التعليق على كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث

عدد الملفات المرفوعه : 23

ألقاه الشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي للدرس الأول

بعد ظهر السبت ٥/ صفر/ ١٤٣٨ بمسجد بدري بن سفر العتيبي بالمدينة النبوية.

الفوائد المنتقاة :

نُسخ هذه من فتح المغيث للسخاوي – رحمه الله – الذي أنصح به: هذه النسخة، نسخة مكتبة دار المنهاج في الرياض، فهي أحسن ما هو بين أيدينا، الذي حققه الدكتور عبد الكريم الخضير، والدكتور محمد بن عبدالله الفهيد هذ النسخة نسخة دار المنهاج بالرياض تحقيق هذين الإثنين  (التعليق على فتح المغيث للسخازي ش1).

وقوله: (وَانْتَسَبَ كَذَلِكَ جَمَاعَةٌ) يعني إلى لفظ الأثر، فنسب نفسه إلى الأثر يعني لاتباع الأثر وأخذه بالأثر وتمسكه بالأثر وقفوه للأثر، فيقول عن نفسه أثريٌ، وهذا موجود في كتب التراجم.
قال: (وَحَسُنَ الِانْتِسَابُ إِلَيْهِ مِمَّنْ يُصَنِّفُ فِي فُنُونِهِ) إذا كان يتبع الأثر، ويسير على طريقة أهل الأثر، ونسب نفسه إلى ذلك، فلهو مع هذا ومع اشتغاله بالحديث وفنون الحديث انتسابه إليه أولى، فيَحسن ممن كان اشتغاله بالأثر وسيره على الأثر واتباعه للأثر وتمسكه بالأثر وتعظيمه للأثر أن يقول عن نفسه أثري، وهنا هذا الحَبر في الفن يقول: (حَسُنَ الِانْتِسَابُ إِلَيْهِ مِمَّنْ يُصَنِّفُ فِي فُنُونِهِ) يعني من يشتغل بالحديث يحسن له أن يطلق على نفسه أو ينسب نفسه إلى الأثر، فيقول، وهذا فيه أبلغ رد على المتفيهقين في هذه الاعصار الذين يقولون عن أهل الحديث والآثار إن في هذا تزكية لهم وإن في هذا غرور للنفس وعُجب بالنفس، إلى آخر ما يقولونه، إِنّما الإنسانُ يُخبر عن نفسهِ، أَنَّ طريقتَهُ طريقةَ الأثر .
تَمَسَّكْ بِحَبْلِ اللهِ وَاتَّبِعِ الهُدَى       وَلاَ تَكُ بِدْعِيّاً لَعَلَّكَ تُفْلِحُ
وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ الَّتِي     أَتَتْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ تَنْجُو وَتَرْبَحُ
فإذا كان من يتبع السنن يُقالُ لهم أهل السُّنّةَ؛ فلا مانعَ في من يتبع الأثر أنْ يقال له الأثريّ، وأنْ يقال لهم الأَثريون.
وهذا يكفينا من أهلِ الفنِّ والاختصاص في الرد على بعض هؤلاء المتفيهقين، ولا نشغل أنفسنا بهم، ما دامت قد جاءت الشهادة من أهلِ الاختصاص، فكل شيء يرجع فيه إلى أهله، نعم (ش:1).

علوم الحديث مرت بمراحل، ونحن نختصر هذا الكلام الطويل في هذا الباب فالحديث علوم الحديث كانت مفرقة كما أشار إليها الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – في نزهته – رحمة الله عليه – كانت مفرقة، وكل من كتب فيها كانت الكتابات غير مستكملة، وهكذا كل فن في بداياته، فبدأ به الحافظ الرامهرمزي في كتاب مستقل، انظروا إلى القيد في كتاب مستقل، أما كفن فهو مسبوق، سبقه علي بن المديني، وسبقه الترمذي، ذكروا علومًا، أنواعًا من علوم الحديث. لكن في كتاب مستقل أول من جمعه من؟، الرامهرمزي القاضي الرامهرمزي – رحمه الله -، ولكنه لم يستوعب إنما هي بدايات، ثم جاء بعد الرامهرمزي الحاكم، فكتب كتابًا معروفًا مشهورًا في هذا الباب، وهو: (معرفة علوم الحديث)، ثم جاء بعده بعد ذلك الحافظ الخطيب وجمع ما تقدمه في كتابه: (الكفاية في علم الرواية)، وكتابه الآخر: (الجامع في آداب الراوي والسامع)، هذا وهذا، فجمع ما تفرق في كتب من تقدمه، ثم قل باب من أبواب علوم الحديث إلا وكتب فيه كتابًا مستقلاً مصنفًا مستقلاً، فجاء الحافظ أبو عمر ابن الصلاح الشهرزوري، بضم الراء، فجمع ما كتبه الحافظ الخطيب بين يديه ومن تقدمه، ثم جمع هذه الكتب في كتابه : (معرفة علوم الحديث)، الذي أصبح بعد ذلك قاعدة لمن جاء بعده، فكم كما قال الحافظ من شارح له، ومقتصر عليه مقتصر، ومن معارض له ومنتصر، فالشاهد كان كتاب ابن الصلاح هو الأساس، ثم جاء بعد ابن الصلاح الذي هو المؤسس الممهد؛ جاء بعده العراقي الناظم الذي يعتبر مكمل، فابن الصلاح ممهد، والعراقي مكمل، ثم استمر بعد ذلك الأمر، فجاء بعدهم الحافظ ابن حجر وعنده تعقبات، و غيره من تلاميذه وأقرانه، وممن تقدمهم ممن هم في رتبة شيوخهم مع العراقي لهم تعقبات على العراقي، ولهم تعقبات على ابن الصلاح، فالحاصل هؤلاء مكملون، أما الممهد والواضع لكتاب جامع لأصول الفن أصبح المعول عليه والرجوع إليه هو ابن الصلاح، جمع ما تفرق في كتب من تقدمه في كتابه، فهو مؤسس، ثم جاء العراقي مكمل، ثم من بعد العراقي متعقب وناقد ومصحح، فهذه هي المراحل الثلاثة، هذه هي المراحل الثلاثة في تدوين علوم الحديث، المؤسس الذي يعتبر كتابه أساسًا: ابن الصلاح الشهرزوري، نسبة إلى شهرزور، وشهرزور في شمال شرق العراق، بين الموصل وهمذان في بلاد فارس، نعم، فهي شهرزور، فالشاهد انتقل منها إلى الشام واستقر بها، ولما ولي دار الحديث الأشرفية كتب كتابه هذا، نعم، (التعليق على فتح المغيث للسخازي ش1).

بعض الكتب التي ذكرها الشيخ – حفظه الله – : كتاب : (معرفة علوم الحديث) للحاكم، (الكفاية في علم الرواية) للخطيب البغدادي، (الجامع في آداب الراوي والسامع) للخطيب البغدادي (المجلد الأول)، (المجلد الثاني).

قال الحافظ السخاوي – رحمه الله – : وَ(الصَّلَاةُ) مِنَ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمُهُ لَهُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ: طَلَبُ الزِّيَادَةِ لَهُ بِتَكْثِيرِ أَتْبَاعِهِ أَوِ الْعُلَمَاءِ، وَنَحْوِهِمْ لِلْعِلْمِ بِتَنَاهِيهِ فِي كُلِّ شَرَفٍ.

التعليق : هذا هو الصحيح، الصلاة من الله على رسوله ﷺ هي الثناء عليه في الملأ الأعلى كما جاء ذلك في صحيح البخاري عن أبي العالية – رحمه الله تعالى -، قال: ” صَلَاةُ اللهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ” هذا هو الصحيح. وبعضهم يقول: الصلاة هي الرحمة، هذا خطأ، و هذا أكثر من يتكلم في هذا الباب يقول ذلك، يقولون الصلاة من الله على رسوله ﷺ الرحمة، هذا خطأ، قال – جل وعلا -: «أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ»، فغاير بينهما، فدل على أنّ الرحمة شيء، والصلاة شيء آخر، إذن فلابد أن نتطلب تفسير كلمة الصلاة عليه من ربه – تبارك وتعالى – صلوات الله و سلامه عليه -، فالتمسنا فوجدنا الأثر يدل على أن الصلاة عليه – صلوات الله و سلامه عليه – هي ثناء الله – جل وعلا -عليه في الملأ الأعلى، وهذا خرجه البخاري عن أبي العالية – رحمه الله تعالى – وهو الصحيح، نعم، (التعليق على شرح فتح المغيث للسخاوي – رحمه الله – ش1).

قال الحافظ السخاوي – رحمه الله – : “وَلَمْ يُفْرِدْهَا عَنِ (السَّلَامِ) لِتَصْرِيحِ النَّوَوِيِّ رحمه الله بِكَرَاهَةِ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ،” .

التعليق : صحيح، يعني بعضهم يقول: عليه الصلاة، صلى الله عليه، آه..، صلى الله عليه.. ، وبعضهم يقول: عليه السلام، وهذا خطأ، لأنه ترك لما أمرنا الله به في قوله جل وعلا: « إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» الأحزاب، فلا بد من امتثال الأمر الرباني، وهو المجيء بالصلاة و السلام عليه ﷺ، فمن جاء بالصلاة فقد خالف النص مقتصرًا عليها، و من جاء بالسلام مقتصرًا عليه فقد خالف النص، ولهذا لما كان هذا الرجل يقول عن نفسه إنه أثري فليس أمامه إلا أن يتبع الآثار،

وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ الَّتِي

أَتَتْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ تَنْجُو وَتَرْبَحُ

فما كان أمامه إلا أن يجمع بين الصلاة و السلام عليه صلوات الله و سلامه عليه امتثالاً لأمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» الأحزاب، فأمر عباده جل وعلا بالإثنين، بالصلاة وبالسلام، فمن ترك الصلاة فقد أخطأ، ومن ترك السلام فقد أخطأ، من جاء بالصلاة بدون السلام فهو مخطئ، ومن جاء بالسلام دون الصلاة فهو مخطئ، فلا تقل: عليه الصلاة أو صلى الله عليه، ولا تقل عليه السلام، وإنما تقول ﷺ ، وتقول عليه الصلاة والسلام، لأن الله قد قال لك صلي وسلم عليه في قوله: «صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» الأحزاب، فالناظم – رحمه الله – قال: (ثم صلاةٍ وسلامٍ دائمِ) فجاء بهما جميعًا امتثالاً لأمر الله جل وعلا، ولم يفعل واحد من الأمرين اللذين ذكرناهما، لأن أهل الأثر يكرهون ذلك، وقد نقل عن النووي كراهة إفراد أحدهما عن الآخر، وهذا ذكره النووي في شرح مسلم، وذكره في كتاب الأذكار.

من أراد أن يراجع الأذكار فإنه سيجد كلام النووي جميلاً في هذا، فلا ينبغي لطالب العلم، ولطالب الحديث خاصة، بل لا ينبغي للمسلم، لأن الله قد خاطبه بذلك في قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»، فوكده بقوله: «تَسْلِيمًا»، فالذي ينبغي لنا ألا نفرد النبي ﷺ بواحد من هاذين الأمرين إذا مر ذكر اسمه صلوات الله و سلامه عليه، نعم (شرح فتح المغيث ش1).


  • 1445/06/18
  • مشاهدات : 2٬671
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري