علم الكلام ليس بعلم وإن سموه علمًا ، بل هو جهل ، وشهد بهذا أساطين أصحابه ، ما هم الآحاد عوام الناس في هذا الباب ، لا ، وإنما شهد به أساطين أصحاب هذا الباب ، أصحاب هذا العلم ، كالغازي ، والجويني ، والشهرستاني وغيرهم ، شهدوا بأنه ليس بعلم ، فالغازي يقول :
يقولون نقول فإن قلتم قلنا ، فإن قيل يقال وهكذا ، كل العلم هذا هو : يقولون ويقال وقلتم وقلنا ، فمثل ما أصبح يقول الشاعر :
فقَلْقَلْتُ بالهَمّ الذي قَلْقَلَ الحَشَا … قَلاقِلَ عِيسٍ كُلّهُنّ قَلاقِلُ
(نهاية إقدام العقول عقال … وغاية سعي العالمين ضلال)
النهاية التي ينتهون إليها الضلال ، والشك ، والحيرة ، والاضطراب في دين الله – تبارك وتعالى – ، هذه النهاية غايتهم التي يصلون إليها ، ما قيمة هذا العلم الذي يوصل إلى هذا ؟ .
(وأرواحنا في وحشة من جسومنا)
مظلمة قلوبهم – فنسأل الله العافية والسلامة – .
(ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا)
هذا العلم الذي طول العمر قضوه فيه ما استفادوا فيه سوى أن جمعنا قيل وقالوا .
ثم قال : أقرأ في النفي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وفي الإثبات : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، ويقول : أموت على عقيدة عجائز نيسابور ، بعد هذه الحياة كلها الآن يرجع إلى عقيدة العجائز التي مافيها تعقيد ، وما أتعبن أنفسهن بتعلم هذا العلم ، وهو بعد هذا التعب كله رجع تمنى أن يموت على عقائد عجائز نيسابور ، بدون تعلم لكنها على الفطرة ، وهكذا الجويني كذلك ، وهكذا الشهرستاني حيث وصف حاله وحال أصحابه في هذا الباب :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها … وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أرَ إلا واضعاً كفَّ حائرٍ … على ذقن أو قارعاً سن نادم
ما هي الفائدة ؟ ، لا شيء .
والآخر :
فيك يا أغلوطة الفكر … حار أمري وانقضى عمري
كذبوا إن الذي زعموا … أنك المعـروف بالنظرِ إلى آخره
هذه حياتهم شهدوا عليها بعد أن انتهوا إلى النهاية ، يقول أحدهم : خضت هذا البحر الخضم – يعني : علم الكلام – خاضه بكل قوة واقتدار وجرءة وفي الأخير ايش ؟ ، ينتهي ويموت على عقائد عجائز نيسابور ، فما وجدت يقول هذا الجويني يقول : ما وجدت في النفي أحسن من أن أقرأ : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وفي الإثبات : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، وقد ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله – عن هؤلاء كثيرًا في كتابيه العظيمين : (بيان تلبيس الجهمية) وكذلك : (درء تعارض العقل والنقل) ، والذي يصبر على نفسه يكفيه أن يقرأ المجلد الأول فقط من كتاب : (بيان تلبيس الجهمية) يجد كثيرًا مما ذكرنا من هذا الكلام فيه ، فالشاهد أن هذا العلم علم الكلام الذي جاءت به المعتزلة ، فأوقعهم في الضلال في باب الأسماء والصفات ، أوقعهم في الضلال في باب القدر ، وأوقعهم في الضلال في باب أفعال الله – تبارك وتعالى – هذا سببه علم الكلام ، مع أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد نهى عن الخوض في مثل هذه الأشياء ، لكن لما ركبوا هذا الباب باب علم الكلام ، أوقعهم في مثل هذه المظالم – نسأل الله العافية والسلامة – .
شرح كتاب بيان فضل علم السلف على علم الخلف (ش : 2).
الكتب التي ذكرها الشيخ :