أهمية الكتاب في حياة المسلم – الشيخ العلامة ابن عثيمين – رحمه الله –

عدد الملفات المرفوعه :

الفوائد المنتقاة :

الكتاب مصدر أساسي لعلم الأمم وثقافتهم الدينية والدنيوية : لقد قال الله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) فالكتاب مصاحب لرسالة الرسل منذ بعثهم الله – عز وجل – إلى يوم القيامة ، منذ أولهم نوح – عليه الصلاة والسلام – إلى آخرهم محمد ﷺ الذي قال الله تعالى فيه:(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3))؛ فالكتاب مصدر أساسي لعلم الأمم وثقافتهم الدينية والدنيوية ، ولهذا امتن الله به على عباده في أول آيات نزلت من القرآن الكريم ، قال الله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) ، ولا ريب أن أشرف كتاب وأعظم كتاب وأصدق كتاب وأنفع كتاب للقلوب والأبدان والأفراد والأمم هو كتاب الله – عز وجل – الذي نزله على محمد ﷺ وهو القرآن العظيم ، ولهذا يجب على شباب الأمة أن يعتنوا بهذا القرآن كما اعتنى به سلف الأمة عن أبو عبدالرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات من القرآن حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا ، فيجب عليكم معشر الشباب ، بل على جميع من أراد العلم أن يعتني بكتاب الله – عز وجل – حفظًا وفهمًا وعملاً ، تصديقًا للخبر وامتثالاً للطلب ، فعلاً للمأمور وتركًا للمحظور .

أعجب من قوم يذهبون في مطالعة الكتب التي من نحاتة الأفكار ويقصرون في كتاب الله : وإني لأعجب من قوم يذهبون كثيرًا في مطالعة الكتب التي هي من نحاتة الأفكار ، ويراجعونها ، ويسهرون عليها الليل ، ويشتغلون بها في النهار ، ولكنهم عن كتاب الله – عز وجل – بل ولكنهم في كتاب الله – عز وجل – يقصرون بعض التقصير ، مع أن كتاب الله كلما تأمله المسلم ازداد علمًا من وجه ، وإزداد إيمانًا ويقينًا من وجه آخر ، ووازداد أجرًا وثوابًا عظيمًا من وجه ثالث ، لأن كلام الله يُتعبد بتلاوته ، كل من تلاه فإنه يتقرب به إلى الله – عز وجل – ، كل من تلاه فله بكل حرف عشر حسنات ؛ لهذا تجب العناية التامة في فهم كتاب الله – عز وجل – وذلك بمطالعت التفسير المأثور أولاً عن رسول الله ﷺ ، ثم عن الصحابة والتابعين .

 

مما يجب الإعتناء به عند اقتناء كتاب : أهمية الإعتناء بما كتبه أهل العلم في كتبهم المتداولة المشهورة ، وهذا بحر لا ساحل له ، وجو واسع عظيم ، يحتاج إلى التثبت والتأني ، ولهذا يجب على من أراد أن يقتتي كتاباً ، أو أن يقرأ فيه عن طريق الإستعاره ، ينبغي بل أقول يجب أن يتحرى مواضيع هذا الكتاب وبحث هذا الكتاب ، ومن مؤلف هذا الكتاب ، ليكون على يقين من الأمر.

يجب أن يعرف أولئك الموردون للكتب العارضون لها على الناس أنهم مسؤولون : يجب أن يعرف أولئك الموردون لهذه الكتب العارضون لها على الناس : أنهم مسؤولون عن أي كتاب يكون فيه ضلال الناس ، وحرفهم عن جادة الصواب ، فإن هؤلاء الذين يأتون بالكتب من غير تمييز بين الضار والنافع وبين الهدى والضلال هؤلاء مسؤولون أمام الله – عز وجل – عن أي شيء يكون فيه إنحراف من هؤلاء الذين يقرأون كتبهم ، ولذلك تجب العناية بمعارض الكتب التي تقام في المملكة على سبيل العموم ، وفي هذه الجامعة على سبيل الخصوص حتى لا يقع في أيدي أولئك الناس الذين يأخذون من هذه الكتب ما يكون فيه ضلالهم وشقاؤهم ، فيخسرون دنيا وأخرى ، إن على هؤلاء الذين يعرضون الكتاب في أنحاء المملكة وفي غيرها : أن يراقبوا الله – عز وجل – ، وأن لا يعرضوا أمام الناس تلك الكتب التي تكون هدماً لعقيدتهم وأخلاقهم وسلوكهم ، وقد تكون مع كونها هدماً للأخلاق والسلوك تكون بناءة في جانب الشر والفساد ، وبهذه المناسبة أيضًا أحب أن أقول كلمة : وهي أنّ عارض الكتاب يجب أن لا يكون همه أن يكسب ويربح ، كسباً مادياً وربحاً مادياً ، لأنه إذا كان هذا همه لم يخسر ما فيه مصلحة ومنفعة للناس ، ولم يبالي أن يقع … أكثر مما تستحق ، بل تجده يحرص على مافيه الربح المادي سواء كان ضلال أم هدى ، وسواء كان نافعاً أم ضاراً ، وسواء كانت القيمة مناسبة أم غير مناسبة ، وهذه بلوى يجب على أصحاب معارض الكتاب أن يلاحظوها ، وأن يحبوا لإخوانهم المسلمين ما يحبون لأنفسهم .

السؤال : يسأل عن أهم الكتب التي ينبغي أن تُقرأ في مجال التفسير وفي مجال الفقه وفي مجال العقيدة حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره في هذه العلوم الهامة ؟
الجواب : لا أستطيع أن أقول إن كتاباً معيناً يعتني بالتفسير من جميع الجوانب ، وهذا من آية الله تعالى في كتابه أن العلماء على إختلاف مشاربهم ومآربهم لم يستطع واحد منهم أن يتناول القرآن من جميع الجوانب ، بل تجد هذا يفسر يعتني بجانب اللغة العربية وما يحصل بها من بلاغة وإعراب ، والآخر يعتني بجانب العقيدة ، وثالث يعتني بجانب الفقه وما يحصل من أحكام عملية ، ورابع يتناول القرآن من حيث الناحية الإجتماعية العامة ، وخامس من الناحية الأفقية الفلكية ، المهم أن العلماء يتناولون تفسير القرآن من عدة جوانب ، ولا يمكن لتفسير واحد أن يجمع جميع تلك الجوانب على وجه يشفي العليل ويروي الغليل ، ولكن من أحسن التفاسير فيما أرى : تفسير ابن كثير رحمه الله ، فإنه تفسير مبني على الآثار الواردة عن السلف ، وله أيضًا كلام أحياناً فيما يتعلق بالأمور الفقهية ، هذا من حيث التفسير على سبيل العموم ، وأجد أيضًا أن تفسير الشنقيطي – رحمه الله – يعتني أحياناً بالأحكام الفقهية ، حتى إنه يناقش بعض الأحكام مناقشة علمية لا تكاد تجدها في كتاب آخر ، فيكون من هذه الناحية مما ينبغي اقتناءه ، كذلك تفسير الشيخ عبدالرحمن بن سعدي – رحمه الله – تفسير قيم ، بسيط واضح ، يستطيع كل أحد فهمه ، وله في بعض الآيات استنباطات للفوائد كثيرة لا تكاد تجدها مجموعة في تفسير آخر ، تفسير محمد رشيد رضا تفسير عصري جيد ، وفيه بحوث ولاسيما مع مجادلة النصارى وأهل الكتاب لا تكاد تجدها في غيره ، ولهذا لا أستطيع أن أركز على كتاب واحد ينال فيه الإنسان جميع ما يحتاج غليه في كتاب الله – عز وجل – ، أما في مجال العقيدة فلا أحد يرتاب أن من أحسن من كتب في العقيدة الصافية بل أقول وهو على حسب علمي : أحسن ما رأيت ممن كتب في العقيدة الصافية كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمه الله – ولا سيما كتاب (مختصر الصواعق المرسلة) فإنه كتاب مفيد جداً لطالب العلم ، وإن كانت مسائله قليلة ، لكن مناقشته قوية ومفيدة لطالب العلم ، أما فيما يتعلق بالفقه فالفقه أيضًا كتبه بحر لا ساحل له ، ولكن في مقام المقارنة بين المذاهب ، من أحسن ما رأيت ثلاثة كتب لكن لا تصلح إلا لطالب العلم المرتقي : أحدها المغني ، والثاني : المجموع في شرح المهذب للنووي ، الأول حنبلي والثاني شافعي ، والثالث : المحلى لابن حزم ، هذه كتب مفيدة عظيمة يستفيد منها طالب العلم المرتقي في العلم ، أما المبتدي فإنه يحسن أن يتخذ من كتب الفقه ماهو أكثر رواجًا بين طلبة العلم لتسهل المناقشة فيه والمباحثة فيه ، ثم بعد أن يرتقي ويفهم ينظر في كتب الخلاف ويطالع ويرجح ، نعم .

السؤال : ما موقفنا نحن طلاب العلم من الكتب التي تهتم بعلم الحياة ، والكتب التي تهتم أيضًا بالجانب السياسي والإجتماعي وما إليها مما ينبغي أن يقوم به طائفة من هذه الأمة ، فما رأيك في هذا التوجه فضيلة الشيخ ؟
الجواب : الجواب : الذي أرى في هذا التوجه إلى هذا الجانب من الموضوعات العلمية : أنه جانب مرجوح ، وجانب ثانوي، لأن أهم الجوانب في الحياة في التعبد في المعاملة في الساسة : أن نفهم ما دلت عليه الشريعة الإسلامية ، لأن الشريعة الإسلامية ليست مقصورة على العبادة فقط كما يظنه بعض الجاهلين فيها ، بل هي شاملة لجميع نواحي الحياة ، والإنسان إذا قرأ كتب العلم المتحررين وجد أن الشريعة الإسلامية شاملة كاملة لا تحتاج إلى أحد ، لو راجعنا ما كتبه ابن القيم – رحمه الله – في (الطرق الحكمية) وهو كتاب مختصر لكنه مفيد جداً ، لأن فيه تنبيهاً على قواهد عظيمة ، سياسية ، واجتماعية ، وقضائية ، لوجدنا خيراً كثيراً ، لكن مع ذلك ربما يعرض لبعض الناس عزوف عن الكتب المؤلفة في الفقه الشرعي مثلاً ، وعنده ميل إلى الكتب المؤلفة في السياسة أو في العلوم الأخرى كعلم الجلوجيا وعلم الفلك وما أشبه هذا فنقول : لا حرج أن تمارس طلب علم هذه الأمور ، بشرط : أن لا يتعارض مع العقيدة أو مع ما جاءت به الشريعة من السياسة الحكيمة العادلة ، نعم .

