السؤال : يقول السائل شخص قال في جريدة : يا عقلاء السنة والشيعة ، وقال : فيما معناه : أنه إذا تصادما بسيارتهما أن يقول أحدهما للآخر كل واحد يصلح سيارته ويعفو عن الآخر ؟!
الجواب : هذا لو كانت سيارته فليعفو عنه ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يحب المحسنين . أما هذا ؛ لا يملكه هذا ؛ حق الله -سبحانه وتعالى- ، وحق رسوله ﷺ ؛ لأنه إذا نيل من الأصحاب انهدمت السنة ، والكتاب ؛ فهذا لا يملكه .
لو صدم إنسان إنسانًا بسيارته ، وجاء أجنبي وقال : أنا سامحتك . هل تمشي مسامحته ؟! أنا أسألكم جاء ثالث أجنبي ليس هو بالصادم ولا المصدوم ؛ فقال : أنا سامحتك “ما تمشي” ؛ فهكذا الآن الحق ليس لك وإنما هو حق -الله تبارك وتعالى- و حق رسوله ﷺ هذا شيء.
وشيء آخر أنا اعجب في هذه الأزمان أننا نسمع من يقول : يا عقلاء الشيعة يعني الرافضة ؛ فنحن ما خُبِرنا في هؤلاء عقلاء نحن ما نُخبر فيهم إلا الحمق والبغض لأصحاب ﷺ فهذا الكلام كلام باطل وقد دعا غير هذا القائل إلى هذا الذي قصد إليه منذ قرابة ثمانين أو خمسة وثمانين عامًا وأدرك أنه يسعى إلى غير شئ فانطبق عليه قول الشاعر :
أبو عمر يؤرقني وطلق *** وعمار وانية اثالا
أراهم رفقتي حتى إذا ما *** توارى الليل وانخزل انخزالا
اذا انا كالذي يسعى لورد *** إلى آل فلم يدرك بلالا
يمشي وراء السراب يظنه ماءً متى سيصل إليه ؟ غربت الشمس ، ودخل الليل ، وما وصل إلى الماء ؛ فهكذا من كان يؤمل في هؤلاء .
هؤلاء حالهم معروفة -نسأل الله العافية والسلامة- ولهذا يقول الشعبي -رحمه الله- “لو كانت الرافضة من الطيور لكانوا رخمًا، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمرًا ، والله ما رأيت أحمق منهم ، ولو طلبت منهم أن يملؤوا لي بيتي هذا ذهبًا على أن أكذب لهم على عليٍّ لفعلوا ووالله ما أفعل”(1) فهؤلاء الخشبية الرافضة هذا حالهم ، وعلى كل حال هذا لعله يتعض بمن كان قد سبقه ؛ فإن أصحاب رسول الله ﷺ كما قلت ليسوا عندنا بمكان هين بل مكانهم فوق الرؤوس ؛ ترخص من أجلهم النفوس -رضي الله تعالى عنهم- ، يقول أبو حاتم الرازي -رحمه الله تعالى- وصارت كلمته بعد ذالك شعار عند أهل السنة والحديث حينما تكلم من تكلم في أصحاب النبي ﷺ ؛ فقال : “إن حملة الكتاب إلينا هم أصحاب رسول الله ﷺ هم شهودنا ، وأراد هؤلاء ان يجرحوا شهودنا فالطعن بمن طعن بهم أولى وهو زنديق”(2) ؛ لان هؤلاء ارادوا الطعن في الكتاب ، والسنة أرادو الإطاحة بالدين وهيهات ؛ فإذا توصل إلى الصحابة “سقط هذا الدين” ؛ لأنهم هم النقلة لهذا الكتاب إلينا ، وهم النقلة لهذا الحديث النبوي إلينا ؛ فإذا ذهبت عدالتهم هذه بلية ومصيبة نعم.
ويكفي أنهم يطعنون في أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ومن طعن في عائشة -رضي الله عنها- فبالإجماع ماخالف في ذلك أحد “أن من طعن في عائشة -رضي الله عنها- فهو مرتد كافر زنديق” ؛ لأنها عَرْض رسول الله ﷺ ، وهل يلحق في هذا بقية ازواجه أو هو خاص بها ؟! ، في أصح قولي العلماء : أنه يلحق بها بقية أزواجه -عليه الصلاة والسلام- ؛ فحال الواحدة غير عائشة كحال عائشة إذ كل واحدة منهم عرض رسول الله ﷺ ومن زعم أن الصحابة كلهم ارتدوا فهو كافر ؛ لأنه مكذب لصريح القرآن ، ومن زعم أنهم كلهم فسقوا فهو كافر أيضًا ؛ لأنه مكذب لصريح القران.
بل ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه الصارم المسلول “أنه لاشك في كفر من توقف في كفر هذا”(3) يعني : حينما يزعم كفر هؤلاء الصحابة كلهم ويأتي يقول هذا أنا أتوقف في تكفيره. يقول شيخ الإسلام : لاشك في كفر من لم يكفر مثل هذا -نسأل الله السلامة والعافية- ؛ فالأمر أخي جد خطير ، وعليك بما كان عليه السلف الصالح -رضي الله تعالى- عنهم.
إني براء من الأهواء وما ولدت …… ووالديها الحيارى ساء ما ولدوا
والله لست بجهمي أخا جدل …… يقول في الله قولاً غير ما يردُ
يكذبون بأسماء الإله وأو …… صاف له بل لذات الله قد جحدوا
كلا ولست لربي من مشبهة …… إذ من يشبهه معبوده جسدُ
ولا بمعتزلي أو أخا جبر …… في السيئات على الأقدار ينتقدُ
كلا ولست بشيعي أخا دغل …… في قلبه لصاحب المصطفى حقدُ
كلا ولا ناصبي ضد ذلك بل …… حب الصحابة ثم الآل نعتقدُ
فلا نحن مع الخوارج ، ولا نحن مع النواصب ، ولا نحن مع الرافضة ؛ فأهل السنة وسط بين هؤلاء جميعًا ؛ فالزم هذه الطريق تفز ، وتفلح ، وتنجوا -باذن الله- ، وتربح نعم.
(1) – شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (ج6 / 393)
(2) – الكفاية للخطيب البغدادي (ص97) .
(3) – الصارم المسلول (ص586) .