد الحاكمية سبّ الحكّام وذم الحكام والوقيعة في الحكام لذلك يسمون هذا التوحيد ويسمون الشتامين السبابين لحكام المسلمين بالموحّدين، ولا يطلقون هذا اللفظ إلا على هؤلاء الذين يخالفون الشرع في هذا الأمر فهذا في الحقيقة من وحي الشيطان لصرف الناس عن التوحيد وتهوين شأن التوحيد الذي جاء به الرسل في نفوس الناس، ونحن نقول يجب على المسلم أن يعظم شأن التوحيد كله وأن يضبط كلياته وأن يعرف انواعه وأن يوحد الله عز وجل ويفرده في كل ما له (شرح كتاب التوحيد ش1).
السؤال : أحسن الله إليكم ما نصيحتكم للطاعنين في الشيخ محمد بن عبد الوهاب والمتهمين لدعوته بأنها دعوة إلى التكفير والتبديع ويقولون إن الإسلام موجود من قبله فلماذا لا تعلمون العقيدة إلا من كتبه ؟. الجواب: الحمد لله، طيب الإسلام موجود قبل الإمام مالك، وإلا الإسلام وُجد في زمن الإمام مالك، الإسلام موجود قبل الشافعي، العبرة بما في كتب العلماء من الخير والكتاب والسنة وأقوال الصحابة، فنحن نعلم الناس الخير من كتب أهل العلم، من كتب أهل الخير، نُعلّم الناس (الموطأ) مع أن الدين موجود قبل (الموطأ)؛ لكن (الموطأ) جمع فيه الإمام مالك علماً غزيراً نافعاً، نعلّم الناس (الرسالة) في أصول الفقه للإمام الشافعي؛ لأنه جمع فيها خيرا عظيماً، نعلم الناس في كتب شروح الحديث كــ(فتح الباري) لابن حجر، شرح النووي لمسلم، نعلم الناس التوحيد بحسب ما يحتاجوا إليه ومن ذلك هذا الكتاب العظيم (كتاب التوحيد) فهو لا يُنظر فيه إلى المؤلف وإنما ينظر فيه إلى ما في الكتاب، وقد ذكرنا -يا إخوة – أن الكتاب ليس فيه إلا قال الله قال رسوله ‎ﷺ قال الصحابة رضوان الله عليهم، ولذلك لو أنا قطعنا الورقة الأولى من الكتاب لما وجد الإنسان بالكتاب شيئاً لابن عبد الوهاب، الكتاب كله قال الله قال رسوله ‎ﷺ قال الصحابة مع بيان الفوائد البينة الواضحة مما تقدّم ، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب : أقرب إلى زمان الأمة اليوم، فهو أعرف بامراضها، والعالم وطالب العلم يعالج الأمراض، فالموجود القريب أنسب إلى علاج هذه الأمراض، لاسيما كما ذكرنا أن توحيد الألوهية لم يفرد بمؤلفات كثيرة، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : سيرته سيرة علماء الأمة الربانيين، صاحب دليل، يدعو إلى التوحيد الذي جاء به نبي الله ‎ﷺ وكان عليه أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وبقية صحابة رسول الله ‎ﷺ وكان عليه أئمة الإسلام، ما جاءنا بشيء جديد مخترع وإنما هي سلسلة من نور إلى زمن النبي ‎ﷺ ؛ ولكن أعداء دعوة الشيخ لم يجدوا مطعناً في دعوته الحقيقية، فإنهم لا يستطيعون أن يطعنوا في قال الله قال رسول الله ‎ﷺ قال الصحابة رضوان الله عليهم، فأعيتهم الحجة، فلجأوا إلى ما يلجأ إليه أعداء دعوة الحق دائما ألا وهو التنفير من العالم، فوصفوا الشيخ بصفات ليست فيه من أجل أن ينفروا الناس من دعوته؛ لأنهم علموا أن هذه الدعوة لو سمعها الناس من غير قطع الطريق لاستجابوا لها؛ لأنها موافقة للفطرة السليمة، فوصفوه بصفات منها ما سمعنا أنه يكفر وهذا والله من الافتراء، فقد قرأنا كتب الشيخ فما وجدنا فيها إلا طريقة العلماء المتقدمين من تقرير أصول أهل السنة والجماعة وأصول أهل السنة والجماعة أبعد ما تكون عن الاعتداء في التكفير، أما بيان الكفر وبيان الشرك فهذا بينه النبي ‎ﷺ ، فهذه الأوصاف الواجب على العاقل أن يتقي الله عز وجل وأن يسأل العلماء العارفين بشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وحقيقة دعوته ليعرف حقيقة الأمر لأنه سيسأل بين يدي الله عز وجل عن هذا الكلام، كذلك -يا إخوة- إذا رأينا مثلاً الدعوة السلفية المباركة اليوم في هذا الزمان لما لم يجد أعداؤها قدرة على مضادة الحجة بالحجة لجأوا إلى التنفير من علمائها ووصف علمائها بأوصاف وتلقيبهم بألقاب جديدة من أجل تنفير الناس من هذه الدعوة السلفية المباركة؛ ولكن من أراد الحق فإن الحق أبلج وظاهر . (شرح كتاب التوحيد ش1).
السؤال : أحسن الله إليكم، طالب العلم إذا رجع إلى بلده، ربما إذا بدأ في الدعوة إلى التوحيد نفر عنه الناس، فبماذا يبدأ دعوته؟
الجواب: النبي ﷺ كان يستطيع أن يدعوَ الناس إلى كلِّ شيء ويُصدَّق إلا التوحيد؛ لأنّ الناس كانوا يُحبّونه، وكانوا يُسمّونه الصادق الأمين، فلو دعاهم إلى كلِّ برّ لأطاعوه؛ ولكنّ الذي نفّرهم هو الدّعوة إلى التوحيد، فالنبي ﷺ ما قال: نُؤخّر التوحيد وندعوهم إلى البرّ والإحسان والخيرات، ثم ندعوا إلى التوحيد حتى لا ينفر الناس من ذلك، إذن، عندنا أمر واضح جدّا: هو البداءة بالتوحيد؛ ولكنّ الشأن: كيف أبدأ بالتوحيد؟، هذا الذي يُجتهد فيه، ليس من اللازم أن تبدأ بكتاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، لا، وليس من اللازم أن تقوم في الناس في المسجد في أول خطبة تخطب في المسجد وتقول: يا عُبّاد القبور إنّكم مشركون ولن تروا الجنّة، وإنما تبدأهم بالتوحيد: إما بأن تُفسّر القرآن، والقرآن كلُّه توحيد، وخُذ إماماً مُعتبراً في بلدك ممن فسّر القرآن وكان تفسيره يُحقّق المقصود، واقرأ لهم من هذا الكتاب، وطَعِّمه بما يُناسب الحال، دعوت للتوحيد ، خُذ “صحيح البخاري”، ما في مسلم يقول لك لا تقرأ من “صحيح البخاري”، خذ “صحيح البخاري” واقرأ لهم “صحيح البخاري” واشرحه فقط بما يُفهم منه المعنى، دعوت إلى التوحيد، بل حتى لو درّست الفقه تستطيع أن تدعوَ إلى التوحيد، إن كنت تحمل همّ التوحيد، ترَوْن ونحن نُدرّس الفقه، تمُرّ علينا بعض المسائل فيها دعوة إلى التوحيد واضحة، تستطيع أن تدعو إلى التوحيد ، المهم أن لا تغتر بمقولة: لا تُنفّر الناس ، فإنّه ما جاء الرُّسل إلا ليُفرّقوا بين المؤمنين والمشركين، وبين الحقّ والباطل، والنبي ﷺ كما قلنا دعا إلى التوحيد أول ما دعا مع نُفرة الناس، حتى من كانوا قريبين منه من أعمامه ومن كانوا يُحبّونه، لمّا قال لهم: (قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا)، قال عمّه وبئس ما قال، أعني أبا لهب قال: تبّاً لك ألهذا جمعتنا. وانطلقوا وهم يقولون: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيءٌ عُجاب)، إذن يا إخوة التوحيد هو أصل الإسلام ، ثمّ أنا قٌلت مرّة لواحد من الإخوة، لو دعوت الناس وهم على الشرك، دعوتَهم إلى الصلاة فصلَّوْا، دعوتهم إلى الزكاة فزكّوا، ودعوتهم إلى الصوم وصاموا، ودعوتهم إلى ترك الزنى وتركوا، وماتوا على الشرك، ما نفعتهم بشيء؛ لكن لو دعوتهم إلى التوحيد فوحّدوا الله وماتوا مُوحّدين؛ لكن على ذنوب، نفعتهم بهذا، ولذلك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يُكتب بماء العين: “إن كثرة الذنوب مع صحّة التوحيد، خير من قلة الذنوب مع فساد التوحيد”، يا إخوة موحّد عاصي خيرٌ من مُطيع طاعة كثيرة مع شرك، فكونُنا ندعوا الناس إلى التوحيد ونُخرجهم إلى التوحيد، نَنفَعُهم، أما إذا دعوناهم إلى غير التوحيد ما نفعناهم؛ لأن كل شيء لا يصحّ إلا بالتوحيد، ولذلك ماذا يقول علماؤنا: (كُلُّ دعوة بلا توحيد فهي دعوة فاسدة)، هي ليست دعوة إلى الله؛ لأنّ شرط الدعوة إلى الله أن يُدعى إلى التوحيد، بماذا جاء الأنبياء؟ ، (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، إذن هذه الدعوة إلى الله، فالذي ما يقول للناس: (اعبدوا الله) أبدا، أي وَحّدوه، وما يقول لهم: (اجتنبوا الطاغوت) ما دعا إلى الله، إذن يا إخوة يجب أن نُفرّق بين: مسألة عدم الدعوة إلى التوحيد: وهذه لا تجوز، بحُجّة أن لا ننفّر الناس، وبعض الناس من أجل السياسة واكتساب الأصوات يتركون دعوة التوحيد، وأنا قلت لطلاب العلم من قديم: الاشتغال بالسياسة كالانحدار في مُنحدر، ينزلق الإنسان في المُنحدر ويترك الأعلى دائما، ولا يُمكن أن يقف إذا انزلق، ولذلك ليس شأن طُلاب العلم أن يشتغلوا بهذا الباب، نعم يحرصون على أهل الخير، ويدعون إلى الخير، ويُبيّنون السياسة الشرعية الصحيحة من غير انزلاق في هذا الدرب، على كل حال نقول: إنّ الدعوة إلى الله لابدّ فيها من التوحيد، فنُفرّق بين أن نترك دعوة التوحيد بحُجّة أن لا نُنفّر الناس، وبين أن نتفنّن في الدعوة إلى التوحيد بما يُقرّب الناس، هذا مشروع، أن نُقرّب الناس إلى التوحيد، أولا بأفعالنا: فنُري الناس أنّ المُوحِّد خيرٌ لهم من غيره، بتواضعنا ببذلنا لأموالنا بمساعدتنا للناس من أجل الله، وأن ندعوَ الناس إلى التوحيد بأسلوب مناسب، وأنا قلت للإخوة مرارا وتكرارا: يجب على الداعية ان يُراعي ما يُناسب الحال، أنا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أدعو إلى الله وأُبيّن ولله الحمد والمنّة وهذا يعني نُعان فيه على التوحيد، أنت في بلدك لست مثلي، أنا في بلد (التوحيد في قوّة)، أنت في بلدك (التوحيد في ضعف)، أُدعُ إلى التوحيد؛ لكن انظر إلى ما يُناسب حالك، لا تقارن نفسك بي، الأسلوب والطريقة يُنظر فيها إلى ما يُناسب الحال وما يُمكن؛ لأنّ (الواجب مبني على الاستطاعة)، ولذلك أنا أقول لإخواني من المشايخ وأهل العلم في المملكةعامة أقول لهم: يا أهل العلم وهذا تباحثنا فيه كثيراً إذا جاءكم مُستفتي فلابد من مراعاة بساط الفتوى، لابد من مراعاة حال البلد، ليس الناس جميعاً في بلاد الله كالناس في المدينة، ولا كالناس في المملكة، فيجب على المُفتي أن ينظر في هذا لا يُغيّر دين الله، ولا يُفرّط في الأصول؛ لكن بما يُناسب الحال شرعاً، كما قلنا يا إخوة الوسائل، الأسلوب، هذه نتفنّن فيها بما يُناسب الحال، وهذا في الحقيقة من أنفع ما يكون لتقريب الناس إلى التوحيد.
(شرح كتاب التوحيد ش2)

السؤال : مات أبي مريضاً وترك الصلاة في آخر حياته بسبب المرض، فهل يجوز أن أَحُجّ عنه ؟

الجواب : دائماً أنا أُنبِّه الإخوة إذا ذكرت أباك الميّت أو أُمّك الميّتة، فقل: رحمه الله، واحرص على هذا لتجعل تذكُّرك له وذِكرَك له مقروناً بالدّعاء والإحسان إليه، وتنفَعُه بالدّعاء، يقول الأخ: إنّ أباه رحمه الله ترك الصّلاة في مرض موته، وأنا أرى -والله أعلم- مع أنّي أرى أنّ تارك الصلاة يكون كافراً، أنّ الذين يتركون الصّلاة حال المرض إنّما يتركونها متأوّلين أو جهلة، يظنّون أنّه ما يصلح أن يصلّي وهو مريض، بعضهم يقول: كيف أُصلّي وأنا مُتلطّخ بالنّجاسة، وقد يُخبره ولَدُه بهذا بأنّه يُصلّي؛ لكن ما يقتنع، فمثل هذا أرى -والله أعلم- لا يُحكم بكفره، وهذا الأصل عندي فيمن ترك الصلاة في مرض موته، أو في مرضه الأخير، وعليه فأقول: الأصل في مثل سؤال الأخ أن يحُجّ عنه ما في حرج، إلا إذا علمنا أنه ترك الصلاة قاصداً، ليس متأوّلاً، أنّه ما يصلح أن يصلّي الآن، وإلا هو إذا شُفي سيُصلّي، هذا المتأوّل، المتأوّل علامته: أنّه يقول: الآن ما أُصلّي، ما يُمكن، هذا مسكين من شدّة تعظيمه لله أخطأ، لكن إذا علمنا أنّه ترك الصلاة قاصداً، وقال: لا، أنا ما أُصلّي خلاص، وترك الصلاة قصداً مع وُجود عقله، وليس متأوّلاً، فهذا على ما نُرجّحه: كافر يخرج من ملّة الإسلام، ولا نستغفر له، ولا نحجّ عنه، لكن ما هو الأصل في من ترك الصلاة في المرض؟، الأصل: أنّه متأوّل، خاصّة إذا كان مُصلّي قبل المرض، وإنما تركه في المرض متأوّلاً أنّه ما يصلح أن يصلّي فهذا مُخطئ وليس بكافر فيما يظهر لي (شرح كتاب التوحيد ش3).

  • 1444/06/07
  • مشاهدات : 261
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري