الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد سمعت سؤال السائل لإخوانه من بلاد روسيا حول الاقتراض الربوي من البنوك؛ لاشتراء منازل، وهل هذا يجوز ؟، وهل الذين يبيعون البيوت من الإخوة هناك الذين يبنون هذه البيوت ويبيعونها؛ هل يجوز لهم أن يبيعوا لهؤلاء؟ علماً بأنَّ البيع لا يتم إلا بعد أن ترفع الأوراق إلى البنك؛ ليتأكد من البيت، ومواصفاته، وثمنه، ثم بعد ذلك يُجري الموافقة على الاقتراض، ليشتري هذا المقترض هذا البيت من الإخوان الذين يقومون ببناء هذه المساكن ، هكذا؟.
فأقول: أولاً: الله – جل وعلا – قد حرم الربا في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ تحريمًا صريحًا واضحًا، قال الله – جل وعلا – : {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة ، قال – جل وعلا – : {اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} سورة البقرة ، فالشاهد: أنَّ الربا حرام بنص القرآن في الآية السابقة: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة ، فالبيع من هؤلاء البائعين يصح على من اشترى منهم إذا لم يعلموا حاله وحال ماله، بيعهم صحيح، أما أنَّ هذا المقترض يقترض بالربا ليشتري بيتًا؛ فهذا لا يجوز له، وعليه أن يستدين ويوفي الدين بطريقة شرعية صحيحة؛ إما بأن يستدين ممن يعينه من إخوانه الذين وسع الله عليهم، وإما أن يشتري بضاعة فيبيعها، ثم يأخذ ثمنها، فيشتري به، وهذه المسألة تسمى عند العلماء «مسألة التورق»؛ يعني المرء يشتري السلعة لا حاجة له بها أو إليها، وإنما يريد أن يبيعها ليحصل على الورق، والوَرِق هو الفضة، الدراهم، فمن هنا سُمِّيت المسألة باسم «التورق»، يريد الورق، يريد المال، يريد الدراهم ، لأنَّ العملة قديماً كانت بالدنانير الذهبية، وبالدراهم الفضية، فالدينار الإسلامي يساوي اثني عشر درهماً، فالدراهم هي من الفضة، وتسمى الورق، والذهب فيه الدنانير أو منه الدنانير، فهذه المسألة تسمى «التورق»، فإذا لم يجد من يقرضه؛ فإنه يسلك هذه الطريقة وفيها – ولله الحمد – غُنية، وفيها خلاص له من أن يقع في الربا، فأضرب لكم مثالاً: ليشتري مثلاً سيارة أو سيارتين، ويبيعهما، يشتريها بالتقسيط؛ مُفَرَّقة مؤجلة،أقساط، فيشتري مثلاً سيارتين بمئتي ألف ريال سعودي مثلاً – نضربه مثالاً – بمئتي ألف ريال، ويُقدِّمها في هذا السكن بمئة وخمسين، أو بمئتي ألف ريال، أو بمئتين وخمسين ألف ريال، ثم هو يُسدد هذه السيارتين أو هاتين السيارتين للشركة التي اشترى منها، وبهذا يتخلص من الوقوع في الربا، وبالله التوفيق، نبهني ابني على تكملة السؤال ؛ وهو أنَّ الإخوة هؤلاء الذين يبنون المساكن إذا علموا، نقول : نعم إذا علموا أن أخاهم المسلم هذا يشتري من البنك أو بقرض ربوي من البنك يشتري منهم؛ فعليهم أن ينصحوه، هذا أولاً، وثانياً : عليهم هم أن يرفقوا به، ويتعاونوا معه، ويُخفّضون له في السعر، فلا هم يخسرون، وإنما يحصل لهم الربح اليسير الذي فيه الإرفاق بإخوانهم المسلمين، فيعينونهم على تملك المساكن، ولا يَشُقُون عليهم، نعم.
سَجَّل هذا الجواب بصوته محمد بن هادي، في يوم الاثنين الموافق للثالث عشر من شهر الله المحرَّم، عام خمسة وأربعين وأربع مئة وألف من هجرة المصطفى ﷺ بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.