شرح رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة – الشيخ الدكتور سليمان الرحيلي

عدد الملفات المرفوعه :

الفوائد المنتقاة :

العلم الشرعي عظيم فضله كبير أثره واسع نفعه : العلم عظيم فضله ،كبير أثره ، واسع نفعه، فالعلم رفعة للدرجات وتصحيح للقول والعمل، وطريق إلى مرضاة الله – سبحانه وتعالى – يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة: 11]، { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 19] ، والعلم لكثرة خيره طُلبت الزيادة فيه، فالمؤمن مشروع له أن يطلب الزيادة من العلم قولاً وعملاً {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] (ش1).

ما شرع الدعاء في أمر إلا وشرعت أسبابه: فالمؤمن مشروع له أن يطلب الزيادة من العلم قولاً وعملاً {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] ، فيُشرع للمؤمن المُوفّق أن يدعو الله – عز وجل – أن يزيده علمًا ، ويُشرع له أن يعمل بما يزيده علمًا، وهنا لطيفة يذكرها أهل العلم وهو : أنه (ما شرع الدعاء في أمر إلا وشرعت أسبابه)، يعني: إذا شُرع للمسلم أن يدعو بأمر فإن هذا دليل على مشروعية أسبابه ليجمع المؤمن بين القول والعمل فيكون هذا أدعى للإجابة، فإذا سعى طالب العلم إلى الزيادة من العلم فذهب إلى الحلق واجتهد وسأل الله أن يزيده علمًا كان حريّاً بأن يزيده الله علمًا، وهذا منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم في الدعاء، فإنهم كانوا يجمعون بين الدعاء وبذل الأسباب (ش1).

