السؤال : هل المرأة الحامل عليها طلاق؟.
الجواب : هذه المسألة تقع لبعض العامة، بعض العوام يظن الحامل لا يقع عليها طلاق، ولا أدري من أين جاءهم هذا الظن، وهو لا أصل له في كلام العلماء، ليس له أصل، بل الذي عليه أهل العلم قاطبة، أن الحامل يقع عليها الطلاق، هذا بإجماع أهل العلم، ليس فيه خلاف، الحامل طلاقها إما سنة، وإما لا سنة ولا بدعة، فالحاصل أنه يقع عليها الطلاق، قد ثبت عنه ﷺ أنه قال لابن عمر لما طلق امرأته في حيضها: (أمره أن يمسكها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم يطلقها طاهرًا أو حاملاً) فجعل تطليق الحامل من جنس تطليق الطاهر التي لم تمسّ، فالحاصل أن طلاق الحامل، أمر لا بأس به، بل هو سنة على الراجح، يعني طلاقها سنيّ لا بدعي، وإنما المنهيّ عن تطليقها حال وجودها بالصفة التي نبه عليها النبي ﷺ الحائض والنفساء، فما دامت في حال الحيض، أو النفاس، فإنه لا يجوز لزوجها أن يطلقها، بل يمسك حتى تطهر، ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، أما كونه يطلّقها وهي حائض أو نفساء فلا؛ لأنّ الرسول ﷺ غضب على ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض، وكذلك إذا طلقها في طهر قد مسّها فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام: (قال ثم يطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلّق لها النساء) لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، قال العلماء: معناه طاهرات من غير جماع، هذا تطليق العدّة، يطلقها وهي طاهر لم يمسّها، أو حبلى قد ظهر حملها هذا محل السنة، تطليق المرأة في حالين: إحداهما أن تكون حبلى يعني حاملاً، وطلاقها سنيّ لا بدعيّ، الحالة الثانية أن تكون طاهرًا لم يمسّها الزوج، قد طهرت من حيضها أو نفاسها قبل أن يمسّها، فإن هذا الطلاق سنيّ في هذه الحالة، أما البدعيّ فله ثلاث حالات: تطليق الحائض، هذه واحدة، تطليق النفساء، ثنتين، تطليق المرأة في طهرها بعد المسيس بعدما جامعها، هذا بدعي، لا ينبغي أن يقع، وينبغي للزوج أن يمسك عن الطلاق، في هذه الحال، حتى تحيض ثم تطهر، قبل أن يمسّ يطلق والحكمة في ذلك -والله أعلم-، أن الشارع يريد عدم الطلاق، ويرغب في بقاء النكاح؛ لما فيه من الخير والمصالح؛ فلذا ضيّق الطريق إليه؛ فجعل المرأة في حال حيضها أو نفاسها، أو طهر مسّها فيه، ليست محل الطلاق، حتى يمسك، فلعل الحائض تحسن بعد ذلك، ولعل الوئام يحصل بعد ذلك، فلا يقع الطلاق، ولا يطلقها إلا في إحدى حالين: إحداهما أن تكون حبلى، والثاني أن تكون في طهر لم يمسّها فيه، وهو في هذه الحال في الغالب لا يطلّقها؛ لأنه يرغب فيها، إذا طهرت طلب جماعها، وإذا جامعها منع من طلاقها، حتى تبقى معه، وكذلك الحبلى ليس فيها موانع من الجماع، هي صالحة للجماع في كل وقت؛ فلهذا لا يرغب في طلاقها في الغالب، ولأنه يرجو هذا النتاج هذا الحمل، يرجو أن يشاهده، وأن يربيه، فحينئذ يحصل الامتناع من الطلاق، هذا من رحمة الله للعباد سبحانه وتعالى، أن جعل الطلاق في هاتين الحالين، حالة الطهر من دون مسيس، وفي حالة الحمل حتى لا يطلقها؛ لأنه إذا كانا في هاتين الحالين، فالغالب أنه لا يقع الطلاق في هاتين الحالين؛ لأن بعد الطهر يشتاق إلى جماعها، بعدما منع منها أيامًا في حال حيضها ونفاسها، يشتاق أن يجامعها، فإذا جامعها منع من طلاقها، حتى تحيض مرة أخرى، وتطهر، وفي الحقيقة أن المرأة إذا أراد الزوج الأمر المشروع، فإنه يقل الطلاق، ويكثر الإمساك، والشارع يرغب في بقاء النكاح؛ لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة؛ ولهذا كان الطلاق أبغض الحلال إلى الله، أبغض الحلال إلى الله الطلاق؛ لأنه يفرّق بين الرجل وأهله، ويسبب شيئًا كثيرًا، من الأذى على الأولاد، والزوج أيضًا قد يتأخر ما يتزوج والمرأة تتأخر ما تزوجت بعد ذلك، فالحاصل أن الطلاق فيه مساوئ؛ فلهذا شرع الله سبحانه وتعالى أسباب بقاء النكاح؛ ليبقى الرجل محافظًا على زوجته مستفيدًا منها، وتبقى المرأة كذلك في عصمة زوجها في هذه الأحوال التي بينا أنه لا يطلّق فيها، وهي: حالة الحيض حالة النفاس حالة الطهر التي قد جامعها فيه، هذه الأحوال الثلاثة لا يطلّق فيها، ولا يجوز له الطلاق فيها، وبهذا يقلّ الطلاق، ويكثر الإمساك، وهذا من رحمة الله وإحسانه إلى عباده جل وعلا.