وهذا الشهر فيه يوم عظيم ، فيه يوم صالح كما جاءت بذلك الروايات ، فيه يوم عاشوراء ، جاء في البخاري أن النبي ﷺ لما قدم المدينة فوجد يهود يصومونه ، فسألهم ، قالوا : هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه ، فنحن نصومه شكرًا لله ، فالنبي ﷺ قال : ” أنا أحق بموسى منكم “ أو ” أولى بموسى منكم “ ، وجاء عنه أنه قال لأصحابه : ” أنتم أولى بموسى منهم “ ، فصامه ﷺ وأمر بصيامه ، بل إن اليهود اختلفوا فيه ، فبعضهم كان يصومه تعظيمًا ، وبعضهم كان يراه عيدًا كما جاء ذلك في يهود خيبر أنهم كانوا يلبسون فيه أولادهم ونساءهم أحسن الثياب ، يلبسونهم ثياب الزينة والشارة ، ويتخذونه عيدًا ، فالنبي ﷺ خالفهم في هذا اليوم فصامه ، وأمر أصحابه ﷺ بصيامه ، وقال – عليه الصلاة والسلام – حينما سأل يهود وقالوا : إنهم يصومونه شكرًا لله ، قال : ” ونحن نصومه تعظيمًا “ .
فالشاهد هذا اليوم يوم العاشر من محرم يوم عظيم ، بل كانت الجاهلية تعظمه ، فقريش كانوا يعظمونه ، ويصومونه ، وثبت أن النبي ﷺ صامه بمكة ، ولعله كما قال جمع من أهل العلم : لعله باق في قريش متوارث عندهم من ملة ابراهيم ، فإنهم قد كانوا على ملة ابراهيم حتى تغير الدين ، وحرف على يد عمر بن لحي الذي غير دين ابراهيم ، وبدله ، وجاء بالأصنام إلى مكة ، وبقي الصيام مما لم يحرف ، فالشاهد هذا اليوم حتى الجاهلية كانوا يعظمونه ، والنبي ﷺ صامه وأمر بصيامه تعظيمًا لله – تبارك وتعالى – ، فيصام هذا اليوم ، وصوم هذا اليوم مع التعظيم لله – جل وعلا – ، والتعظيم لشعائره – سبحانه وتعالى – ، والفرح بإنجاء موسى وقومه – عليه الصلاة والسلام – من عدوهم ، هذا فيه شكر لله – جل وعلا – وتعظيم له ، الذي نجا اولياءه وخذل اعداءه .
و فيه من الأجر ما ثبت أيضاً في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في صيام يوم عاشوراء :” إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله “ ، فانظروا إلى هذا الأجر العظيم ، يكفر الله به ذنوب سنة ماضية ، وهذا دون الكبائر كما قلنا ذلك وقررناه غير ما مره ، لعموم قوله -جل وعلا- : “إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (31)” , وقوله -عليه الصلاه والسلام- : ” الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ورمضان رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر “ ، فالشاهد يكفر الله -جل وعلا- به الصغائر في سنة كاملة فهذا أجر من الله عظيم .
وينبغي أن يعلم أنه مما ينبغي أن يفعله المسلم في هذا أن يخالف أهل الكتاب فيصوم يومًا قبله أو يومًا بعده ، فبهذا يحصل له الأجر في الصيام ، و يحصل له أجر الاقتداء بالنبي ﷺ في ذلك لقوله -عليه الصلاه والسلام- : ” لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع “ ، فماجاء من القابل إلا وقد التحق بالرفيق الأعلى -صلوات الله وسلامه عليه- ، فهم بصيام التاسع ، فالسنة أن يكون يوم التاسع هذا أفضل لأن النبي ﷺ هم به ، ومن فاته عمل بقوله – عليه الصلاة والسلام – : ” صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده “ ، وصيام عاشوراء حينئذ يكون على مرتبتين :
المرتبة الأولى : أن يُصام معه يوم آخر إما قبله وإما بعده ، والأفضل أن يكون التاسع لأن النبي ﷺ هم به ، فإن لم يتأتى له التاسع صام بعده اليوم الحادي عشر .
والمرتبة الثانية : أن يُصام عاشوراء فقط بمفرده ، ليس معه يوم قبله ولا بعده ، ولكن الأفضل أن يصام معه يوم قبله أو بعده ، والأفضل من اليومين هو اليوم الذي قبله .
وبعض أهل العلم يقول المرتبة الثالثة : أن يصام معه يوم قبله ويوم بعده ، ويستدل بالرواية التي بالمسند : ” صوموا يومًا قبله و يومًا بعده “ بالواو العاطفة ، وهذه الرواية ضعيفة ، والصحيح في الروايات : أو للتخيير ، وإذا كان هذا هو الصحيح ورواية العطف ضعيفة تبين أن الصحيح في هذا الباب أن صيام عاشوراء على مرتبتين :
المرتبة الأولى : أن يصام معه يوم إما قبله وإما بعده ، والأفضل أن يكون قبله لهم النبي ﷺ به .
والمرتبة الثانية أن يُصام هو بمفرده هذا هو الأفضل .