الفوائد المنتقاة :
إفراد الله سبحانه بالخلق والملك والتدبير : إفراد الله بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف: 54]، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [فاطر: 3]؛ فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي، أما ما ورد من إثبات خلق غير الله؛ كقوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون:14]، وكقوله في المصورين: يقال لهم “أحيوا ما خلقتم”(رواه البخاري)، فهذا ليس خلقاً حقيقة، وليس إيجاداً بعد عدم، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضاً ليس شاملاً، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق، وأما إفراد الله بالملك:فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: (وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران: 19]، وقال تعالى: (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [المؤمنون: 88]، وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله؛ كقوله تعالى: (إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 6]، وقال تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ) [النور: 61]، فهو ملك محدود لا يشمل إلا شيئاً يسيراً من هذه المخلوقات؛ فالإنسان يملك ما تحت يده، ولا يملك ما تحت يد غيره، وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعاً، فمثلاً: لو أراد أن يحرق ماله، أو يعذب حيوانه؛ قلنا: لا يجوز، أما الله – سبحانه ـ، فهو يملك ذلك كله ملكاً عاماً شاملاً، وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) [يونس: 31]، وأما تدبير الإنسان؛ فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً (شرح كتاب التوحيد ص : 8 – 10).
دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد: دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد ، قال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاَ لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) [المؤمنون: 91]، إذ لو أثبتنا للعالم خالقين؛ لكان كل خالق يريد أن ينفرد بما خلق ويستقل به كعادة الملوك؛ إذا لا يرضى أن يشاركه أحد، وإذا استقل به؛ فإنه يريد أيضاً أمراً آخر، وهو أن يكون السلطان له لا يشاركه فيه أحد، وحينئذ إذا أرادا السلطان؛ فإما أن يعجز كل واحد منهما عن الآخر، أو يسيطر أحدهما على الآخر؛ فإن سيطر أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعاً؛ لأن العاجز لا يصلح أن يكون ربّاً (شرح كتاب التوحيد ص : 11).
من السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً تدعوه وهو بحاجة إلى دعائك : قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2]؛ فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له؛ فهو الإله لأنه رب العالمين، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 21]؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة، إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهاً تعبده؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً تدعوه وتعبده، وهو بحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه؛ فهو لا يملك لنفسه نفعاً لا ضراً؛ فكيف يملكه لغيره؟! (شرح كتاب التوحيد ص12).
تفسير قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): دلت هذه الآية على أن جميع صفاته لا يماثله فيها أحد من المخلوقين؛ فهي وإن اشتركت في أصل المعنى، لكن تختلف في حقيقة الحال، فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه؛ فهو معطل، وتعطيله هذا يشبه تعطيل فرعون، ومن أثبتها مع التشبيه صار مشابهاً للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ومن أثبتها بدون مماثلة صار من الموحدين ، ونحن نقول : هل أحدأعلم بالله من الله بنفسه؟، لا أحد أعلم من الله بالله، ولا أصدق خبراً من خبر الله، ولا أصح بياناً من بيان الله؛ كما قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء: 26]، (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء: 176]، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) [النحل: 89]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء: 122]،(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) [النساء: 87]، فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق التي توصلهم إليه، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى وبأسماء الله وصفاته حتى يعبدوا الله على بصيرة؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته، أو من ليس له صفة أمر لا يتحقق أبداً؛ فلابد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه وتعبده حقاً، وهذا القسم من التوحيد هو الذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة؛ فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل، ونفى الصفات زاعماً أنه منزه لله، وقد ضل، لأن المنزه حقيقةً هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلاً، فإذا قال: بأن الله ليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا قدرة، لم ينزه الله، بل وصمه بأعيب العيوب، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل، لأن الله يكرر ذلك في كلامه ويثبته، (سَمِيعٌ بَصِيرٌ)،(عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، (غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فإذا أثبته في كلامه وهو خال منه؛ كان في غاية التعمية والتضليل والقدح في كلام الله – عز وجل ـ، ومنهم من سلك مسلك التمثيل زاعماً بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا لأنهم لم يقدروا الله حق قدره؛ إذ وصموه بالعيب والنقص، لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه، وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره، كما قيل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
فكيف بتمثيل الكامل بالناقص؟!، هذا أعظم ما يكون جنايةً في حق الله – عز وجل – ، وإن كان المعطوف أعظم جرماً، لكن الكل لم يقدر الله حق قدره ، فالواجب: أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم ، فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة، إلا أنه أخص من التكييف؛ فكل ممثل مكيف، ولا عكس، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه الأمور الأربعة ، ونعني بالتحريف هنا: التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات؛ لأنهم سموا أنفسهم أهل التأويل، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه؛ لأن النفوس تنفرُ من كلمة تحريف، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس، حتى لا ينفروا منه، وحقيقة تأويلهم: التحريف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره؛ فنقول: هذا الصرف إن دل عليه دليل صحيح؛ فليس تأويلاً بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير، وإن لم يدل عليه دليل؛ فهو تحريف، وتغيير للكلم عن مواضعه؛ فهؤلاء الذين ضلوا بهذه الطريقة، فصاروا يثبتون الصفات لكن بتحريف؛ قد ضلوا، وصاروا في طريق معاكس لطريق أهل السنة والجماعة، وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة، فأهل السنة منتسبون للسنة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف، وأيضاً الجماعة في الأصل: الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم؛ ففي كتب أهل التأويل – التحريف – من المعتزلة والأشعرية والماتوريدية ومن ضاهاهم التداخل، والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلل بعضاً، ويتناقض هو بنفسه، وقد نقل شارح “الطحاوية” عن الغزالي – وهو ممن بلغ ذروة علم الكلام – كلاماً إذا قرأه الإنسان تبين له ما عليه أهل الكلام من الخطأ والزلل والخطل، وأنهم ليسوا على بينة من أمرهم، وقال الرازي وهو من رؤسائهم:
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا وفي وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ثم قال: “لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5] (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [فاطر: 10]؛ يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: 11]، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) [طه: 110]؛ يعني: فأنفي المماثلة، وأنفي الإحاطة به علماً، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي”، فتجدهم حيارى مضطربين، ليسوا على يقين من أمرهم، وتجد من هداه الله الصراط المستقيم مطمئناً منشرح الصدر، هادئ البال، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله ﷺ، ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات؛ فيثبت ولا يتجاوز حده إلى التكييف أو التمثيل؛ لأنه إذا كان عاجزاً عن تصور نفسه التي بين جنبيه؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزاً عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه، ولهذا يجب على المسلم أن يمنع نفسه عن السؤال بـ “لِمَ” و”كيف” فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية ، وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيراً، وهذه حال السلف رحمهم الله، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبدالله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، كيف استوى؟ فأطرق برأسه وقال: “الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً” ، أما في عصرنا الحاضر؛ فنجد من يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا؛ لأن الليل يمشي على جميع الأرض؛ فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر، وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن؛ لبينه الله إما ابتداءً أو على لسان رسوله ﷺ: أو يقيض من يسأله عنه فيجاب، كما سأل الصحابة رسول الله ﷺ أين كان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض، فأجابهم، فهذا السؤال العظيم يدل على أن كل ما يحتاج إليه الناس فإن الله يبينه بأحد الطرق الثلاثة، والجواب عن الإشكال في حديث النزول: أن يقال: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقياً، فالنزول فيها محقق، وفي غيرها لا يكون نزول قبل ثلث الليل الأخير أو النصف، والله – عز وجل – ليس كمثله شيء، والحديث يدل على أن وقت النزول ينتهي بطلوع الفجر، وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعناً، وأطعنا، واتبعنا، وآمنا؛ فهذه وظيفتنا لا نتجاوز القرآن والحديث (القول المفيد على كتاب التوحيد ص13 – 17).
إشكال وجوابه : كيف يقضي الله ما لا يحبه من القضاء الكوني: قضاء الله – عز وجل – ينقسم إلى قسمين: 1- قضاء شرعي ، 2- قضاء كوني، فالقضاء الشرعي: يجوز وقوعه من المقضي عليه وعدمه، ولا يكون إلا فيما يحبه الله، مثال ذلك: هذه الآية: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء: 23]؛ فتكون قضى بمعنى: شرع، أو بمعنى: وصى، وما أشبههما، والقضاء الكوني: لابد من وقوعه، ويكون فيما أحبه الله، وفيما لا يحبه، مثال ذلك: قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) [الإسراء: 4] فالقضاء هنا كوني؛ لأن الله لا يشرع الفساد في الأرض، ولا يحبه، إذا قيل: ثبت أن الله قضى كوناً ما لا يحبه؛ فكيف يقضي الله ما لا يحبه؟ ، فالجواب: أن المحبوب قسمان: 1- محبوب لذاته، 2- محبوب لغيره، فالمحبوب لغيره قد يكون مكروهاً لذاته، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة؛ فيكون حينئذ محبوباً من وجه، مكروهاً من وجه آخر، مثال ذلك: الفساد في الأرض من بني إسرائيل في حد ذاته مكروه إلى الله؛ لأن الله لا يحب الفساد، ولا المفسدين، ولكن للحكمة التي يتضمنها يكون بها محبوباً إلى الله – عز وجل – من وجه آخر، ومن ذلك: القحط، والجدب، والمرض، والفقر؛ لأن الله رحيم لا يحب أن يؤذي عباده بشيء من ذلك، بل يريد بعباده اليسر، لكن يقدره للحكم المترتبة عليه؛ فيكون محبوباً إلى الله من وجه، مكروهاً من وجه آخر، قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، فإن قيل: كيف يتصور أن يكون الشيء محبوباً من وجه مكروهاً من وجه آخر؟، فيقال: هذا الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مُرَّة كريهة الرائحة واللون، فيشربها، وهو يكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة، ويحبها لما فيها من الشفاء، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار، ويتألم منها؛ فهذا الألم مكروه له من وجه، محبوب له من وجه أخر (القول المفيد على كتاب التوحيد ص22).
النهي عن القرب أبلغ من النهي عن الإتيان (ولا تقربوا الفواحش): قال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) سورة الأنعام، لم يقل: لا تأتوا؛ لأن النهي عن القرب أبلغ من النهي عن الإتيان؛ لأن النهي عن القرب نهي عنها، وعما يكون ذريعة إليها، ولذلك حَرُم على الرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية، وأن يخلو بها، وأن تسافر المرأة بلا محرم؛ لأن ذلك يقرب من الفواحش (ص:26)