التحذير من فتنة المال وأثرها في الانحراف المنهجي

عدد الملفات المرفوعه : 1

 

الفوائد المنتقاة من المحاضرة :

الرجال يوزنون بالدليل الذي كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه وعبارات السلف الصالحين : فأوصي إخوتي وأبنائي بالثبات على هذا، ووزن الرجال بالدليل الذي كان عليه الرسول ﷺ، وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم -، وعليه عبارات السلف الصالحين، فإن من وزن الناس بهذا لا يكاد يخطئ، ومن نظر إلى مناصبهم أو مراكزهم أو نحو ذلك، فإن هذا لا بد أن يخطئ، هذا أولًا، وثانيًا: أوصيكم بالحرص على السبيل لتصحيح هذا الميزان، ألا وهو العلم، طلب العلم الشرعي الصحيح، فإن هذا الميزان لا يُحسن أن يزن به إلا من كان على درجة من العلم، والعلم معرفة الهدى بدليله، ما ذاك والتقليد يستويان، والجهل داء قاتل ودوائه أمران في التركيب متفقان نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني، اليوم يأتي الفروخ يطلع من البيضة، يظن نفسه مثل الديك، لا يحسن أن يصيح فيرى نفسه مثل الديك، الذي إذا صاح أسمع البلدة كلها والقرية كلها، هذا غير صحيح، فمن رسخت قدمه في الدعوة وشابت لحيته ورأسه فيها وطال عمره، وعالجها وعرف أهلها على مر الدهور، لا يمكن أن يكون للأحداث مثله بحال من الأحوال، ومن شهد له أئمة الدين والهدى بالاستقامة على دين الله وعلى طريق الخير والحق والهدى، لا يمكن أن يزحزحك عنه أو يزلزلك عن الجلوس إليه كلام من لا يوثق به ولا يؤبه به، ولا ينظر إليه، فالواجب علينا جميعًا أن نسلك هذا الطريق، طريق التعلم والإتقان لطرائق الاستدلال، التي يعرف بها كيفية الاستدلال، وهذا لا بد فيه من معرفة أصول الفقه، كما أنه لا بد في معرفة الدليل وثبات الدليل وصحة الدليل، لا بد فيه من معرفة أصول الحديث، فهنا لا بد من معرفة أصول الفقه، حتى تعرف كيف تستدل وتثبت حجتك بالدلائل الواضحة، وتعرف كيف ترد على المغالطين، فإن المغالطين اليوم كثير لا كثرهم الله، فأوصيكم إخوتي وأبنائي بالجد في التعلم، والأخذ بحزم وبقوة في هذا العلم الشرعي ، فإن المتلاعب لا يكشفه إلا العلم الشرعي، المتلاعب الذي عنده آلة وعنده معرفة وعنده علم لكنه متلاعب، لا يُكشف إلا بمعرفة العلم الشرعي، لأنك تعامله من نفس ما يعاملك، فأوصيكم بالحرص على الازدياد من العلم، في ازدياد العلم إرغام العدى، وصلاح العلم إصلاح العمل، فترغم عدوك وتصلح عملك، وكفى بهاتين فائدتين عظيمتين لهذا العلم الشرعي، فأوصيكم معشر الأبناء بالحرص على الازدياد من العلم لإرغام عدوكم فلا يجد مدخلًا عليكم، والعدو عام من الإنس والجن، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)).

المصيبة أن تترك الذي كنت بالأمس تراه حقًا وتركب ما كنت تراه بالأمس منكرًا : والجماعة تكون على الحق ولو كنت وحدك، والمصيبة أن تترك الذي كنت تعرفه بالأمس وتراه حقًا، وتركب ما كنت تراه بالأمس منكرًا وباطلًا فتراه اليوم حقًا، فالتلون في دين الله لا يصلح، ودين الله واحد والحق قديم، واعلم أنك إن فعلت ذلك وحاولت المغالطة فإن الله يكشفك، والناس يعرفون منك، فالخبيرون بك والمتابعون والعارفون بحالك وسيرتك يعرفون، هل أنت بالأمس كاذب أو اليوم كاذب، فهذه الآن الرزية كل الرزية، أننا كل يوم نرى بعض إخواننا يتساقطون ويتهافتون على المال فيميل بهم، فبالأمس الجمعية الفلانية حزبية واليوم سلفية، أكبر من ينشر الدعوة السلفية في العالم، وبالأمس الجمعية الفلانية كذا واليوم كذا، وبالأمس هذا حزبي واليوم صار أخوه وهكذا، فأوصيكم معشر الأخوة والبناء، بالثبات على دين الله-تبارك وتعالى-، ومعرفة الحق بدلائله تعرفون من كان عليه، فإن الرجال يعرفون بالحق ، والحق ما يعرف بالرجال، الرجال هم الذين يعرفون بالحق، بماذا؟ بالدلائل التي قامت على هذا الحق واضحة جلية ساطعة من كتاب الله-تبارك وتعالى-، وسنة رسوله ﷺ، وأقوال أصحابه – رضي الله تعالى عنهم – ، وعبارات السلف الصالحين، فنحن نزن الناس بهذه الأشياء، فمن كان عليها فهو السلفي حقًا، ومن خالفها فليس بسلفي وإن ادعى وملأ الدنيا صراخًا.

حب الولايات والزعامات والمال أفسدت كثيرًا من الناس : قد ضرب رسول الله ﷺ في هذا المثل العظيم، كما ذلك جاء في الحديث الصحيح في الترمذي وغيره ومسند أحمد، أنه قال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)(الدارمي 2730)،حب الرياسة والوجاهة وحب المال ذئبان جائعان أرسلا في غنم، ماذا تتصورون يعملون فيهما؟، يلعبون فيهما لعب، هذان الذئبان الجائعان لا يأخذان فقط حاجتهما ولكن إنما يفسدان الغنم، إفسادًا عظيمًا، فما هذين الذئبين الجائعين الذين أرسلا في هذه الأغنام بأفسد لها من حب الإنسان للشرف والمال لدينه، فحب الولايات والزعامات أفسدت كثيرًا من الناس، لا يريد إلا أن يكون متبوعًا، حتى ولو كان على الباطل، ويحب الزعامة والوجاهة وأن يكون رأسًا، فلا بد وأن يستقل ولا بد وأن يخالف لأن الشيطان يأتيه، يقول له لقد قرأت القرآن وتعلمت فمالهم لا يتبعونك كما يتبعون فلان؟ ، ما هم بمتبعي إلا أن أحدث لهم، فيحدث لهم على خلاف السنة لأجل أن يتبعوه، ثم يستقل بهؤلاء ليكون رئيسًا عليهم، وهكذا المال ونحن نرى كثيرًا ممن ابتلي بسبب هذا فانتكس من حال إلى حال، من حال صالحة طيبة إلى حال خبيثة سيئة بسبب المال، فترى هذا يذهب مع الحزبيين، لأنهم أعطوه وظيفة أو أعطوه مالًا أو أعطوه سيارة أو ولوه رئاسة المكتب الفلاني في بلده ونحو ذلك، وهذا يذهب مع الجمعية الحزبية الفلانية المعروفة لأنها تدعمه، أو سيطمع منها أن تدعمه، أو يطمع فيها أن تفتح له مركزًا، أو يطمع أن تدعم له مسجدًا، ونحو ذلك فيبيع دعوته الصحيحة ودينه الصحيح التي كان يوالي ويعادي عليها في ذات الله تبارك وتعالى، وإذا بك تراه مع هؤلاء المغموسين المطعون فيهم وفي عقائدهم، بل هو بالأمس ربما كان يتكلم فيهم، فيرميهم بالتحزب ويرميهم ربما بالبدعة ونحو ذلك، وإذا به اليوم قد انتكس فإذا بهؤلاء الذين بالأمس يطعن فيهم يزكيهم اليوم أو يدافع عنهم، فصدق أحمد – رحمه الله – مع الفرق العظيم، حينما قال لعلي بن المديني وقد أجاب متأولًا في فتنة القول بخلق القرآن، وعلي بن المديني كان بينه وبين ابن أبي دؤاد صلة، وكان يغدق عليه باسم الحاكم، فلم يزل به وهو إمام من الأئمة حتى وقع فيه ما وقع، وأجاب مداراة وخوفًا لا اعتقادًا، ومع ذلك ما قبل أحمد منه-رحمه الله ورضي عنه-قال: لا لأنك أنت يشار إليك بالبنان يعني محل إتباع ما قبل أحمد منه، وكتب له تلك الأبيات:

