والعجب يا معشر الأحبة ، العجب أن نجد الكفار يشهدون لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – بصحة ما هو عليه ، وإن تعجب فهذا هو والله العجب حينما ترى الكافر قد عرف الصواب والحق في هذا الرجل – أعني : الإمام محمد بن عبدالوهاب – وترى من ينتسب إلى العلم مستمر في الباطل ، ومحاربة هذه الدعوة المباركة ، فهذا المستشرق المعروف بسيديو يقول في (تاريخ العرب العام) – وسيديو هذا مستشرق شهير ، وله كتابات كثيرة ، واهتمامات كثيرة عن العرب – فيقول في هذا التاريخ الذي ترجمه إلى العربية عادل زعيتر ، يقول حينما تكلم عن ثورات العرب للتحرر من سيطرة الدولة التركية – الدولة العثمانية – يقول :
” ومن ثم نرى أن جزيرة العرب استردت إستقلالها التام تقريبًا منذ أوائل القرن الثامن عشر بفضل جدها ، وضعف أعداءها ، ولم يبقى لها إلا أن تؤيد نصرها بمركز يلتف حوله جميع النفوس ، وهذا ما حاولت صنعه قبيلة ظهرت في نجد حوالي سنة 1749م، وهذا ما حاوله الوهابيون النافذون حتى الآن ، والذي سيكون له تأثير دائم في مصير جزيرة العرب ولا ريب ، واسم واضع هذه السيطرة هو ابن عبدالوهاب التميمي ، الذي أكب على دراسة آداب العرب وعلومهم منذ صباه ، والفقه – يعني : أكب على الفقه – أكثر ما عني به ، وأطلع على آراء رجال المذاهب ، وقصد البصرة وفارس وبغداد سائحًا فنمت مداركه – يعني : متعلم – فأنعم النظر في حال بني قومه ، وميولهم ، ورغائزهم ، وطبيعة قواهم ، فرأى أنه إذا ما حمل المسلمين على مراعاة أحكام القرآن رجعت إليهم تلك الحماسة التي تعودتها عظمة الماضين ”
الله أكبر معشر الأحبة ، انظروا هذا المستشرق كيف يكتب عن الإمام محمد بن عبدالوهاب ، وعن دعوته التي يلخصها في هذه الكلمات ، أنه يحاول جاهدًا إﻷى إرجاع عظمة الدين التي كانت عند الماضين إرجاعها للناس في زمانه ، قال في هذا الصدد بعد مواصلًا :
” ولم يكن للإصلاح الذي بدى زعيمًا له هدف سوى إعادة شريعة الرسول الخالصة إلى سابق عهدها “
وأنا يهمني يا معشر الأحبة هذه الكلمات بالذات ؛ فاسمعوها حفظكم الله ، يقول :
” لم يكن للإصلاح الذي بدى زعيمًا له – يعني : محمد بن عبدالوهاب – هدفٌ سوى إعادة شريعة الرسول الخالصة إلى سابق عهدها “
الله أكبر كيف هذا المستشرق يتوصل إلى هذا ، ويبقى من يدعي العلم – علم الشريعة وعلوم الإسلام – يحارب هذا الإمام ، ويحارب دعوته ، لا إله إلا الله فإنها حينئذ تنطبق على هؤلاء :
(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) سورة الحج ، ثم يقول مواصلًا :
” وحارب ابن عبدالوهاب فعالات المسلمين – يعني أفعالهم – في إحاطة محمد ﷺ بتعظيم حرمه الله في كثير من كلامه ”
انظروا يا معشر الأحبة كيف هذا المؤرخ الأجنبي المستشرق يتكلم عن ديننا ، ويعرف هذا عن ديننا ، تعاليم هذا المصلح الكبير ، الداعية إلى الله ، المجدد لما اندرس من دين الإسلام ، وأنه – رحمه الله – إنما قصد إرجاع الناس إلى الدين الصحيح ، وأنه إنما قصد تنقيته من شوائب البدع والوثنية ، وكيف أنصفه ، وعرف أن الذي جاء به هذا الإمام إنما هو دين الرسول الصحيح ، وأنه أراد أن يخلصه مما طرأ عليه من الأمور التي لا تتفق مع ما جاء به الرسول ﷺ ، فعرف هذا كله ولم يعرفه كثير ممن ينتسب إلى الإسلام حينما جاء به شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ، يقول :
” فحارب – يعني الإمام محمد – تقديس قبور الأولياء ، فحمل أنصاره على هدمها ، وحارب ابن عبدالوهاب ما كان يعيبه على الترك من فساد الأخلاق ”
واليوم نرى من يمجد الترك مع مافيهم من فساد الأخلاق وفي بلادهم ، ويحارب بلاد الإسلام التي تحكم بالإسلام ، ومهما يكن فنحن لا ندعي لأنفسنا معاشر الأحبة ولا لبلادنا الكمال ، لا ، ولكن يا معشر الأحبة ظهور الإسلام والتوحيد والسنة حسنة عظيمة تصغر معها بقية المعاصي ، وظهور الشرك بالله العظيم ، الشرك الأكبر ، والشرك الأصغر ، وظهور المعاصي العظيمة كالزنا والخمر ونحو ذلك ، فضلًا عن المثلية ونحو ذلك تصغر معها الأعمال الخيرية الإسلامية ، كفتح المساجد ونحو ذلك ، فإذاً حسنة التوحيد ، والدعوة إلى الكتاب والسنة والإستقامة عليها ، هذه حسنة عظيمة تصغر معها بقية المعاصي ، وأما الدعوة بالعمل ببعض الأخلاق الإسلامية مع ظهور الشرك الأكبر ، والشرك الأصغر ، والبدع ، فهذه بلية عظيمة تصغر معها بعض الأخلاق الإسلامية الحميدة ، أو بناء المساجد وفتح المساجد ، فالحاصل معاشر المسلمين ، ومعاشر الأحبة الكرام ، انظروا إلى شهادة هذا المستشرق التي سمعنا أولها حينما قال :
” حارب ابن عبدالوهاب فعالات المسلمين – يعني أفعالهم – في إحاطة محمد ﷺ بتعظيم حرمه الله في كثير من كلامه ، فحارب – يعني الإمام محمد – تقديس قبور الأولياء ، فحمل أنصاره على هدمها ”
حارب التقديس يا معشر الأحبة ، ولم يحارب الأولياء ، ولكن حارب تقديسهم وإعطائهم منزلة الألوهية ، ثم يقول :
” وحارب ابن عبدالوهاب ما كان يعيبه على الترك من فساد الأخلاق ، وحارب تعاطي المسكرات ، ومما ذكر به الناس هو أن الشريعة تأمر : بأن يؤتوا الزكاة ، وتحرم عليهم الزنا ، وتلزم القضاة بالنزاهة التامة”
يعني البعد عن الحكم بغير ما أنزل الله وأخذ الرشا ونحو ذلك ، قال :
” ومما عُني به على الخصوص إبقاء روح الجهاد في قومه ، لما أدى إليه الجهاد من نصر عجيب منذ قرون “
يعني أن الإسلام أُعلي بالجهاد في سبيل الله ، والشيخ محمد – رحمه الله – عني عناية تامة بإبقاء روح الجهاد في قومه ، لماذا ؟ ، حتى يحصل النصر العجيب لهذه الدعوة ، وينتصر الإسلام ، ويعلو الإسلام ، ويظهر الإسلام ، وينتشر الإسلام ، وينقمع أهل الشرك ، وأهل الفساد ، ثم قال شهادة أخرى ، قال :
” ولا يمكن أن تنعت أقواله بالإلحاد على العموم لما بدت منها من تكرار سور القرآن ، وموافقته تعاليم الإسلام الصحيحة ، وقد كان له بالغ الأثر لمبادئه في هذا الباب ، فصار صناديد قبائل نجد ينضمون إلى لواءه أفرادًا وأرسالًا “
وعلى كل حال آخر كلامه الجميل يقول عن الإمام محمد بن عبدالوهاب :
” فخلع على دين محمد رونقًا جديدًا ، وبدد الخرافات التي زالت مع الزمن ، فأظهر القرآن خاليًا من جميع ما عزي إليه من الشوائب ، وما لبثت النفوس التي أرهقتها شروح أئمة المسلمين المطولة الغامضة أن رجعت إلى مبادئ عامة بسيطة وواضحة ، فتقبلت خطط ابن عبدالوهاب الإصلاحية بقبول حسن ، ودعا الوهابيون إلى الفضيلة خلافًا للقرامطة الذين تذرعوا بسيء المناهي ، فلم يبالوا بغير قضاء المآرب “
لا إله إلا الله يا معشر الأحبة كيف هذا الرجل ، هذا المستشرق كيف يصف زمان دعوة الشيخ – رحمه الله – بهذا الوصف الحسن ، وكيف يصف الزمان الذي قبله بإمتلائه بالخرافات ، وكيف يصف مقاومة الشيخ وإصلاحه مما لم يعرفه كثير من المسلمين ، وكيف يصف محاسن هذا الشيخ وخدمته العظيمة الجلية لدين الله ، والله لقد أحسن ، والله لقد أنصف وإن كان كافرًا ، والله لقد عرف الحق لهذا الإمام ولأهله من أئمة الدعوة النجدية الذين من الله بهم من عنده – سبحانه وتعالى – على المسلمين في هذه الأعصار ، بداية من الشيخ محمد وأبناءه وتلاميذه وأحفاده ، والإمام محمد بن سعود وأبناءه ، وأحفاده إلى يوم الناس هذا من هاتين الأسرتين الكريمتين ، أسرة آل الشيخ ، وأسرة آل سعود – رحم الله ميتهم ، ووفق حيهم – عرف لهم فضلهم ، وعرف لهم مكانتهم ، وعرف لهم جدهم واجتهادهم ، وعرف لهم إحسانهم إلى أهل نجد ، وإلى أهل جزيرة العرب ، والله لقد أحسن وأنصف ، وعرف الحق لأهله ولو كان كافرًا ، وإن الشهادة الصحيحة هي التي يشهد بها الأعداء ، كما قال الشاعر :