ملف الفتوي الصوتي عدد الملفات المرفوعه : 1

هل تطبَّق قواعد الجرح والتعديل كلُّها في هذا العصر ؟

السؤال : جزاكم الله خيرًا، يقول السائل: هل تطبَّق قواعد الجرح والتعديل كلُّها في هذا العصر؟.


الجواب:
فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-: إذا فيه زيادة في الجرح والتعديل يتطلَّب هذا الأصل، كتب الجرح والتعديل السابقة وقواعدها قد لا تفي بِما يستحقُّه هؤلاء في هذا الأصل من أهل الضلال-بارك الله فيكم-.

فهم لا يطيقون هذا المنهج، ويبكون منه، ويريدون إلغاءه، ويؤصِّلون الأصول لإبطاله، ناس يدَّعون السلفيَّة هذا منهجهم تأصيل أصول: نصحح ولا نجرِّح، نريد منهجًا واسعًا أفيحًا.

لا يريدون جرح أهل البدع حتَّى أهل وحدة الأديان لا يريدون نقدهم-بارك الله فيكم-، ولا يريدون بيان الحق لأنَّهم أذناب لهؤلاء ومأجورين معهم-بارك الله فيكم-، فالجرح والتعديل أمر ضروري، لا نميِّز بين أهل الحق والباطل والضلال والهدى إلَّا من خلال هذا المنهج أصوله وقواعده وتطبيقاته، استخدمه السلف والقرآن مليء بالجرح والسنَّة كذلك، الجرح والتعديل موجودان في كتاب الله فعلوا في الأنبياء فعلوا في المؤمنين فعلوا في الكافرين في المنافقين في المجرمين في الفاسقين-بارك الله فيكم-، فعلوا فيهم، هذا أمر شرعه الله-تبارك وتعالى-.

وهو سند أو أصل للولاء والبراء، والولاء والبراء أصل عظيم من أصول الإسلام، ولا يتحقق إلَّا إذا طبَّقنا هذا المنهج-بارك الله فيكم-.
دعايات كثيرة ضد هذا المنهج الأصيل الذي هو سلاح أهل الحق على أهل الباطل في كل زمان ومكان-بارك الله فيكم-.

فلا يحاربه إلَّا أهل الأهواء والضلال، يقال: يكاد المجرم أن يقول: خذوني، يخاف أن تمسَّه هذه القواعد وتفضح حقيقته ومنهجه فيحارب منهج أهل السنَّة والجماعة في الجرح والتعديل.

والله أهل البدع ما حاربوا الجرح والتعديل في خلال الأصول هذه كلّها مثل ما حارب هؤلاء المنتسبين إلى السنَّة كذبًا وزورًا، ولا أصَّلوا أصولًا ضدَّ هذا المنهج-بارك الله فيكم-.

فافهموا هذه الأمور وأدركوها.
فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-: جزاكم الله خيرًا.
أحب أن أضيف في الجرح والتعديل، الجرح والتعديل قام وباقي على ثلاثة جوانب:

الأول: لحفظ سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-من الكذَّابين الوضَّاعين، ومن أهل الأهواء الذين كانوا إذا اهتووا شيئًا جعلوا فيه حديثًا كما ذكر الشافعي-رحمه الله-وغيره، وهذا الجانب ما يتعلَّق بالرواية بدأ عند ظهور الفتن.

فَسُنَّةُ اَلنَّبِيِّ وَحْيٌ ثَانِ ** عَلَيْهِمَا قَدْ أُطْلِقَ اَلْوَحْيَانِ

وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا اَلرِّوَايَهْ ** فَافْتَقَرَ اَلرَّاوِي إِلَى اَلدِّرَايَهْ

لِصِحَّةِ اَلْمَرْوِيْ عَنْ الرَّسُولِ ** لِيُعْلَمَ اَلْمَرْدُودُ مِنْ مَقْبُولِ

لا سِيَّمَا عِنْدَ تَظَاهُرِ اَلْفِتَنِ ** وَلَبْسِ إِفْكِ اَلْمُحْدَثِينَ بِالسُّنَنِ

فَقَامَ عِنْدَ ذَلِكَ اَلأَئِمَّهْ ** بِخِدْمَةِ اَلدِّينِ وَنُصْحِ اَلأُمَّهْ

وَخَلَّصُوا صَحِيحَهَا مِنْ مُفْتَرَى ** حَتَّى صَفَتْ نَقِيَّةً كَمَا تَرَى

ثُمَّ إِلَيْهَا قَرَّبُوا الْوُصُولاَ ** لِغَيْرِهِمْ فَأَصَّلُوا أُصُولاَ

وَلَقَّبُوا ذَاكَ بِعِلْمِ اَلْمُصْطَلَحْ ** حَيْثُ عَلَيْهَا اَلْكُلُّ مِنْهُمُ اِصْطَلَحْ

وعلم المصطلح أخصر التفاسير فيه والتعريفات له: أنَّه علم بقوانين يعرف بها أحوال الراوي والمروي، أو معرفة حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد، هذا جانب.

الجانب الثاني: ما يتعلَّق بالطعن في أهل البدع، فالجرح والتعديل قائم وهو ضميمة إلى مسألة الضبط، والصدق، والعدالة، فإنَّ العدالة هي استقامة الدين والمروءة من الخوارم، استقامة دين الإنسان ومروءة الإنسان، وأدخلوا هذا الباب الديانة باب أهل البدع مع الرواية للأمر الذي ذكرته قبل قليل، حتَّى يعرفوا المبتدع ومتى تقبل روايته ومتى ترد يفصَّل فيها ونحو ذلك، هل روى ما يؤيِّد بدعته؟، لا يؤيِّد بدعته إلى غير ذلك.

فتجد هذا وهذا بينهما تلازم، فيقولون: ثقة ناصبي، ثقة خارجي، ثقة قدري، ثقة مرجئ وهكذا، وبعد ذلك بقيَّة الألفاظ الأخرى التي ليست فيها تركيب: صدوق، صدوق يخطئ، سيء الحفظ، ليس فيه تركيب بين الضبط وما بين الديانة، فيأتيك مثل هذا: صدوق، صدوق يخطئ، صدوق يهم، يهم كثيرًا، له أوهام، ضعيف، مضطرب الحديث، منكر الحديث، ونحو ذلك، هذا يتعلَّق بجانب الضبط في الرواية البحتة.

هذا النوع انتهى ومن انتهى، كيف؟، إن أردت به تدوين الرجال الذين يبنى عليهم الحكم لصحة الحديث فقد انتهى لأنَّ عصر الرواية انتهى، وإن أراد أنَّه خلاص ما عاد يذكر فهذا يكذِّبه الواقع، نحن نقول هذا حديث ضعيف علَّته فلان وهو في القرن الثاني نتكلَّم فيه وقد ما عاد له وجود إلَّا عجب الذنب، فنحن الآن نتكلَّم فيه وقد صار ترابًا.

هل نحن نتكلَّم فيه تشهيًا؟، ولَّا حفظًا لسنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-؟.

واقْرَأْ كِتابًا يُفِيدُ الاصْطِلاحُ بِهِ……تَدْرِي الصَّحيحَ مِن الموْصوفِ بالسَّقَمِ

تعرف الضعيف من الصحيح، فمن هذه الناحية ما انتهى باقي إلى أن يرث الله ومن عليها، ما اشتغل أهل الحديث بالذّّب عن سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-؟، فإنَّهم يحتاجون، وإلَّا لِمَاذا نقرأ هذه الكتب في الرجال ونحكم على الأسانيد؟، باقي الكلام فيهم من هذه الناحية باقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الجانب الثالث: ما يتعلَّق بجرح الشهود، الآن في الدينار والدرهم يأتي الشاهد عند القاضي ليشهد على فلان أنَّه ظلم فلانًا أو أخذ ماله فيطعن في هؤلاء الشهود بأنَّهم إيش؟، غير عدول، لأجل إيش؟، لأجل الدينار والدرهم، في أمور الدنيا دينار ودرهم يجرَّح الشهود لحفظ حقوق الناس.

أفلا يستحق أهل الأهواء والبدع الذين قد أخبرنا النبي-صلى الله عليه وسلَّم-عنهم بأنَّهم باقون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها-إلى أن تأتي الساعة-، لأن النبي-صلى الله عليه وسلَّم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ) رواه مسلم ، وبدأ بالمخذِّل، فالمخذِّل قد يكون معك لكنَّه يخذلك هذا أشد، (…أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ…).

فالعراك بين أهل السنَّة والجماعة ورثة النبي-صلى الله عليه وسلَّم-هؤلاء باقي بينهم العراك وبين أعداء السنن الذين افترقوا وفارقوا السنَّة والكتاب، فأنت بحاجة إلى أن ترد عليهم وتكشف عوارهم وتبيِّن انحرافهم.

فأيهم أولى بالله جرح الناس لحفظ دين الله؟، أو جرحهم لحفظ الدينار والدرهم؟.

فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-: لحفظ دين الله.

فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-: لحفظ دين الله-جلَّ وعلا-، فما دامت هذه الطائفة الناجية المنصورة باقية إلى قيام الساعة وهي وخصومها في عراك فهي محتاجة إلى هذا السلاح، وهذا من أعظم أسلحتها وأخصِّه ما يقوم به إلَّا أهل الحديث، يطعن في أبيه يقول: ضعيف، شيخ لا ترووا عنه، وذا يطعن في ابنه لا يبالي، لِمَ؟، المقصود: حفظ دين الله-تبارك وتعالى-.

فإذا كان هذا على هذا النحو فالجرح والتعديل باقي وإن رغمت أنوف من لا يريده الآن، وهذا إنَّمَا يؤخذ من أهل الاختصاص والمعرفة به هذا من ناحية.

ومن ناحية ثانية: هؤلاء الذين يحاربونه يجرحون أهله ويطعنون فيهم، فما الذي جعل جرح أهل السنَّة فيهم غلوًا وتجريحًا وهؤلاء طائفة الجرَّاحين؟، ولَمْ يجعلهم هم وهم المبطلون لم يجعلهم جرَّاحين؟، كيف صار أهل السنَّة جرَّاحين بهذا اللفظ يقولونه، وهم حينما يطعنون في أهل السنَّة لا يصيرون جرَّاحين؟!.

هذا ذكَّرني بنكتة، قال: ما فعل أبوك بحماره؟، قال الرجل: باعِه، قال له: ما شاء الله كيف قلت: باعِه؟، قال له: وأنت لماذا قلت: بحماره؟، قال: الباء حرف جر، قال له: ما شاء الله باءك تجر وبائي لا تجر؟.

تمامًا هؤلاء باعِه باؤهم تجر وهي في غير موضعها.

فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-: إي والله.

فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-: وباء بِحماره التي هي الجارَّة أصلًا لا تجر، فسبحان الله العظيم.

يقضى على المرء في أيام محنته     حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

فهذا الذي أحببت أن أوضحه في هذا وإلَّا كلام شيخنا هو القاعدة الأصل في هذا.

فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-: الله يبارك فيك، وفيه نكتة يعني: الرواية باقي الجرح والتعديل فيه إلى الآن، الرواية نفسها ما انتهت كما يقول بعض الناس: إنها انتهت بالقرن الثالث، لا نجد العلماء إلى العهد القريب يستخدمون الجرح والتعديل فلا يقبل رواية ولا يقبل كتابًا إلَّا من ثقة، ويشترطون فيمن يقرأ وهو لا يفقه لكنَّه يعني غير صادق ما يقبلون منه، ولا ثقة لا يقبلون منه.

يقرأ الحديث البخاري أو مسلم أو غيره وهو غير فقيه فيه لا بد أن يكون حوله من العلماء الثقات يعدِّلونه ويثبتون إسناده، ويثبتون رواياته.

فالجرح والتعديل إلى الآن باقٍ في نقل سنَّة رسول الله-صلى الله عليه وسلَّم-أحاديث وكتب باقٍ إلى الآن، ولهذا تجد الذهبي يجرح-بارك الله فيك-في شيوخ عصره من حملة الحديث يجرح فيهم، وابن حيان كذلك، ومن بعده إلى وقتنا هذا.

فالجرح والتعديل باقٍ رواية ورأيًا-بارك الله فيك-وفي أهل البدع باقٍ الجرح باقٍ إلى الآن، هؤلاء-بارك الله فيك-كل هدفهم أن يكمُّوا أفواه أهل السنَّة عن بيان الحق، وعن نقد أهل البدع والباطل والضلال-بارك الله فيك-، وعن نقد الكذَّابين والفاسقين، يريدون هذا، يريدون فوضى في الميادين الإسلاميَّة كلِّها-بارك الله فيكم-.

يريدوا أن يسرحوا ويمرحوا بباطلهم وخرافاتهم وأساطيرهم.

فالشاهد: تكلَّم الأخ محمد في الجرح والتعديل ووفاه حقَّه، لكن بقيت هذه النقطة أحببت توضيحها-بارك الله فيكم-.

فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-: جزاك الله خيرًا.

فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله-: وأنَّه حتى في مجال الرواية الجرح والتعديل باقٍ، فلا نقبل حديثًا أو كتابًا إلَّا من أيدٍ نظيفة من الثقات المقبولين الأمناء على دين الله-تبارك وتعالى-، نعم.


  • (اللقاء المفتوح بين الشيخين ربيع المدخلي ومحمد بن هادي المدخلي بمكة ليلة الأحد 7-11-1433هـ).

شاهد-على-اليوتيوب

  • 1441/05/14
  • مشاهدات : 1٬119
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري