– عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّادِقَ، الْمَصْدُوقَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَ هَذِهِ الْحُجْرَةِ يَقُولُ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ» سنن أبي داود .
(لا تنزع الرحمة إلا من شقي) نعوذ بالله من ذلك ، والمعنى : أن القلب الذي لا رحمة فيه ؛ قلب شقي ، جاء ذلكم الرجل إلى النبي – ﷺ – فرآه – عليه الصلاة والسلام – وهو يُقبل حسنًا أو حسينًا ، ويمسح على رأسه ، قال : إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ واحدًا منهم – والولد يشمل الذكر والأنثى – ؛ فقال النبي – ﷺ – : (أَوَأَمْلك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك) ؛ فالملاطفة للصغار والرحمة بهم هذا محمود ومطلوب ، فمن اتصف بهذا فهو سعيد ، سعيد في نفسه ، وسعيد مع الآخرين ، مسعد لهم ، يتحسس منهم ما يدخل الفرح عليهم ، ويدخل السرور عليهم ، ويزيل الهموم عنهم فهذا هو السعيد حقًا ، ومن نزعت منه هذه الصفة فهو الشقي حقًا ؛ لأن هذه الصفة الناس مفطورون عليها ، فإن الله – سبحانه وتعالى – أمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا من الرحمة ، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا منها ؛ فبه يتراحم الخلق كلهم ، حتى إن الدابة لترفع حافرها عن صغيرها ، فالقلوب مفطورة على هذه الرحمة ، فمن نزعت من قلبه الرحمة فهو شقي والعياذ بالله ، اتصف بأسباب السعادة أو بأسباب الشقاوة ؟ اتصف بأسباب الشقاوة ، ومن لم تعرف الرحمة طريقًا إلى قلبه فهو شقي نعوذ بالله منه ، ويشقى من يعاشره ويخالطه ، لأن المخالطة تقتضي تغير الأحوال ، فتارة يضعف المخالط لك بعدما كان قويًا فيحتاج إلى رحمتك ، فإذا وقع عندك وأنت ممن لا يرحم فقد وقع في الشقاء – نسأل الله العافية والسلامة – ، سواء كان لضعفه أو لصغره ، أو لقيامه بين يديك قيام ذل يعني قيام حاجة وانكسار ، فإذا لم ترحم فقد وقع الشقاء به منك – نسأل الله العافية والسلامة – ، ولهذا هذا الحديث فيه التنفير من هذا الخُلق وهو عدم الاتصاف بالرحمة (لا تُنزع الرحمة إلا من شقي) ففيه تنفير عن الاتصاف بهذا الخلق ، خُلق الشقاء والشقاوة والعياذ بالله ، فيجب على العبد أن يُعالج نفسه في التخلق بهذا الخُلق العظيم وهو خُلق رحمة المخلوقين ، خلق الرحمة بالمخلوقين حتى لا يتصف بهذه الصفة السيئة وهي صفة الشقاء والعياذ بالله .