أيها الإخوة الكرام إن الإنسان في هذه الحياة هو في دار العمل ويوشك أن ينتقل عنها إلى دار الجزاء ، ودار العمل هي دار الحرث والازدراع للآخرة كما قال : -جل وعلا- : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20)} ؛ فهذه الدار التى هي دار الانقضاء والانتهاء والانتقال عنها من المخلوقات ينتقلون عنها طوعًا أو كرهًا هي دار حرث يوفق فيها العقلاء ، ويخذل فيها الأشقياء -عياذًا بالله من ذلك- ، والعقلاء هم الذين عرفوا حقيقة هذه الدنيا {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45)الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)} ، فهذه الحياة الدنيا لا يبق عليها أحد ، ودار الزرع يعلم كل من يعرف هذه الحياة أن دار الزرع دوراتها تتجدد ؛ فكل موسمٍ يزرعُ فيه يأخذ دورته ثمَّ ينتهي الزرع بالحصاد ، وهكذا بنوا آدم -بنوا الإنسان- ، وهكذا الجن في هذه الدنيا وهكذا المخلوقات كلها كل أمُة منها تأخذ دورة في هذه الحياة ثم تموت ويحصدون ؛ يحصدهم الموت ، ويأتي غيرهم فيزدرعون في هذه الدنيا ، ويحصدون وهكذا {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} الخليفة : هم من يخلفُ بعضهم بعضًا هذا هو أصح التفسيرين في الآية :{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} كما قال: -جلَّ وعلا- {خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} لينظر كيف تعملون فهو الذي جعل هؤلاء الذرية من آدم والجن والدوآب والطير جعلهم خلائف يخلفُ بعضهم بعضًا يعني كل ما ذهبت أمة جاءت أمة ؛ فهكذا المزارع كلما انتهت دورة الزرع حُصِدَ ، وجاء زرعٌ جديد في دورة جديدة ؛ فتذهبُ أمة وتأتي أمة ، والموفق من كل أمة هو من أحسن الزرع وتعهده بالسقيا لتحسن له الثمرة فيحصدها غدًا مستبشرًا فرحًا مسرورًا بها إذ لم يذهب حرثهُ سدًى …