أهمية علم أصول الفقه وسبب وجود صعوبة في تعلمه: بعلم شرعي شريف أصيل هو علم “أصول الفقه”، وهذا العلم وجد من زمن النبي ﷺ وذلك أن الله بعث محمداً ﷺ بشيراً ونذيراً وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين ، وجعل دينه حاكماً على كل دين قبله وقضى سبحانه بأن يبقى دين محمد ﷺ حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فأنزل عليه القرآن وأوحى إليه السنة وكان الصحابة رضوان الله عليهم يفهمون ما في الكتاب والسنة لأنها جاءت بأساليب العرب فيفهمونها بأساليب العرب فيفهمون الكلام المطلق، ويفهمون الكلام العام، ويفهمون التخصيص، ويفهمون التقييد، وأمروا بما يدلهم على الأصول فدلّتهم النصوص على أنّ الأصل في الأوامر الوجوب، وعلى أن القرآن منه ناسخ ومنسوخ، ومنه مجمل ومبيَّن ومنه محكم ومتشابه، وكانوا يسألون النبي ﷺ فيما يُشكل عليهم، فلما قال ﷺ: (أيها الناس : إن الله كتب عليكم الحج فحجوا) فكان الأمر محتملاً للتكرار وللمرّة، كان محتملاً؛ لأن يجب عليهم الحج مرة واحدة وأن يجب عليهم الحج مرات، فسألوا النبي ، فقالوا: أفي كل عام يا رسول الله ؟، فسألوا النبي ﷺ عما أشكل عليهم ، فقال : (لو قلت نعم لوجبت)، فدل ذلك على أنه إنما يجب مرة واحدة فيتأصل لهم أصل وهو أن الأمر إذا أُطلق يحتمل المرة ويحتمل التكرار فيُحمل على ما دلّ عليه الدليل، يسأله الرجل عن الرجل يُخيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة – أي يُخيل إليه أنه خرج منه ريح – فيقول: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحًا)، فيتمهد عند الصحابة أصل شرعي من “أصول الفقه” وهو (الاستصحاب)، فإن الإنسان إن كان متطهراً فيستصحب الطهارة، ولا ترتفع الطهارة بشك، وهكذا كانوا يُعلمون “أصول الفقه” ، وكان النبي ﷺ يعلمهم الاجتهاد، قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)، ويُعلمهم القياس، فتأتيه المرأة تسأل عن أبيها أو عن أمها: إن أبي أدركته فريضة الحج ولم يحج أفأحج عنه يارسول الله ؟، كان النبي ﷺ يستطيع أن يقول: نعم حجي عنه ؛ لكن ماذا قال ؟ ، قال : (أرأيت إن كان على أبيك دين أكنت قاضيته)، قالت : نعم يا رسول الله، قال: (فحجي إذن)، فعلمها القياس، حيث يُقاس الحج على الدين، وكان النبي ﷺ يستطيع أن يقول لها حجي مباشرة ؛ لكن ليُعلّمهم القياس، وهكذا علّموا “أصول الفقه”، وبعد موت النبي ﷺ قام الصحابة رضوان الله عليهم مقامه في الأمة فحكموا وعلَّموا، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يعملون “أصول الفقه” ووقع دليل جديد لم يكن في زمن النبي ﷺ وهو : الإجماع، فكانوا إذا أجمعوا على شيء عملوا به، وهكذا، ولم يكن “أصول الفقه” مكتوباً؛ لأنه كان سليقة، كانوا يعرفونه بمقتضى لغتهم ومقتضى ما تعلموه من الرسول ﷺ فلم يحتاجوا إلى كتابته، وبعدما اختلط اللسان العربي بغيره ودخل الأعاجم في الإسلام وكثرت المدارس الفقهية ، فظهرت مدرستان: مدرسة يقال لها : مدرسة أهل الحديث في الحجاز – في المدينة ومكة –. ومدرسة يقال لها : مدرسة أهل الرأي في الكوفة. احتاج الناس إلى ضبط “أصول الفقه” فألف الإمام الشافعي مُحمد بن ادريس “الرسالة” في “أصول الفقه”، ألّفها بأسلوب يتناسب مع الأسلوب في ذلك الزمان بأسلوب ليس فيه علم الكلام وإنما فيه اللغة العربية الواضحة المبنية على الأدلة والأمثلة من الأدلة، ثم بعد الإمام الشافعي تلقف “أصول الفقه المعتزلة، والمعتزلة كما تعرفون طائفة منحرفة في باب العقيدة، تلقفوا “أصول الفقه” وألّفوا فيه، فأوّل من ألف في “أصول الفقه” بعد الشافعي هم المعتزلة، وأدخلوا في أصول الفقه عقيدتهم، وأدخلوا رأيهم: (أن العقل مقدّم على النقل)، فأدخلوا هذا في “أصول الفقه”، جاء بعدهم الأشاعرة ، وأنا أقول يا إخوة الأشعرية في العقيدة نتجت من المعتزلة، كيف نتجت من المعتزلة؟، الأشاعرة لما جاءوا ورأوا قبح ما يقرره المعتزلة في باب العقيدة كقولهم: يجب على الله أن يفعل الأصلح، نفروا من هذا الكلام القبيح فأخذوا الجانب الآخر ، عكس المعتزلة فخرجت الأشعرية، فألفوا في أصول الفقه وردوا على المعتزلة وأدخلوا عقيدة الأشاعرة، فمن هنا دخل علم الكلام والعقيدة في علم أصول الفقه، وأصبح “أصول الفقه” صعباً لدخول علم الكلام، ثم جاء متعصبة المذاهب الذين يرون أنّ المذهب يحكم على الأدلة وليس العكس، فأصبحوا يؤلفون في “أصول الفقه على مقتضى تعصبهم، فأصبح المخالفون في العقيدة يرمون في الأصول بحجر والمتعصبة يرمون في الأصول بحجر حتى عكّروا صفوه وعقدوا عبارته، فأصبح صعب العبارة، بعيد الإشارة، كثير الزلل والمخالفات، مما جعل كثيراً من الناس ينفرون من أصول الفقه لصعوبة عبارته وكثرة المخالفات العقدية في بعض المؤلفات فيه، وإحساس الناس أنه علم جامد لا فائدة منه ؛ لكن في ظل هذا كانت هنالك كتب كتبت خالية من المخالفات الشرعية العقدية مع سهولة في العبارة، منها مطوّل ومنها مختصر، فمن المطولات : شرح الكوكب المنير” لابن النجار الحنبلي، كتاب موسوعي في “أصول الفقه” ليس خاصاً بالمذهب الحنبلي، كتب من رجل على عقيدة سلفية وبعبارات سهلة، فهو كتاب يُنصح به لمن يريد أن يتبحر في “أصول الفقه” ، ومنها متون مختصرة، ومن تلك المتون “رسالة لطيفة في أصول الفقه للشيخ ابن سعدي – رحمه الله- “، وهذه هي الرسالة التي معنا، وهي رسالة لطيفة كما سماها، إذ اقتصر الشيخ ابن سعدي – رحمة الله – على مهمات الأصول التي يحتاجها طالب العلم بعبارات واضحة أقرب إلى ألفاظ الكتاب والسنة، حتى نفهم مهمّات “أصول الفقه” بأسلوب جيّد سهل (ش1).

الصحابة – رضي الله عنهم – يثنى عليهم بإطلاق: هنا لطيفة يا إخوة مأخوذة من القرآن، يقول فيها أهل العلم : الصحابة يُثنى عليهم بإطلاق من غير قيد “إحسان”؛ لأنهم أهل إحسان، والتابعون لهم يثنى عليهم بقيد “إحسان” {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] ، فالذين اتبعوهم لا يثنى عليهم مطلقًا وإنما هو  الاتباع بإحسان، وهو الذي يسمى بلزوم منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم (ش1).

لابد من معاناة وصبر في طلب العلم الشرعي: قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – :(فهذه رسالة لطيفة في أصول الفقه، سهلة الألفاظ، واضحة المعاني، معينة على تعلم الأحكام لكل متأمل معان) ، الوصول إلى الأحكام بل الوصول إلى العلم يحتاج إلى صبر، لابد من معاناة في طلب العلم، لن تنام في البيت وتنال العلم، وإذا حضرت الدرس تحتاج إلى معاناة لأن الشيطان حريص على صرفك عن الدرس، فطوال الوقت وهو معك يحاول أن يخرجك، تذكر كذا ، الموضوع كذا، فما دمت غلبته بجسدك يريد أن يغلبك بعقلك ، فيُغيبك عن الدرس بالذهن ليخرجك خارج المسجد خارج مكان الدرس بذهنك، فتحتاج إلى معاناة ومجاهدة، كل ما جاءك رددت نفسك ، حتى تحصل العلم (ش1).

إذا قرأت للشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي كأنك تقرأ للسلف: من أراد البركة والعلم النافع فليلزم متون السلف ، والمتون التي سارت على طريقة السلف كمتون الشيخ ابن سعدي رحمه الله، فإن الشيخ ابن سعدي رحمه الله وهو من علماء هذا العصر القريب إذا قرأت له كأنك تقرأ للسلف الصالح رضوان الله عليهم (ش1).

{تعريف أصول الفقه عند الأصوليين}

{تعريف أصول الفقه عند الأصوليين}

“أصول الفقه” : أدلة الفقه الإجمالية، أو أدلة الفقه الكلية هذا تعريف؛ لأن الأدلة نوعان : أدلة كلية (إجمالية) : الكتاب حجة ، السنة حجة ، الاستصحاب حجة، هذه أدلة كلية، وأدلة جزئية: كقول الله – عز وجل –  : (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) [البقرة: 43] هذا دليل جزئي، الأصول: هو تقرير الأدلة الكلية، بعض الأصوليين فصل، فقال: “أصول الفقه”: أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد، ثلاثة أجزاء، أدلة الفقه الإجمالية بيناها، وكيفية الاستفادة منها: كيف يستفيد الفقيه الحكم من أدلة الكتاب والسنة ، فيقولون: الأمر المطلق للوجوب، هذه كيفية استفادة، فإذا قرأت القرآن فوجدت أمرًا مطلقًا فإنك تستفيد أن ما في هذا الأمر واجب، هذه كيفية الاستفادة، وحال المستفيد حال الذي يستفيد الحكم، إما مجتهد يستنبط الحكم، وإما مقلد يستقبل الحكم فيعرف الحكم عن طريق المجتهد، هذا معنى (حال المستفيد)، إذن “أصول الفقه” أركانه: الأدلة الإجمالية، وطرق الاستفادة من الأدلة، وحال المستفيد، هل هو مجتهد أو مقلد، ويدخل في ذلك الاستفتاء؛ لأن الاستفتاء هو الواسطة بين المقلد والمجتهد، فالمقلد يستفتي المجتهد (ش1).

تعريف الحكم وأقسامه

{الحكم تعريفه وأقسامه}

والحكم في اصطلاح العلماء يقولون: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.

(خطاب الله) : يعني كلام الله، ويدخل في ذلك كل الأدلة؛ لأن الذي دل على أنها أدلة هو كلام الله، فيدخل في ذلك السنة، ويدخل في ذلك القياس، ويدخل في ذلك الإجماع.

(المتعلق): يعني من جهة تعلقه؛ لأن كلام الله – سبحانه وتعالى – أعم من الأحكام، فخصصوه بقولهم: (المتعلق بأفعال المكلفين).

فمن هنا كان الحكم متعلقًا بأفعال المكلفين.

(بالاقتضاء) : الاقتضاء معناه : الطلب ، والطلب نوعان :

طلب فعل / وطلب ترك.

وطلب الفعل، نوعان:

طلب جازم : وهذا الواجب أو الإيجاب

وطلب غير جازم :وهذا الندب.

وطلب الترك، نوعان:

طلب جازم :وهذا التحريم

وطلب غير جازم :وهذه الكراهة ، إذن أربعة.

(أو التخيير): يعني التسوية، التسوية بين الفعل والترك على حد سواء، يجوز لك أن تفعل ويجوز لك أن تترك على حد سواء، وهذه الإباحة.

(أو الوضع): هذا يسمى عند العلماء بالخطاب الوضعي، أو الحكم الوضعي وهو كون الشيء علةً للحكم، أو شرطًا له، أو سببًا له، فهذه تسمى بالأحكام الوضعية.

ولذلك الحكم – يا إخوة – ينقسم إلى قسمين : حكم تكليفي، وحكم وضعي.

الحكم التكليفي: فيه طلب، أو تخيير.

الحكم الوضعي: ليس فيه طلب.

كون دخول الوقت شرطاً لصحة الصلاة هذا حكم وضعي، هل طلب الله منا أن ندخل الوقت ؟، لا، ولم يُخيّرنا في ذلك أيضًا، والعلاقة بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي أن الأحكام الوضعية متعلقة بالأحكام التكليفية فبينهما ارتباط.

فلماذا كان سبباً ؟ ، لتعلقه بحكم تكليفي.

لماذا كان شرطاً ؟، لتعلقه بحكم تكليفي.

لماذا كان علةً ؟، لتعلقه بحكم تكليفي (ش:1)

  • 1445/01/28
  • مشاهدات : 672
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري