من المذموم في العلم وهو من طريق الخلف الذي أحدثوه ثم ركبوه ،والسلف قد كانوا على خلافه فكانوا ازكى وأهدى واعلم وافقه وأكثر نفعاً للناس بكلامهم ، هذا النوع هو المراء والخصام والجدال فى الدين في مسائل الحلال والحرام ، وما ترك السلف له وإعراضهم عنه وتحذيرهم من الدخول فيه إلا لأن النهي في كتاب الله وعن رسول الله ﷺ وعن الصحابة -رضي الله عنهم- قد جاء عنهم ، فترسَّموا هذا المنهج ، قال الله -جلَّ وعلا-: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) ، وهذا أرادوا به رد الحق، يعني أن هؤلاء المشركين وآلِهتهم التي عبدوها من دون الله بالباطل سيحشرون الى جهنم (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) الآيات ،لما كان هذا قالوا نحن عبدنا هذه الآلهه ونحن وإياها نُحشر كلنا في جهنم ، والنصارى عبدوا المسيح فهم وإياه سواء ، وإلا كيف تفرقون! ، فرد الله – تبارك وتعالى – عليهم : (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) يريدون ان يسكتوا صاحب الحق والمُتكلم بالحق بأي كلام المهم انه تكلم ما سكت ماهزم ما غلب لابد وان يتكلم بحق أو بباطل، فذمه الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية ،قال -جل وعلا- مخاطبًا نبيه ﷺ في قصة أصحاب الكهف : (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) فنهاه -سبحانه وتعالى- عن المُمارة ، وأباح له شيء منها وهو أن يتكلم بما يظهر به الحق ولا أكثر من ذلك ، والآيات في هذا أيضاً كثيرة ، وأما الحديث الذي سمعنا مما قرأه علينا اخونا جزاه الله خيراً :
(ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل) ، ولأجل ذلك رغب رسول الله ﷺ في ترك هذا قبل أن يقع ، حديث أبي أمامة – رضي الله عنه – : (أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ) فهذا الحديث ترغيب لكل مسلم ليلجم نفسه عن المراء رغبة في هذا الأجر ، ولو كان محق انظر كيف ولو كان محقًا ، فهذه العبارة معشر الإخوة والأبناء اجعلوا تحتها خطوط ، ومنها أخذ مالك – رضي الله عنه – وأحمد – رضي الله عنه – وغيرهم من أئمة الهدى من التابعين ومن بعدهم ، أخذوا مقالتهم الشهيرة التي ذُكرت عن مالك هنا – كتاب فضل علم السلف على علم الخلف – وعطف عليها المصنف – ابن رجب – أحمد ولم يحكي لفظه فيها ، ذلكم قولهم : ” بين السنة ولا تخاصم عليها ” فأنت إذا قلت للناس : قال رسول الله ﷺ ، واعترض معترض ، ودخلت معه في لجج ، ضيعت الغاية المقصودة والفائدة المنشودة وهي : إيصال السنة إلى الناس ، تضيع في خضم الجدال ، أما إذا جادل المجادل وأنت تقول : قال رسول الله ﷺ وتسكت ، تقول هذا قول النبي ﷺ ولا تزيد عليه ، فبالله عليكم كيف وقعه في قلوب العامة ، أنا أسألكم كيف وقعه ؟ ، وقعه عظيم ، إذ أنت تقول له هذا قول رسول الله ﷺ ، وهو يأبى إلا أن يقول ويقول محاولاً رده ، أو تحريفه ، فيقع كلامك في قلوب الناس موقعًا ، ويستسفهون المعارض لك ، ويستذلونه ، ويستحقرونه ، بخلاف مالو دخلت معه ضيعت السنة التي تريد إيصالها ، فتضيع في خضم الجدال ، فالنبي ﷺ قال : ” لمن ترك المراء وإن كان محقًا ” فالسلف – رحمهم الله – ما كانوا يخاصمون ، يبينون الأدلة الواردة في المسائل ولا يخاصمون فيها ، ويعيبون الخصومة فيها عيبًا شديدًا ، وذمًا شديدًا ، يذمونها ذمًا شديدًا ، ولهذا كان كلامهم في العلم قليل ونفعه كثير ، ومن بعدهم كلامهم كثير ونفعه قليل ، ولكن العلماء من هذا الجدل استثنوا نوعًا واحدًا منه وهو : ما كان المراد فيه الذب عن الدين ، وإظهار الحق ، وقد جاءت فيه الأدلة أيضًا في كتاب الله – تبارك وتعالى – ، قال – جل وعلا – : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية ، فأباح الجدال لاظهار الحق وتبيينه للخلق ، فإذا كان المقصد من هذا الجدل هذه الغاية الشرعية فلا بأس ، وهؤلاء الذين ذكر عنهم هذه الآثار قد أُثر عنهم الجدل من هذا النوع ، مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي والنخعي وغيرهم أُثر عنهم جدال شرعي صحيح من هذا النوع ، فمالك جادل بالحسنى ذلكم الرجل الذي قال له : ” الرحمن على العرش استوى ” كيف استوى ؟ ، فجاءت عبارته المختصرة التي أصبحت محفوظة لكل أحد كالوحي ، لم ؟ ، لأنها مأخوذة من مشكاة الوحي ، قال : ” الإستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والايمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعًا ” ثم أمر به فأخرج من مسجد النبي ﷺ كان مالك مالك إمام ما يجرؤ أحد في زمنه بعدما تفرد بالإمامة في المدينة على أن يخالفه ، فأخرج من مسجد النبي ﷺ ، فجادله بلطف ، وبعلم ، وبقصد ، ما شقق الكلام ولا تجاوز فيه .
والنبي ﷺ كما تقدم معنا بالأمس أخبر أن الله يكره الرجل البليغ الذي يتخلل بلسانه كتخلل الباقرة بلسانها أو البقرة بلسانها أيضًا كما جاء في لفظ فالبلاغة كما يفسرها ويعرفها علماء البلاغة -أهل البلاغة- بأقسامها الثلاثة : “البيان والمعاني والبديع” هذه أنواع البلاغة الثلاثة ؛ فالبلاغة عندهم تعددت تعريفاتهم لها ، وأجملوا هذا التعريفات قولهم : البلاغة الإيجاز ، وهذا قد أمر الله به رسوله ﷺ مع المخالفين إلا إذا كانوا مبطلين قال تعالى : {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} بليغًا ؛ فالبلاغة في الإيجاز ولهذا من أوجز بل أوجز عبارة في القرآن قول الله تبارك وتعالى : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} جار ومجرور -كلمتين فقط- ، ولهذا قالوا : القتل أنفى للقتل ، لكن كان كلام الله أبلغ هنا يقولون : القتل أنفى للقتل -العرب- يعني إذا اقتص من القاتل انتفى بعد ذلك حصول القتل فيما بين الناس لكن اسمعوا قول الله : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ما قال: أنفى للقتل قال: حياة فكلمة حياة أجمل من قوله : أنفى في القتل لماذا ؟ ، تلك جاءت بلفظ نفي القتال ، هذه جاءت بشيء ينعش الحياة فكان هذا في النفس ، وعند من رقَّ طبعه وروَف سمعه وفقه العربية أجمل وأبلغ ولهذا قال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ما قال: أنفى للقتل ، أيهم أجمل ؟ لا شك ؛ يعني لو لم يكن هذا بس من القرآن جاءت العبارة من غير لكانت هذه أجمل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هناك كل قتل مادة قتل مخيفة هذه في الأولى قال: قصاص ، والثانية قال: حياة ؛ فالحياة تستمر إذا اقتص من هؤلاء الذين يقتلون الناس ، ويسعون في الأرض فسادًا ؛ فالبلاغة في الإيجاز ، والسلف -رحمهم الله- كان كلامهم قليلًا كما قلنا ونفعه كثير فيجب على من سلك سبيلهم في التعلم والتعليم أن يسلك طريقتهم التي سلكوها في التعلم والتعليم ، وهذا الذي ترون الآن الفرق بين أشياخنا الذين أكثرهم قد مات -رحمة الله عليهم – وجزى الله الباقين منهم خيرًا على ما يبذلون ممن هم على قيد الحياة ، تقرأ عليه الصفحات لا يعلق إلا تعليقًا خفيفًا ؛ لأنه ينظر إلى الطالب أمامه ، ويعرف مستواه ؛ فيخاطبه على مستواه فما كان لا يحتاج إلى إكثار لا يكثر ، وما كان يحتاج إلى بيان بيَّن ، وإذا أشكل على المستمع شيء سأل عنه فأجابه ، وبهذا نفعوا وانتفعوا -رحمهم الله تعالى-.
والمؤلف – رحمه الله – يتكلم على أقوام في زمانه وقع منهم هذا ، ويقول : وفي زماننا وفي زماننا ، فكيف لو رأى زماننا اليوم ؟ ، ماذا عسى أن يقول فيه ؟ ، فالآن الناس يعيبون مشايخ السنة في هذا الزمان بأنهم ما عندهم إلا النصوص ، النصوص والواحد إذا تكلم يحشر الآيات والأحاديث هكذا يقولون يحشر الآيات والأحاديث ما عنده إلا هذا ويسمون من يفعل ذلك بأنه ما عنده فن التخاطب مع الجماهير واليوم نراهم يقيمون دورات لهذا الباب الذي يسمونه فن التخاطب مع الجماهير أو فن خطاب الجمهور أو فن مخاطبة الجمهور فيتخرج الذين يتخرجون على أيديهم كمثل ما قال المصنف – ابن رجب- رحمه الله – على هذا النحو الذين كانوا في زمانه يقول : (ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون أن من توسع بالقول من المتأخرين أعلم ممن تقدم) وهكذا فإذا كان هذا في زمانه فكيف نحن الآن في زماننا وصدق ابن مسعود (أنت في زمان) زمانه اليوم (كثير فقهاؤه قليل خطباؤه وسيأتي عليك زمانٌ كثير خطباؤه قليل فقهاؤه) ونحن اليوم فيه خطباء كثر لكن الفقه وأهله قله وما ذاك إلا لأن هؤلاء يحسنون الكلام ولا يحسنون الفقه الكلام كله أحد يحسنه لكن الفقه لا يحسنه إلا القليل ، يحسنون الكلام ولكن لا يحسنون الفقه لأن الفقه مكلف متعب ، الفقه هو معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية هذا مكلف يحتاج تعلم قواعد العلم التي يتفقه الإنسان بها ، وهذا شاق عليهم فما عندهم إستعداد له أما الخطابة والمسابقة إليها فإنهم يحسنون ذلك ، ولهذا لا يغركم كثرة الخطباء ولا تظنوا أن من خطب فهو عالمٌ أو فقيه ، لا ، الفقيه هو الذي يعرف الأحكام الشرعية في نفسه يستفيد ويفيد الناس ومن لم يمش على طريقة أصحاب رسول الله ﷺ فلا خير في طريقته ، والعلم هو ما جاء به أصحابه رسول الله ﷺ ، وما جاء به أصحاب رسول الله ﷺ قسمان: قسم مروي عن رسول الله ﷺ ، وقسم قالوه هم بمقتضى علمهم وفهمهم لكلام الله وكلام رسوله ﷺ ، ومن لم يجمع كلامهم فاته العلم .
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلان
والعلم أقسام ثلاث مالها من رابع والحق ذو تبيان
علم بأسماء الإله وفعله وكذلك الأوصاف للرحمن
الْعلم قَالَ الله قَالَ رَسُوله قَالَ الصَّحَابَة ليس خلفٌ فيه
مَا الْعلم نصبك للْخلاف سفاهة بَين الرَّسُول وَبَين رَأْي فقيه
كلا وَلَا نفي الصِّفَات جهالة حذراً من التعطيل و التشبيه
هذا هو العلم وما عداه فهو الجهل ، فنحن إذا قلنا ما عندنا إلا ما جاء به أصحاب رسول الله ﷺ فنحن نعتز بذلك ونفتخر به إذ هو خير العلوم ، لأن فهم نقلته أيضاً بعدهم خير الفهوم ، ولهذا تنافس السلف الصالح من بعد الصحابة في كتابة الحديث و كتابة أقوال أصحاب رسول الله ﷺ ، واتخذوا السبيل الصحيح الى ذلك وهو معرفة الجرح والتعديل ، ومعرفة علم العلل الذي يعرفون به صحيح الحديث من سقيمه ، والذي لا يعلم هذا يخبط خبط عشواء ، فلا يفرق بين صحيح وضعيف ، وكل ما نقل له لا يثق به لأنه لا يعرف كيف يميز بين الثابت وغير الثابت ، فهو لجهله محتار يجوز هذا الكلام عنده ثابت ويجوز أن يكون غير ثابت ، فهل هذا ومن آتاه الله الطريقة الصحيحة سواء ، لا شك أنهم ليسوا سواء ، فالصحابة j هم نقلة هذا العلم وهم الواسطة بيننا وبين رسول الله ﷺ ، وليعلم أن من عاب هذه الطريقة على علمائنا اليوم فإنه يلزمه العيب في هذا لكل من تقدمهم على هذا الطريق إلى أصحاب رسول الله ﷺ بل إلى رسول الله ﷺ بل الاعتراض على القرآن الكريم و مخالفة طريقته والذين قد سبقونا يبينوا أنهم ما قل كلامهم لعجز ولا لضعف وإنما لكمال علم وقوة فقه وفهم ، لأنهم يعلمون أن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثر خطؤه ، ومن قل كلامه قل سقطه ، ومن قل سقطه قل خطؤه يعرفون هذا تمام المعرفة .
الأوزاعي يقول : ” العلم ما جاء به أصحاب محمد ﷺ ، فما كان غير ذلك فليس بعلم ” ، واليوم ما عندكم إلا حدثنا أخبرنا ، رواه فلان خرجه فلان ، هكذا يعيبون علماء السنة ، وماذا يريدون ؟ ، يريدون المفكرين كما يقولون ، مفكر إسلامي ، يفكر في كل شيء إلا في الإسلام الصحيح لا يعرفه ، هذا هو المفكر الإسلامي ، وإذا شئت أن تقرأ لبعض هؤلاء المفكرين كتبهم في الإسلام وعن الإسلام فانظر الجهل فيها عن الإسلام ، أول ما تجد عند جمهور كثير منهم التوحيد الذي بعث الله به محمدًا ﷺ عنده هو توحيد الربوبية ، وأما توحيد الأسماء والصفات فلا يذكرونه أبدًا ، لأنهم يعلمون أنه أيضًا حصلت بسببه المذاهب المخالفة ، وحصلت الفرق ، حصلت ردود أهل السنة على أهل الباطل ، وهم لا يريدون أن يفرقوا أمة الإسلام ، هؤلاء هم المفكرون الذين طلعوا على الناس ، كلامهم كثير ونفعه قليل ، تجد الكتاب هذا كبره هكذا أربع مئة صفحة خمس مئة صفحة ، ما تكاد تقرأ منه صفحتين إلا ويقسوا قلبك ، مافي إشراقة العبارة الإستدلال بكلام الله وكلام رسول الله ﷺ ، ولهذا ينبغي علينا جميعًا أن نحذر غاية الحذر من هذا ، وأن نعلم أن الخير كله في متابعة السنة التي جاء القصد فيها ، وجاء فيها الإخبار بأن من سلك هذا الطريق المقتصد فإنه هو الموفق بإذن الله – تبارك وتعالى – .
وصالح بن كيسان قد ندم حينما كان هو والزهري في هذا الباب ، في عهد عمر بن عبدالعزيز كتب إلى الزهري كتب إلى صالح بن كيسان أن انظر ماكان عندك من حديث رسول الله ﷺ في المدينة فاكتب به إلينا وتتبعه ، واكتب إلي بحديث عمرة وذكره ، قال : فكتبنا أنا والزهري حديث رسول الله ﷺ ، ثم كتبنا أقوال الصحابة ، ثم اختلفنا في أقوال التابعين فقال : نكتب ، وقلت : لا نكتب ، فكتب الزهري ولم أكتب فكان أعقل مني يقول ابن كيسان ، هؤلاء هم الذين يؤخذ كلامهم – رحمهم الله تعالى – ، لأن على كلامهم نور الايمان ، ونور الوحي ، وأما من دخل في هذا الجانب الذي ذمه السلف وهو المراء والجدال وتشقيق الكلام ، ومحاولة ابهار الناس بتشقيق الكلام والعبارات فإنما هو في الحقيقة مذموم في كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وأقوال أصحابه ، وفي أقوال التابعين وأتباع التابعين ، عصر مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ، كل هؤلاء ذموه ، فيجب أن يكون الإنسان سائرًا على طريقة هؤلاء ، لأنهم هم الذين هدى الله فبهداهم اقتد ، بل كانوا يكرهون الذب عن السنة بالكلام كما قلنا بالأمس ، ويقولون : (ما أفلح صاحب كلام قط وإن أراد نصر السنة) لا يمكن أن ينصر أهلها ، ولا ينصرها لأنه أراد نصرها بغير الطريق التي نصرها بها من كان عليها في القرون المفضلة ، ومن كان كذلك فلابد أن يقع في الغلط ، فليعلم أن الحق قوته فيه وما على صاحبه إلا أن يتلوه على المسامع فينتفع الناس به .