فهو المقدم ، وهو المتبع عنده ، فلا يسمع الحق ، فلا يهتدي إلى الحق ،فلا يبصر الحق ، سد جميع أبواب الهداية الموصلة له إلى الحق والهدى والصواب ، ولو كان عنده علم ، (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) ، هؤلاء أهل الكتاب كانوا على علم ، وقصة كعب بن الأشرف ومن معه من يهود المدينة لما سألوا النبي ﷺ معروفة ، وهكذا يهود المدينة غيره أيضًا معروف كلامهم ، عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب قالت : سمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب حينما سأل : أهو هو ؟ – يعني النبي ﷺ هل هو هو الذي عندنا في التوراة ؟ ، قال : نعم ، قال فما أنت عامل ؟ ، مالذي تضمره بعد هذا ؟ ، بعدما تيقنت أنه هو الذي عندنا في التوراة ، وهو الموصوف والمنعوت في التوراة – صلوات الله وسلامه عليه – ، وأن هذه الأوصاف التي رأيناها ورأيتها أنت منه هي التي عندنا فيه وعنه قد وصف بها في التوراة ، ماذا أضمرت الآن ؟ ، قال : عداوته ما حييت ، فما نفعه علمه – نسأل الله العافية والسلامة – ، فيا معاشر الأحبة لا تظنوا أن العالم مهما بلغ علمه إذا لم تدركه رحمة الله ويخلصه من الهوى يسلم ، فكلنا معاشر الأحبة مفتقرون إلى الله ، ويجب علينا التضرع واللجوء إليه – سبحانه وتعالى – والإطراح بين يديه في كل وقت وحين ، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف ، فأهل العلم بالذات يكثرون من قول الله – جل وعلا – : (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)) ، ويرددون دائمًا الحمد لله – جل وعلا – لهم على الهداية (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه) فما يقوله أهل الإسلام وأهل الايمان ، ويقوله أهل السنة والقرآن هؤلاء هم المفلحون ، وأما من اتبعوا أهواءهم فهؤلاء لا يفلحون – نسأل الله العافية والسلامة – ، والمقصود معاشر الأحبة أن العالم مهما قيل عنه أنه عالم إذا ركب الهوى وأعماه الهوى فلا حيلة فيه ، من أعماه هواه لا حيلة فيه ، علماء في أزمانهم وبين أقوامهم ولكنهم عادوا الحق ، لو يعادي الحق الجهال أهل الكفر هذا لا يستغرب ، لكن من ينتسب إلى العلم والفقه والفتوى ومع ذلك يعادي الحق من بعد ما تبين هذا ماله من سبب عنده إلا الهوى – نسأل الله العافية والسلامة – ، فلا تستغربوا أن يركب العالم الخطأ الواضح ، ويعاند ، في حين أن طلاب العلم الصغار يعرفون أنه خطأ ، ويراجع ويبقى على ذلك ، فالواجب في مثل هذه الحال أن نقول : الحمد لله الذي هدانا ، الحمد لله الذي عافانا ، الحمد لله الذي من علينا – سبحانه وتعالى – ، وأن نقول : (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)).