فضل العلم وتعلمه والحث على حضور الدروس العلمية

عدد الملفات المرفوعه : 1

كلمة ألقاها في منزل والده رحمه الله بجازان ليلة الثلاثاء 5 ذي القعدة 1442هـ .

شاهد-على-اليوتيوب

حمل التفريغ


الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله ، وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه – صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله واصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين – أما بعد :

فيا أيها الإخوة الكرام يسرني في هذه الليلة – ليلة الثلاثاء – التي يصبح فيها هذا اليوم يوم الثلاثاء الموافق للخامس من شهر ذي القعدة 1442 من هجرة المصطفى ﷺ ، يسرني معاشر الأحبة وقد زارني في بيت والدي – رحمه الله تعالى – بمدينة جازان ، جازان العلم حفظها الله وبلاد المسلمين من كل مكروه ، زارني إخوة أفاضل ومشايخ كرام ، وقد طلب مني أخي في الله الشيخ : إبراهيم زيلع أبو عبد الرحمن – وفقه الله – وجميع من يسمع كلامي هذا ، طلب مني بمناسبة طول الاجازة الصيفية في هذا العام وافتتاح بعض الدورات العلمية عن بعد بواسطة وسائل التواصل طلب مني كليمات أحث فيها نفسي وإخواني وأبنائي المستمعين لهذه الكلمات في كل مكان أحثهم كما أحث نفسي قبلهم على استغلال الأوقات ، واغتنام الساعات ، وصرفها في الطاعات ، وإن أعظم ما ينبغي للإنسان أن ينفق فيه أوقاته وأن يستهلك فيه ساعاته ؛ طلب العلم الشرعي الذي ينير له الطريق إلى الله – تبارك وتعالى – ، (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)(سورة الشورى) ، فسماه الله – سبحانه وتعالى – روحاً ونوراً ، وهذا القرآن الذي أنزله الله على عبده ورسوله نبينا محمد سماه الله نوراً ، فالعلم نور يُستضاء به ، يستضيء به الساري في ظلمات الجهل فيبصر طريقه فلا يحيد يمنة ويسرة حتى يصل إلى مكانه المطلوب ، وإن المكان المطلوب لنا جميعًا معاشر الأحبة هو جنات النعيم ، وهذه الجنة هي سلعة الله الغالية التي ينالها من كل ألف واحد كما صح ذلك عن رسول الله ﷺ
يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان
فالطريق إلى الجنة محفوفة بالمخاطر ، محفوفة بالشهوات ، ومحفوفة بالشبهات ، ومحفوفة بطرق هذا وهذا ، وعلى كل طريق شيطان يدعو إليه من أجابه إلى ما دعاه قذفه في نار جهنم – نسأل الله العافية والسلامة – ، والصراط المستقيم عليه كتاب الله – تبارك وتعالى – الذي هو النور المبين (وأنزلنا إليكم نوراً مبينا) ، والشاهد أن العلم هو الذي ينور الله – سبحانه وتعالى – به قلب صاحبه فيرى الحق من الباطل ويرى الهدى من الضلال ، ويرى السنة من البدعة ويرى الحق ويرى الصواب من الخطأ ويرى الإسلام من الكفر فيميز بين هذا وهذا.
وهذا فضل الله – تبارك وتعالى – يؤتيه من يشاء ، والله -سبحانه وتعالى- يختصّ برحمته من يشاء، ومَن هداه الله فقد رضي عنه؛ فإنّ الله -سبحانه وتعالى- يعطي الدنيا من يحبه ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلاّ مَن يحب، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، فالإزدياد من العلم يا معاشر الأحبة بالإلتحاق في هذه الدورات واستماع دروس الأشياخ، والحضور فيها، ومَن فاته استمعها مسجلة أو استمع إلى المقاطع التي تُجزّء منها وتُنشر; هذا فضل عظيم وخير نفعه عميم، إذ قد يسّر الله – سبحانه وتعالى – هذه الوسائل وهذه الوسائل ظهر فضلها في هذا الزمن من ناحيتين: الناحية الأولى: الأماكن البعيدة التي لا يستطيع فيها طلبة العلم، والمشتاقون إلى العلم لا يستطيعون الورود على العلماء في ديارهم فأصبحوا يسمعونهم مباشرة وهم في بلدانهم، أو يرونهم، وهم في بلدانهم فكأنّهم بين أيديهم، والأمر الآخر أو الأمر الثاني: في هذه الجائحة أصبحت هذه الوسائل من فضل الله – تبارك وتعالى – علينا أصبحت لها نفع عميم ولها دور عظيم في نقل العلم النافع وإيصاله إلى الناس في شتّى بقاع العالم، فحينما قل التواصل أو انعدم وأصبح التدريس في المساجد معدومًا أو شبه معدوم في بعض البلدان أصبحت هذه الوسائل من فضل الله – سبحانه وتعالى – أصبحت طريقًا مسهّلاً للعلم، وطريقًا مسهّلاً لإبلاغ دين الله الحقّ، وتوضيح شرع الله – سبحانه وتعالى – وهذا من توفيق الله – سبحانه وتعالى – ومن رحمته وفضله، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقًا إلى الجنّة، فهذا من تسهيل الله f ومن فضله – سبحانه وتعالى – وإحسانه إلينا في هذا الزمن، فيجب علينا أن نشكر الله – جلّ وعز – وأن نستخدم هذه الوسائل فيما يعود علينا بالنفع، وفيما يعود علينا بالفائدة وحينئذ يعرف الإنسان فضل الله – سبحانه وتعالى – عليه في هذه الحياة حيث خلق له، ويسّر له، وأوجد له ما لم يكن في الحسبان وسبحان الله العظيم لا إله إلاّ هو آمنت به وعليه توكلت، كيف أوجد هذه الوسائل في مثل هذه الأوقات فظهر النفع بها ، أهل الباطل يفسدون بها، وأهل الحقّ ينتفعون منها، وينفعون بها، فنسأل الله – جلّ وعلا – أن يجعلنا وإياكم من النافعين المنتفعين ، فالله الله يا معاشر الأحبة بالحرص على استغلال الأوقات واغتنام الساعات في الإستماع لهذه الدورات النافعة، والدروس الماتعة، والمجالس النظرة التي إذا رأيتَ أصحابها إن كانت منقولةً بالصوت والصورة كأنّما أنتَ معهم في حِلقهم، وهم في بلدانهم وأنتَ في بيتك; فهذه مِن نعم الله – سبحانه وتعالى – علينا ، فالواجب علينا جميعًا أن نحمد الله -جلّ وعلا- عليها وأن نستغلّها فيما يعود علينا بالنفع.
والحاصل معاشر الأحبة; العلم الشرعي صاحبه لا يزال فقيرًا، ولا يزال يحتاج إلى الإزدياد؛ لأنّ النبي ﷺ قد أخبر عن ذلك، فقال: (مَنهومان لا يشبعان ، طالب علم وطالب دنيا)؛ فطالب الدنيا كلّما جاءه مِن خير الدنيا شيء تمنّى الزيادة منه ، وهكذا طالب العلم وهكذا أهل العلم هكذا العلماء كلما أنار الله بصائرهم ومنَّ عليهم وفقههم ومنَّ عليهم في هذا الجانب بزيادة العلم فإنهم يزدادون خيرًا إلى الخير الذي معهم ، ولايزالون يحبون الإزدياد ، والدعاء في هذا الباب معلوم ومشهور للجميع ، فإن الله – سبحانه وتعالى – لم يأمر نبيه وخليله وعبده ورسوله أن يطلب الزيادة من شيء في هذه الحياة الدنيا إلا من العلم ، فقال – جل وعلا – : (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) ، فإذا كان هذا أمر الله – تبارك وتعالى – لرسول الله فما عسى أن نقول نحن ، فنسأل الله – جل وعلا – أن يزيدنا وإياكم علماً وأن يزدنا وإياكم فقهاً ونوراً وهدىً وتقى ، وكلما ازداد المرء علماً كلما ازداد معرفة بنفسه ، وكلما ازداد معرفة بعدوه ، وكلما ازداد معرفة بدار البقاء ، وكلما ازداد معرفة بدار البلاء ، فتجافى عن دار البلاء و دار اﻷذى ودارالنقص ودار الشقاء ، وتباعد عنها ، وسعى وجد وشمر للوصول إلى دار البقاء دارالنعيم المقيم ، جنات عرضها السماوات والأرض تجري من تحتها الأنهار كما وصفها ربنا – تبارك وتعالى – باﻷوصاف العظيمة في كتابه العظيم ، فألله الله يا معاشراﻷحبة أوصيكم ونفسي بالفقه في دين الله ، والحرص على التفقه في دين الله ، حتى تحصل لنا ولكم جميعاً البشارة التي بشر فيها الرسول وهي الخيرية (من يريد الله به خيراً يفقهه في الدين) جعلنا الله وإياكم من عباده اﻷخيار ، العباد الأبرار والصالحين النافعين والمنتفعين .
أيها  الإخوة الكرام إن العلوم لا تأتي إلا بالصبر والمواظبة والمجاهدة والمثابرة والتأصيل لها على الطريق الصحيح الذي كان عليه علمائنا اﻷوائل وأشياخنا الأماثل ، فقد بلغوا إلى درجة عظيمة نفعهم الله ونفع بهم ورفعهم الله – تبارك وتعالى – ورفع ذكرهم ، فأولئك اللذين هدى الله ، فالواجب علينا جميعاً أن نهتدي بهم نسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يوفقنا وإياكم لذلك .
فإن أردت رقياً نحو رتبتهم     ورمت مجداً رفيعاً مثل مجدهم
فاعمد إلى سلم التقوى الذي نصبوا    واصعد بعزم وجد مثل جدهم
فأسأل الله – جل وعلا – على أن برزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن ىيفقهنا بالدين ، وأن يثبتنا واياكم على الإسلام والسنة وعلى الهدى والتقى ، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، وأن يجعلنا وإياكم من حزبه المفلحين وأوليائه المتقين ، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا مجمد وعلى آله واصحابه واتباعه بإحسان ، والحمد لله رب العالمين.
  • 1442/11/05
  • مشاهدات : 3٬205
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري