ملف الفتوي الصوتي عدد الملفات المرفوعه : 1

التوجيه والعلاج لمن يواجه صعوبة في طلب العلم والهمة فيه

السؤال : يقول السائل : أشعر بتقصير في طلب العلم فهل من توجيه؟.


الجواب : أمَّا ما يتعلَّق بالسؤال وهو ما ذكر أخونا السائل من أنَّه يجد ضعفًا في العلم وفي همَّته، فكيف السبيل إلى علاج ذلك؟.

أولًا: أن يدعو الله-جل وعلا-أن يفتح عليه وأن يشرح صدره، فالدعاء سبب عظيم، عليه أن يكثر من الدعاء، رب اشرح لي صدري، رب زدني علمًا.

قال -جل وعلا- لرسوله ﷺ : (…وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىَ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رّبّ زِدْنِي عِلْماً)(طه:114)، فكان ﷺ بعد نزول هذه الآية يكثر من قوله: رّبّ زِدْنِي عِلْماً رّبّ زِدْنِي عِلْماً.

فعليك أن تطَّرح بين يدي الله وأن تسأله-جلَّ وعلا-أن يفتح عليك وأن يحبب إليك العلم وأن يشرح صدرك، هذا أولًا.

وثانيًا: عليك أن تسلك الأسباب المعينة، فمن ذلك تقوى الله-جلَّ وعلا-فإنَّ التقوى لَها الأصل لها الأثر العظيم (…وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ الله)(البقرة:282)، فإذا اتقيت الله-جلَّ وعلا-قذف لك النور في قلبك وفتح عليك.

ثالثًا: عليك أن تصحب أهل الهمَّة العالية الذين أخذوا أنفسهم بالجد والحزم والعزم.

فإنْ أرَدْتَ رُقِيًّا نَحوَ رُتْبَتِهِمِ……ورُمْتَ مَجْدًا رفِيعًا مِثْلَ مَجْدِهِمِ

فاعْمَدْ إلَى سُلَّمِ التقوَى الذِي نَصَبُوا……واصْعَدْ بِعَزْمٍٍ وَجُدَّ مِثْلَ جِدِّهِمِ

واجْهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لا انْثِنَاءَ لَهُ…..لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ

ابذل كل ما تستطيع في هذا، وعليك بمصاحبة الأقوياء الجادِّين وإيَّاك أن تنزل إلى من هو مثلك أو دونك من الضعفاء لأنَّ هؤلاء يهبِّطونك، فاصحب الماجد القوي في هذا الجانب فإنَّك تنتفع به، فعليك بذلك.

وأيضًا احرص في هذا الجانب على الأمر الرابع وهو الاختيار للمعلِّم والمتن، فإنَّ العلم لا يمكن أن تأتي عليه كلُّه، صعب ولو عمِّرت ما عمِّرت فاختر من كلِّ فنٍّ أحسنه كتبًا متونًا ثمَّ تقرؤها على المفيد الناصح، المفيد الذي يفيدك في علمك هذا الذي تقرأ المتن عليه، والناصح الذي يبتدؤك بالنصيحة إن رآك بحاجة إليها ولو لم تسأله.

مَا حَوَى الْغَايَة فِي أَلْفِ سَنَةٍ……شَخْصٌ فَخُذْ مِنْ كُلِّ فَنٍّ أَحْسَنَه

بِحِفْظِ مَتْنٍ جَامَـعٍ لِلرَّاجِحِ……تَأْخُذُهُ عَلَى مُفِيدٍ نَـاصِحٍ

فلا بد من الاختيار والانتخاب فخذ المشهور وإيَّاك والمغمور.

وثانيًا: تأخذه على المفيد الذي يفيدك في هذا الفن وعلى الذي ينصح لك بِما يراه إذا رأى ما هو أولى منه.

وثالثًا: لا بد في هذا من الحفظ فالمحفوظ وإن قل ينفع الله به، فهو الذي يبقى في القلوب (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ…)(العنكبوت:49)، فمدح الله هذه الأمَّة بأنَّ علمها في صدورها.

