والعصر هنا يحتمل شيئين : أحدهما الزمن كله فهو عصر ، والحكمة من اقسام الله به ما ظمنه الله -جل وعلا- من العبر العظيمة الباهرة ، ومن تلكم العبر أن الله يحيي فيه ويميت ، ويعز ويذل ، ويخفظ ويرفع ، ويعطي ويمنع ، ولعله أعظم العبر تتابع النبوات والرسالات التي أخرج الله بها من شاء من عباده ، وهو من سبق في علمه وكتابته في الوح المحفوظ أنه أهل للهدى فأخرجهم من الظلمات إلى النور ، ومن الكفر إلى الايمان ، ومن الضلالة إلى الهدى ، ومن العمى إلى البصيرة ، فخلف الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من هؤلاء أتباع خيار حملوا عن أنبيائهم الدعوة إلى الهدى ودين الحق ، وآخر هذه العبر أن منّ الله -سبحانه وتعالى- على الإنسانية كلها وعلى الجن برسالة محمد ﷺ ، وهي لا رسالة بعدها ولا نبوة بعدها ، (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)(الأحزاب) (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (164)(آل عمران) ، وآية أخرى في سورة الجمعة مشابهة ، والمقصود إظهار بعض الحكم التي أقسم الله بها بالعصر على أنه الزمن ، فكله عبر ومواعظ وحكم علمها من علمها وجهلها من جهلها ، الثاني العصر الذي هو آخر النهار ، وهذا العصر قد جاء بعض حكم اقسام الله -سبحانه وتعالى- به ومنها أن فيه الصلاة الوسطى والتي نوه الله بذكرها مما يدل على تشريفها ، قال تعالى : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)(البقرة) ، وفسر ذلك النبي ﷺ وهو معدن البيان لكتاب ربه قال ﷺ يوم الأحزاب في المشركين : (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) ، وهي احدى البردين وفيهما قال ﷺ : (من حافظ على البردين دخل الجنة الصبح والعصر) ، وقال ﷺ : (من فاتته صلاة العصر فكانما وتر اهله وماله) يعني بما حصل له من رزية إلى غير ذلكم من فضائل هذا الوقت