فالآن الناس يعيبون مشايخ السنة في هذا الزمان بأنهم ما عندهم إلا النصوص ، النصوص والواحد إذا تكلم يحشر الآيات والأحاديث هكذا يقولون يحشر الآيات والأحاديث ما عنده إلا هذا ويسمون من يفعل ذلك بأنه ما عنده فن التخاطب مع الجماهير واليوم نراهم يقيمون دورات لهذا الباب الذي يسمونه فن التخاطب مع الجماهير أو فن خطاب الجمهور أو فن مخاطبة الجمهور فيتخرج الذين يتخرجون على أيديهم كمثل ما قال المصنف – ابن رجب- رحمه الله – على هذا النحو الذين كانوا في زمانه يقول : (ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون أن من توسع بالقول من المتأخرين أعلم ممن تقدم) وهكذا فإذا كان هذا في زمانه فكيف نحن الآن في زماننا وصدق ابن مسعود (أنت في زمان) زمانه اليوم (كثير فقهاؤه قليل خطباؤه وسيأتي عليك زمانٌ كثير خطباؤه قليل فقهاؤه) ونحن اليوم فيه خطباء كثر لكن الفقه وأهله قله وما ذاك إلا لأن هؤلاء يحسنون الكلام ولا يحسنون الفقه الكلام كله أحد يحسنه لكن الفقه لا يحسنه إلا القليل ، يحسنون الكلام ولكن لا يحسنون الفقه لأن الفقه مكلف متعب ، الفقه هو معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية هذا مكلف يحتاج تعلم قواعد العلم التي يتفقه الإنسان بها ، وهذا شاق عليهم فما عندهم إستعداد له أما الخطابة والمسابقة إليها فإنهم يحسنون ذلك ، ولهذا لا يغركم كثرة الخطباء ولا تظنوا أن من خطب فهو عالمٌ أو فقيه ، لا ، الفقيه هو الذي يعرف الأحكام الشرعية في نفسه يستفيد ويفيد الناس ومن لم يمش على طريقة أصحاب رسول الله ﷺ فلا خير في طريقته ، والعلم هو ما جاء به أصحابه رسول الله ﷺ ، وما جاء به أصحاب رسول الله ﷺ قسمان: قسم مروي عن رسول الله ﷺ ، وقسم قالوه هم بمقتضى علمهم وفهمهم لكلام الله وكلام رسوله ﷺ ، ومن لم يجمع كلامهم فاته العلم .
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلان
والعلم أقسام ثلاث مالها من رابع والحق ذو تبيان
علم بأسماء الإله وفعله وكذلك الأوصاف للرحمن
الْعلم قَالَ الله قَالَ رَسُوله قَالَ الصَّحَابَة ليس خلفٌ فيه
مَا الْعلم نصبك للْخلاف سفاهة بَين الرَّسُول وَبَين رَأْي فقيه
كلا وَلَا نفي الصِّفَات جهالة حذراً من التعطيل و التشبيه
هذا هو العلم وما عداه فهو الجهل ، فنحن إذا قلنا ما عندنا إلا ما جاء به أصحاب رسول الله ﷺ فنحن نعتز بذلك ونفتخر به إذ هو خير العلوم ، لأن فهم نقلته أيضاً بعدهم خير الفهوم ، ولهذا تنافس السلف الصالح من بعد الصحابة في كتابة الحديث و كتابة أقوال أصحاب رسول الله ﷺ ، واتخذوا السبيل الصحيح الى ذلك وهو معرفة الجرح والتعديل ، ومعرفة علم العلل الذي يعرفون به صحيح الحديث من سقيمه ، والذي لا يعلم هذا يخبط خبط عشواء ، فلا يفرق بين صحيح وضعيف ، وكل ما نقل له لا يثق به لأنه لا يعرف كيف يميز بين الثابت وغير الثابت ، فهو لجهله محتار يجوز هذا الكلام عنده ثابت ويجوز أن يكون غير ثابت ، فهل هذا ومن آتاه الله الطريقة الصحيحة سواء ، لا شك أنهم ليسوا سواء ، فالصحابة j هم نقلة هذا العلم وهم الواسطة بيننا وبين رسول الله ﷺ ، وليعلم أن من عاب هذه الطريقة على علمائنا اليوم فإنه يلزمه العيب في هذا لكل من تقدمهم على هذا الطريق إلى أصحاب رسول الله ﷺ بل إلى رسول الله ﷺ بل الاعتراض على القرآن الكريم و مخالفة طريقته والذين قد سبقونا يبينوا أنهم ما قل كلامهم لعجز ولا لضعف وإنما لكمال علم وقوة فقه وفهم ، لأنهم يعلمون أن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثر خطؤه ، ومن قل كلامه قل سقطه ، ومن قل سقطه قل خطؤه يعرفون هذا تمام المعرفة .