يا ابن المديني الذي عرضت له * دنيا فجاد بدينه لينالها

ماذا دعاك إلى انتحال مقالة * قد كنت تزعم كافرا من قالها

إن الرزية من يرزى دينه * لا من يرزى ناقة وفصالها

هذا هو المرزى، الرزية أن تحل بالدين هذه هي الرزية، ما هو ذهاب الناقة ولا الفصيل، وألقيت إلى علي بن المديني في بيته فقرأها وجاء بها إلى ابن أبي دؤاد فقال ما أظنها إلا من أحمد أو كلمة نحوها، فإذا كان هذا علي بن المديني، الإحسان إلى القلوب يستميل الناس، فالذي أوصي به نفسي وإخواني الصدق مع الله تبارك وتعالى والثبات على هذه الدعوة السلفية المباركة الصحيحة التي هي ميراث رسول الله ﷺ ورثناه .

من نظر في حال النبي ﷺ وصحبه حال السراء والضراء استفاد الفائدة الصحيحة : فإن المسلم في هذه الحياة، لا بد و أن يجد فيها أحيانًا ما يسره وأحيانًا ما يسوءه، فالحال لا تستمر على وتيرة واحدة فهي تتقلب ، والله سبحانه وتعالى يبتلي عباده ويختبرهم لينظر كيف يعملون، يبتليهم ويختبرهم ليعلم الصادق من الكاذب، يبتليهم ويختبرهم ليعلم المؤمن من المنافق، (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3))(العنكبوت)، فالله يبتلي عباده بالسراء وبالضراء، فبعض الناس يبتلى بالسراء فينكث على عقبيه، وينقلب على عقبيه، وتتبدل حاله من حالة حسنة أيام الفقر والضعف والقلة، إلى حال سيئة في أيام السراء والعكس، وقد يكون على حال تسر واسعة، رغد في العيش، بسط في الرزق، صحة في الجسم، أمان في الوطن، عافية في الأبدان ، سلامة في الأديان، ثم بعد ذلك يبتلى فينتكس بعد ذلك، ولله في ذلك الحكمة البالغة-جل وعلا-، (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)( الأنعام149) (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)( الأنبياء 35)، فالله يبتلي عباده بهذا وهذا، وإن المسلم إذا ما نظر في هذه الحياة الدنيا ، ونظر كيف حال رسول الله ﷺ، وكيف كان حال أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، استفاد الفائدة الصحيحة، وإن هو أغفل ذلك ولم ينظر إليه، فإنه لن يستفيد الفائدة الصحيحة، فالله سبحانه وتعالى قد ابتلى عباده المؤمنين بالسراء والضراء.

من أكثر مخالطة أهل الأهواء ومداخلتهم فإنه سيكثر التنقل : ولنعلم أن دين الله واحد، والحق واحد لا يتعدد، والتلون في دين الله من أعظم البلايا، ومن أكثر مخالطة أهل الأهواء ومداخلتهم فإنه سيكثر التنقل، اليوم على وجه وغدًا سيكون على وجه وبعد غدٍ سيكون على وجه حتى يعود أخس مما كان عليه من ينتقدهم هو بالأمس.

  • 1445/02/22
  • مشاهدات : 601
  • مشاركة :
حقوق النشر لكل مسلم بشرط ذكر المصدر.
تنفيذ : تصميم مصري