قال تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} سورة آل عمران .
وقوله تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) هذه الآية من سورة آل عمران نزلت في وفد نجران النصارى الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وناظروه وسألوه ، وحصل بينهم وبينه كلام طويل ، وهم نصارى من نصارى العرب ، وفي النهاية طلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم المباهلة : (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [ آل عمران : 61 ] .
فلما طلب منهم المباهلة خافوا ولم يباهلوه عليه الصلاة والسلام ، ودفعوا له الجزية ؛ لأنهم يعلمون أنهم على باطل ، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(نبتهل) : أي ندعو باللعنة على الكاذب منا ، وكانوا يعلمون أنهم هم الكاذبون ، ولو باهلوه لنزلت عليهم النار وأحرقتهم في مكانهم ، فقالوا : لا ، لكن ندفع الجزية ولا نباهلكم ، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم الجزية ، لقد تبين أن الله أمره بما في هذه الآية .
وهذه الآية فيها معنى لا إله إلا الله ، قوله : (ألا نعبد) هذا النفي ، وقوله : (إلا الله) هذا الإثبات ، وهذا هو العدل الذي قامت له السماوات والأرض ، فالسماوات والأرض قامت على التوحيد والعدل ، لا نشرك في عبادته شيئًا لا المسيح الذي تزعمون أنه رب وتعبدونه من دون الله ، ولا غير المسيح ولا محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا أحد من الأنبياء ولا من الصالحين ولا من الأولياء ، (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا).
(وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) كما اتخذتم الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا) [ التوبة : 31 ] واتخاذ الأحبار والرهبان من دون الله بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه طاعتهم في تحليل ما حرم الله ، وتحريم ما أحل الله هذا معنى اتخاذهم أربابًا من دون الله ، إذا كانوا يحللون ما حرم الله ويحرمون ما أحل ، فإذا أطاعوهم في ذلك ، فقد اتخذوهم أربابا ؛ لأن الذي يشرع للناس ويحلل ويحرم هو الله سبحانه وتعالى .
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) : ولم يقبلوا دعوة التوحيد ، (فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) أشهدوهم على أنكم موحدون وأنهم كفار ، بينوا لهم بطلان ما هم عليه ، ففي هذه الآية البراءة من دين المشركين والمصارحة بذلك ، اشهدوا بأنا مسلمون ففي هذا وجوب إعلان بطلان ما عليه المشركون وعدم السكوت عن ذلك ، والإعلان عن بطلان الشرك والرد على أهله .
أن لا إله إلا الله لها ركنان : هما النفي والإثبات ، فإذا قيل لك : ما هي أركان لا إله إلا الله ، فتقول النفي والإثبات.
وشروطها سبعة لا تنفع إلا بهذه الشروط نظمها بعضهم بقوله :
علـم يقيـن وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها
فالعلم : ضده الجهل ، فالذي يقول : لا إله إلا الله بلسانه ويجهل معناها هذا لا تنفعه لا إله إلا اله .
واليقين : فلا يكون عنده شك ؛ لأن بعض الناس قد يعلم معناها ولكن عنده شك في ذلك ، فليس علمه بصحيح ، لا بد أن يكون عنده يقين بلا إله إلا الله وأنها حق .
والإخلاص : ضده الشرك ، بعض الناس يقول : لا إله إلا الله ؛ ولكنه لا يترك الشرك ، مثل ما هو الواقع الآن عند عباد القبور ، هؤلاء لا تنفعهم لا إله إلا الله ؛ لأن من شروطها ترك الشرك .
والصدق : ضده الكذب ؛ لأن المنافقين يقولون : لا إله إلا الله ؛ لكنهم كاذبون في قلوبهم ، لا يعتقدون معناها ، قال الله تعالى : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) [ المنافقون :1 ، 2 ] .
والمحبة : أن تكون محبًّا لهذه الكلمة وليًّا لأهلها ، أما الذي لا يحبها أو لا يحب أهلها فإنها لا تنفعه .
والانقياد : ضد الإعراض والترك ، وهو الانقياد لما تدل عليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، وامتثال أوامره ، ما دمت اعترفت وشهدت أنه لا إله إلا الله يلزمك أن تنقاد لأحكامه ودينه ، أما أن تقول : لا إله إلا الله ، ولا تنقاد لأحكام الله وشرعه فإنها لا تنفعك لا إله إلا الله .
والقبول : القبول المنافي للرد ، بأن لا ترد شيئًا من حقوق لا إله إلا الله ، وما تدل عليه بل تقبل كل ما تدل عليه لا إله إلا الله ، تتقبله تقبلًا صحيحًا .
وزيــد ثامنهــا الكفــران بمــا مع الإله من الأشياء قد ألها
أي : البراءة من الشرك ، فلا يكون موحدًا حتى يتبرأ من الشرك : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) [ الزخرف : 26 ] .
هذه شروط لا إله إلا الله ، ثمانية شروط .
- (ثلاثة الأصول وأدلتها ش6).