عِلمي مَعي حَيثُما يَمَّمتُ يَنفَعُني……قَلبي وِعاءٌ لَهُ لا بَطنُ صُندوقِ

إِن كُنتُ في البَيتِ كانَ العِلمُ فيهِ مَعي…أَو كُنتُ في السوقِ كانَ العِلمُ في السوقِ

تَكْتُبُ الْعِلْمّ وَتُلْقِي فِي……سَفَرٍ ثُّم لاَ تَحْفَظُ لاَ تُفْلِحُ قَطُّ

إِنَّمَا عِلْمُكَ مَا تَحْفَظُهُ……مَعَ فَـهْمٍ وَتَوَقَّى مِنَ غَـلَطْ

وأحسن ما يكون من الأسباب التي تعين بعد توفيق الله على الحفظ شرخ الشباب ومداومة النظر، أن يكون الإنسان جادًّا في أوَّل عمره وشبابه فإنَّ مرحلة الشباب مرحلة قوَّة الحافظة.

فإنَّ البخاري-رحمه الله-سئل عن هذا-عن أعظم سبب-أو عن سبب حفظ العلم قال: شرخ الشباب ومداومة النظر، فالمداومة للنظر في الكتاب يورثك الحفظ أو قريبًا من الحفظ، الحفظ استظهار في الغالب تستظهر أكثره حيث تستحضره أكثر مِمَّا يغيب عنك، فلا بد من ذلك.

وشرخ الشباب-سن الصغر-مهم جدًا فعليك في أول أمرك إذا كنت في صغرك في أوَّل شبابك أن تركز على الحفظ كتاب الله سنَّة النبي-صلى الله عليه وسلَّم-المتون المعتبرة المحررة عند أهل العلم في جميع الفنون.

ولهذا: فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر، والعلم في الكبر كالكتابة على الماء، هذا من حيث الجملة وإلَّا تعلَّم أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلَّم-وكانوا كبارًا، لكن الفرق بيننا وبينهم أن الحافظة عندهم ليست كالحافظة عندنا، فأذهانهم وقَّادة وذاكراتهم سيَّالة والحافظة قويَّة عندهم-رضي الله تعالى عنهم-.

اليوم الشواغل كثيرة والملهيات كثيرة والأسباب المحاربة للحفظ أكثر وأكثر، فنحن ننصح الطالب في صغره وفي أوَّل شبابه يركِّز على الحفظ لأنَّ الحسن البصري يقول هكذا كما سمعتم: العلم في الصغر كالنقش في الحجر والعلم في الكبر كالكتابة على الماء.

أَرَانِي أَنْسَى مَا تَعَلَّمْتُ فِي الْكِبَرِ……وَلَسْتُ بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْتُ فِي الصِّغَرْ

وَلَوْ فَلَقَ الْقَلْبَ الْمُعَلِّمُ فِي الصِّبَا……لأَلْفَى فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ

وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إِلا تَعَسُّفٌ……إِذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ

وَمَا الْمَرْءُ إِلا اثْنَانِ عَقْلٌ وَمَنْطِقٌ……فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ دُمِّرْ

فنسأل الله-جلَّ وعلا-أن يعين أخانا وأن يوفِّقنا وإيَّاه جميعًا لسلوك هذا الطريق إنَّه جواد كريم، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي : أقول: ما يساعد على الحفظ العمل والتطبيق، كان السلف يستعينون على حفظ معلوماتهم بالعمل، يعني الاكثار من الحفظ بدون عمل-بارك الله فيك-لا ينفع، فمِمَّا يرسخ والله أعلم الحفظ في قلب الإنسان هو أن يعمل.

ويشير أحمد بن حنبل إلى هذا، مِمَّا يستعان على الحفظ بالعمل، إذا بلغك الحديث فاعمل به، النص النافع فاعمل به-بارك الله فيك-، وإذا كان نهي فاجتنبه وعلى بالك دائمًا أن هذا باطل وأن رسول الله قد نهى عنه، وأن الله قد نهى عنه، وما شاكل ذلك.

الله يوفقنا وإيَّاكم لِمَا يحب ويرضى.


  • (مقتطف من اللقاء المفتوح بين الشيخين ربيع المدخلي ومحمد بن هادي المدخلي بمكة ليلة الأحد 7-11-1433هـ).

شاهد-على-اليوتيوب

  • 1441/05/14
  • مشاهدات : 184
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري