{خطبة الجمعة بجامع إسكان الأمير محمد بن ناصر بمدينة جازان 1439/03/20هـ}
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(آلِ عِمرَانَ: 101)، والقائل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)(آلِ عِمرَانَ: 103)، وأصلي وأسلم على خيرته من خلقه نبينا محمدٍ ﷺ القائل: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالةٍ في النار) صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعد :
فيا أيها الناس اتقوا الله حق التقوى ، واعلموا أنكم في هذه الدار ماكثون قليلًا ومنتقلون إلى ربكم -تبارك وتعالى- ، فنحن وإياكم ما بين مُكَرَّمٍ سعيد ، وما بين موبخٍ ومحَقَّرٍ ومُذلَّلٍ في نار الوعيد -عياذًا بالله من ذلك- ، أيها المؤمنون إنكم كما تعلمون آخر الأمم كما أخبر النبي ﷺ ، ومع كونكم آخر الأمم فأنتم أشرف الأمم وأكرمها على الله -جل وعلا- وذلك لشرف نبيكم ﷺ ، فهو سيد ولد آدم ولا فخر كما قال -عليه الصلاة والسلام- ، هو أول شافع وأول مُشَفَّع ، وهو أول من يستفتح الجنة ويدخلها -عليه الصلاة والسلام- .
أيها الناس إنكم في آخر الزمان ، وقد أخبركم نبيكم ﷺ بكثرة الفتن في آخر الزمان كما سمعتم في الحديث السابق: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرًا) ، اختلافٌ كثيرٌ في العقائد ، واختلافٌ كثيرٌ في الطرائق والمناهج ، واختلافٌ كثيرٌ في الآراء والأفكار والمذاهب ، فتنٌ متلاطمة تتلاطم كما يتلاطم موج البحر، فتنٌ يُرقِّقُ بعضها بعضاً ، تجعل الحليم حيران ، وكما قال -عليه الصلاة والسلام- : (يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا ، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا).
أيها المؤمنون إنكم ترون وتلاحظون ما اتفتح علينا معشر المسلمين من أبواب الفتن والعياذ بالله ، فتنٌ بالشبهات وفتنٌ بالشهوات ، أما الشبهات فالتلبيس على الناس في دين الله -تبارك وتعالى- ، تعددت الأهواء وكثر الدعاة إليها لا كثَّرهم الله ، حَرَفوا كثيرًا من الناس عن جادة الصواب ، والله -سبحانه وتعالى- قد أنزل لهم المخرج صريحًا في هذا الكتاب ، وذلك في قوله -جل وعلا- : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)(آلِ عِمرَانَ: 103).
وقوله -سبحانه وتعالى- (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(٣٥١ سورة الأنعام) ، (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا) ؛ صراط الله المستقيم هو الذي بعث الله به نبيَّه الكريم ، وأنزل عليه به كتابَه العظيم (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)(سورة الفاتحة) ، (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا)(سورة النساء).
أيها المؤمنون قد نصح لنا نبيُّنا -عليه الصلاة والسلام- ، وأبان لنا المخرج في تفسيره لهذه الآية العظيمة التي هي في آخر سورة الأنعام ، حيث تلاها وخطّ خطًّا مستقيماً طويلاً ، وعلى جَنَبَتَيْه خطوطٌ متعدّدة ، ثمّ قال -عليه الصلاة والسلام- : (هذا صراط الله المستقيم، وهذه هي السُّبل).
أيها المؤمنون داعٍ إلى الشرك طالعٌ علينا برأسه، داعٍ إلى حُرّيّة الإعتقاد كما زعموا -قبّحهم الله- أطلعَ علينا رأسَه القبيح وأطلق لسانه البذيء في هذه الأيام ، دعوى الحرية الشخصية دعوًى خبيثة.
إنّ الحريّة يا عبادَ الله لها حدودٌ جاء بها الشرع ، فما أباح لكَ فيه الاختيار ، فأمره عائد إليك ، وما لا يجوز لك ، فليس لك فيه إلاّ الإتباع والاقتداء بهذا النبيّ ﷺ.
فالإنسان مُخيّر في أشياء، ومُسيّر في أشياء ، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي اختار لعباده ما يَصلُحُ لهم ، ويُصلِحُ لهم دنياهم ، ويُصلِحُ لهم أُخراهم ، فما علينا معشرَ الإخوة إلاّ الإتباع ، والحذرَ الحذر مِن اتباع هذه الدعوات الباطلة ، الضالة المُضلِّلة، إنّه ما اتّبعها مَن اتّبعها إلاّ بسببِ ضعف اليقين ، وقلّةِ العلم بما جاء عن ربّ العالمين ، وجاء به رسوله الكريم ﷺ ، (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإنّ كلّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعة ضلالة) ، وصحَّت زيادةٌ عنه ﷺ عند النسائي وغيره بإسناد صحيح : (وكلُّ ضلالة في النار).
معشرَ المسلمين هكذا قال نبيّكم ﷺ إذا نزلت الفتن وطبّق الخلافُ الأرض فإنّ المخرَج يا عبادَ الله إنّما هو في التمسكِ فيما جاء به -صلوات الله وسلامه عليه- وما جاء به من بعده خلفاؤه الراشدون -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- ، وما سار عليه أصحابه البررة -رضي الله عنهم أجمعين-
فالطريق هو الذي ساروا فيه، وما خالفه فليس بالطريق كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلاّ ما أصلح أوّلَها)
عبادَ الله إنّ الفتن إنّما تنزل، والشبهات والشهوات إنّما تُطبِقُ في الأرض إذا ذهب الله بالعلماء ، العلماء العارفين بكتابه وسنّة نبيّه ﷺ ، فهم اللذين يبينون للناس وينصحون لهم ، فإذا ذهب العلماء فعلى المسلمين السلام ، يقول -عليه الصلاة والسلام- : (إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) ، إذا ذهب العلماء نزلت المصائب وحلت الظلماء وانطمست آثار بيضاء -عياذًا بالله من ذلك- ، يقول -عليه الصلاة والسلام- : (إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم) وفي رواية : (حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذوا الناس رؤوسًا جهالاً ، فسئلوا فأجابوا بغير علم ، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
أيها المسلمون : انظروا إلى قيمة علماء الشريعة الصادقين الناصحين المتمسكين بما جاء به رسول رب العالمين -صلوات الله وسلامه عليه- ، هذه منزلتهم فعرفوها لهم -حفظكم الله- ، واستنيروا بما يقولونه لكم ، وارجعوا إليهم ، وميزوا بينهم وبين المثقفين اللذين لا يعرفون من الدين إلا أبجدياته لكنهم متحذلقون متمنطقون ، فلا يلتبسوا عليكم بأهل العلم الصادقين الناصحين الواعظين المرشدين الحريصين على أمة الإسلام ، الوجلين عليها ، فالتمسوهم بين الناس ، وتعرفوا عليهم ، وارجعوا إليهم ، فهم صمام أمان بإذن الله لهذه الأمة المباركة الشريفة الكريمة على الله ، بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمدالله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق المبين إله الأولين والأخرين ، قيوم السموات والأرضين ، شهادة أذخرها عنده يوم يقوم الناس لرب العالمين ، يوم يبعثر ما في القبور ، ويحصل ما في الصدور ، وأصلي وأسلم على خيرته من خلقه وصفوته وخليله نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ﷺ وعلى آلة وأصحابه وأتباعه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد : فأيها الناس ثبت عن رسول الله ﷺ عن طريق عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنه قال : (افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقةً , وافترقتِ النصارَى على اثنتَينِ وسبعينَ فرقةً , وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً)، قيل : من هي يا رسولَ اللهِ؟ ، فقال ﷺ : (مَن كان على مِثلِ ما أنا عليه اليوم وأصحابِي) ، أيها المسلمون أنتم ترون وتسمعون في هذا الحديث الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام- أن المخرج حين حصول الفرقة وحين حصول الاختلاف ، وحين حصول الشر في آخر الزمان ؛ إنما هو فيما وصفه رسول الله ﷺ وهو : التمسك بما جاء به ، وبقي عليه ، وعاش عليه حتى فارق هذه الدنيا -صلوات الله وسلامه عليه- وتبعه عليه أصحابه بدأ بخلفائه الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة أجمعين ، إن الطريق إلى الجنة هو الذي بقي عليه أصحاب رسولكم ﷺ ، فما كان ذلك اليوم ديناً فهو الدين اليوم ، ومالم يكن ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً .
أيها المسلمون : إننا في هذا الزمن قل فيه العلم الشرعي ، قل العلم الموروث عن رسول الله ﷺ ، وذلك بذهاب العلماء وقلتهم في هذا العصر ، وكثرة المتحذلقين من السفهاء ، ومن المتشبهين بالعلماء وليسوا هم بعلماء والله ، كثر الجهل وعم الجهل ، قلت المعرفة بالسنة ، فشت أمية لكنها جديدة ، أمية ليست كالأمية الأولى ، أكثر الناس يقرؤون ويكتبون لكن الحظ من العلم الشرعي الذي جاء به رسولنا ﷺ قد أضحى قليلاً ، بل وإن شئتم أن أقيم لكم شاهداً لا نختلف أنا وأنتم عليه هو ما ترونه وتسمعونه ، إذا تميز الشاب في دراسته فتخرج من الثانوية بدرجات عالية متفوقاً فيها قيل له : يا بني أقبل على كليات الشريعة وتعلم سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- ، وتفقه في الدين عسى الله أن ينفع بك المسلمين ، قال القائلون المشاغبون : أبعد هذه الدرجات يذهب إلى كلية الشريعة ، لماذا لا يذهب إلى الهندسة؟ ، لماذا لا يذهب إلى الصناعة ؟ ، لماذا لا يذهب إلى البترول ؟ ، لماذا لماذا لا يذهب إلى كذا وإلى كذا ، الله أكبر ، الله أكبر هان على هؤلاء العلم بدين الله والمعرفة بشرعه فأصبحت لا تساوي شيئاً مع ما يقصد من عرض الدنيا ، هذه والله هي المصيبة ، وهي الانتكاسة في العقول ، وهي ضحالة الفهم -عافانا الله وإياكم من ذلك- ، إن الأمة اليوم بحاجة إلى علماء ربانيين صادقين ناصحين صابرين ، ناصحين للناس يهدونهم بدين الله -جل وعلا- ، يبصرونهم به من العمى ، ويحيون به من ضل ، ويعيدونه إلى طريق الهدى ، هؤلاء العلماء هم اللذين يحفظ الله بهم الأمم .
أيها الناس: إنكم في هذا العصر بحاجة ماسة أكثر من أي عصر مضى إلى أن تحثوا أبنائكم على سلوك طريق العلم الشرعي الذي يستنيرون به وينيرون به بإذن الله ، ولاسيما وقد كثر المضللون للناس في هذه الآونة الأخيرة في هذه القنوات وهذه الوسائل المتعددة ، فضل كثير من الناس بسبب من تظاهر للناس بأنه عالم وليس بعالم .
أيها المؤمنون: أختم كلامي بما أمرنا الله وإياكم به وذلك في قوله -سبحانه وتعالى- : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)(سورة الأحزاب).
وقال -عليه الصلاة والسلام- : (من صلى على صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً)، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك ونبيك محمد وعلى آلة واصحابه وأتباعه بإحسان، والرضى اللهم عن الصحابة أجمعين وخص منهم الخلفاء الراشدين اللذين قضوا بالحق وكانوا به يعدلون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية صحبه ومن تبعهم بإحسان وعمن معهم بكرمك يرحم الراحمين،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الأثلام وأذل الكفر والكافرين وأذل الكفر والكافرين وأذل الكفر والكافرين، اللهم أصلح احوالنا واحوال المسلمون في كل مكان اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم وفق إمامنا لما تحبه وترضاه وخذ بناصيته إلى البر والتقوى، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد ﷺ، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.
تم بحمد لله ، إذا تم إيجاد أخطاء في التفريغ يرجى مراسلتنا على الواتساب :
الفوائد المنتقاة :
• دعوى الحرية الشخصية دعوى خبيثة
• إذا ذهب العلماء نزلت المصائب وحلت الظلماء
• المخرج حين حصول الفرقة والاختلاف والشر في آخر الزمان
• هان على هؤلاء العلم بدين الله والمعرفة بشرعه