السؤال : ما التفسير الصحيح لهذه الكلمة الشائعة القائلة : (من كان أستاذه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه) ؟
الجواب : التفسير الصحيح لهذا أنها كلمة ليست بصحيحة أصلاً حتى تحتاج إلى تفسير ، لأن مدلولها خطأ ، فالإنسان الذي دليله كتابه كغيره عرضة للخطأ والصواب ، حتى من كان يتلقى العلم عن شيخ فإنه قد يخطئ وقد يخطئ شيخه أيضًا ، قد يخطئ في المسألة علميًا ، وقد يخطئ فيها منهجيًا ، قد يخطئ فيها علميًا بناءً على خطئه الساذج لأنه ليس كل أستاذ معصوم من الخطأ ، كل إنسان يمكن أن يخطئ ، وإن كان كثير العلم وكبير القدر ، قد يخطئ من يتتلمذ على أستاذ منهجيًا بحيث يتعصب لأستاذه فلا يقبل قولاً سواه ، وينصر ما قاله أستاذه سواء كان حقًا أم باطلاً ؛ وهذه مشكلة ، وواقعة ، والواجب على التلميذ إذا رأى من أستاذه خطأً : أن يراجع أستاذه في المسألة ، ولكن يراجعه بأدب ، بحيث لا يراجعه على وجه يخدش كرامته ، ولنضرب لذلك مثلاً : تتلمذ أنت على أستاذ في الجامعة فيقول قولاً خطأ لا شك في أنه خطأ ، فليس من الحسن أن تقوم أمام الطلبة لترد عليه ، ولكن الأليق والأدب أن تنفصل به وحدك خارج الفصل سواء في الجامعة أو في البيت ، ثم تنبهه على خطئه بأسلوب وأدب يحمدك عليه ، قد يكون عنده من العلم ما ليس عندك ، ويتبين لك فيما بعد أن الصواب معه ، وحينئذ تكون قد سلمت من معارضة أستاذك أمام الطلبة ، وسلمت من حط قدره أمام طلبته ، ونعلم جميعًا أن الأستاذ إذا انحط قدره أمام الطلبة فسوف يكون علمه رخيصًا عندهم ، ولا يستفيدون منه ، وقد يكون الصواب معك وحينئذ يرجع إليك بهدوء وطمأنينة وهو بنفسه يصحح الخطأ أمام الطلبة ، فإن أصر على الخطأ بعد أن تبين له فحينئذ من حقك بل من الواجب عليك أن تبين خطأه أمام الطلبة لأنه لا يجوز الإقرار على خطأ ، أقول مرة أخرى هذه الكلمة : ( من كان أستاذه كتابه كان خطأه يغلب صوابه) أقول هذه الكلمة غير صحيحة ، الخطأ موجود هنا وهنا ، صحيح أن من كان أستاذه كتابه فإنه يحتاج إلى مدة أطول لتحصيل العلم ، لأن الأستاذ يجمع لك أصناف العلم ويعطيها إليك ناضجة مطبوخة لا تحتاج إلى تعب ، لكن إذا كنت تقصد العلم من الكتب فسوف تحتاج إلى مدة طويلة لأخذ العلم والوصول إلى ما ييسره الله لك منه ، ولهذا نجد كثيرًا من الذين يعتمدون على قراءة الكتب كثيرًا خطأهم ، ومع هذا يصرون أحيانًا على ما هم عليه من الخطأ لأنه قد يصعب عليهم في نفوسهم أن يرجعوا عن قولهم ، فإن الشيطان يأتي إلى الإنسان ويقول : إن رجوعك عن قولك انهزام وسبب موجب لحط قدرك أمام الناس وهذا خطأ ، فإن رجوع الإنسان إلى الصواب هو الشجاعة ، وهو الذي يرفع قدره عند الله – عز وجل – قبل كل شيء ، وإذا ارتفع قدر الإنسان عند الله فإنه سيرتفع قدره عند العباد ، خلاصة الجواب : أن الإنسان يتلقى العلم من الأستاذ ومن الكتاب ، لكن تلقيه العلم من الأستاذ أقرب وأيسر وأحسن .

  • 1444/05/11
  • مشاهدات : 213
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري