والرحمة إنما تكون في المبشرات ، والرأفة إنما تكون بالحجز عن ما يسوء ويضر ، فهو رحمة مُبشِر بالرحمة وبالخير ، ورؤوف -عليه الصلاة والسلام- بالمؤمنين مما يُخاف عليهم ، فالرأفة باب والرحمة بابٌ آخر ، وكلاهما بابان عظيمان ، وإذا اجتمعا في العبد وفقه الله لكل خير ، ولهذا جمعهما الله في أعلى مراتبهما في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قال : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) ، وقدم الرأفة على الرحمة لأن الرأفة تكون بالخوف عليك مما يُحذر و يُخشى عليك منه والرحمة بعد ذلك ، ومن قام في مقامه -عليه الصلاة و السلام- داعية إلى الحق يريد هداية الخلق فالواجب عليه أن يكون رحيماً ، فهذه صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي مُدح بها كما سمعنا في هذه الآية ، فالواجب على دعاة الحق أن يكونوا رحماء فإنهم إذا تخلقوا بهذا الخلق أقبل الناس عليهم ، وإذا أقبلوا عليهم لما يروه فيهم من الرحمة وما يروه فيهم من الرأفة إذا أقبلوا عليهم قبلوا منهم ، والواجب أن يكون العبد القائم في هذا المقام مقام الدعوة إلى الخير والهدى والدلالة والإرشاد للناس إلى ما ينفعهم والحذر أو الخوف عليهم مما يضرهم ، الواجب أن يكون رحيماً.