والثمرة لا تتأتى من شجرة لم يحسن غرسها ، فالعلم شجرة باسقة ، وإحسان غرسها يكون بإخلاص القصد فيه لله – تبارك وتعالى – ، وإذا أخلص في تعلمه وأراد به وجه الله أثمر الثمرة المرجوة وهي : خشية الله – تبارك وتعالى – في الغيب والشهادة ، وهذه الخشية آتية من هذا العلم ، والسبب : أن هذا العلم الذي أخلص فيه لله كما قال المصنف – ابن رجب الحنبلي – يدل على أمرين : الأول : معرفة الله – تبارك وتعالى – ، وما يستحقه من الأسماء والصفات والأفعال ، وهذا يستلزم المراقبة له – جل وعلا – بالتعظيم ، وهذا هو الخشية ، والثاني : أن هذه الخشية موجبة لمحبة ما يحبه الله ، وكراهة ما يكرهه ، فإذا أثمر ذلك فهذا غاية ما يسعى إليه في العلم ، ويطلب لأجله العلم ، ويبذل في سبيل تحصيله كل شيء ، ولذلك كان أسلافنا الأوائل في هذا الباب فيما نقل عنهم من الأخبار مضرب المثل ، ولولا أن هذه الأخبار نقلت عنهم بالأسانيد الصحيحة لربما ما صدقها كثير من الناس ، وهذه الخشية يترتب عليها أن يكون بين الله – جل وعلا – وخاصته الذين هم أهل العلم معرفة خاصة ، يجيب بها دعائهم ، ويفرج بها الكرب عنهم ، ويدفع الشدائد ، فيهون عليهم ما يلاقونه في الدنيا من ضيق في العيش ، وتقتيل أحيانًا في الرزق ، وتتال للمصائب والبلايا عليهم ، ولا يؤثر ذلك فيهم لأنهم قد أنسوا بالله – تبارك وتعالى – ، فانخلعت الدنيا من قلوبهم ، وعظمت محبة الله في قلوبهم فهانت الدنيا عليهم ، فيأنسون بالله – جل وعلا – ، ومن أنس بالله لم يستوحش ، وهذه الثمرة العظيمة هي الخلاصة ، وهي مرتبة الإحسان العليا ، التي قال فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ، وما استحق هؤلاء هذه المنزلة إلا بالمسارعة والمسابقة إلى الطاعات لما عرفوا من شأنها عند الله – تبارك وتعالى – ، فقربهم في الدنيا بإصطفاءه لهم بهذه المنزلة العلية ، ويقربهم في الآخرة ويدنيهم لما كان بينه وبينهم من المعرفة الخاصة في الدنيا ، فنسأل الله – جل وعلا – أن يرزقنا وإياكم هذه الثمرة العظيمة ، وأن لا يحرمنا من فضله بسوء ماعندنا من العمل ، وأن يستر علينا جميعًا بستره الجميل في الدنيا والآخرة .