تعلم اللغة العربية ، فإن تعلم اللغة العربية مطلوب ، منه : ما هو واجب ، ومنه : ما هو مندوب إليه ، ومنه : ما هو جائز ، ومنه : ما هو مكروه ، فأما مقدار الواجب : فهو الذي يتوقف عليه فهمك للدين ، والمندوب إليه : أكثر من ذلك ، تتوسع قليلًا أكثر من الحد الواجب ، والمكروه : أن توغل فيه على حساب غيره ، وهذا الذي كرهه أحمد ، والقاسم بن نخيمره ، وقد سئل الإمام أحمد عن هذا – رحمه الله – عن القدر الذي يتعلمه الإنسان من اللغة العربية الذي يحتاج إليه ، قال : ” بمقدار ما يستقيم به لسانه ، فهي بمنزلة الملح للطعام ، فإذا زاد فسد ” ، الملح إذا زاد في الطعام يفسد الطعام وله لا ؟ ، يفسده ، ما تستطيع تأكل ، وإذا زاد في الماء على النسبة المحدودة التي يستسيغها الطبع أفسده ، قال الله – جل وعلا – : “وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ “ ، فالملح الأجاج ما تقبله النفوس ، فإذا زاد الملح في الطعام أفسده ، كما أن عدمه يفسده ، عدم الملح في الطعام يفسده ، فهكذا اللغة العربية ، يتعلم الإنسان منها ما تستقيم به وجبته للأكل ، ما يستقيم بها لسانه ، فلا يصحف ويحرف ، ويلحن في اللغة لأن هذا مذموم ، معيب ، هذا القدر الواجب ، والمندوب إليه : الذي يعينك على الإطلاع على الشريعة والتوسع فيها ، والمكروه : هو الذي يلهيك عما هو أهم منه ، طول حياتك وأنت في الأشعار ، وفي أخبار العرب ، وفي لغة العرب ماذا استفدت لدينك ؟! ، هذا السؤال ، هل تستفيد من معرفة هذا شيء في دينك ؟ ، أنا أسألكم ، إذا أوغل الإنسان طول حياته وهو في كتب اللغة العربية ، وأشعار العرب ، وما يتعلق بها ، نعم استفاد لسانه ، لكن هل استفاد منه في دينه شيئًا ؟ ، معشر الإخوان : في فائدة تعود عليه في شرع الله ، في دينه ؟ ، لا المقدار الذي يجب قد علمه ، والذي يندب قد علمه ، بقي حينئذ لما تجاوز هذا الحد وقع في المشغل الملهي ، فالإشتغال كذلك بهذا المقدار مكروه ، ومثله أيضًا التوسع في الأنساب ، إذا توسع بها على هذا النحو فأشغلته عن المهم فهو مكروه ، ومثله أيضًا علم الحساب ، والرياضيات ، وكل العلوم الأخرى الدنيوية داخلة في هذا النوع ، يُتعلم منها ما يُحتاج إليه لصلاح الدنيا ، تقوم دنياه فيها ، وما زاد عن ذلك فألهاه فهو مكروه ، هو جائز ، العلم هذا بحد ذاته ليس علمًا محرمًا كالسحر ونحوه ، أو كما ذكرنا أيضًا في علم الفلك والنجوم ، علم التأثير ، يباح تعلمه ، يباح لك أن تتعلم منه بمقدار ما تحتاج إليه من أمور دنياك ، فإذا زاد وألهاك كان مكروهًا ، من رياضيات وحساب ونحو ذلك ، ومن علوم الدنيا من طب وهندسة وعمارة وصناعة ونحو ذلك ، تتعلم منها ما تحتاج إليه ، أما أن توغل طول وقتك وأنت فيها ، وطول حياتك وأنت فيها ؛ فيذهب عليك الوقت ما تستفيد منه في دينك وفي علوم الشريعة التي تعود عليك بالنفع هذا مكروه ، وقلنا مكروه لأن الأصل في هذا الجواز ماهو محرم من حيث هو ، وهذا الذي نحن اليوم واقعون فيه للأسف في كثير من بلدان المسلمين ، وعند كثير من المسلمين ، تجد شباب المسلمين ، وأبناء المسلمين يوجهون هذه الطاقات توجه إلى إهلاكها في علوم الدنيا فوق قدر الحاجة ، مقدار الحاجة معلوم ؛ لكن ١٦ ساعة ، ١٧ ساعة ، ١٨ ساعة وهو في الهندسة ، ١٨ ساعة وهو في مشروع التخرج ، تصميم مشروع معماري ونحو ذلك ، ما يجد إلا أربع ساعات ، هل هي للوقت أو للراحة أو للنوم ؟ ، ما تدري ، كمثل هذا إهدار للطاقة فيما لا فائدة فيه ، في غير مقابل ، وعلى حساب شيء آخر وهو : إقامة الدين ، ورفع الجهل عن نفسه ، والتوسع في علوم الشريعة ، وإحياء القلوب ، وإعمارها بذكر الله – جل وعلا – ، ومعرفة ما أنزله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، فهذا في الحقيقة مكروه .
شرح كتاب بيان فضل علم السلف على علم الخلف (ش : 2).